يؤرق سيناريو عودة المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، الاتحاد الأوروبي، خاصة مع تزايد احتمالات فوزه بالانتخابات بعد التطورات الدراماتيكية الأخيرة، ما يجعل دول الاتحاد تحاول وضع خطط لهذا السيناريو بالنسبة لجميع الملفات خاصة الاقتصادية.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” فإن بروكسل تعمل على تطوير استراتيجية تجارية من خطوتين للتعامل مع دونالد ترامب:
- الخطوة الأولى تشمل تقديم صفقة للرئيس الأميركي السابق حال فوزه بولاية ثانية كرئيس.
- الخطوة الثانية الانتقام إذا اختار ترامب فرض رسوم جمركية عقابية بدلا من ذلك.
وأفاد التقرير بأن مسؤولي الاتحاد الأوروبي يرون أن نهج “العصا والجزرة” هو أفضل رد على تعهد ترامب بفرض تعريفات جمركية بحد أدنى 10 بالمئة، والتي يقدرون أنها ستؤدي إلى خفض صادرات الاتحاد الأوروبي بنحو 150 مليار يورو سنويا.
المفاوضون يخططون للتواصل مع فريق ترامب، إذا فاز في انتخابات نوفمبر، قبل توليه منصبه لمناقشة المنتجات الأميركية التي يمكن للاتحاد الأوروبي شراؤها بكميات أكبر.
وإذا فشلت المحادثات بشأن تحسين التجارة وطبق ترامب تعريفات جمركية أعلى، فإن إدارة التجارة في المفوضية الأوروبية تقوم بإعداد قوائم بالواردات التي يمكن أن تفرض عليها رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة أو أكثر.
نقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، قوله: “يتعين علينا أن نظهر أننا شركاء للولايات المتحدة، ولسنا مشكلة بالنسبة لها.. سنبحث عن صفقات، لكننا مستعدون للدفاع عن أنفسنا إذا ما استدعى الأمر ذلك.. ولن نستسلم للخوف”.
كانت فترة ولاية ترامب الأولى بين عامي 2017 و2021 مؤلمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يتمتع بفائض تجاري كبير في السلع مع الولايات المتحدة.
وبعد أن فرض ترامب رسوما جمركية على واردات الصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى بقيمة 6.4 مليار يورو في العام 2018 لأسباب تتعلق بالأمن القومي، رد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية لإعادة التوازن بقيمة 2.8 مليار يورو.
واختارت بروكسل ملاحقة الناخبين الأساسيين لترامب بفرض رسوم جمركية باهظة على المشروبات الكحولية والدراجات النارية والقوارب البخارية، وتم تعليق هذه الرسوم الجمركية حتى مارس، كجزء من صفقة مؤقتة مع إدارة بايدن لإيقاف الرسوم الجمركية على المعادن.
وفي تصريح لصحيفة “فاينانشال تايمز”، عبر مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، عن أمله بأن يتمكن الجانبان من تجنب تكرار “المواجهة” الماضية، وقال:
- الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حليفان استراتيجيان، وخاصة في السياق الجيوسياسي.. من المهم أن يعملا معاً في مجال التجارة.
- دافعنا عن مصالحنا بالرسوم الجمركية ونحن مستعدون للدفاع عن مصالحنا مرة أخرى إذا لزم الأمر.
- الدعوة إلى “نهج تعاوني”، خاصة وأن بروكسل منفتحة على “الصفقات المستهدفة” لتقليص العجز التجاري في السلع البالغ 156 مليار يورو.
وأشارت الصحيفة إلى أنه خلال فترة ولاية ترامب الأولى، أبرمت بروكسل في البداية صفقة بشأن جراد البحر، وهو غذاء أساسي في ولاية مين، وهي الولاية التي كان ترامب يأمل في الفوز بها في السباق الرئاسي لعام 2020. وقد نجحت بالفعل في إعادة حاكم وممثل جمهوري نادرين في عام 2016.
وتعرضت الصادرات لضغوط شديدة بسبب اتفاقية التجارة الحرة الأخيرة بين الاتحاد الأوروبي وكندا، والتي أدت إلى خفض أسعار المحار الكندي .
