استعدادًا لعودة حرب تجارية محتملة بين أكبر اقتصادين في العالم، أعدت الصين مجموعة من التدابير المضادة لمواجهة أي تهديدات قد تطرأ من الولايات المتحدة بقيادة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
يقول مستشارون في بكين ومحللون دوليون إن الصين قد تكون مستعدة لتوجيه ضربات اقتصادية مؤلمة إذا استمر ترامب في اتباع نهج العدائية الاقتصادية مع بكين، بحسب تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه.
- تعود بداية التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة إلى فوز ترامب في انتخابات 2016، وهو ما فاجأ الحكومة الصينية التي لم تكن تتوقع هذا التحول.
- وسرعان ما بدأ ترامب في فرض رسوم جمركية عالية على الصادرات الصينية، بالإضافة إلى تطبيق قيود على الاستثمارات الصينية وفرض عقوبات على شركات صينية.
- في ظل ذلك، عملت الصين على تعزيز موقفها الاقتصادي من خلال سن مجموعة من القوانين التي تعطيها القدرة على الرد بشكل قوي، مثل القانون المضاد للعقوبات الذي يتيح لها اتخاذ إجراءات مضادة ضد العقوبات الأجنبية، وقائمة الكيانات غير الموثوقة التي تدرج الشركات الأجنبية التي تعتبرها تهدد مصالحها الوطنية.
- كما تم تعزيز قانون مراقبة الصادرات، مما يسمح لبكين باستخدام هيمنتها على العديد من الموارد الأساسية مثل المعادن النادرة والليثيوم، وهي مواد حيوية في التكنولوجيا الحديثة، كأداة ضغط على الولايات المتحدة.
التأثير المحتمل على الشركات الأمريكية
ونقل التقرير عن رئيس تحليل الصين في شركة “Control Risks”، أندرو جيلهولم، إشارته إلى أن الصين قد تكون أكثر قدرة على إلحاق الضرر بالمصالح الأميركية مما يعتقده الكثيرون، موضحاً أن بكين بدأت بالفعل في فرض عقوبات على بعض الشركات الأميركية مثل “Skydio”، وهي أكبر شركة للطائرات المسيرة في الولايات المتحدة ومورد للجيش الأوكراني، مما يمنع الشركات الصينية من تزويدها بالمكونات الأساسية.
كما هددت الصين بوضع شركة “PVH” التي تشمل علاماتها التجارية “كالفن كلاين” و”تومي هيلفيغر” على قائمة الكيانات غير الموثوقة، مما قد يحرم الشركة من الوصول إلى السوق الصينية الضخمة. واعتبر جيلهولم أن هذه الخطوات ما هي إلا بداية لما قد يكون قادمًا من إجراءات اقتصادية صينية.
تحصين سلاسل الإمداد
في ظل هذه التوترات، تسعى الصين إلى جعل سلاسل الإمداد الخاصة بها في مجال التكنولوجيا والموارد أكثر مقاومة للتقلبات التي قد تسببها العقوبات الأميركية. كما تبذل الصين جهدًا كبيرًا لتوسيع تجارتها مع الدول التي لا تتبع نفس التوجهات السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة.
من جانبها، أضافت تشونغ وانغ، خبيرة السياسة الخارجية في جامعة “تشجيانغ” الصينية، أنه بينما كانت العلاقات الصينية الأميركية أكثر استقرارًا خلال الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، فإن السياسات التي اتبعها بايدن في معظمها استمرت في نفس اتجاه سياسات ترامب.
لكن الصين لا يمكنها تجاهل التهديدات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية قد تتجاوز 60 بالمئة على جميع الواردات الصينية، خاصة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، وضعف ثقة المستهلكين والشركات، بالإضافة إلى البطالة المرتفعة بين الشباب.
وفي هذا السياق، قال البروفيسور غونغ جيونغ من جامعة “بكين” الدولية للأعمال والاقتصاد إن الصين قد تكون مستعدة لإجراء المزيد من الاستثمارات المباشرة في الصناعة الأمريكية أو نقل بعض مصانعها إلى دول لا تثير قلق واشنطن.
الإجراءات المضادة الصينية
بينما يرى بعض المحللين مثل جو مازور، المحلل المتخصص في التجارة الصينية الأميركية، أن الحماية الاقتصادية التي قد يفرضها ترامب قد تكون في صالح الصين، حيث أن فرض رسوم على الواردات قد يدفع بعض الاقتصاديات الكبرى إلى تعزيز علاقتها التجارية مع الصين بحثًا عن أسواق تصدير أكثر ملاءمة.
