في خضم التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجه سوريا، تطرح العقوبات الدولية مفهوماً معقداً حول مدى تأثيرها على جهود إعادة الإعمار.
منذ اندلاع النزاع في 2011، فرضت العديد من الدول الغربية عقوبات اقتصادية ومالية على سوريا، وذلك بهدف الضغط على النظام السوري، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على قطاعات حيوية مثل الطاقة، والبنية التحتية، والصناعة.
هذه العقوبات، التي تشمل حظر التصدير والاستيراد، وتجميد الأصول، وضغوطات أخرى، أصبحت عقبة رئيسية أمام أي محاولات لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب.
وبعد سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، قد تكون الفرصة سانحة لبدء مرحلة جديدة في سوريا، لكن إعادة الإعمار تظل تحدياً ضخماً. فبالنظر إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، والمرافق العامة، والاقتصاد ككل، يبرز التساؤل حول ما إذا كانت الأموال اللازمة لعملية إعادة الإعمار تفوق القدرة الذاتية لسوريا على تحملها.
بعض التقديرات الأولية تشير إلى أن تكاليف إعادة الإعمار قد تتجاوز تريليون دولار، وهو مبلغ ضخم يعكس حجم الدمار الذي تعرضت له البلاد. لكن السؤال الذي يبقى هو: هل هذه الأموال كافية لتلبية احتياجات سوريا، أم أن هناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار؟
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تفرضها العقوبات، إلا أن إعادة الإعمار تتطلب أكثر من مجرد أموال. الحاجة إلى الاستقرار السياسي، والشفافية في إدارة المشاريع، وفتح قنوات التعاون الدولي تعد عناصر أساسية في عملية إعادة البناء، بحسب ما يؤكده محللون في تصريحات متفرقة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
الموقف الأميركي والأوروبي
في أحدث التصريحات الصادرة عن الإدارة الأميركية الحالية بخصوص “العقوبات الأميركية على سوريا”، قالت وزارة الخارجية، الاثنين، إنها سوف تتخذ قرارها بشأن تلك العقوبات على سوريا والاعتراف بالحكم الجديد “بناء على سلوك السلطات الجديدة” وتواصلها مع كل الأطراف المعنية في سوريا ولا تستبعد إرسال وفد لدمشق. وكان مشروعون أميركيون قد ذكروا في وقت سابق في تصريحات نقلتها عنهم “رويترز” أنه من السابق لأوانه رفع العقوبات حتى اتضاح الصورة في سوريا.
ويتبنى الاتحاد الأوروبي موقفاً مماثلاً للموقف الأميركي، وكانت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد، كايا كالاس، قد ذكرت يوم الأحد، في التصريحات التي نقلتها عنها “رويترز” أيضاً أن التكتل لن يقوم برفع العقوبات “إلا إذا ضمن حكامها الجدد عدم اضطهاد الأقليات وحماية حقوق المرأة تحت مظلة حكومة موحدة تنبذ التطرف الديني”.
وفي التصريحات التي نقلتها صحيفة “نيويورك تايمز”، دعا زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الملقب بـ”أبو محمد الجولاني”، يوم الاثنين، الحكومات ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية، إلى رفع العقوبات الأميركية، قائلاً إن تلك العقوبات تم فرضها على (النظام السابق) الذي رحل الآن. مشدداً في الوقت نفسه على أن “الأولوية الآن يجب أن تكون بناء الدولة وإنشاء مؤسسات عامة تخدم جميع السوريين”.
القطاع الخاص قاطرة التنمية
من جانبه، أكد المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة قاضي، في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن:
- العقوبات الاقتصادية تمثل عائقاً أمام إعادة إعمار سوريا بشكل شامل.
- رفع هذه العقوبات أمر ضروري؛ خاصة رفع الحظر عن البنك المركزي السوري والنظام المالي العالمي “سويفت”.
- ما تبقى من عقوبات على أشخاص وكيانات بعينها دون ذلك لا يؤثر على مسألة إعادة الإعمار.
- إزالة بعض هذه العقوبات خاصة الأميركية منها يحتاج استثناءً من الرئيس الأميركي.
- قانون قيصر تحديدًا إذا توقف تمديده هذا العام سيكون بمثابة قانون منتهي الصلاحية ولا داعي له.
وذكر أن رفع العقوبات من شأنه تسهيل التعامل مع الدول والشركات؛ كي تستطيع بدء إعادة إعمار سوريا، وهو ما يحتاج فترة زمنية تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات لوضع الاقتصاد السوري على الطريق الصحيح، وربما يصل يحتاج إلى خمس سنوات أخرى حتى تصبح سوريا واحدة من الدول الناهضة حال تحققت شروط الحكم الرشيد ووجود حكومة تكنوقراط حقيقية من أجل النهوض بكل القطاعات الاقتصادية التي كانت مهملة خلال حكم الأسد الأب والابن.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن محافظات شمال الشرق كانت مهملة تماماً خلال حكم الأسد على الرغم من أنها كانت تزود سوريا بالنسبة الأكبر من حاجتها من النفط و القمح والقطن، مشدداً على أن آل الأسد أهملوا تلك المحافظات، بخلاف أن باقي المحافظات أيضاً لم تلق العناية الكافية.
