حذرت دراسة من أن البيروقراطية المفروضة على الشركات البريطانية بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي تسببت في تراجع التجارة السلعية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وأن المشكلة تزداد سوءا.
توصل تقرير صادر عن كلية إدارة الأعمال بجامعة أستون إلى أن العديد من المنتجين الأصغر حجماً في المملكة المتحدة تخلوا عن تصدير كميات صغيرة إلى الاتحاد الأوروبي بعد مواجهة المزيد من القواعد واللوائح.
بين عامي 2021 و2023، حسبت الدراسة أن صادرات السلع البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي انخفضت بنسبة 27 بالمئة وأن السلع المستوردة انخفضت بنسبة 32 بالمئة عما كانت عليه لو لم يحدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بحسب التقرير الذي نشرته “بي بي سي” واطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه.
ولا يتضمن التقرير قطاع الخدمات، الذي كان أداءه أفضل مما توقعه العديد من الخبراء منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ووجدت الدراسة أن تنوع سلع التصدير التجاري انخفض أيضًا، حيث انخفض عدد أنواع المنتجات البريطانية المصدرة إلى كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي بمقدار 1645 نوعًا.
وقال القائمون على الدراسة إن السبب في ذلك هو تخلي المنتجين البريطانيين الأصغر حجماً عن تصدير شحناتهم إلى بعض دول الاتحاد الأوروبي بعد مواجهة زيادة البيروقراطية.
ووفق ماري كويك من شركة كويكز تشيز في ديفون – في حديثها لبرنامج توداي على قناة بي بي سي- فإنها وجدت “التعامل مع كل هذه الأعباء التنظيمية أمرا صعبا للغاية”، مشيرة إلى أنها كانت تقوم بتوريد المنتجات لأربعة عملاء بشكل مباشر في الاتحاد الأوروبي، لكن “كان علينا أن نمنحهم لشخص آخر”.. وأردفت: “ليس لدينا الأشخاص اللازمين لإتمام الأعمال الورقية.”
توقف تام
كما وجد المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة جو آند سيف للفشار، آدم صوفر، أن اللوائح التنظيمية التي أعقبت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تشكل عبئًا كبيرًا.
صوفر الذي قام بتأسيس الشركة منذ 13 عامًا ويبلغ حجم مبيعاتها الآن 8 ملايين جنيه إسترليني ويعمل بها 70 موظفًا، قال إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان “في البداية صعبًا للغاية. طُلب منا الحصول على شهادات بيطرية لفشار الكراميل لأنه يحتوي على الزبدة”.
قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان بوسع الأفراد ودور السينما ومتاجر التجزئة في الاتحاد الأوروبي طلب الفشار عبر الإنترنت وإرساله عن طريق البريد الملكي أو خدمة البريد السريع، ولكن بعد ذلك “توقف كل شيء بشكل مفاجئ”.
وأضاف أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدى إلى “كمية هائلة من التكاليف الإضافية بسبب الإدارة الإضافية”.
وقد تعافت عمليات التسليم بالجملة إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن في حين كانت تكلفتها في السابق حوالي 130 جنيهًا إسترلينيًا لكل منصة نقالة، فإنها تكلف الآن ما بين 230 و250 جنيهًا إسترلينيًا بسبب البيروقراطية والرسوم الإدارية بشكل أساسي. وأضاف “إن هناك قدرًا هائلاً من فرص النمو إذا تم تحسين هذه القواعد”.
قال التقرير إن “التأثيرات السلبية لاتفاقية التجارة تكثفت بمرور الوقت، حيث سيظهر عام 2023 انخفاضات تجارية أكثر وضوحا من السنوات السابقة”.
وقال جون دو، أحد مؤلفي البحث، إنه كانت هناك زيادة في القواعد مثل “معايير المنتج، وفحوص السلامة، ومتطلبات وضع العلامات، موضحاً أنه “في حين أن هذه التدابير تحمي المستهلكين والمنافسة والبيئة، فإنها أيضا تجلب على نحو متزايد الصعوبات والتكاليف للتجار”.
الصناعات الغذائية والمنسوجات
وبحسب الدراسة، كانت الصناعات الغذائية والمنسوجات وتصنيع المواد (الخشب والورق) الأكثر تضررا.
كما تأثرت التجارة مع الدول الأبعد في الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر، بما في ذلك حلفاء الكومنولث مثل قبرص ومالطا.
ومع ذلك، يقول مؤلفو التقرير إن عددا صغيرا من القطاعات أثبت قدرته على الصمود، وخاصة فيما يتعلق بالصادرات إلى الاقتصادات الأكبر في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا.
