في أجواء تتسم بالتوتر بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وشركات التكنولوجيا الكبرى، تتجه الأنظار نحو مواقف هذه الشركات بشأن التبرعات لحفل تنصيبه المرتقب.
التصريحات والخطوات الأخيرة لرؤساء بعض تلك الشركات تكشف عن محاولات للتعامل مع إدارة ترامب المقبلة، وسط تحديات تتعلق بمواقف الرئيس المنتخب تجاه الصناعة التكنولوجية والتهديدات التي أطلقها ضد بعض الشركات الكبرى.
وبينما تسعى بعض الأسماء البارزة في القطاع إلى تعزيز علاقتها مع الإدارة الجديدة، تبقى تساؤلات مفتوحة حول ما إذا كانت هذه التحركات ستؤدي إلى تغيير العلاقة التاريخية المتوترة بين ترامب وقطاع التكنولوجيا.
تبرعات حفل التنصيب
وتبزغ عديد من شركات التكنولوجيا الكبرى باعتبارها أكثر عرضة لتهديدات ترامب، كما تعاني بعض تلك الشركات من مشاكل مباشرة مع الرئيس المنتخب وحلفائه، فعلى سبيل المثال:
- كان لدى الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا” مارك زوكربيرج، ومؤسس “أمازون” جيف بيزوس ماضٍ مريب بشكل خاص مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
- كما يخوض الرئيس التنفيذي لشركة “أوبين إيه آي” سام ألتمان، معركة قانونية ساخنة مع إيلون ماسك، الذي أصبح أحد أكبر داعمي ترامب ومن المقرر أن يلعب دوراً كبيراً في إدارته الثانية.
تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يعتبر ان كل هذه المشكلات تساعد في تفسير الخطوات التي اتخذتها بعض تلك الشركات بشأن التبرعات لصندوق تنصيب ترامب.
- ألتمان قال يوم الجمعة الماضي في بيان، إن “الرئيس ترامب سيقود بلدنا إلى عصر الذكاء الاصطناعي، وأنا حريص على دعم جهوده لضمان بقاء أميركا في المقدمة”، معلناً عن أنه يخطط للتبرع الشخصي بمبلغ مليون دولار للصندوق.
- كذلك شركة “ميتا” التي تبرعت بمليون دولار لحفل التنصيب. وهو أكدته الشركة بعد أسابيع من تناول زوكربيرغ العشاء مع ترامب بشكل خاص في منتجعه.
- كذلك أمازون التي تخطط أيضاً للتبرع بمليون دولار، وفقاً لتقرير من صحيفة وول ستريت جورنال.
والرئيس المنتخب كان منتقداً صريحاً لشركات التكنولوجيا، وأشار في وقت سابق من شهر ديسمبر الجاري، إلى أنه لن يتردد في إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار.
وفي السياق، يشار إلى أن شركة “غوغل” كانت قد تبرعت بنحو 285 ألف دولار لصندوق تنصيب بايدن، في الانتخابات التي فاز فيها على ترامب، بينما لم تعلن الشركة حتى الآن عن موقفها من التبرع لحفل تنصيب ترامب.
وفيما يبدو أنه محاولة لخطب ود الرئيس المنتخب، تتحدث تقارير إعلامية عن لقاء بين الرئيس التنفيذي للشركة سوندار بيتشاي، مع ترامب، على غرار لقاء الأخير مع الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”.
وفي حفل تنصيب ترامب في العام 2017، لم تكن شركة التكنولوجيا على نفس درجة الزخم من حيث التبرعات لترامب. وبحسب تقرير لـ “سي بي إس” اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” فإن الحفل جمع 107 ملايين دولار، وكان أكبر المانحين من قطاع الرياضة، علاوة على الكازينوهات وشركات رأس المال الاستثماري والبنوك. مع تبرع وحيد لافت في قطاع التكنولوجيا من مؤسس غودادي بوب بارسونز.
سياسات متباينة
من جانبه، يقول خبير أسواق المال، العضو المنتدب لشركة آي دي تي للاستشارات والنظم التكنولوجية، المهندس محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
- العلاقة بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وشركات التكنولوجيا ستكون شديدة التباين .. وذلك بالاستناد إلى سياسات ترامب خلال ولايته الأولى وأثناء حملته الانتخابية.
- ترامب سيواصل على الأرجح تبني سياسات تجارية متشددة، خصوصاً تجاه الصين، مما قد يؤثر سلباً على قطاع التكنولوجيا، خاصة الشركات التي تعتمد على سلسلة توريد دولية في تصنيع الأجهزة.
- قد تضر سياسات ترامب المتعلقة بالهجرة، التي تتسم بالتشدد، بالشركات التي تعتمد على العمالة الأجنبية الماهرة.
- من المتوقع أن يدعم ترامب الدعاوى القضائية ضد شركات التكنولوجيا الكبرى بسبب قضايا الاحتكار، مما يزيد من التحديات التي تواجه هذه الشركات.
- لكن على الجانب الآخر، ورغم التحديات المحتملة، يرى سعيد أن هناك بعض الجوانب الإيجابية التي قد تحسن العلاقة بين ترامب وشركات التكنولوجيا، ومنها:
- ترامب قد يعتمد على شركات التكنولوجيا لتحقيق أهدافه بجعل أميركا في موقع الريادة عالمياً.
- وعود ترامب بتطبيق تخفيضات ضريبية جديدة قد تعزز من ربحية هذه الشركات.
- كرجل أعمال، يُتوقع أن يدعم ترامب سياسات تُخفف من بعض القيود التنظيمية الأخرى المفروضة على الشركات، مما قد يسهل من توسعها.
