في انتخابات تتسم بالقلق إزاء ارتفاع تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة، فإن سوق الإسكان الراكد في البلاد يشكل عقبة أمام الديمقراطيين في محاولتهم الفوز بدعم الناخبين المترددين.
في حين من المتوقع أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الشهر المقبل في خفض أسعار الفائدة من أعلى مستوياتها في 23 عاماً، فإن جهوده المستمرة منذ عامين لكبح التضخم جعلت امتلاك المساكن بعيداً عن متناول الكثيرين.
في أحدث تقرير لمؤشر أسعار المستهلك، شكلت تكاليف النفقات المرتبطة بالإسكان ما يقرب من 90 بالمئة من التضخم المسجل خلال شهر يوليو.
ونقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية في هذا السياق، عن أنطوان سيرايت، وهو استراتيجي ديمقراطي، قوله:
- “إن امتلاك منزل يشكل جزءاً من الحلم الأميركي.. وبالنسبة لعديد من الناس، تحول الحلم الأميركي إلى كابوس”.
- “أعتقد بأن وجود خطة محددة حول إمكانية الوصول والقدرة على تحمل التكاليف سيكون أمراً أساسياً لكل من كامالا هاريس وتيم والز (المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس).”
وكشفت هاريس الجمعة عن مقترحات لمنح ائتمانات ضريبية تصل إلى 25 ألف دولار لمشتري المنازل لأول مرة – وهي محاولة لإقناع الناخبين بأنها ستعالج أزمة تكاليف المعيشة التي أدت إلى تآكل الدعم لمحاولة إعادة انتخاب جو بايدن قبل أن ينسحب من السباق.
واقترحت أيضا إعفاءات ضريبية جديدة لتشجيع شركات بناء المنازل على بناء منازل جديدة، واتخاذ إجراءات صارمة ضد الممارسات غير العادلة من جانب أصحاب العقارات والمستثمرين الذين يشترون كميات كبيرة من مخزون الإسكان.
وقالت هاريس يوم الجمعة “أنا لست جديدة على هذه القضية.. أنا أعرف كيف أقاتل من أجل الأشخاص الذين يتم استغلالهم في سوق الإسكان، وأعرف ماذا يعني امتلاك المسكن”.
وأضافت نائبة الرئيس “سأعمل بالشراكة مع الصناعة لبناء المساكن التي نحتاجها، سواء للإيجار أو للشراء”. وقالت هاريس إنها تريد أن ستعمل على بناء 3 ملايين منزل جديد في غضون أربع سنوات.
قضية تتصدر الاستطلاعات
وبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز الديمقراطية الشعبية التقدمي، فإن 84 بالمئة من الناخبين في الولايات المتأرجحة يقولون إن تكلفة السكن تشكل قضية رئيسية.
ويقول الخبير الاقتصادي بجامعة نورث إيسترن، بوب تريست: “من الواضح أن أي شيء يمكن أن يساعد في تسريع زيادة المعروض من المساكن سيكون مفيداً.. قد يكون ذلك من خلال السماح بالإصلاح لمحاولة إصدار التصاريح بشكل أسرع أو إصلاحات تقسيم المناطق التي تسمح بكثافة الإسكان في مناطق معينة”.
كان دونالد ترامب قد حقق تقدما في استطلاعات الرأي على بايدن بشأن الاقتصاد، مستغلا القلق بشأن التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. والآن تعمل هاريس على سد هذه الفجوة ــ لكن المرشح الجمهوري لا يزال يحاول تحميلها مسؤولية التضخم، في حين يتعهد بوضع خططه الخاصة لخفض التكاليف.
تتعهد منصة الحزب الجمهوري للعام 2024 بالسماح ببناء منازل جديدة على الأراضي الفيدرالية، ومثل هاريس فإنها ستقدم أيضاً إعفاءً ضريبياً للمشترين لأول مرة.
وفي سياق متصل، تتوقع الأسواق أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، بدءاً من سبتمبر، بنحو نقطة مئوية واحدة هذا العام، من النطاق الحالي الذي يتراوح بين 5.25 و5.5 بالمئة. ولكن تأثيرات الخفض لن تصل إلى الناخبين إلا تدريجياً.
