تتصاعد التوقعات المتفائلة بشأن مستقبل العملات المشفرة في ظل التطورات الجارية، وبينما ترى الغالبية أن القطاع يمر بفترة من التفاؤل الكبير في ظل الدعم المتزايد من شخصيات بارزة مثل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
هذا الدعم، الذي يعتبره الكثيرون مؤشراً على مستقبل واعد للعملات المشفرة، يعزز من التفاؤل بأن الكريبتو سيصبح جزءاً رئيسيًا من النظام المالي العالمي في المستقبل القريب.
ومع ذلك، على الرغم من هذه الرؤى الإيجابية، هناك أصوات أخرى تحذر من احتمالية ظهور شبح قاتم قد يهدد استقرار القطاع في السنوات المقبلة. هذه الأصوات تتبنى رؤية أكثر تشاؤماً، مشيرة إلى أن التفاؤل الحالي قد يخفي وراءه مخاطر غير مرئية قد تؤدي إلى مفاجآت غير سارة، وهو ما يجعل المستقبل غامضًا بالنسبة للعملات المشفرة.
شكوك
تطرح هذه الشكوك الكاتبة جيميما كيلي، والتي تقول ضمن مقال مطول لها في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، بعنوان (شبح قاتم لمستقبل العملات المشفرة)، إن الثقة المفرطة منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية قد تؤدي إلى انهيار القطاع مرة أخرى.
وتطرح الكاتبة فكرة رئيسية مفادها أن صناعة العملات المشفرة قد تواجه خطر الانهيار مجدداً بسبب قلة التنظيم والرقابة، وهو ما تسبب في الأزمة السابقة في العام 2021-2022. وتشير إلى أن الغياب الكامل للرقابة كان السبب في الفوضى التي حدثت من قبل، حيث استغل قادة الصناعة الثغرات في القوانين المتعلقة بالمخاطر والشفافية، مما أدى إلى انهيار العديد من المشاريع وفقدان المستثمرين أموالهم. ومع ذلك، تحاول صناعة الكريبتو الآن دفع فكرة أن تنظيمها كان مفرطًا ويجب تقليصه.
وتنقل في هذا السياق عن الباحث الفخري في كلية وارويك للأعمال، مارتن ووكر، شعوره بالقلق إزاء عدم قدرة الجهات التنظيمية على مواكبة التطورات. ويشددعلى أن “أحد الأشياء التي تعلمناها من التاريخ عن الأزمات المالية هو أن المخاطر تتراكم دائماً ثم تنفجر في مناطق لا يتوقعها المنظمون أبداً.. إن خطوط الصدع في النظام المالي ليست واضحة دائمًا.. لقد أصبح التمويل المشفر كبيراً جداً الآن ومن المؤكد أن هناك مخاطر كلية.. خطيرة وغير مفهومة إلى حد كبير”.
ومن عجيب المفارقات -بحسب كاتبة المقال- أن أولئك الذين يدفعون نحو تحرير العملات المشفرة من القيود التنظيمية هم الأكثر احتمالاً للتسبب في انهيارها المقبل. ولكن في المرة القادمة، قد لا تكون العملات المشفرة وحدها هي التي تتعرض للاحتراق، على حد وصفها.
دعم ترامب
ومما ذكرته في مقالها:
- من غير المستغرب أن يكون عالم العملات المشفرة في حالة من النشوة منذ فوز ترامب الذي وصف الصناعة ذات يوم بأنها “عملة احتيال”، ثم نصب نفسه “رئيس العملات المشفرة” ووعد بجعل أميركا ” عاصمة العملات المشفرة على هذا الكوكب.
- ارتفعت أسعار العملات المشفرة بشكل حاد على أمل فوز ترامب، ثم ارتفعت أكثر عندما فاز.
- ارتفعت عملة البتكوين بنحو ثلثي قيمتها منذ الانتخابات، لتبلغ أعلى مستوياتها على الإطلاق عند أقل من 100 ألف دولار.
- أضافت القيمة السوقية المقدرة لجميع العملات المشفرة – وهو مقياس مشكوك فيه ولكنه الوحيد المتاح – أكثر من تريليون دولار.
