من شأن فوز دونالد ترامب مجدداً برئاسة الولايات المتحدة أن يكون له تأثير كبير على مجموعة العشرين (G20) ومبادراتها الاقتصادية والسياسية.
وخلال فترة ولايته الأولى، اتسمت سياسات ترامب بمواقف متشددة تجاه التعاون متعدد الأطراف، حيث كان يعارض العديد من الاتفاقيات الدولية والتجمعات العالمية التي كان يرى أنها لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة بشكل مباشر.
هذه السياسات قد تعيد تشكيل تشكيل فعالية مجموعة العشرين، التي تضم أكبر اقتصادات العالم، وتثير تساؤلات حول مستقبل التعاون بين هذه الدول في مواجهة القضايا العالمية الكبرى.
وتعد المجموعة منصة أساسية للتنسيق بين أكبر اقتصادات العالم في مجالات مثل التجارة، النمو الاقتصادي، والتغير المناخي.
ومع فوز ترامب، الذي أبدى سابقًا تفضيله للنهج الأحادي في معالجة القضايا العالمية، قد تتأثر مفاوضات مجموعة العشرين بشكل ملحوظ.
وهذه التأثيرات قد تشمل تراجع التزامات الولايات المتحدة تجاه اتفاقيات مناخية دولية أو تغييرات في مواقفها حول التجارة الحرة، ما يضعف من قدرة المجموعة على تبني سياسات جماعية فعالة.
علاوة على ذلك، يعكس موقف ترامب المتشكك في التجمعات الدولية، بما في ذلك مجموعة العشرين، تصاعدًا في النزعات الأحادية التي تسعى إلى إعادة هيكلة النظام العالمي لصالح مصالح الدول الكبرى.
في ضوء هذه السياسة، قد تضطر مجموعة العشرين إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها، وقد تتخذ منحى أكثر مرونة في تعاملها مع الولايات المتحدة أو تعزز تعاونها مع باقي الأعضاء لدعم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إلى أن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة يشكل تهديداً حقيقياً للمبادرات الدولية الخاصة بتغير المناخ والضرائب.
واستدل التقرير بالنقاشات والمفاوضات التي أجريت عشية اجتماع القمة الحالية في البرازيل، لا سيما فيما يتعلق بتهديد الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، الذي يُعتبر حليفاً وثيقاً لترامب، بعرقلة البيان المشترك، وذلك بسبب اعتراضات تتعلق بفرض الضرائب على الأثرياء والمساواة بين الجنسين، وفقاً لما أفاد به أشخاص مطلعون على المفاوضات.
بحسب الصحيفة، فقد أسهم موقف مايلي في زيادة مخاوف عديد من الدبلوماسيين الغربيين، الذين يعتقدون بأن انتخاب ترامب قد يشجع حلفاءه المحافظين ويؤدي إلى انسحاب الدول من الاتفاقيات الطموحة المتعلقة بقضايا مثل الانحباس الحراري العالمي. كما تعهد ترامب سابقاً بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.
جاءت معارضة بوينس آيرس للمشروع الأولي للبيان، الذي أعده ممثلو الزعماء في المدينة البرازيلية، بعد محادثات أجراها ميلي مع ترامب في فلوريدا يوم الخميس، والتي مثلت أول لقاء للرئيس الأميركي المنتخب مع زعيم أجنبي منذ فوزه في الانتخابات.
لكن في هذا السياق، نفى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن يكون تشكك ميلي في تغير المناخ أو وصول ترامب الوشيك إلى البيت الأبيض بمثابة نهاية للتعاون العالمي في هذه القضية، حيث قال: “لا أعتقد ذلك”، وأكد في حديثه الصحافي في طريقه إلى ريو أن المملكة المتحدة تظهر القيادة في قضايا من هذا النوع.
من جانبه، طالب أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الدول المفاوضة في مجموعة العشرين خلال تصريحاته في ريو بالتحلي بروح الإجماع، قائلاً: “إذا انقسمت مجموعة العشرين، فإنها ستفقد نفوذها ونفوذها العالميين”.
ويشار إلى أن هذه القمة ستكون الأخيرة للرئيس الأميركي جو بايدن، الذي سعت إدارته إلى تعزيز التعاون عبر المنظمات متعددة الأطراف مثل حلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع، في محاولة للتصدي لتحديات مثل الحرب في أوكرانيا.
تداعيات فوز ترامب
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن فوز دونالد ترامب بالرئاسة قد يكون له تأثير ملحوظ على مسار عمل ومبادرات مجموعة العشرين، مستندًا إلى سياساته ومواقفه السابقة، موضحاً أن هناك عدة جوانب قد تتأثر نتيجة هذا التطور، على النحو التالي:
- تعطيل المبادرات المناخية: ترامب سبق وأن انسحب من اتفاقية باريس للمناخ خلال فترة رئاسته الأولى، مما يشير إلى احتمالية تأثيره السلبي على الجهود المناخية الجماعية لمجموعة العشرين.