وقال كبير خبراء الاقتصاد الأميركي في أوكسفورد إيكونوميكس، ريان سويت: “لن نشهد ارتفاعاً هائلاً في مبيعات المساكن بسبب خفض أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي.. أعتقد بأن هذا الخفض يشكل نوعاً من الراحة”.
- في حين بدأت أسعار الرهن العقاري في التراجع – حيث انخفضت أسعار الفائدة الثابتة لمدة 30 عامًا إلى 6.47 بالمئة – فقد ارتفعت تكلفة الاقتراض لشراء المساكن بشكل حاد في السنوات الأخيرة.
- في أكتوبر 2023، بلغت الأسعار أعلى مستوى لها في 24 عامًا عند 7.79 بالمئة، مقارنة بنحو 2.65 بالمئة فقط في بداية عام 2021.
وقال كبير خبراء الاقتصاد في الأسواق المتقدمة لدى نومورا، ديفيد سيف :”الأمر الوحيد الذي يعيق السوق بالكامل هو أن المشترين يواجهون معدلات رهن عقاري أعلى بكثير، وبالتالي فإن القدرة على تحمل التكاليف منخفضة للغاية، حتى لو كانت مشروطة بسعر المنزل”.
كما أن أصحاب المساكن الذين كانت أسعار الفائدة عليهم منخفضة قبل أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض قبل عامين يترددون في الانتقال إلى مساكن أخرى لأنهم سوف يضطرون إلى تحمل تكاليف الرهن العقاري الأعلى. ذلك أن عديداً من الرهن العقاري في الولايات المتحدة لا يمكن “نقله” أو ترحيله إلى مساكن جديدة.
وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى انخفاض مخزونات الإسكان الوطنية بنسبة 27 بالمئة منذ أغسطس 2019، وفقاً لبيانات شركة الوساطة العقارية ريدفين.
كما أن نقص المعروض من المنازل القائمة هو محرك لمزيد من النشاط في قطاع المنازل الجديدة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة تول براذرز لبناء المنازل، دوغلاس ييرلي جونيور، في مكالمة أرباح حديثة، إن الطلب على المنازل الجديدة يعكس “نقص الإنتاج المزمن” للمنازل والمخزون المنخفض تاريخيًا للمنازل القائمة بسبب “تأثير الإغلاق بسبب ارتفاع الأسعار”.
بناء المساكن الجديدة
وتظهر بيانات مكتب الإحصاء أن عمليات إكمال بناء المساكن الجديدة ارتفعت بنسبة 15.5 بالمئة على أساس سنوي في يونيو، لكن الانخفاض بنسبة 4 بالمئة على أساس سنوي في عمليات البدء يشير إلى أن بعض شركات البناء أوقفت أعمال البناء.
وقال الخبير الاقتصادي في شؤون الإسكان في موديز، ماثيو والش: “يبدو أن هناك زيادة في التصاريح المصرح بها ولكن لم يتم البدء في تنفيذها. وهذا يتفق مع التوقعات بأنهم ينتظرون انخفاض الأسعار مرة أخرى للبدء في تشييد العقارات المصرح بها”.
- بالنسبة للأميركيين الذين لا يريدون – أو لا يستطيعون تحمل – شراء عقار، يظل الإيجار مكلفاً، على الرغم من أن السوق بدأت في التباطؤ.
- ارتفع التضخم في الإيجار إلى 8.18 بالمئة في مارس 2023 – وهو أعلى مستوى له في 42 عامًا – لكنه كان 5.2 بالمئة في يوليو.
- وتشير الزيادة في الإيجارات إلى أنه في ولاية متأرجحة مثل أريزونا، يلزم دخل سنوي يبلغ نحو 70 ألف دولار لشراء شقة من غرفتي نوم، وفقًا للائتلاف الوطني للإسكان منخفض الدخل. وهذا يعادل تقريبًا ضعف متوسط الدخل السنوي الذي يبلغ 37209 دولار.
