في فيديو قصير مدته سبع ثوانٍ نُشر هذا الشهر على الحساب الرسمي لكامالا هاريس، يظهر دونالد ترامب وهو يخطئ في تحديد موعد يوم الانتخابات، حيث أخبر الحضور بأن عليهم الخروج للتصويت في 5 يناير. وتم التعليق على الفيديو بعبارة “الرجل يتنافس على الرئاسة ولا يعرف حتى متى يوم الانتخابات”، مع رموز تعبيرية تضحك.
بينما وُصفت انتخابات 2016 بأنها “انتخابات فيسبوك” بسبب تزايد استخدام المنصة الاجتماعية خلال الحملات الانتخابية، أصبح تطبيق تيك توك الخيار المفضل لحملة هاريس وترامب في سعيهما لجذب الناخبين الشباب، وفق تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، والذي نقل عن لارا كوهين، رئيسة قسم المبدعين في Linktree، التي تعمل على مبادرات تشجيع الناخبين: “هذه الانتخابات هي انتخابات تيك توك”. وأشارت إلى أن الحملات تدرك أن جيل الألفية هو مجموعة سكانية يجب التركيز عليها للفوز، وهذا يتطلب تحفيزهم عبر الإنترنت.
استغلت الحملات الانتخابية ثقافة الإنترنت اللامبالية والميمات واللغة العامية على تيك توك، في حين أن خوارزمية فيسبوك، المملوكة لمارك زوكربيرغ، قد تحولت عمدًا بعيدًا عن المحتوى السياسي، مما أدى إلى تقليص وصول المحتوى السياسي.
- توفر خوارزمية تيك توك، التي تقدم للمستخدمين مجموعة جذابة من مقاطع الفيديو القصيرة، فرصة للحملات للوصول إلى جماهير جديدة قد لا تبحث عن المحتوى السياسي بشكل عام.
- تسمح تصميمات التطبيق للفقاعات المختلفة بالتفاعل مع بعضها البعض، مما يساعد المستخدمين على اكتشاف محتوى خارج اهتماماتهم المعتادة.
- استخدم المستخدمون ميزات شائعة مثل (duetting) والبث المباشر لمناقشة القضايا السياسية.
- كما بدأ بعض المبدعين في إنتاج مقاطع فيديو تُعرف بـ (fancam)، والتي تتضمن تجميعات من صور أو مقاطع فيديو للمرشحين مع تأثيرات، وهو نوع من المحتوى الذي يُنتج عادةً للاحتفال بالفنانين والممثلين.
- ظهرت أيضًا ظاهرة لتصوير مستخدمي تيك توك لأنفسهم أثناء ملء بطاقات الاقتراع البريدية مع موسيقى.
أهمية تيك توك
في هذا السياق، يقول العضو المنتدب لشركة “آي دي تي للاستشارات والنظم” محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
تؤثر حملات تيك توك في نتائج الانتخابات الأميركية بالفعل.
- بطبيعة الحال، أصبحت حملات السوشيال ميديا الدعائية، سواء كانت للتسويق للمنتجات أو للحملات السياسية، أكثر تأثيرًا في السنوات الأخيرة.
- تستهدف هذه الحملات فئات عمرية واسعة، خاصة فئة الشباب التي تتأثر بالسوشيال ميديا وتحديدًا بتطبيق تيك توك.
- اكتسب تيك توك شعبية كبيرة مؤخرًا، وتشير الإحصاءات إلى أن نتائج الانتخابات الأخيرة شهدت تأثيرًا واضحًا للسوشيال ميديا، خصوصًا من خلال تيك توك في بعض الدول.
- تيك توك يعد من أكثر المنصات شعبية.. الفيديوهات القصيرة أداة فعالة للغاية، وتستهدف فئة جماهيرية ضخمة.
- رغم التحفظات والمخاوف الأمنية حول تيك توك وعلاقته بالحكومة الصينية، فإنه لا يزال يحتفظ بتأثيره بين الناخبين في الغرب.
ويضيف: على الرغم من الحملات التي تعارض تيك توك، إلا أنه يؤثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات. والمرشحون يدركون هذا التأثير، وقد رأيناهم يظهرون في فيديوهات قصيرة لنشر رسائلهم الانتخابية. هذه الرسائل المكثفة، التي تصل خلال ثوانٍ معدودة، تظل عالقة في أذهان الناخبين، مما دفع المرشحين للتركيز عليها.
ترامب، على سبيل المثال، أصبح محترفًا في استخدام هذه المنصات مؤخرًا. فقد رأيناه يظهر في فيديو يرتدي زي عمال ماكدونالدز لخدمة الزبائن بهدف إيصال رسالة سياسية معينة. وبالتالي فإن هذه النوعية من الفيديوهات أصبحت جزءًا أساسيًا ومؤثرًا في الحملات الانتخابية.
تنافس بين الحملتين
بالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فقد أشار إلى أنه لتعزيز وصول هاريس بعد أن أصبحت مرشحة ديمقراطية في يوليو، استأجرت حملتها مجموعة من الشباب الذين يتمتعون بخبرة في الموسيقى الشائعة وأنماط التحرير الرائجة. وقد أنتجوا مقاطع فيديو مختلفة حول قضايا مثل الإجهاض وتغير المناخ، بجانب مقاطع مضحكة لترامب.