وشهدت قطاعات التبغ والسكك الحديدية والطائرات زيادة في تنوع الصادرات إلى دول الاتحاد الأوروبي.
فيما قال متحدث باسم الحكومة إن الحكومة “ستعمل على تحسين علاقاتنا التجارية والاستثمارية مع الاتحاد الأوروبي وإزالة الحواجز التجارية غير الضرورية، مع الاعتراف بأنه لن يكون هناك عودة إلى السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي أو حرية التنقل”.
تداعيات اقتصادية
من لندن، قال الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدى إلى نتائج اقتصادية ملموسة، حيث تقلصت الصادرات البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 11 بالمئة في عام 2023 مقارنة بمستويات العام 2019، فيما شهدت الاستثمارات في قطاعات التصنيع والتكنولوجيا والتمويل تراجعًا بنسبة تقارب 15 بالمئة.
وأضاف إسماعيل أن الاقتصاد البريطاني من المتوقع أن ينكمش بنسبة 4 بالمئة خلال العقد المقبل. واستشهد بتقرير صادر عن مركز الإصلاح الأوروبي، والذي أشار إلى أن خسائر الاقتصاد البريطاني قد تتجاوز 311 مليار جنيه إسترليني (ما يزيد عن 400 مليار دولار) بحلول العام 2035. كما أن العائلات البريطانية ستتكبد خسائر تصل إلى 1100 جنيه إسترليني (حوالي 1400 دولار) لكل عائلة خلال خمس سنوات، مع إمكانية تعديل هذه التقديرات تبعًا لتطورات العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن تأثيرات البريكسيت كانت شديدة الوضوح، مشيرًا إلى الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذه الخسائر. فقد تم فرض رسوم جمركية وإجراءات تفتيشية معقدة، بالإضافة إلى زيادة الحاجة لتعبئة استمارات وإجراءات بيروقراطية ثقيلة، مما أجبر العديد من الشركات البريطانية على التراجع عن التجارة مع الاتحاد الأوروبي. وأشار إلى أنه قبل البريكسيت، كان التبادل التجاري بين بريطانيا وأوروبا سلسًا وسريعًا، بفضل المعايير الموحدة والأنظمة السهلة الخالية من التعقيدات.
وأكد إسماعيل أن مراجعة اتفاق البريكسيت من المقرر أن تتم في عام 2026، ولذلك من غير المتوقع حدوث أي تطورات إيجابية في العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي قبل ذلك الوقت. حتى هذا الموعد، ستظل التحديات التي تواجه الاقتصاد البريطاني كبيرة ومعقدة.
وفي تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، عرب90كبير الاقتصاديين في شركة “ACY”، الدكتور نضال الشعار، موقف الاقتصاد البريطاني بعد البريكسيت من خلال عدة نقاط رئيسية. في البداية، أوضح أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي كان خروجًا من سوق منظمة بقواعد وضوابط وأنظمة ضريبية محددة، مما أدى إلى سيطرة البيروقراطية المحلية على نظم التجارة مع الخارج. هذا التحول أظهر العديد من المشكلات التي لم تكن واضحة أثناء عضوية المملكة في الاتحاد.
وأشار إلى أن الإرباك في حجم التجارة مع الاتحاد الأوروبي كان متوقعًا قبل الخروج، لكنه لم يكن بالحجم الذي نشهده الآن.. وأضاف أن قطاع الخدمات البريطانية لم يتأثر بشكل كبير بالخروج من الاتحاد الأوروبي، بل استمر في النمو منذ عام 2020، على عكس قطاع السلع الذي تأثر بشدة.
كما سلط الشعار الضوء على أن أكثر المتضررين من الوضع الجديد هم أصحاب الأعمال الصغيرة الذين يفتقرون إلى الأدوات اللازمة لمواجهة البيروقراطية المتزايدة، ولم يتمكنوا من تحمل الأعباء الجديدة.
وشدد على أن حكومة المملكة المتحدة مطالبة بالتفاوض بشكل عاجل مع دول الاتحاد الأوروبي لتقليص القيود والضوابط المفروضة على المنتجات البريطانية. وأكد أن هذا التفاوض قد يشير إلى عودة غير معلنة إلى الاتحاد الأوروبي، خصوصًا في ظل رغبة الحكومة الحالية في عدم العودة الرسمية للاتحاد رغم الأضرار الحالية. ولفت إلى أن تلك الأضرار ستؤدي إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة متوقعة تصل إلى 6 بالمئة خلال السنوات المقبلة، وفق تقديرات المحللين.