تلقي المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسية ونائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس خطاباً، اليوم (الجمعة)؛ للإعلان عن خطتها الاقتصادية، وهي المرة الأولى التي تطلق فيها هاريس مبادرة سياسية كبرى منذ انسحاب الرئيس بايدن من السباق الشهر الماضي.
وبحسب تقرير لشبكة cbsnews، اطلعت عليه سكاي نيوز عربية، ستدعو هاريس إلى بناء 3 ملايين وحدة سكنية جديدة في أول أربع سنوات لها في منصبها. وهذا جزء من سياستها الاقتصادية التي من المتوقع أن تطرحها في رالي بولاية نورث كارولينا، كما أكد مسؤولون في الحملة. فيما كانت إدارة بايدن سابقًا قد دعت إلى بناء مليوني منزل جديد .
كما ستدعو هاريس إلى تقديم حافز ضريبي جديد لشركات البناء التي تبني العقارات للمشترين لأول مرة، وستقترح إنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار لمساعدة الحكومات المحلية في إيجاد حلول لنقص المعروض من المساكن. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال أول من نشر تقارير عن مبادرات الإسكان التي اقترحتها هاريس.
وقال مسؤولون في الحملة إن هاريس ستدعو الكونغرس إلى تمرير قانون منع تسهيل كارتلات الإسكان الإيجاري، والذي من شأنه أن يمنع أصحاب العقارات من استخدام خوارزميات تحديد الأسعار لزيادة الإيجارات. كما تريد من المشرعين تمرير قانون من شأنه أن يحد من الإعفاءات الضريبية للمستثمرين الكبار وشركات الأسهم الخاصة التي تستحوذ على منازل الإيجار للعائلات الفردية بكميات كبيرة.
كما ستقترح هاريس تقديم مساعدة للأسر العاملة التي دفعت إيجارها في الوقت المحدد لمدة عامين تصل إلى 25 ألف دولار في شكل دفعة أولى، مع المزيد من الدعم لأصحاب المنازل من الجيل الأول.
معالجة التضخم
ومن المتوقع أن تعلن هاريس عن أنها ستجعل معالجة التضخم أولوية “من اليوم الأول”، فضلاً عن تحديد خطة لخفض التكاليف بالنسبة للأسر من الطبقة المتوسطة، ومعالجة رفع الأسعار من قبل الشركات، والتركيز بشكل عام على خفض التكاليف بالنسبة للأميركيين، وفقًا للتفاصيل التي شاركها مسؤولو حملة هاريس-والز، ونشرتها cbsnews.
وبحسب أحدث استطلاع رأي أجرته الشبكة، فقد صنف 9 بالمئة فقط من الناخبين المسجلين حالة الاقتصاد الوطني على أنها “جيدة جداً” مع احتلال الاقتصاد والتضخم المرتبة الأولى من حيث الاهتمام على مدار استطلاعات الرأي للعام 2024.
وتباطأ التضخم منذ ذروته في يونيو 2022، لكن عديداً من الناخبين ما زالوا يشعرون بالضغوط المالية. فيما لا تزال الأسعار أعلى بنسبة 20 بالمئة بشكل عام مما كانت عليه قبل جائحة كوفيد-19.
وتأتي تصريحاتها بشأن السياسة الاقتصادية يوم الجمعة بعد أن تعهدت هاريس بإلغاء الضرائب على الإكراميات ورفع الحد الأدنى للأجور خلال تجمعها الانتخابي في لاس فيغاس يوم السبت، وهما مقترحاها الوحيدان بشأن السياسة الاقتصادية حتى الآن.
إلغاء الضرائب على الإكراميات
وقالت هاريس الأسبوع الماضي: “عندما أصبح رئيسة، سنواصل نضالنا من أجل الأسر العاملة بما في ذلك رفع الحد الأدنى للأجور وإلغاء الضرائب على الإكراميات للعاملين في مجال الخدمة والضيافة”.
