تلقي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين بظلالها على الأعمال التجارية واقتصاد كل منهما، وهو ما يثير التساؤلات حول مستقبل تلك الحرب ومصير التوترات بين واشنطن وبكين بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستنعقد في نوفمبر المقبل، والتي تتزايد فيها احتمالات عودة المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد.
وعلى عكس كثير من التوقعات، فإن مسؤولي بنك “ستاندرد تشارترد”، يرون أن المخاوف من اندلاع حرب تجارية مع الصين في ظل ولاية ثانية للرئيس ترامب مبالغ فيها، حسب ما نقلته صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير لها.
وقالت الصحيفة إنه على الرغم من أن معظم أرباح البنك الذي يتخذ من لندن مقراً له تأتي من آسيا، ولا سيما هونغ كونغ وسنغافورة، إلا أن الرئيس التنفيذي بيل وينترز، قلل من تأثير العلاقات المتوترة بشكل متزايد بين واشنطن وبكين على الأعمال التجارية للبنك.
وقال وينترز للصحافيين يوم الثلاثاء الماضي:
- إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كانت “متشددة للغاية بشأن الصين”، حيث فرضت قيوداً تجارية وعقوبات ضد أحد أكبر اقتصادات العالم.
- من المرجح أن يواصل كل من هاريس وترامب اتباع سياسة “صقرية” تجاه الصين، أيهما فاز بالانتخابات.
- أي ضغط لفتح الصين أمام بقية العالم سيعزز الأعمال لمقرض عابر للحدود مثل ستاندرد تشارترد.
- كلما زاد الضغط على الصين من قبل الشركاء الدوليين، زاد ميلها للانفتاح، من أجل ترسيخ مكانة الصين كلاعب تجاري واستثماري كبير للغاية على مستوى العالم.
- لن أقول إننا لسنا قلقين لأن التوتر بحد ذاته سيء للمشاعر العالمية ويقوض ثقة الأعمال إلى حد ما، ولكن هذا لا يؤثر على أعمالنا، بل على العكس تماما.
نتائج الأعمال
جاءت هذه التعليقات مع إعلان البنك عن أرباح قبل الضريبة بلغت 1.6 مليار دولار (1.25 مليار جنيه إسترليني) في الربع الثاني، متجاوزاً التوقعات التي قدرها المحللون بـ 1.5 مليار دولار، وذلك بفضل نمو قسم الثروات الذي يدير الأموال ويستثمرها للعملاء الأثرياء.
أظهرت الأرقام الرسمية الصادرة في وقت سابق من هذا الشهر أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة 4.7 بالمئة في الربع الثاني، دون توقعات بنمو 5.1 بالمئة.
وحذر ستاندرد تشارترد من أن معدل نمو الصين من غير المرجح أن يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة، لكن وينترز أكد أن صناع السياسة يتصرفون بحذر شديد في إدارة اقتصاد ناضج، بما في ذلك أزمة العقارات الأخيرة التي أدت إلى تصفية المطور العقاري “إيفرغراند” القسري.
تطورات مُربكة
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الصراع بين الولايات المتحدة والصين مستمر، وأن هناك حالة من الشد والجذب المستمرة، حيث أن كل طرف يحاول استباق الأحداث وتطويعها لصالحه.
وأوضح أن الصين تفضل وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية كونها تعي تماماً اندفاع وتهور ترامب في اتخاذ بعض القرارات التي تخص صلاحيته، وربما تلاعب الصين الرئيس الأميركي وتجعله يُقدم على بعض القرارات الاستراتيجية.
وأفاد بأنه حال أن ساد التوتر العلاقات الأميركية الصينية، فإن هذا سيكون له تأثير كبير على مسارات الاقتصاد الصيني، مشيراً إلى بعض التطورات التي من شأنها أن تجعل الأوضاع مرتبكة ومؤثرة على اقتصاد بكين، ومنها ما يرتبط بإمكانية استمرار أميركا في تشديد الحصار المفروض على إيران مما يسبب ضررا كبيرا على سير الصناعات الصينية، كما يمكن تحريك القوات الأميركية المرابطة في بحر الصين والمحيط الهندي القريبة من مضيق ملقا الاستراتيجي والتلويح باستخدام القوة ضد الصين.