وتشير إلى أن ترامب يبدو بأنه سيفي بوعوده لعالم العملات المشفرة، وأن أكثر من 100 مليون دولار أنفقتها جماعات الضغط في مجال العملات المشفرة على الانتخابات الأميركية – والتي شكلت ما يقرب من نصف إجمالي الإنفاق المؤسسي – تؤتي ثمارها بشكل جيد.
في الأسبوع الماضي، ورد أن ترامب يتشاور مع صناعة العملات المشفرة بشأن من يجب أن يعينه كرئيس جديد لهيئة الأوراق المالية والبورصات.
وبعيدًا عن الدعم الضخم الذي يقدمه له عمالقة المليارديرات في صناعة العملات المشفرة، فإن ترامب لديه مصالح مالية شخصية في العملات المشفرة أيضًا، مثل مشروع أبنائه World Liberty Financial . لكنها تضيف قائلة: “لا ينبغي لأي من هذا أن يدفعنا إلى تصديق التزام ترامب الشديد بالوفاء بوعوده.. لكن (على العكس) ينبغي أن يقلقنا هذا”.
الثقة المفرطة
يقول كبير الاقتصاديين في شركة ACY الدكتور نضال الشعار، لموقع “اقتصادي سكاي نيوز عربية”، إن تعبير “الثقة المفرطة” في وصف الوضع الحالي بالنسبة للعملات المشفرة لا يبدو مناسباً، مشيراً إلى أن هناك توجهات جديدة لدى بعض المستثمرين لأسباب إدارية وسياسية أكثر من كونها اقتصادية.
ويؤكد أن الزيادة الأخيرة في الطلب على العملات المشفرة، وبالأخص البتكوين، جاءت نتيجة عدة عوامل رئيسية، منها قبول هيئة الأوراق المالية الأميركية إدراج صناديق الاستثمار المتداولة للبيتكوين، بالإضافة إلى دخول شركات كبيرة مثل بلاك روك في هذا المجال، ما أدى إلى ارتفاع سعر البتكوين دون تأثير كبير على العملات الرقمية الأخرى.
ويضيف: “تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الداعمة للعملات الرقمية، بالإضافة إلى إنشاء منصته الخاصة، وأيضاً مواقف إيلون ماسك (الداعم لترامب) المعروفة بتأييده للعملات الرقمية واستثماراته الكبيرة فيها، من العوامل التي أسهمت في تعزيز هذا التوجه”، لكنه يشدد على أن هذه العوامل هي عوامل سياسية وإدارية بحتة وليست اقتصادية.
وحول مستقبل العملات المشفرة، يقول الشعار إنه من الصعب التنبؤ به نظراً للضبابية المحيطة بعدة عوامل؛ أبرزها القواعد التنظيمية التي ستصدر العام المقبل وعلاقتها بالمصارف المركزية والمؤسسات المالية. كما يحذر من أن غياب قواعد اقتصادية متينة وراء ارتفاع الأسعار يجعل العملات الرقمية عرضة لتقلبات عنيفة، كما حدث في السنوات السابقة.
وفيما يتعلق بتصريحات ترامب الأخيرة بشأن دعم الدولار كعملة عالمية أساسية ومعارضته لتحركات دول “البريكس” لتقويض مكانة الدولار، يشير إلى أن هناك تعارضاً واضحاً بين هذا الموقف ودعمه للعملات الرقمية، التي يمكن اعتبارها عملات منافسة للدولار.
ويختتم الشعار حديثه بالتأكيد على أن مستقبل العملات الرقمية يبقى مرتبطاً بعوامل غير واضحة، ما يجعل التنبؤ به صعباً في المرحلة الحالية.
البتكوين إلى 225 ألف دولار!
لكن على الرغم من ذلك، يطرح عديد من المحللين رؤى أكثر تفاؤلاً بشأن أداء العملات المشفرة، لا سيما البتكوين باعتبارها العملة الأكبر.
مارك بالمر، المحلل البارز في بنك الاستثمار The Benchmark Company ومقره نيويورك، يقول إنه يتوقع ارتفاع سعر البتكوين إلى 225 ألف دولار بحلول نهاية العام 2026. وهذا يعني مكسباً بنسبة 136 بالمئة من المستويات الحالية.