حلول المرشحين
المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، قال لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: إن أزمة السكن تتعلق بشكل مباشر في جزء منها بكلفة الإيجارات وارتفاع أسعارها؛ نتيجة ارتفاع التضخم عالمياً بشكل واضح، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على الإيجارات.
أضاف: المرشحة كامالا هاريس من الواضح أنها تتخذ هذا المنحى (في إشارة لتعهداتها التي أعلنت عنها الأسبوع الماضي) في محاولة لتأمين مساكن رخيصة الثمن عبر بناء مساكن جديدة، بينما المرشح الآخر الرئيس السابق ترامب يتخذ اتجاهاً جمهورياً يمنياً نحو العمل على خفض الضرائب وإصلاح إنفاق الحكومة الأميركية؛ بهدف دعم عمليات خفض الضرائب على الشركات ولتوفير الكثير من الوظائف جيدة الدخل لعدد أكبر من الأشخاص.
أشار إلى أن نجاحه في تلك الخطوة من شأنه أن يسهم في دعم تلك الأشخاص نحو القدرة على دفع إيجار منازل بالأسعار المتاحة في السوق دون أية مشكلة، وهو ما يعكس الفرق بين المرشحين؛ طرف يريد توفير مساكن رخيصة للأشخاص مع إبقاء مستوى الدخل محدوداً، فيما يعمل المرشح الآخر على رفع مستويات الدخل بهدف دعم قدرتهم المالية في الحصول على سكن مناسب بالسعر السوقي، وتخطي طبيعة الأزمة الحالية على صعيد معدلات التضخم وأزمة الإيجارات والسكن.
مشكلة مجتمعية ملحة
مؤسس مركز بروغن للدراسات الاستراتيجية، رضوان قاسم، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن
- الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة يلعب دوراً كبيراً في مضمار المنافسة في الانتخابات الرئاسية بين نائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، والرئيس السابق مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب.
- ارتفاع معدلات التضخم في العامين الماضيين بوتيرة غير مسبوقة، وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.. عوامل ضاغطة كان لها تأثير كبير على الشارع الأميركي.
- من هنا تبزغ أزمة “الإسكان” التي يعاني منها الأميركيون بشكل كبير في الوقت الحالي.
وفي هذا السياق يتبارى المرشحان في استخدام تلك الأزمة وتوظيفها ضمن خطاباتهم السياسية لحشد الجماهير، بما في ذلك تعهدات هاريس الأخيرة ببناء ثلاثة ملايين منزل، علاوة على دعم المشتريين للمنازل لأول مرة.
ويلفت قاسم إلى أن “هذه الأزمة كقضية اجتماعية مُلحة تلعب دوراً أساسياً في استقطاب الناخب الأميركي ووضع ورقته في صناديق الاقتراع لمرشح دون آخر وفقاً لبرنامجه الانتخابي وموقفه من قضية الإسكان”، مستطرداً: “هنا يلعب ترامب في هذا الشأن دوراً كبيراً عبر برنامجه السياسي، لا سيما فيما يتعلق بموقفه من الهجرة ومحاولات مواجهتها وهو ما يجذب الشارع الأميركي عكس هاريس”.
ويوضح أن أحد أسباب أزمة الإسكان في أميركا هي الهجرة غير الشرعية والتي تعتبر أساس المشكلة، وبالتالي فإن ترامب ربما يراهن على موقفه من قضية الهجرة في هذا السياق أيضاً.
ويُعتقد بأن فشل الرئيس جو بايدن في التعامل مع الأزمة بشكل حازم وحاسم يعطي مؤشرات سلبية بالنسبة للمرشحة الديمقراطية –رغم تعهداتها ببناء ثلاثة ملايين منزل- مقابل ميل الكفة لناحية ترامب.
ويشير مؤسس مركز بروغن للدراسات الاستراتيجية إلى أن التعامل مع هذه الملفات يعكس تقدم ترامب على هاريس حتى الآن، خاصة وأن سوق العقارات في حالة تذبذب دائم بين صعود وهبوط، لا سيما مع ارتفاع الفائدة في أميركا، ليكون لذلك تأثير وواقع كبير على المرشحين بحسب رؤية كل منهما لإيجاد حلول لهذه الأزمة السكنية.