وأكد أن تشدد المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب تجاه الصين مجرد استعراض للعضلات، إذ توجد مصالح اقتصادية كبيرة مشتركة بين البلدين تدفعهما أن يحرصا معا على استدامتها.
تساؤلات مختلفة
وتثير احتمالية عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة تساؤلات عميقة حول مستقبل العلاقات الصينية الأميركية، فإذا عاد ترامب، قد نشهد عودة إلى السياسات الحمائية والتجارية الصارمة التي ميزت فترة رئاسته الأولى، مما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات مع الصين.
هذا الوضع في تقدير مراقبين، من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الشركات الأميركية والغربية، التي تعتمد على العلاقات التجارية والاستثمارية مع الصين.
قد تواجه هذه الشركات تحديات متزايدة مثل فرض تعريفات جديدة، قيود على الوصول إلى الأسواق، وزيادة في تكاليف الإنتاج والتوريد. كما قد يؤدي إلى تذبذب في سلاسل الإمداد العالمية ويزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي، مما يؤثر سلباً على الاستثمارات والتخطيط الاستراتيجي للشركات عبر مختلف القطاعات.
انعكاسات اقتصادية
وفي السياق أشار الكاتب المتخصص في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أنه بالعودة إلى الفترة الأولى لترامب كانت العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين وصلت إلى مستويات متدنية للغاية بفعل الإجراءات العديدة التي اتخذتها إدارته فيما يتعلق بالصين.
وبشأن تصوره عن مستوى العلاقات بين أميركا والصين حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، قال:
- في حال عودة ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض، فإن التصرفات السابقة له تمثل مرجعاً مهماً، فمن المتوقع أن لا تقل حدة التوترات بين واشنطن وبكين.
- يجب أن نضع في الاعتبار أن ترامب من الشخصيات التي يصعب توقع تصرفاتها في المواقف المختلفة فهو شخصية ربما تفاجىء العالم بتصرفات غير مألوفة.
- ربما في الفترة الثانية لترامب إذا وصل إلى البيت الأبيض، فإنه لن يكن في حاجة إلى مغازلة الفئات الشعبوية باستخدام ورقة الصين في محاولة لجمع التأييد الشعبي له، وبالتالي ينتهج سياسات عقلانية تسمح للبلدين بالتعاون، خاصة في المجالات الاقتصادية والاستراتيجية المهمة.
وأكد أنه حال وصل ترامب أو مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس للبيت الأبيض “ستظل العلاقات الأميركية الصينية تعاني من توترات بسبب التعارض الاستراتيجي في المصالح، وأن الرؤية التي تتبناها واشنطن بشأن بكين ليست فقط أنها المنافس الأقوى لها وإنما تمثل التحدي الأكبر”، مشدداً على أن الأمر لا يتعلق باختيارات الأشخاص وإنما يتعلق بتلك المواجهة الاستراتيجية العاصفة بين البلدين والتي لا يستطيع أحد التملص من التعاطي معها.
وأفاد بأن الاحتكاكات التجارية والسياسات الحمائية من شأنها أن تؤثر على الأداء الاقتصادي للصين، لكنها أيضا تؤثر على الولايات المتحدة الأميركية، بل الأكثر من ذلك فهي تؤثر على الاقتصاد العالمي باعتبار أنهما يمثلان أكبر وثاني أكبر اقتصاد في العالم، مشدداً أن هذه الحرب التجارية بين البلدين ستكون لها انعكاسات على الاقتصاد الصيني والأميركي والاقتصاد العالمي.
وبيّن إسماعيل أن الرؤية الصينية دائما في اتجاه التوصل إلى توافقات باعتبار أن لا أحد سوف يخرج منتصرا من هذه الحرب التجارية، بل على العكس سيكون كافة الأطراف خاسرين فيها، مستدلًا على ذلك بأنه عندما تفرض أميركا سواء قيود أو رسوم جمركية أو أي إجراءات تجاه التجارة الصينية ترد الصين بالمثل، وهو ما يكون له انعكاس على المواطن العادي في البلدين حيث يتأثر بهذه الإجراءات.