في الوقت نفسه، سعت الحملة إلى جذب المبدعين على المنصة، ودعتهم إلى فعاليات في البيت الأبيض وإلى المؤتمر الوطني الديمقراطي، على أمل أن تنتشر رسائلهم بشكل عضوي بين متابعيهم على تيك توك.
في المقابل، قدمت حملة ترامب محتوى أكثر جديّة، حيث تتضمن مقاطع موسيقى مقلقة وتوقعات قاتمة حول الاقتصاد والهجرة المتزايدة في ظل رئاسة هاريس.
ووفق التقرير، فإن استراتيجية هاريس على تيك توك تعتبر “مثالية لأي علامة تجارية، ناهيك عن السياسيين”، بينما تُعتبر استراتيجية ترامب “أقل توافقًا” مع طبيعة تيك توك وأقرب إلى المواد التقليدية للحملات الانتخابية.
على الرغم من أن حساب هاريس لديه 5 ملايين متابع، مقارنةً بـ 12 مليونًا لترامب، إلا أن حسابها KamalaHQ حقق 1.5 مليار مشاهدة مقابل 1 مليار لترامب.
تراجع
ومع ذلك، فقد تراجعت حماس هاريس في الأسابيع الأخيرة، سواء في الاستطلاعات أو على تيك توك. وقد أظهرت بيانات من منصة CredoIQ أن المحتوى المحافظ أصبح أكثر شيوعًا من المحتوى التقدمي بعد المناظرة بين المرشحين في أوائل أكتوبر. وأشار بن دار، مؤسس CredoIQ، إلى أن زيادة المحتوى المؤيد لترامب قد ساهمت في هذا التحول.
تتكون وحدة العمليات الرقمية في حملة هاريس من حوالي 250 فردًا، مع فريق استجابة سريعة يتكون من 15 شابًا، يتابعون الاتجاهات عبر الإنترنت بشكل لحظي. ويخضع المحتوى لعملية موافقة خفيفة، مع التركيز على التجربة والخطأ.
على الرغم من أن ترامب يعتقد أن حملته عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي “الأعظم في التاريخ”، إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن هناك عددًا أقل من السياسيين الجمهوريين على تيك توك، مما يمثل فرصة ضائعة للحزب. ومع اقتراب الانتخابات، تظل قدرة المتابعين على تيك توك في التأثير على نتائج الاقتراع غير واضحة، حيث تشير بعض المؤشرات إلى نشاط متزايد بين الناخبين الشباب، وفق التقرير.
دور رئيسي
المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا متزايدًا في الحملات الانتخابية حول العالم، ولا يُستثنى تيك توك من هذه المعادلة حيث يستخدمه 170 مليون أميركي معظمهم من الشباب.
- في الولايات المتحدة، حيث تعتمد الانتخابات بشكل كبير على الوصول إلى الناخبين من جميع الفئات العمرية، أصبح تيك توك منصة أساسية لمرشحين يسعون للتواصل مع جمهور شاب، خاصة من الجيلين “زد” و”الألفية”.
- هذه الفئات، التي قد لا تكون مهتمة بمتابعة الأخبار السياسية عبر الوسائل التقليدية، تجد في تيك توك وسيلة سهلة وسريعة للتعرف على القضايا والمرشحين من خلال محتوى جذاب ومرئي.
وشرح بانافع كيف تؤثر حملات تيك توك على الانتخابات الأميركية، على النحو التالي:
- يتمتع تيك توك بجاذبية خاصة لدى الشباب، حيث يشكل المستخدمون تحت سن 30 جزءًا كبيرًا من جمهوره. هذا يجعل المنصة وسيلة مثالية للمرشحين السياسيين للوصول إلى الناخبين المحتملين في هذه الفئة العمرية، التي غالبًا ما تكون حاسمة في نتائج الانتخابات. عبر مقاطع الفيديو القصيرة والمحتوى الإبداعي، يمكن للمرشحين تقديم رسائلهم بطريقة تتماشى مع اهتمامات هذا الجيل.
- على عكس وسائل الإعلام التقليدية، تتيح منصات مثل تيك توك التفاعل المباشر بين المرشحين والناخبين. يمكن للمستخدمين إنشاء محتوى حول القضايا التي يهتمون بها، أو نشر مقاطع فيديو لدعم مرشح معين. هذا التفاعل المجتمعي يعزز الإحساس بالانتماء والتأثير الشخصي في العملية الانتخابية.
- تيك توك يتميز بقدرته على جعل المحتوى “فايرال”، أي ينتشر بشكل واسع وسريع. فيديو واحد يمكن أن يصل إلى ملايين المستخدمين في غضون ساعات قليلة، مما يجعل الرسائل السياسية تنتشر بشكل أكبر وأسرع من خلال تفاعل الجمهور وإعادة نشر الفيديوهات.