وأكد أن إعمار سوريا يحتاج إلى آلاف الشركات السورية العربية والأجنبية لدخول كل المحافظات السورية حتى تنهض جميعها، على أن يكون القطاع الخاص قاطرة التنمية بالبلاد، وتتولى شركات التطوير العقاري الخاصة المسؤولية من جهة، بينما الشركات الأخرى ومن خلال سعيها لخلق فرص عمل وإنتاج سلع وخدمات من داخل سوريا.
وكان الجولاني قد ذكر في التصريحات الإعلامية التي نشرها المكتب الصحافي لهيئة تحرير الشام، أن الأولويات الحالية في سوريا تتعلق ببناء المنازل المهدمة وإعادة المهجرين.
وفي هذا السياق، يفرض ملف إعادة الإعمار نفسه، كأبرز الملفات التي ينتظرها السوريون في الوقت الراهن، فيما تشير بعض التقديرات إلى أنها قد تتجاوز التريليون دولار.
مساع حكومية لإيجاد حلول سريعة
من جانبه، قال المحلل السوري الدكتور قصي عبيدو، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:
- هناك إرثاً طائلاً من الدمار الذي لحق بالبنى التحتية في سوريا، والذي طال المرافق العامة ومؤسسات الدولة بشكل شبه كامل في بعض المحافظات، ومنها الرقة ودير الزور وحلب شمال وصولاً إلى حماة ومحافظة اللاذقية.
- ما يحول بين سوريا الجديدة وإعادة إعمارها هي العقوبات الاقتصادية التي من شأنها منع وصول المواد الأساسية التي تستخدم في إعادة الإعمار.
- سوريا اليوم باتت في أمس الحاجة إلى رفع تلك العقوبات وفتح الحدود مع دول الجوار حتى تتمكن من استيراد تلك المواد والإسراع من عملية إعمار المنشآت الاقتصادية التي تسهم في دوران عجلة الإنتاج لتعافي الاقتصاد السوري.
- هناك مساعي تقوم بها حكومة الإنقاذ؛ لإيجاد حلول سريعة تسهم في رفع العقوبات عن سوريا والتي كان سببها رئيس النظام الهارب خارج البلاد بعد أن دمر سوريا بفعل تعنته وتحالفاته التي لم تجلب على السوريين سوى الجوع والفقر والحصار والدمار.
ورجح أن سوريا تحتاج لمدة تتراوح بين خمس إلى سبع سنوات لتنتهي من إعادة الإعمار، لافتًا إلى أن قيمة التريليون دولار التي يحددها البعض كحد أقصى لتكلفة الإعمار غير كافية، لكن يمكن البدء بها في ظل حالة الدمار وحاجة المواطنين المتضررين بهدم منازلهم والتهجير للتعويض.
وفيما لا توجد تقديرات محددة لكلفة إعادة الإعمار، فإن أقصى التقديرات تشير إلى تريليون دولار.
- في العام 2018، قال مسؤول أممي إن سوريا بحاجة إلى 300 مليار دولار لإعادة الإعمار.
- في ديسمبر 2021، أشار المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف، إلى تقديرات بقيمة 800 مليار دولار ككلفة لإعادة الإعمار.
- كان الأمين العام لجامعة الدول العربية، قد قدّر التكلفة بـ 900 مليار دولار.
تحديات تعيق إعادة الإعمار
وأوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور علي عبدالرؤوف الإدريسي، في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن المجتمع الدولي كان قد فرض العقوبات على النظام السوري الذي بات غير موجود الآن، بينما الشعب السوري أصبح هو المتضرر من استمرارها ومن الأحداث الناتجة عن عدم الاستقرار السياسي والأمني.
وشدد على ضرورة أن يتم إعادة النظر في هذه العقوبات لأنها تمثل عائقاً كبيراً أمام الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الدولية، والسعي بقوة لإعادة الإعمار بسوريا، قائلًا إنه من غير المنطقي أن تقوم دولة بفرض عقوبات على أخرى وفي نفس الوقت تقدم على مساعدتها. كما لفت إلى أن إنهاء العقوبات يعني تقديم مزيد من مساعدات المجتمع الدولي لسوريا.
واستعرض بعض التحديات الأخرى التي من الممكن أن تمثل عائقاً أمام إعادة الإعمار في سوريا بخلاف مسألة العقوبات، ومنها:
- الأضرار الجسيمة بالبنية التحتية، منها تدمير بالمدارس والمستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، وتدمير مدن رئيسية تحتاج لإعادة البناء مرة أخرى.
- وضع اقتصادي في غاية السوء نظراً لارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية بشكل حاد.
- عمليات عودة اللجوء والنازحين وما يترتب عليها من عواقب اقتصادية.
- تحديات سياسية لها تأثير اقتصادي على رأسها تعدد الفصائل، ما يحدث حالة من عدم الاستقرار السياسي، نظراً لأن كل فصيل يسعى للسيطرة على الحكم ما ينتج عنه صراعات سياسية تؤثر على الاستقرار السياسي الذي بدونه لن يتحقق استقرار اقتصادي.
وأفاد بأن عملية الإعمار في سوريا تحتاج لأكثر من تريليون دولار، لا سيما مع تغير الوضع في ظل ارتفاع معدلات التضخم منذ التقديرات السابقة التي حددت مبالغ أقل.