أسقط الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية على واردات منتجات جراد البحر الحية والمجمدة من الولايات المتحدة، وكذلك على جميع البلدان الأخرى التي لم توقع اتفاقية تجارية، وفقًا لقواعد التجارة العالمية، وفي المقابل، خفضت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على مجموعة من السلع بما في ذلك الزجاج البلوري والولاعات إلى النصف. وتبع ذلك المزيد من الصفقات على لحوم البقر وفول الصويا لاسترضاء ناخبي ترامب في الغرب الأوسط.
واتسع العجز التجاري السنوي للولايات المتحدة إلى 152 مليار يورو في عام 2020 مقارنة بـ 114 مليار يورو في عام 2016 عندما فاز ترامب بالانتخابات.
ومنذ الحرب في أوكرانيا في العام 2022، يستورد الاتحاد الأوروبي كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال لتحل محل الإمدادات من موسكو، وظل العجز الأميركي ثابتا في عهد الرئيس جو بايدن، حيث بلغ 156 مليار يورو في عام 2023.
وأفادت الصحيفة بأن مسؤولي الاتحاد الأوروبي يحذرون من صعوبة زيادة الصادرات الأميركية بشكل كبير، لأنها تميل إلى أن تكون أقل قيمة من صادرات الاتحاد الأوروبي، وتهيمن السلع الأساسية على الصادرات، في حين أن الصادرات الرئيسية للاتحاد الأوروبي هي الأدوية والسيارات والأغذية والمشروبات الباهظة الثمن، مثل الشمبانيا.
وينمو اقتصاد الاتحاد الأوروبي أيضاً بمعدل أقل من نصف معدل نمو اقتصاد الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى تثبيط الطلب.
وتوقع كبير خبراء الاقتصاد في غولدمان ساكس، جان هاتزيوس، أن حرب الرسوم الجمركية من شأنها أن تلحق الضرر بالاتحاد الأوروبي أكثر من الولايات المتحدة، وسوف تكلف 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، مقارنة بنحو 0.5 بالمئة في الولايات المتحدة، ولكنها سوف تضيف أيضا 1.1 بالمئة إلى معدل التضخم في الولايات المتحدة، مقارنة بنحو 0.1 بالمئة في الاتحاد الأوروبي.
ويأمل صناع القرار في بروكسل ألا يرغب ترامب في تأجيج التضخم في الوقت الذي يشعر فيه الناخبون بالقلق إزاء تكاليف المعيشة.
قلق أوروبي
من جانبه، أكد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن قادة أوروبا من أكثر المتابعين لمجريات الانتخابات الأميركية خاصة بعد انسحاب الحليف الأقرب لهم جو بايدن من السباق الانتخابي، وبزوغ نجم ترامب من جديد وسط تزايد فرص واحتمالات عودته إلى البيت الأبيض.
وقال إن الأوروبيون لهم تجربة مريرة مع ترامب على المستويات الاقتصادية والسياسية وكذلك الجيو عسكرية، لافتًا إلى أنه أعلن في أكثر من تصريح أنه يريد الولايات المتحدة الأميركية قوية ولا يرغب في تدخلها بمساعدة أي أطراف خارجية، كما يريد الانشغال بقضايا الأميركيين وتقوية الاقتصاد والجيش الأميركي على حساب حلفاء أميركا التقليديين وعلى رأسهم أوروبا.
وأشار إلى أن أوروبا قلقة من عودة ترامب إلى البيت الأبيض لعاملين (سياسي وجيو عسكري)، ذلك أن أوروبا على مرمى روسيا التي كشرت عن أنيابها وأرادت استعادة أمجادها لإمبراطوريتها العظمى، وقد بدأت تأكل شيئاً فشيئاً من أراضي أوكرانيا التي كانت خطاً دفاعياً أمامياً هاماً لأوروبا، ليخشى الأوروبيون أن ينتهي بوتين من التهام أوكرانيا ويبدأ ينقض على الدول الأوروبية المحيطة به، وخاصة دول البلطيق وكانت أوروبا دائما ما تحتمي بحلف شمال الأطلسي “الناتو”، والمعروف بأن الممول والداعم الأول له واشنطن.