ويؤكد في السياق نفسه أن المواقف التي اتخذتها شركات التكنولوجيا أثناء الحملات الانتخابية السابقة سيكون لها تأثير كبير على طبيعة العلاقة مستقبلاً، مشيراً إلى عدد من الشواهد، مشيراً في الوقت نفسه إلى دعم إيلون ماسك و”تسلا” لترامب، وباعتبار أن ذلك قد يعزز العلاقة مع هذه الشركة.
من ناحية أخرى، يُتوقع استمرار التوتر مع شركات مثل “مايكروسوفت” بسبب دعم بيل غيتس للديمقراطيين، ومع “ميتا” نتيجة حظر حسابات ترامب على منصاتها (لكن تلك الأخير تسعى لخطب ود ترامب أخيراً).
ويختتم سعيد حديثه بالإشارة إلى أن التطورات المستقبلية ستعتمد بشكل كبير على طبيعة قرارات ترامب وسياساته، التي غالباً ما تكون خارج التوقعات، مما يجعل العلاقة مع قطاع التكنولوجيا مليئة بالتحديات والفرص على حد سواء.
دلالات تعيين “جيل سلاتر”
ورشح الرئيس الأميركي المنتخب، جيل سلاتر، التي نصحت ترامب بشأن سياسة التكنولوجيا خلال فترة ولايته الأولى، لرئاسة ذراع مكافحة الاحتكار بوزارة العدل.
وكتب ترامب في منشور بتاريخ 4 ديسمبر على موقع تروث سوشيال، للإعلان عن ترشيح سلاتر: “لقد كانت شركات التكنولوجيا الكبرى جامحة لسنوات، وخنقت المنافسة في قطاعنا الأكثر ابتكاراً، وكما نعلم جميعاً، استخدمت قوتها السوقية لقمع حقوق العديد من الأميركيين، وكذلك حقوق شركات التكنولوجيا الصغيرة!”.
وأضاف: “كنت فخوراً بمحاربة هذه الانتهاكات في ولايتي الأولى، وسيواصل فريق مكافحة الاحتكار التابع لوزارة العدل هذا العمل تحت قيادة جيل”.
وكانت بعض أكثر تصريحات ترامب عدائية في الماضي موجهة إلى أمازون وميتا، وفق تقرير الشبكة. وفي ولايته الأولى، هاجم ترامب مراراً وتكراراً بيزوس وشركاته، متهماً إياهم بالتهرب من الضرائب أو نشر “أخبار كاذبة”، من بين أمور أخرى. كما أشار ترامب مراراً بأصابع الاتهام إلى أمازون لاستخدامها خدمة البريد الأميركية لتوصيل الطرود إلى العملاء، مدعياً أن الشركة أسهمت في مشاكل ميزانية مكتب البريد.
وفي العام 2019، ألقت أمازون باللوم على “هجمات ترامب خلف الكواليس” ضد الشركة لخسارتها عقدًا بمليارات الدولارات مع وزارة الدفاع. وقبل انتخابات العام 2016، انتقد بيزوس سلوك ترامب، قائلاً إنه “يؤدي إلى تآكل ديمقراطيتنا”.
علاقات معقدة
بدوره، يلفت المستشار الاكاديمي بجامعه سان خوسيه الحكوميه في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن ولاية ترامب الثانية من المتوقع أن تشهد علاقة معقدة ومليئة بالتحديات مع قطاع التكنولوجيا، موضحاً أن السياسات قد تجمع بين لمواجهة المباشرة ودعم الابتكار الوطني، مما يخلق تأثيرات كبيرة على مستقبل هذه الصناعة:
- خلال فترته الرئاسية الأولى، انتقد ترامب عمالقة التكنولوجيا مثل غوغل وميتا ، متهماً إياهم بالتحيز السياسي ضد المحافظين.
- مع عودة ترامب، يتوقع أن يسعى إلى فرض قوانين جديدة تعزز الشفافية في إدارة بيانات المستخدمين والخوارزميات*.
- يأتي ذلك مع احتمالية تعديل المادة 230 من قانون الاتصالات، مما قد يجعل شركات التكنولوجيا أكثر عرضة للمساءلة القانونية، ويغير بشكل جذري الطريقة التي تدير بها هذه الشركات أعمالها.
- ترامب أيضاً قد يدعم جهود مكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، وقد يدفع باتجاه تفكيك هيمنة هذه الشركات على السوق.
- وفي الوقت نفسه، قد يشجع على دعم الشركات الناشئة والتقنيات البديلة لتعزيز بيئة تنافسية أكثر عدالة وتحفيز الابتكار.
- كما قد تشمل السياسات فرض قيود على عمليات الاستحواذ التي تقوم بها الشركات الكبرى على الشركات الناشئة، مما يمنعها من قتل المنافسة في مهدها.
وفي سياق متصل، يشير بانافع إلى أن الرئيس المنتخب من المرجح أن يستمر في سياسته الصارمة تجاه الصين، مع تركيز على تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الصينية داخل السوق الأميركية، وقد يتضمن ذلك حظر شركات صينية والعمل على “فصل” سلاسل التوريد لضمان استقلالية أميركا عن المكونات أو الخدمات الصينية.
وفي مقابل ذلك، ورغم انتقاداته لشركات التكنولوجيا، فإن ترامب يستثمر في الابتكار المحلي، خاصة في الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمية، وتكنولوجيا الجيل الخامس. كما قد يدعم الشركات الناشئة في مجالات المشاريع المستقبلية مثل استكشاف الفضاء أو تحسين البنية التحتية الرقمية، مما يعزز الاقتصاد الوطني ويوفر فرص عمل جديدة.