يشهد الروبل الروسي ضغوطات متزايدة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، رغم الجهود التي بذلتها موسكو لتعزيز استقرار اقتصادها أمام العقوبات الغربية غير المسبوقة.
ومع نجاحها النسبي في احتواء بعض التداعيات الأولية، يواجه الاقتصاد الروسي اليوم تحديات أكثر تعقيداً، تشمل تراجع الإيرادات من صادرات الطاقة، واضطرابات في أسواق العملات الأجنبية.
هذه الضغوط تعكس تأثير العقوبات الممتدة واستنزاف الاحتياطات النقدية، مما يضع السياسة النقدية الروسية أمام اختبارات حاسمة للحفاظ على استقرار الروبل واستدامة الاقتصاد الوطني.
ووفقاً للباحثين في مؤسسة كارنيغي، في مذكرة حديثة أشارت إلى الانخفاض الحاد الذي شهده الروبل الروسي منذ بدء الحرب في أوكرانيا، فإنه:
- لا يبدو أن الصراعات التي تواجهها العملة الروسية ستهدأ؛ إذ أن العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى تراجع الروبل سوف تستمر في المستقبل المنظور.
- انخفضت قيمة العملة بنحو 27 بالمئة منذ فبراير.. هذا الانخفاض من المرجح أن يستمر (..) في ظل استمرار العوامل الاقتصادية في الضغط على العملة.
- البنية المتغيرة لتدفقات التجارة تعني أن الروبل محكوم عليه بالضعف أكثر.. والسبب الجذري هو الحرب والعقوبات الغربية التي تلتها وعسكرة الاقتصاد الروسي.
- السلطات المالية في البلاد لا تملك القدرة على حل هذه المشكلة، بل إنها تخشى حتى التحدث عنها علناً، بحسب المذكرة.
انخفض الطلب على الروبل الروسي بشكل حاد مع بداية الحرب في أوكرانيا، مما دفع العملة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار الأميركي.
ومنذ ذلك الحين، اتخذ البنك المركزي الروسي تدابير لدعم العملة، لكن الطلب لا يزال ضعيفاً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن القيود التجارية الغربية منعت روسيا من التصدير بالقدر الذي اعتادت عليه، بحسب تقرير لـ “بيزنس إنسايدر” اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه.
سعر الروبل
وفي تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال الأستاذ في كلية موسكو العليا، رامي القليوبي:
- “أتوقع استقرار سعر صرف الروبل الروسي خلال العام المقبل في نطاق يتراوح بين 110 إلى 115 روبل مقابل الدولار الأميركي”.
- يبدو أن العملة الروسية وجدت توازناً جديداً يعكس سعر صرف سوقي حقيقي، على الرغم من أنه يعكس حقيقة جزئية نتيجة استمرار وجود بعض الإجراءات الإلزامية.
- على سبيل المثال، يُلزم المصدرون ببيع جزء من عائداتهم بالعملة الأجنبية وتحويلها إلى الروبل، بالإضافة إلى وجود قيود على سحب النقدية بالعملة الأجنبية، مما يدعم الروبل الروسي.
وأضاف القليوبي: “منذ أغسطس 2023، عندما تخطى الدولار عتبة الـ 100 روبل، بدأ البنك المركزي الروسي بالتدخل من خلال رفع أسعار الفائدة بشكل مستمر. والهدف من هذه الخطوة كان جذب أموال المواطنين نحو الودائع المصرفية بدلاً من شراء العملة الأجنبية، ما عزز موقع الروبل. خلال تلك الفترة، كانت السلطات الروسية حريصة على الحفاظ على قوة نسبية للعملة الوطنية، خاصة قبل الانتخابات الرئاسية.”
لكنه أوضح أنه في الوقت الراهن، ومع غياب فعاليات سياسية قريبة في الأفق، لم تعد روسيا متمسكة بإبقاء الدولار أقل من العتبة النفسية الشعبية البالغة 100 روبل، مما يعكس تغيرًا في الأولويات الاقتصادية والسياسية.