وأضاف مسؤول في حملة هاريس-فالز أن تعهدها سيتطلب تشريعا.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها هاريس مقترحًا بشأن إلغاء الضرائب على الإكراميات للعاملين في مجال الخدمات، وهي فكرة مماثلة لفكرة طرحها الرئيس السابق دونالد ترامب لأول مرة في يونيو أثناء إلقائه خطاب في تجمع لاس فيجاس أيضًا.
في العام 2025، من المقرر أن يحظى المشرعون بانفتاح كبير فيما يتعلق بالتشريعات الضريبية نظرا لانتهاء بعض التغييرات الضريبية التي أجريت خلال رئاسة ترامب في عام 2017. وسوف تكون السيطرة على الكونغرس أمرا أساسيا في هذه القضية نظرا لأن الجمهوريين كانوا يسيطرون على مجلس النواب ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض عندما أصبحت التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب في عام 2017 قانونا.
وقف التلاعب بالأسعار
منذ أن أصبحت مرشحة للرئاسة، أكدت هاريس على التزامها الموعود بخدمة الطبقة المتوسطة أثناء حملتها في جميع الولايات المتأرجحة.
وقالت هاريس في تجمع انتخابي في جلينديل بولاية أريزونا يوم الجمعة الماضي: “عندما أصبح رئيسة، سأواصل هذا العمل لخفض الأسعار.. وسأتصدى للشركات الكبرى التي تتورط في رفع الأسعار بشكل غير قانوني.. وسأتصدى لملاك العقارات من الشركات التي ترفع الإيجارات بشكل غير عادل على الأسر العاملة. وسأتصدى لشركات الأدوية الكبرى وسأضع حدًا لتكلفة الأدوية الموصوفة لجميع الأميركيين”.
ووعدت هاريس الحضور الذي بلغ عددهم أكثر من 15 ألف شخص قائلة: “على عكس دونالد ترامب، سأضع دائمًا الطبقة المتوسطة والأسر العاملة في المقام الأول”.
وفي جميع أنحاء الولايات المتأرجحة، غالبًا ما يقول الناخبون لشبكة “سي بي إس نيوز” إن الاقتصاد لا يزال يمثل قضية رئيسية عند التوجه إلى صناديق الاقتراع.
الصورة غير واضحة
بدوره، قال الباحث في مؤسسة “أميركا الجديدة”، باراك بارفي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن المواطن الأميركي لم يعرف سياسة هاريس الاقتصادية، وأن سياساتها غير واضحة المعالم حتى الآن.
وبرر ذلك بقوله: هاريس لم تشغل بالسابق منصباً حاكماً في أميركا (حاكم أو عمدة)، وليس لديها سجل حافل لتتطلع إليه، فضلًا عن أنها لم تعقد مؤتمراً صحافياً أو تجري مقابلة تلفزيونية منذ انسحاب بايدن، بصورة توضح رؤيتها في هذا الشأن.
وأضاف: على الرغم من ذلك، فإن استطلاعات الرأي تظهر باستمرار أن الأميركيين يثقون بترامب فيما يتعلق بالاقتصاد أكثر من الديمقراطيين.
التركيز على الدخل
من الولايات المتحدة، قال خبير المخاطر المالية، محي الدين قصار، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الوضع القائم اليوم يتلخص بكون هاريس “هي مرشحة المؤسسة الرأسمالية الأميركية بما فيها العلاقات الاقتصادية الخارجية”، على حد وصفه.
وأضاف: “يأتي ذلك في الوقت الذي تحول خلاله المرشح المنافس دونالد ترامب إلى الوجه الغوغائي لـ “الشعبوية الانتخابية” “، مشيرًا إلى أن ذلك ينعكس على القدرة العالية لهاريس على جمع التبرعات بينما يعاني ترامب من عجزه على مجاراتها. وأوضح أن هذه الأموال ستصرف على حملات دعائية في الأسابيع الأخيرة قبل نوفمبر.