- التوجه نحو الحمائية الاقتصادية: سياسات ترامب الحمائية التي اتسمت بفرض التعريفات الجمركية وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية قد تؤدي إلى تعقيد النقاشات خلال السنوات المقبلة حول التجارة الحرة وتفاقم التوترات التجارية بين الدول الأعضاء.
- تراجع الدعم للتعددية: أظهرت سياسات ترامب السابقة ميلاً نحو الانعزالية، مما قد يضعف دور الولايات المتحدة في دعم العمل الجماعي داخل المجموعة ويؤثر على قدرتها على تنسيق الجهود بشأن القضايا الاقتصادية العالمية.
- إعادة صياغة الأولويات: يمكن أن يدفع فوز ترامب بأجندة المجموعة نحو التركيز على قضايا مثل الهجرة والنزاعات الجيوسياسية، على حساب قضايا التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
- تعزيز الانقسامات الجيوسياسية: قد تتسبب سياسات ترامب المتصلبة تجاه الصين وروسيا في تفاقم الانقسامات داخل المجموعة، مما قد يجعل الوصول إلى توافق حول القضايا الرئيسية أكثر صعوبة.
ويضيف: “تأثير ترامب على المجموعة ليس مطلقًا، بالنظر إلى تنوع الدول الأعضاء وتباين مصالحها”.
وقال:”الاتحاد الأوروبي والصين، على سبيل المثال، قد يعملان على موازنة المواقف والاستمرار في المبادرات الحيوية”، مشيراً إلى أن التجربة السابقة مع ترامب أظهرت أنه رغم سياساته، فإن الضغط الجماعي من بقية الدول الأعضاء ساهم في استمرارية بعض المبادرات المهمة.
ويؤكد الإدريسي أن عودة ترامب قد تشكل تحدياً جديداً لمجموعة العشرين، ولكنها في الوقت نفسه قد تدفع الدول الأعضاء إلى تعزيز العمل الجماعي لمواجهة التحديات المشتركة.
مستقبل غير مؤكد
وبحسب تقرير لـ politico، فإن فوز ترامب سيجعل مستقبل مجموعة العشرين غير مؤكد، حيث أوضح الرئيس المنتخب أنه يفضل العلاقات الثنائية مع البلدان الأخرى بدلاً من بناء التوافق من خلال المنظمات الدولية.
ونقل التقرير عن نائب مساعد رئيس الوزراء البريطاني لشؤون مجموعة العشرين، كريون بتلر، قوله: “إنه عالم أكثر صعوبة، ولا أعتقد بأن ترامب سيشارك بايدن نفس الأهداف الحالية”.
وباستثناء ترامب، يرى باتلر مزيدا من التشرذم في مجموعة العشرين، مع ظهور أربع مجموعات: الولايات المتحدة؛ ودول مجموعة السبع الأخرى، إلى جانب كوريا الجنوبية وأستراليا؛ و”الجنوب العالمي”؛ وروسيا مع الصين. وأضاف “من عجيب المفارقات أننا سنحتاج إلى مجموعة العشرين أكثر من أي وقت مضى”.
سياسات الرئيس المنتخب
وبدوره، يلفت مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن فكرة “ترامب” وسياساته تنطلق من رؤية ترتكز على شعارات مثل “أميركا أولاً”، “أميركا العظمى”، و”أميركا داخل حدودها”، وهو ما يعكس موقف من التكتلات الدولية المختلفة، مؤكداً أن هذا الفكر يعكس تناقضاً جوهرياً مع كافة المبادرات الدولية مثل مبادرات مواجهة الاحتباس الحراري، اتفاقية باريس للمناخ، والتعاون الدولي على المستويات الاقتصادية والسياسية.
ويوضح الديب أن السياسة الحمائية التي يتبناها هذا الفكر تتعارض بشكل صريح مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، حيث يدعو إلى الانعزال والعمل بشكل منفرد، بعيداً عن الاعتماد على الحلفاء أو التعاون معهم، سواء كانوا عسكريين، استراتيجيين، اقتصاديين، أو سياسيين.
ويضيف: هذا التوجه يرفض الانخراط مع التكتلات الدولية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي، حلف الناتو، مجموعة السبع الكبرى، ومجموعة العشرين.
وأكد الديب أن مثل هذا الفكر يتناقض مع طبيعة النظام الدولي القائم على الشراكات والتحالفات، مما يجعل تطبيقه أمراً صعباً في ظل تعقيدات العالم الحديث.
وتشكل دول مجموعة العشرين مجتمعة أكثر من 85 بالمئة من الناتج الاقتصادي العالمي، ونحو 75 بالمئة من الصادرات العالمية، ونحو 80 بالمئة من سكان العالم.
وقد ظلت هذه الأرقام مستقرة نسبيا في حين تقلصت المعدلات المقابلة لدول مجموعة السبع ، وهي مجموعة أصغر من الديمقراطيات المتقدمة، مع استحواذ الأسواق الناشئة الأكبر حجما على حصة أكبر نسبيا من اقتصاد العالم.
تأسست مجموعة العشرين في العام 1999، لتضم وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من عشرين من أكبر الاقتصادات في العالم. وبعد عقد من الزمان، وفي ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية، تم رفع مستوى مجموعة العشرين لتشمل رؤساء الدول والحكومات.