وصلت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، بينما قدر بعض المحللين أن هذا المورد المحدود سوف ينفد في أقل من ثلاث عقود، وهو ما قد تكون له عواقب عالمية كبرى على العملات والاقتصادات والبنوك.
تأتي أسعار الذهب المرتفعة في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية، إضافة إلى الظروف الاقتصادية غير الواتية وسط حالة عدم اليقين، كما تشهد الأسواق المالية فترة من التقلبات.
يتوقع بعض الخبراء أن الذهب الذي يمكننا استخراجه سوف ينفد بحلول عام 2050، بحسب تقرير لشبكة “سكاي نيوز” البريطانية، أشار إلى أنه من المهم التأكيد على أن هذه الأرقام هي تقديرات، ويتعين أن نتذكر أيضًا أن الذهب، يمكن إعادة تدويره، وبالتالي من المستحيل أن “ينفد” بالكامل، حتى عندما ينضب العرض من المناجم، ولكن لا تزال هناك عواقب عالمية كبرى.
نقل التقرير عن المدير الإداري في بوليون باي بوست، بيت والدن، قوله:
- إن التقدم في تكنولوجيا التعدين وطرق المعالجة يمكن أن يزيد من كفاءة استخراج الذهب.. هذا من شأنه أن يطيل عمر الاحتياطيات الحالية.
- قد يتم اكتشاف رواسب ذهبية جديدة، وهو ما سيمدد الجدول الزمني لنضوب هذا المخزون.
- برغم أن الأمر لا يزال مجرد تكهنات، إلا أنه من غير المنطقي أن نفترض أننا سنواجه استنزافاً كبيراً خلال العشرين إلى الثلاثين عاماً المقبلة.
العرض والطلب
وتحدثت الشبكة إلى المدير الإداري لشركة The Gold Bullion Company، ريك كاندا، والذي أوضح أن:
- مبدأ العرض والطلب يملي أنه مع انخفاض المعروض من الذهب، من المرجح أن يرتفع سعره بشكل كبير.
- مع انخفاض توافر الذهب، سوف يسارع المستثمرون إلى شرائه وتخزينه، مما يؤدي إلى زيادة تكلفته.
- تاريخيا، كان الذهب يعتبر من الأصول الآمنة، وهذا يعني أن قيمته ترتفع خلال حالة عدم اليقين الاقتصادي أو الندرة.
- مع ارتفاع أسعار الذهب بشكل كبير، فمن المرجح أن يتجه المستثمرون إلى المعادن النفيسة الأخرى، والتي قد تشمل الفضة والبلاتين والبلاديوم، وتستخدم في مختلف التطبيقات الصناعية والمجوهرات، ما يجعلها بدائل جذابة.
- من المتوقع أن تشهد هذه المعادن، التي يُنظر إليها في كثير من الأحيان على أنها بدائل للذهب، زيادات في الأسعار أيضًا بسبب ارتفاع الطلب عليها.
هل هذا سيؤثر على العملات؟
منذ إلغاء معيار الذهب عام 1931 في المملكة المتحدة، و1971 في الولايات المتحدة، لم تعد معظم العملات العالمية مرتبطة بشكل مباشر به.
ويوضح ريك قائلاً: “إن هذا التحول نحو العملات الورقية يعني أن البنوك المركزية قادرة على طباعة الأموال بشكل مستقل عن احتياطياتها الذهبية”.
وأفاد أنه في حين أن ندرة الذهب قد تؤثر على قيمة الأوراق المالية أو الأصول المدعومة بالذهب، فإنها لن تؤثر بشكل مباشر على قيمة العملات مثل الجنيه الإسترليني أو الدولار.
لكنه أضاف أن ذلك قد يؤثر على ثقة المستثمرين وعلى الاستقرار الملحوظ للاقتصادات التي تحتفظ باحتياطيات كبيرة من الذهب.