وتوقع حال بقاء واستمرار الوضع على ما هو عليه فإن هاريس ستكون الرئيس الأميركي القادم، لافتًا إلى أن الناخب الأميركي همه الأول الدخول الحقيقية ولا يرى الفرق بين المرشحين في قدرتهما على المكافحة ضد هبوط الدخول الحقيقية، وإن كان هناك فرقا بينهما فيبدو أن ولاية ترامب الأولى لم تكن ناجحة لإقناع أحد غير محبيه على مبدأ شعبوية العقائدي (..).
وأضاف أن ثمة عوامل تعطي الأفضلية لهاريس، من بينها:
- هاريس صغيرة بالسن (59) عاماً مقارنة مع ترامب (78) عاماً.
- هاريس تركز في طرحها على قضايا سياسية حقيقية بينما يستعمل ترامب غوغائية تُداعِب مشاعر العامة.
وذكر أن النقلة من بايدن إلى هاريس قد حررت حزبها (الديمقراطي) من الكثير من عثرات بايدن وقيوده على مدى 60 سنة من العمل السياسي، موضحًا أن هاريس تبدو متحررة من مشاكل الماضي التي تحيط بالسياسي القديم، بينما ترامب سيبقى ملاحَقا من القضاء إلى آخر يوم بحياته، فيبدو أن استراتيجيته هو الوصول للرئاسة لكي لا يدخل السجن على قضايا شخصية وقد لا يكون لها علاقة بالسياسة أحيانا.
ورأى أنه على مدار الأشهر المقبلة سيركز ترامب على قضايا “عقائدية” مثيرة للجدل مثل الإجهاض، أو قضايا ثقافية ضيقة مثل الهجرة وخطر التغير الديمغرافي، بينما ستركز هاريس على قضايا الاقتصاد واليد العاملة، فإذا صوت الناخب الأميركي بمحفظته سيكون توقع معقول أن هاريس ضمنت الانتخاب.
التضخم وارتفاع الأسعار
من جانبه، أوضح المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن:
- كامالا هاريس تمثل سياسات اقتصادية يسارية تركز على خفض الأسعار وتدخل الدولة بعمليات سوق حر تؤثر على أسعار المنتجات والسلع الأساسية.
- بينما دونالد ترامب سياسته يمينية تستبعد أن يكون الغلاء سببًا في الأزمة الاقتصادية، وأن الأزمة الحقيقية في توفير فرص عمل جيدة من خلال خفض الضرائب والإنفاق الحكومي المتزايد لتتمكن الشركات وأصحاب الأعمال والموظفين من توفير النقود لإنفاقها على توسيع عملهم وتوظيف المزيد من الطاقات البشرية ليستطيعوا التعامل مع ارتفاع الأسعار.
- المرشحان هاريس وترامب يتبعان خطًا كلاسيكيًا في التعامل مع الاقتصاد، وتقودهما خلاله وجهات نظر حزبيهما وتوجههما السياسي.
واستبعد أن تكون هناك مفاجأة في سياسة هاريس الاقتصادية، خاصة وأنها كانت موجودة من قبل خلال عهد بايدن، لافتًا إلى أنها تواجه مشكلة بشأن ما ستطرحه من سياسات عملت عليها ووعدت بها الإدارة التي تعمل بها كنائبة رئيس ولم تنفذ هذه السياسات، متسائلًا لماذا لم تنجح في تنفيذ هذه الأجندات؟ فلا نعرف كيف تستطيع الدفاع عن تاريخها في السنوات الأربع الماضية بهذا الشأن.
وأفاد بأن الشارع الأميركي أصابته حالة إحباط لعدم توصل الحكومة الفيدرالية إلى حل لكبح جماح التضخم، وأنه على الرغم من كونها مشكلة عالمية إلا أن المواطن يطلب حلولًا منطقية (لا سيما أن التضخم لا يزال لم يصل بعد للهدف)، متوقعاً أن تركز هاريس خلال برنامجها الاقتصادي على التضخم وارتفاع الأسعار لأنه مطلب للمواطن الأميركي.