وأشار إلى تهديد ترامب بأن ينفض يديه من حلف الناتو ما لم يدفع الأوروبيين مزيداً من الأموال وتخصيص ميزانية أكبر في دعم الحلف والإنفاق العسكري، وأن أميركا لن تبقى مدافعة عن أوروبا وممولة بشكل كبير للحلف.
وأكد أن أوروبا فزعة من أن تتركها حليفتها الرئيسية والاستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية للروس، على الرغم من أن أوروبا بها دولتان نوويتان “فرنسا وإنكلترا” لكن قدراتهما العسكرية ليست مثل روسيا، لذا ستكون أوروبا في خطر حال تخلي أميركا عنها.
أما فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي، فشدد الديب على أن أوروبا قلقة من الإجراءات الحمائية التجارية التي يتبناها ترامب وطبقها بالفعل خلال ولايته الأولى وكان للصين النصيب الأكبر منها لكن أيضا أوروبا تضررت منها، لأن ترامب يريد فرض رسوم حمائية للصناعات الآتية من الخارج في مقابل دعم الصناعات المحلية والشركات الأميركية المحلية عن طريق فرض تعريفات جمركية بقيمة 10 بالمئة.
وتوقع أنه حال تطبيق ترامب تلك التعريفات الجمركية ستتضرر أوروبا بشكل كبير، خاصة وأنها تعتمد اعتماداً كبيراً في الاقتصاد وتصدير المواد الخام والتكنولوجيا على أميركا، وهو ما سيسبب هزة اقتصادية كبيرة فيها.
وأفاد بأن دوائر صنع القرار في أوروبا قلقة، فهي لا تعرف إلى أين سيذهب ترامب، متوقعاً أن يذهب تجاه القطيعة وإن لم تكن كاملة مع الأوروبيين.
وذكر أن البدائل أمام الأوروبيين قليلة ومحدودة خاصة في ظل العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا والتي وصل عددها إلى 14 ألف عقوبة، وكان من أهم آثارها منع الغاز الروسي من التدفق بالكميات السابقة إلى أوروبا بعد أن كان يتدفق بشكل يسير في أنابيب ذات تكلفة قليلة، بالتالي كانت تعتمد صناعات أوروبا وخاصة ألمانيا على الغاز الروسي وتحقق أرباح من ورائه.
وأضاف أنه عندما انقطع الغاز الروسي وتمت قطيعته بأوامر أميركية بحث الأوروبيون عنه في كل مكان ووجدوه بأسعار تزيد عن الأسعار الروسية، حتى أن الغاز المسال المتدفق من واشنطن كان بأسعار تزيد أربعة أضعاف عن الغاز الروسي، وهو ما تسبب في حدوث موجات من التضخم على المواطن الأوروبي.
وأوضح أن أوروبا في حيرة من أمرها فهي ليست لديها خيارات كثيرة وتنتظر فقط، وتتمنى أن تأتي كامالا هاريس بدلا من ترامب، لكن إذا جاء ترامب ستحاول ممارسة النفاق السياسي والتقرب منه ومحاولة عدم جنوحه بعيدا عن أوروبا.
استثمار بشعار أميركا أولًا
وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة ACY، الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه بناء على الفترة الرئاسية الأولى لترامب فإن تصرفاته غير قابلة للتنبؤ، وشخصيته تتصف بالجرأة إلى حد العداء، مستدلاً على ذلك بتصريحاته تجاه الصين وحلف الناتو والتمويل الأميركي، إضافة إلى ما يخص فرض رسوم وتعريفات جمركية على كل من يهدد هيمنة التجارة الدولية الأميركية سواء كان هذا التهديد من دول صديقة أو غير صديقة.
وأضاف أن ترامب عاد مرة أخرى ليستثمر في شعار أميركا أولا، على أغلب الجوانب التي تخص الدفاع وحماية بعض الدول وحتى الوصاية التاريخية لها، موضحاً أن:
- ترامب يستخدم في ذلك أدوات تمويل واتفاقات دفاعية للثروة الأميركية التي بإمكانه كرئيس أن يعدل فيها.