وإلى ذلك يفند المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، التحديات والمخاوف، في هذا السياق، موضحاً أنه: رغم هذه المزايا، فإن استخدام تيك توك في الحملات الانتخابية يثير العديد من المخاوف، لا سيما فيما يتعلق بالمعلومات المضللة والتلاعب بالرأي العام:
- كما هو الحال في العديد من منصات التواصل الاجتماعي، تيك توك يُستخدم أحيانًا لنشر معلومات مضللة أو دعاية سياسية غير شفافة. في الانتخابات السابقة، ظهرت حالات كثيرة من تداول أخبار كاذبة أو مقاطع فيديو معدلة تهدف إلى التأثير على الناخبين بطريقة سلبية. هذه التحديات تشكل تهديدًا حقيقيًا للنقاش السياسي السليم وقد تؤدي إلى تضليل الناخبين.
- قد تستغل بعض الجهات استخدام تيك توك لنشر دعايات خفية أو التأثير على الرأي العام بطرق غير أخلاقية. هناك مخاوف من أن جهات خارجية أو مجموعات سياسية قد تستخدم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي أو “البوتات” لنشر محتوى مزيف أو تعزيز قضايا معينة.
- هناك أيضًا قلق متزايد من تأثير جهات أجنبية في الانتخابات الأميركية عبر تيك توك. نظرًا لأن المنصة مملوكة لشركة “بايت دانس” الصينية، فإن هناك مخاوف تتعلق بإمكانية استخدام المنصة لأغراض سياسية من قبل جهات خارجية للتأثير على النتائج.
دور تيك توك في تشكيل نتائج الانتخابات
وشدد على أنه نظرًا لتأثير تيك توك الكبير على جمهور الناخبين الشباب وسرعة انتشار المحتوى عليه، لا يمكن التقليل من تأثيره في الانتخابات الأميركية. ذلك أن الحملات الانتخابية على تيك توك قادرة على الوصول إلى ملايين الناخبين بسرعة وبطرق مبتكرة تتجاوز الأساليب التقليدية. ومع ذلك، فإن هذا التأثير يعتمد على مدى قدرة المنصة والجهات المعنية على التحكم في انتشار المعلومات المضللة وضمان شفافية المحتوى.
تيك توك أصبح لاعبًا رئيسيًا في الحملات الانتخابية، خاصة في الولايات المتحدة حيث تتغير طبيعة التفاعل السياسي بسرعة. إذا تم استخدام المنصة بشكل مسؤول، يمكن أن تكون وسيلة قوية لتعزيز المشاركة السياسية بين الشباب وزيادة وعيهم بالقضايا المهمة. لكن في الوقت نفسه، يجب أن يكون هناك وعي بالمخاطر التي قد تصاحب هذا الاستخدام، مع ضرورة اتخاذ خطوات لضمان نزاهة المعلومات المتداولة على المنصة، وفق بانافع.
الإعلانات السياسية
وفي سياق متصل، ذكر تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” أنه قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية، لا تزال شركة تيك توك تكافح من أجل فرض حظرها الطويل الأمد على الإعلانات السياسية بشكل ثابت.
في سبتمبر الماضي، اختبر باحثون من منظمة غلوبال ويتنس غير الربحية أنظمة تعديل الإعلانات السياسية لثلاث منصات تواصل اجتماعي رائدة – تيك توك وفيسبوك ويوتيوب – من خلال تقديم إعلانات تحتوي على معلومات مضللة تتعلق بالانتخابات.
شملت الأمثلة إعلانات تحذر زوراً من أن المواطنين يجب أن يجتازوا اختبار اللغة الإنجليزية للتصويت؛ وتزعم أن دونالد ترامب غير مؤهل للترشح للرئاسة بسبب إدانته بجرائم جنائية؛ وتدعو إلى تكرار هجوم 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأميركي.
ورغم أن المنصات الثلاث تختلف في قواعدها الخاصة بالإعلانات السياسية، إلا أن الإعلانات صُممت لانتهاك سياسات المنصات الثلاث، حسبما قال الباحثون.
كان أداء فيسبوك ويوتيوب جيدًا نسبيًا، رغم وجود تحذيرات في كل حالة. أما تيك توك، وهو التطبيق الوحيد من بين الثلاثة الذي يحظر الإعلانات السياسية تمامًا، فلم يكن كذلك.
وبحسب التقرير، قدم باحثو غلوبال ويتنس نفس الإعلانات الثمانية لكل منصة. ولم يعلنوا عن الإعلانات على أنها إعلانات سياسية ولم يخضعوا لأي عمليات للتحقق من الهوية. ولمحاكاة الطريقة التي قد يستخدم بها الفاعل السيئ ” لغة الخوارزمية ” للتهرب من الاكتشاف، قاموا بإخفاء بعض الكلمات الرئيسية في الإعلانات بشكل خفيف عن طريق استبدال الأرقام والرموز بأحرف معينة. وإذا وافقت المنصات على أي من الإعلانات، قام الباحثون بحذفها قبل نشرها حتى لا تظهر المعلومات المضللة للمستخدمين الحقيقيين.