وقال بالمر في مقابلة مع ياهو فاينانس، الأسبوع الماضي إن هذا الارتفاع سيكون مدفوعاً بشكل أساسي بالمستثمرين المؤسسيين، الذين سيستمرون في زيادة شهيتهم للبيتكوين في السنوات القادمة.
أشار بالمر إلى سعر الذهب ، الذي بدأ في الارتفاع عندما بدأ المستثمرون وصناديق التقاعد في شراء صناديق الذهب المتداولة في البورصة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وقد فتح هذا التطور الباب أمام تحول الذهب إلى استثمار أكثر انتشارا، حيث ارتفع سعر المعدن النفيس بنسبة 845 بالمئة منذ بداية القرن.
وأضاف: “الحقيقة هي أن لديك الكثير من المعاشات التقاعدية غير الممولة بشكل كاف. البتكوين هو أصل غير مرتبط مع الكثير من الإمكانات الصاعدة. لذا فإن إضافة جزء من المحفظة من حيث البتكوين أمر منطقي.. إذا استمر هذا الأمر واستمرت المؤسسات وهي تجد طرقًا تمكنها من إدراج البتكوين والعملات المشفرة في محافظها الاستثمارية، سيؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على البتكوين بشكل كبير، وهذه هي الطريقة التي يمكنك بها الوصول إلى سعر أعلى بكثير.”
وقد يتلقى سعر البتكوين أيضًا دعمًا من بيئة أكثر ودية للعملات المشفرة، حيث يأمل المستثمرون في أن يساعد ترامب في تعزيز أسعار العملات المشفرة خلال ولايته الثانية.
ويبحث المتداولون عن الرئيس المنتخب – المعروف في القطاع باسم ” رئيس العملات المشفرة ” – لتقليص التنظيم وربما إنشاء احتياطي وطني للبيتكوين ، والذي اقترحه في الأشهر التي سبقت الانتخابات.
ارتفاعات جنونية
من جانبه، يؤكد رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن سوق العملات المشفرة شهدت ارتفاعات “جنونية” في شهر نوفمبر، موضحاً أن جزءاً من هذه الارتفاعات مبرر بينما هناك جزء آخر غير مبرر.
ويشير إلى أن الأسباب المبررة لهذه الارتفاعات تتمثل في تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، حيث وعد بدعم العملات المشفرة من خلال تخفيف القيود التنظيمية عليها وتشجيع الابتكار في هذا المجال. كما أشار إلى أن تعيين شخصيات بارزة، مثل إيلون ماسك ومسؤولين آخرين مؤيدين للعملات المشفرة في إدارته، عزز من هذه التوقعات.
مع ذلك، يعتقد يرق بأن الجزء غير المبرر من هذا الصعود يتعلق بدخول أموال كبيرة إلى الصناديق المرتبطة بالعملات المشفرة، وهو أمر لا يفسر بشكل كامل هذا الارتفاع الكبير (فقد تكون هناك عوامل أخرى تقود ذلك).
ويضيف: “السوق قد تواجه تحديات محتملة مع بداية تنفيذ السياسات المرتبطة بالعملات المشفرة بعد تنصيب ترامب في 20 يناير. فقد تكون هناك ضغوط من القطاع المصرفي تدفع نحو تنظيم أشد، وهو ما قد يؤثر على السوق بشكل عام”، لافتاً إلى أن أسعار البتكوين الحالية تلامس مستويات قياسية لكنها تجد صعوبة في تجاوز حاجز الـ100 ألف دولار. كما يحذر من احتمالية حدوث تصحيح في الأسواق المالية في حال نقص السيولة، مما قد يضغط على العملات المشفرة ويؤدي إلى تراجع في قيمتها.
ويقول إن مستقبل العملات المشفرة سيعتمد بشكل كبير على كيفية تطبيق الوعود الانتخابية للرئيس، والسياسات التنظيمية التي ستعتمدها الهيئات المختصة خلال الفترة المقبلة.