وأكد أن هاريس ستحتاج خلال خطابها إلى الدفاع عن تاريخها السياسي وعملها في البيت الأبيض، كما أنها تحتاج إلى أن تطرح حلولا منطقية وقابلة للتنفيذ، خاصة وأن الناخب الأميركي أذكى من ذي قبل ويعرف الفارق بين ما هو يمكن تنفيذه وغير ممكن تنفيذه.
ملامح برنامج هاريس الاقتصادي
فيما أكد كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية في أستراليا، نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن كامالا هاريس ستكون قادرة على تقديم شرح تفصيلي لخطتها الاقتصادية حال فوزها بالانتخابات الرئاسية، مرجحًا أن تركز خطتها على العموميات والعناوين الشعبوية الجذابة.
ووضع تصورًا لملامح خطاب هاريس عن الملف الاقتصادي، وحلولها للخروج من الأزمة الاقتصادية، على النجو التالي:
- هاريس ستتحدث -كما قام قبلها باراك أوباما وجو بايدن- بشأن قضية العناية الصحية وتوفيرها للأغلبية.
- ستتحدث عن قطاع الإسكان الذي مازال يعاني منذ أزمة عام 2008.
- ستحاول هاريس دغدغة عواطف الطبقة العاملة منخفضة الدخل بتقديم وعود برفع الحد الأدنى للأجور وإعفاء الإكراميات التي يحصل عليها عمال المطاعم والترفيه من الضرائب وهو ما يحتاج إلى موافقة الكونغرس.
- قد تنتقل للحديث وبشكل غامض عن فرض ضرائب على قطاع الأعمال والشركات الكبرى وأصحاب رأس المال الكبير.
- ستنتقل هاريس بالحديث عن القطاع الاستهلاكي وبشكل خاص رفع أسعار المواد الغذائية من قبل المنتجين والبائعين حال حدوث خلل في آلية العرض والطلب، أي منعهم من رفع الأسعار في حال ارتفاع الطلب المفاجئ أو انخفاض العرض المفاجئ وتثبيت الأسعار، وهو طرح خطر من الناحية الاقتصادية سيعود بنا إلى فترة السبعينات والذي أدى حينها إلى كارثة اقتصادية حقيقية، وبالتالي هذا الطرح إذا قامت به سيشكل مخاطرة حقيقية لخطتها الاقتصادية وستجد نقدا لا ينتهي من قبل المحللين والاقتصاديين والسياسيين.
- في ظل الوضع التضخمي الذي يعيشه العالم وعلى الرغم من الانخفاض البسيط بمعدل التضخم في أميركا هذا الأسبوع ووصوله إلى حد 2.9 بالمئة، لابد لكامالا أن تتحدث عن ذلك وهي لن تكون مدركة بأن السيطرة على معدل التضخم من مهام البنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي ليس لها سيطرة عليه ولكن حديثها عن التضخم لن يخرج عن كونه أمرا مطلوبا من المستهلكين الذين لم يدققوا في قدرة الإدارة السياسية سواء كانت هاريس أو ترامب على انجاز هذا الهدف وهو تخفيض معدلات التضخم.
- التجارة الخارجية لن يكون لها حصة كبيرة في خطاب هاريس أو خطتها لأن منافسها ترامب يتربع على عرش مبدأ الحمائية سواء الاقتصادية أو فيما يخص الهجرة، وهي لن تجازف بمجاراة منافسها في هذه الأمور، فإن تطرقت لهذا الموضوع سيكون سطحيا ولن تظهر أي تفاصيل.
وأكد أن خطة هاريس وبرنامجها غير واضح، مرجعًا السبب إلى التردد الواضح من قبل مستشاري حملتها، فإن كانت تمتلك خبرة ومهنية واحترافية إلا أنها لا تملك الخبرة الكافية بأن تدخل في تفاصيل خطة اقتصادية معقدة خاصة وأن أميركا قادمة على ركود اقتصادي وتعيش أزمات جيوسياسية لها تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي في كل دول العالم.