- استخدام مصالح بعض الصناعات الأميركية التي يهمها فرض رسوم وضرائب على الشركات الأجنبية، ليعلن ترامب بشكل واضح دعمه حماية الصناعات الأميركية، مؤكداً أنه نموذج اقتصادي أثبت فشله في كثير من الأحيان.
وأشار إلى أن تصريحات ترامب بشأن الرسوم الجمركية كانت متوقعة، ولكن تجدر الإشارة بأنه في فترة رئاسته الأولى لم يكن قادرا على تنفيذ تهديداته، بل بالعكس تراجع عن بعضها.
كما أفاد بأنه على الاتحاد الأوروبي أن يدرك بأن ترامب لن يحكم أكثر من أربعة سنوات عند فوزه، ولن يستطيع أن ينفذ الوعود والتهديدات كافة، مؤكداً على أنه مازالت هناك جهة تشريعية وهي الكونغرس الأميركي الذي بإمكانه منعه من التمادي في مثل هذه الأمور.
وأكد أن أميركا وأوروبا أكبر شريكين تجاريين، فقد تجاوز حجم التجارة بينهما التريليون دولار سنويا أو أكثر، كما يشتركان بأمور كثيرة من أهمها الاتجاهات السياسية والثقافية والاجتماعية واتجاهات الأسواق الحرة والمشاركة في تطوير التكنولوجيا، مشدداً على أنه لا يمكن لهذه العلاقة التاريخية أن يهددها ويقودها شخص لا تمتد مدة حكمه لأكثر من أربعة سنوات.
وبيّن أن توجهات ترامب تمثل حالة جدية وقد تسبب أخطاراً ومشاكل اقتصادية من الممكن أن تؤثر في التجارة الدولية، لكنه بكل مبالغاته وتطرفه هو شخص عملي لديه المرونة الكافية والاستعداد لتغيير المواقف.
خطوات استباقية
من جانبه، استعرض خبير الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بعض الخطوات التي من الممكن أن يتخذها الاتحاد الأوروبي استباقًا لتنفيذ ترامب تهديداته بفرض رسوم جمركية حال عودته إلى البيت الأبيض.
من بين تلك الخطوات أن يعزز الاتحاد الأوروبي تحالفاته التجارية مع شركاء آخرين حول العالم كخطوة استباقية لتقليل الاعتماد على السوق الأميركية، على سبيل المثال، يمكن تعزيز العلاقات التجارية مع دول آسيا، خاصة الصين والهند، والتي تعتبر أسواقًا ضخمة للمنتجات الأوروبية.
وكذلك من الخطوات أن تتجه أوروبا نحو تحسين السياسات الصناعية ودعم الصناعات المحلية لتعزيز تنافسيتها العالمية، حيث يمكن تخصيص ميزانيات إضافية لدعم الابتكار والبحث والتطوير في القطاعات الصناعية الرئيسية مثل السيارات والتكنولوجيا والمنتجات الكيماوية. وفي هذا السياق، أعلنت ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، عن خطة استثمارية تصل إلى 50 مليار يورو لدعم الابتكار الصناعي حتى عام 2030، وهو ما يعكس التوجه الأوروبي نحو تقوية القاعدة الصناعية الداخلية.
أما من الناحية السياسية، يمكن للاتحاد الأوروبي السعي إلى إعادة التفاوض حول الاتفاقيات التجارية مع الولايات المتحدة لتجنب فرض الرسوم الجمركية، كما يمكن أن يكون هناك تركيز على إنشاء إطار عمل مشترك للتجارة يحمي مصالح الطرفين ويضمن تدفق السلع والخدمات بدون عوائق كبيرة، وفي السابق، شهدنا محاولات من هذا القبيل مع إدارة ترامب السابقة، حيث تم التوصل إلى اتفاقيات مؤقتة لتجنب تصاعد النزاع التجاري، وكان أبرزها تعليق فرض رسوم على السيارات الأوروبية.
وأضاف أرشيد: يمكن أن تتجه الشركات الأوروبية إلى زيادة استثماراتها في السوق الأمريكية لتجنب تأثير الرسوم الجمركية، على سبيل المثال، يمكن لشركات السيارات الألمانية مثل بي إم دبليو وفولكس فاغن زيادة مصانعها في الولايات المتحدة لتجنب الرسوم على السيارات المستوردة.