كيف تتأثر البنوك؟
تحتفظ مؤسسات مثل بنك إنجلترا باحتياطيات كبيرة من الذهب. ويقول ريك: “إذا ارتفعت أسعار الذهب بشكل كبير، فقد تفكر هذه المؤسسات في تصفية بعض ممتلكاتها للاستفادة من الأسعار المرتفعة، ومع ذلك، فإن الذهب لن يختفي؛ بل سوف تتغير ملكيته ببساطة”.
ولكن الملاك الجدد سوف يظلون بحاجة إلى تخزين آمن، وبالتالي سوف يظل هناك طلب على خدمات التخزين المكثفة مثل تلك التي نراها في قاعدة إنجلترا وفورت نوكس (مبنى خزانة سبائك الإيداع الأميركية).
التأثير على المجوهرات والصناعة
ويقول ريك إن تكلفة المنتجات الذهبية في صناعة المجوهرات سوف ترتفع بشكل كبير، وقد يؤدي هذا إلى انخفاض الطلب مع لجوء المستهلكين إلى بدائل أفضل من حيث التكلفة أو شراء كميات أقل.
وأضاف أن الأسعار المرتفعة أيضاً قد تؤدي إلى الابتكار في تصميم واستخدام المواد المختلطة، مما يقلل الاعتماد على الذهب الخالص، فلا يُستخدم الذهب في صناعة المجوهرات فحسب، بل إنه ضروري لصناعات أخرى أيضًا، مثل الإلكترونيات.
ويضيف:”إلى جانب المجوهرات الذهبية، فإن المنتجات الأكثر تأثراً ستكون تلك الموجودة في القطاعات الطبية والإلكترونية.. يستخدم الذهب في الأجهزة الطبية لأنه مقاوم للتآكل ولا يضر أجسامنا، ويعتبر الذهب مكونًا أساسيًا في الإلكترونيات بسبب موصليته الممتازة ومقاومته للتآكل”.
ويستطرد: “إن النقص من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات في سلسلة التوريد وزيادة التكاليف بالنسبة لمصنعي المكونات الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والمعدات الطبية المتقدمة”.
كما “قد تحتاج الشركات إلى الاستثمار في الأبحاث للعثور على مواد بديلة أو طرق إعادة تدوير أكثر كفاءة للتخفيف من هذه التأثيرات.”
التحولات الاقتصادية
وباعتبار أن الذهب سلعة بالغة الأهمية، فإن التقلبات الكبيرة في أسعارها يمكن أن تؤثر على الاقتصاد العالمي، وفي حين أن العالم قد لا يزال لديه ما يكفي من الذهب، فإن تقليص الإمدادات السنوية الجديدة قد يؤدي إلى زيادة تقلبات أسعار الذهب.
ويقول ريك: “إن هذه التقلبات يمكن أن تؤثر على الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على الذهب، مثل الإلكترونيات والمجوهرات، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم الاستقرار الاقتصادي المحتمل في تلك القطاعات”.
هل الصناعة تستعد لذلك؟
كل هذا قد يكون مثيرا للقلق إلى حد ما – ولكن الصناعة تتخذ خطوات عديدة. ويوضح ريك قائلاً: “يواصل عمال المناجم استكشاف مواقع جديدة وإعادة زيارة المواقع التي لم تكن صالحة للاستخدام من قبل”.
- مع ارتفاع أسعار الذهب، قد تصبح المواقع التي كانت مكلفة للغاية للاستخدام ذات يوم مجدية اقتصاديًا – وهو ما قد يؤدي إلى تطوير عمليات تعدين جديدة، وبالتالي ضمان استمرار إمدادات الذهب.
- هناك أبحاث جارية حول استعادة الذهب من مصادر غير تقليدية.
- يقول ريك: تشير تقديرات هيئة المحيطات الوطنية إلى وجود نحو 20 مليون طن من الذهب في البحار الأرض.
- في الوقت الحالي، لا يمكن استخلاص هذه الجزيئات الدقيقة، ولكن إذا ارتفعت أسعار الذهب بدرجة كافية، فقد يصبح من المجدي اقتصاديًا تطوير طرق استخلاص فعالة من حيث التكلفة.