من ناحية أخرى، هناك من يرى أن الإجراءات المضادة التي قد تتخذها الصين قد تؤدي إلى ضرر طويل الأمد على الشركات الصينية واقتصادها بشكل عام. في هذا السياق، أكد جيمس زيمرمان، الشريك في شركة المحاماة ” Loeb & Loeb ” في بكين، أن الحكومة الصينية قد تكون غير مستعدة تمامًا لولاية ثانية لترامب، بما في ذلك الفوضى الدبلوماسية التي قد تصاحب هذه المرحلة.
التوقعات بعودة التوترات التجارية
ويرى زيمرمان أيضًا أن التوترات التجارية قد تزداد بسبب فشل الصين في الوفاء بالالتزامات التي تم الاتفاق عليها في صفقة تجارية مع الإدارة الأولى لترامب عام 2020، التي شملت شراء الصين كميات كبيرة من السلع الأمريكية.
ويختتم زيمرمان بأن تحركات الصين يجب أن تركز على تجنب فرض المزيد من الرسوم الجمركية، مشيرًا إلى أن احتمالية اتساع الحرب التجارية في حال فوز ترامب بولاية ثانية هي احتمال وارد.
استعدادات بكين
من جانبه، يقول مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الصين استعدت بشكل جيد للتعامل مع فترة رئاسة ترامب المقبلة في البيت الأبيض، وكأنها كانت تتوقع هذه المرحلة وتستعد لمواجهتها، مشيراً إلى أنه إذا مضى ترامب في تنفيذ تهديداته بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الصين، فإن بكين تمتلك العديد من الخيارات الاستراتيجية لمواجهة التداعيات الاقتصادية.
وأوضح أن الصين وضعت خططاً لتعزيز صمودها في مواجهة هذه التحديات؛ منها تخفيض قيمة عملتها الوطنية “اليوان” لتعزيز صادراتها، بالإضافة إلى تبني تدابير تشمل فرض قيود على تصدير المواد الخام المهمة، وفرض رسوم جمركية على المنتجات الزراعية الأميركية. كما أشار إلى إعداد قائمة كيانات تستهدف شركات أميركية كبرى كجزء من استراتيجيتها.
تشمل إجراءات الصين خفض الضرائب وتقديم تسهيلات استثمارية بهدف تحقيق توازن اقتصادي في مواجهة السياسات الأميركية. كما تبنت بكين سياسة “الانفتاح الأحادي”، حيث عززت علاقاتها التجارية مع دول بعيدة عن واشنطن، مثل أستراليا وكوريا الجنوبية، عبر تقديم تسهيلات مثل تخفيف متطلبات التأشيرات دون المطالبة بإجراءات مماثلة من تلك الدول. كما تدرس الصين تقديم حوافز اقتصادية في قطاعات حيوية تشمل المعدات الكهربائية والاتصالات والمنتجات الزراعية لفتح أسواق جديدة وتعزيز الشراكات التجارية مع أوروبا وآسيا.
وأشار الديب إلى أن الصين تتجه أيضاً إلى حجب إمدادات المعادن الحيوية وبيع الأصول الأميركية، مثل سندات الخزانة، كجزء من سياساتها لمواجهة الإجراءات الأميركية. وقد أعلنت الصين عن برنامج اقتصادي ب للتعامل مع أزمة ديون الحكومات المحلية، وهو جزء من جهودها لدعم اقتصادها المتباطئ في مواجهة المخاطر الجديدة.
أدوات بديلة
كما لفت الانتباه إلى نجاح الصين في تمرير بضائعها إلى الأسواق الأميركية عبر دول ثالثة مثل فيتنام وإندونيسيا والمكسيك. وأوضح أن العديد من المنتجات الموردة إلى الولايات المتحدة تُصنع فعلياً في مصانع صينية، ما يعكس تعقيد سلاسل التوريد بين البلدين منذ عام 2021، رغم محاولات واشنطن تنويعها. هذا النهج أدى إلى اتساع الاختلالات التجارية، حيث حققت فيتنام، على سبيل المثال، فائضاً تجارياً قياسياً مع الولايات المتحدة.