- يشار إلى أنه في أكتوبر الماضي خففت الحكومة الروسية القيود المفروضة على التجار، مما سمح لهم بتحويل 25 بالمئة فقط من العملات الأجنبية التي يكسبونها إلى روبل، مقارنة بنسبة 50 بالمئة في السابق. وقال الباحثون في كارنيغي إن هذا أضر بالطلب على الروبل، في حين ارتفع الطلب على الدولار الأميركي واليوان الصيني.
- ثم في نوفمبر فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بنوك روسية، مثل غازبروم بنك. ووفق الباحثين، فإن هذا دفع التجار إلى شراء المزيد من العملات الأجنبية، وهو ما أضر أيضاً بسعر صرف الروبل.
في غضون ذلك، يبدو أن روسيا نفدت منها الخيارات لدعم الروبل. ومن المحتمل أن يتدخل البنك المركزي في السوق، لكن صندوق الثروة الوطني الروسي ــ الذي من شأنه أن يمول مثل هذه الخطوة ــ تقلص من 100 مليار دولار في يناير 2022 إلى 31 مليار دولار اعتبارا من بداية نوفمبر، وفق تقرير “بيزنس إنسايدر”.
تحديات
من موسكو، أشار المحلل الروسي، تيمور دويدار، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى التحديات المتزايدة التي تواجه الاقتصاد الروسي وعملته الوطنية، موضحاً أن السوق الاستهلاكية الروسية تعتمد بشكل كبير على الاستيراد (وهو ما يتطلب توافر العملة الصعبة) ونتيجة لذلك، يتوقع استمرار ضعف العملة الروسية، مما سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد المحلي.
وأضاف: “خفض قيمة العملة في الماضي كان يفيد الصادرات الروسية عبر تحسين تنافسيتها في الأسواق الخارجية، إلا أن الوضع الحالي يختلف جذرياً، إذ لم تعد هناك زيادة في الصادرات بالقدر الذي يُعوض هذا التراجع”، مشيراً إلى أن ضعف العملة يؤثر سلباً على المستهلك الروسي. كما توقع أن يتراوح سعر صرف الروبل بين 120 إلى 140 روبل للدولار الأميركي، إذا استمرت التحديات الاقتصادية والعملية العسكرية في أوروبا.
كما أشار المحلل الروسي إلى أن التصنيع الحالي في روسيا يتركز على دعم العملية العسكرية في أوكرانيا، وهو أمر لا يمكن اعتباره نهضة صناعية حقيقية تشمل قطاعات مثل السيارات والطيران والتكنولوجيا المتقدمة.
من جهة أخرى، أشار دويدار إلى أن سعر الفائدة الأساسي في روسيا، البالغ حاليًا 21 بالمئة مع توقعات بارتفاعه، يشكل عائقاً أمام التنمية واستمرار التصنيع وإدارة الأعمال، لافتاً إلى أن هذا السعر المرتفع يترجم في البنوك التجارية بما يجعل تكلفة رأس المال مرتفعة جداً، ويعيق تطور الأعمال والإنتاج في البلاد.
ويشار إلى أن أسعار الفائدة في روسيا مرتفعة بالفعل، وهو ما يعني أن صناع السياسات حدوا من قدرتهم على رفع أسعار الفائدة أكثر من ذلك دون التسبب في أضرار جسيمة محتملة للاقتصاد، كما أضاف الباحثون في مؤسسة كارنيغي.
- تم رفع أسعار الفائدة في روسيا إلى 21 بالمئة لكبح جماح التضخم المرتفع. ومن المرجح أن يحتاج صناع السياسة إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار ثماني نقاط مئوية أخرى “للتأكد من تحقيق التأثير المطلوب”، حسب تقديرات مركز الأبحاث.
- لجأ صناع القرار إلى الإدلاء بتصريحات شفوية لمنع الذعر الناجم عن تراجع الروبل؛ ففي الشهر الماضي، قال بوتين إنه لا يوجد سبب للقلق بشأن انحدار الروبل، مضيفاً أن الوضع “تحت السيطرة”، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الروسية.
واختتم المحلل الروسي تصريحاته بالتأكيد على ضرورة معالجة هذه التحديات الهيكلية لضمان استقرار الاقتصاد الروسي واستمرار تنميته في ظل الظروف الحالية.