- وتركز الصناعة أيضًا على تحسين تقنيات إعادة التدوير لاستعادة الذهب من النفايات الإلكترونية وغيرها من المصادر.
- يمكن لأساليب إعادة التدوير المحسنة أن تقلل من تأثير انخفاض الإمدادات الجديدة من خلال ضمان بقاء الذهب الحالي في التداول.
أسعار فلكية
من جهته استبعد رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن يحدث نفاد لإمدادات الذهب في الوقت الحاضر.
وأشار إلى أن عديداً من البلدان منها الصين والسعودية وأستراليا مازالت لديها احتياطات كبيرة من المعدن الأصفر، كما أن هناك احتياطات في بلدان أخرى مازال هناك بحث عنها، مؤكدًا أنه حال حدوث ذلك (نفاد الذهب) ستصل أسعار المعدن إلى أرقام فلكية.
وذكر أن الذهب انفصل عن العملات العالمية منها على سبيل المثال الدولار الأميركي في عام 1971، وكذلك اقتصاديات أخرى، لافتًا إلى أنه كان يمثل الضمان للعملة لكن هذا الارتباط تم فكه.
وأوضح أن بعض الدول الآسيوية كالهند والصين ودول البريكس يعملون على زيادة احتياطياتهم من الذهب في آخر عامين، بهدف التحوط حال حدوث أي عقوبات أو أزمة اقتصادية مع الولايات المتحدة الأميركية.. هذه الاحتياطات تكون خارج الرقابة الصارمة لأميركا، وكذلك التحوط ضد أي تقلبات في الأوضاع الاقتصادية.
تغيرات عالمية
وفي السياق أكدت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن انخفاض مخزون الذهب عالميًا سيؤدي إلى انفجار سعره وارتفاعه ارتفاعات تاريخية لم تحدث من قبل.
وأضافت أن ذلك سيكون بالتزامن مع أن أغلب المتعاملين يرون في الذهب ملاذًا آمنًا في ظل متغيرات غير مفهومة من أوضاع سياسية يشهدها العالم وتغيرات بالفكر السياسي بسبب تغير قيادات العديد من الدول (..) إضافة إلى الأحداث الجيوسياسية والحروب المشتعلة بالعالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يؤثر على أسعار الذهب بارتفاعها ارتفاعات تاريخية.
التحول إلى بدائل
وأفادت بأن ندرة الذهب ستستدعي الاتجاه نحو بدائل أخرى للاستثمار، فقد يليه في مكانته الفضة، مشيرة إلى أن أسعارها تحركت وارتفعت على مدار العام(..)، حيث بدأ عديد من المتعاملين الاهتمام بها كبديل للاستثمار، على الرغم من إن تحركاتها السعرية ليست سريعة وعلى المدى الطويل، لكنها قد تحل محله، إضافة إلى معادن أخرى كالنحاس والبلاتنيوم.
وأضافت أن المتعاملين قد يتجهون إلى وسائل استثمارية أخرى كالعملات المشفرة التي شهدت طفرات سعرية، حيث سيبحث المتداولون عن الفرص المواتية للاستثمار بناء على تحمل المخاطر وتحركات هذا البديل، كما سيكون هناك تفكير في المعادن والاستثمارات المرئية بالبحث عن معدن بديل يحل محل الذهب.
واستبعدت أن تجف مناجم الذهب على المدى القصير والمتوسط، مؤكدة أنه حتى الآن هناك مناجم لم يتم استكشافها واستغلالها، وسيتم استكشافها تدريجيا، وأن انحصار الذهب عالميا سيكون بعد فترة طويلة.
وتوقعت أن تتحول بعض الدول والقارات إلى أكبر مورد للذهب عالميا بفضل الاكتشافات للمناجم وتشغيلها وعدم تصديره بصورته الخام، وتحقيق مكاسب خيالية من الاستكشافات الموجودة لديها.