وحذر من أن الإجراءات الحمائية الأميركية قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار داخل الولايات المتحدة، مما يزيد من التكاليف على الشركات والمستهلكين الأميركيين.
وفي ختام تصريحه، أشار الديب إلى إمكانية لعب إيلون ماسك دوراً مهماً في تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدةوالصين خلال ولايه ترامب المقبله، موضحاً أن ماسك يمتلك علاقات قويةمع المسؤولين الصينيين خصوصا بعد تأسيسه أول مصنع سيارات مملوك بالكامل لأجنبي في الصين. واستشهد بتجربة الدبلوماسي الأميركي هنري كيسينجر الذي نجح في تطبيع العلاقات بين البلدين خلال زيارته التاريخيه لبكين.
أزمة بكين
وبحسب تقرير لـ “نيويورك تايمز”، فإنه بينما يستعد ترامب الآن لفترة ولايته الثانية في البيت الأبيض، فإنه يتعهد بتكثيف الأعمال العدائية التجارية مع الصين من خلال فرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 60 بالمئة أو أكثر على جميع الواردات الصينية. وهو يضغط على بلد عانى من مزيج قوي من القوى المتداخلة: النهاية الكارثية لموجة الاستثمار العقاري ، والخسائر التي لا يمكن حسابها في النظام المصرفي ، وأزمة ديون الحكومات المحلية ، والنمو الاقتصادي المتعثر والأسعار المنخفضة بشكل مزمن – وهو نذير محتمل للركود الطويل الأجل.
وأضاف التقرير: لقد أدى تراجع ثروات الشركات الصينية في الداخل إلى تركيز الشركات الصينية بشكل خاص على المبيعات في الخارج. وهذا يجعل البلاد عُرضة لأي تهديد لنمو صادراتها، وهو الضعف الذي من شأنه أن يعزز الضغوط المتوقعة من إدارة ترامب في خططها للسعي إلى التوصل إلى صفقة من شأنها أن تزيد من المشتريات الصينية من السلع الأميركية.
ونقل عن إسوار براساد، أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل والذي كان يشغل في السابق منصب رئيس قسم الصين في صندوق النقد الدولي، قوله: “لقد تحول ميزان القوى بالتأكيد لصالح الولايات المتحدة. إن الاقتصاد الصيني ليس على وشك الانهيار، لكنه يعاني منذ فترة”.
حرب التعريفات
وإلى ذلك، أوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، أن الصين تستطيع مواجهة حرب التعريفات الجمركية والسياسات الأميركية، مثل تلك التي ستتبناها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، من خلال تبني عدة استراتيجيات فعّالة لتعزيز مرونتها الاقتصادية والحد من تأثير هذه السياسات عليها.
وأوضح الدكتور الإدريسي أن هذه الاستراتيجيات تشمل:
- تنويع الأسواق الدولية: تسعى الصين إلى توسيع نطاق تجارتها الدولية عبر تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، والبلدان الآسيوية، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية، وذلك للتقليل من اعتمادها على السوق الأميركية.
- تعزيز الاقتصاد الداخلي: التركيز على رفع مستوى الاستهلاك المحلي كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي، ما يجعل الاقتصاد الصيني أقل تأثرًا بحروب التعريفات الجمركية.
- الابتكار في التكنولوجيا: تعمل الصين على تطوير التكنولوجيا المحلية والاستثمار في الصناعات الاستراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي، والجيل الخامس، والروبوتات، لتقليل اعتمادها على الشركات التكنولوجية الأميركية.
- تعزيز العلاقات مع الدول النامية: من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، تسعى الصين إلى بناء شراكات اقتصادية مع الدول النامية، مما يوفر أسواقًا بديلة ويعزز نفوذها الاقتصادي العالمي.
- التعاون مع الحلفاء الدوليين: يشكل التعاون مع دول تكتل البريكس ومنظمات دولية مثل منظمة التجارة العالمية وسيلة للصين لمواجهة السياسات الأمريكية عبر اتفاقيات تجارية ثنائية ومتعددة الأطراف.
- تحسين بيئة الأعمال الداخلية: تعمل الصين باستمرار على تحسين بيئة الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية.
وأكد الإدريسي أن هذه الإجراءات الاستراتيجية تعكس قدرة الصين على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، وتعزيز مرونتها لمواجهة أي ضغوط مستقبلية ناجمة عن السياسات الأميركية.