تُعتبر منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق حيوية في حركة النقل الجوي، بينما تشهد حالياً تصاعدًا ملحوظًا في التوترات الجيوسياسية، من شأنه التأثير على حركة الطيران، وزيادة التحديات أمام شركات الطيران في ظل الأوضاع المتغيرة.
على الرغم من أن حركة الطيران في الشرق الأوسط لم تتأثر بشكل كبير بصورة عامة، فإن بعض الدول والمنطقة بأكملها تعاني من تداعيات هذه التوترات وما تحمله من تحديات قائمة، مع وجود مواقع متأثرة بشدة بالاضطرابات، مما يؤدي إلى توقفات مؤقتة لحركة الطيران نتيجة تبادل الصواريخ والتهديدات العسكرية في عددٍ من المناطق، لا سيما فوق سماء لبنان والدول المجاورة، في ظل الضربات الإسرائيلية.
تضطر عديد من شركات الطيران مع تلك الضربات إلى تعليق رحلاتها إلى منطقة الشرق الأوسط، في ظل تصاعد المخاطر.
قبل تصاعد التوترات في الفترة الأخيرة، كانت بعض الأجواء في المنطقة مثل تلك فوق اليمن وليبيا وسوريا مهددة بشكل دائم، مما كان يُلزم شركات الطيران باعتماد مسارات بديلة لتجنبها. ومع اندلاع الصراعات الأخيرة، تمت إضافة المجال الجوي اللبناني إلى قائمة المجالات المضطربة، في حين يتأرجح المجال الجوي الأردني بين الفتح والإغلاق المؤقت في بعض الأحيان بناءً على الأوضاع السياسية والعسكرية.
هذه القيود تسهم في زيادة التكاليف التشغيلية لشركات الطيران، وتحد من خياراتها. ولكن على الرغم من التحديات، يُتوقع أن تنهي شركات الطيران العربية العام 2024 بأداء يتجاوز مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19.
وتشير التوقعات إلى أن الشركات العربية ستشهد نموًا في عدد الرحلات والمقاعد، مما يدل على قوة القطاع وقدرته على جذب المسافرين. هذه الاستجابة تعكس مرونة شركات الطيران في مواجهة التوترات المستمرة.
بينما يأتي ذلك في وقت تعاني فيه شركات الطيران من صعوبات أخرى مرتبطة بنقص الطائرات بسبب التأخيرات في التسليم من الشركات المصنعة. كما أن ارتفاع تكاليف الوقود يمثل تحديًا كبيرًا، حيث تشكل النفقات التشغيلية جزءًا كبيرًا من الميزانية. يتعين على الشركات التكيف مع الظروف المتغيرة، مما يتطلب إعادة تقييم استراتيجيات التشغيل وتعديل المسارات.
تأثير محدود
في السياق، قال الأمين العام للاتحاد العربي للنقل الجوي، عبدالوهاب تفاحة، لـ “سكاي نيوز عربية” إن حركة الطيران في العالم العربي لم تتأثر بشكل كبير، باستثناء بعض المواقع المتأثرة بالتوترات، مضيفاً أن التوترات العابرة في بعض الدول تؤدي أحيانًا إلى توقف مؤقت لحركة الطيران نتيجة تبادل الصواريخ والقذائف، ولكن بشكل عام، يبقى التأثير محدودًا.
وأشار تفاحة إلى أن شركات الطيران العربية من المتوقع أن تنهي العام 2024 بأداء يتجاوز العام 2019، آخر عام طبيعي قبل جائحة كوفيد-19، بنسبة 12 بالمئة، مقارنة بنمو 8 بالمئة فقط لشركات الطيران العالمية. أما بالنسبة للمطارات العربية، فمن المتوقع أن تحقق نموًا بنسبة 22 بالمئة مقارنة بالعام 2019، مقابل حوالي 4 بالمئة فقط عالميًا، مما يعكس متانة شركات الطيران العربية وقدرتها على جذب المسافرين عبر القارات.
وأوضح أن شركات الطيران العربية تغطي الآن جميع قارات العالم، ورغم أن تعديل مسارات الطيران نتيجة التوترات يزيد من التكلفة التشغيلية، إلا أن ذلك لا ينعكس على المسافرين، مشدداً على أن تعديل المسارات لتجنب مناطق التوتر ليس أمرًا جديدًا، حيث تم البدء به منذ عام 2011 لتجنب التحليق فوق الدول التي تشهد اضطرابات.
وفيما يخص الأساطيل، أوضح تفاحة أن شركات الطيران العربية تمتلك أحد أحدث الأساطيل في العالم، حيث كان متوسط عمر الطائرات في عام 2019 حوالي 7.2 سنوات، وحاليًا يتجاوز المتوسط 8 سنوات. وأشار إلى أن النمو الذاتي لشركات الطيران يعوض من خلال تمديد عمر الطائرات العاملة، بينما يخضع النمو التوسعي لعوامل مثل الطلب على طرازات معينة والطاقة الاستيعابية للطائرات الحالية.
في النهاية، أكد تفاحة أن شركات الطيران العربية قادرة على المنافسة بفضل أساطيلها الحديثة والبنية التحتية القوية التي تملكها، مما يتيح لها التوسع في أسواق جديدة مع الحفاظ على كفاءة التشغيل في الأسواق الحالية.
إقبال جيد
وفي سياق ذي صلة، قال نائب الرئيس والرئيس التنفيذي للعمليات في طيران الإمارات، عادل الرضا، إن العامين الماضيين شهدا إقبالًا جيدًا على السفر ونقل البضائع، خصوصًا في قسم الشحن، حيث يتزايد الطلب على السفر، وخاصة في درجة رجال الأعمال، مما يعكس استخدام مطارات دبي من قبل الزائرين والسياح ورجال الأعمال.
وأضاف الرضا في تصريحات لـ “سكاي نيوز عربية”، أن نسبة الإشغال على طيران الإمارات تتجاوز 80 بالمئة، وهي نسبة جيدة في هذا الموسم. ومع استلام الطائرات الجديدة من إيرباص، سيتم فتح رحلات جديدة وزيادة عدد الرحلات مقارنة بالعام السابق، خاصة مع إدخال مزيد من الطائرات إلى الخدمة بعد فترة الجائحة.
وأوضح أنه عند دخول هذه الطائرات للخدمة بعد إجراء الصيانة اللازمة، ستزداد نسبة الإشغال. وأكد أن الإشكالية الحالية ليست في عدد الطلبيات أو قدرة الشركات على استيعابها، بل في عدم قدرة الشركات المصنعة على تسليم الطائرات المتفق عليها، حتى تلك التي تم توقيع عقود بشأنها مسبقًا. ولفت إلى أن هناك مناقشات جارية مع شركتين لتسريع عملية تسليم طائرات بوينغ.
وأشار الرضا إلى أن المشكلة الرئيسية تكمن في نقص الأسطول المطلوب لتيسير الرحلات، مما يؤثر سلبًا على الإيرادات والخطط التوسعية لشركات الطيران.
وبدأت طيران الإمارات التعامل مع هذا التأخير عن طريق تمديد فترة خدمة الطائرات الموجودة حاليًا، مما أدى إلى تحمل كلفة تحديث مقصورات هذه الطائرات، والتي تقدر بحوالي 4 مليارات دولار، سيتم استثمارها خلال الثلاث سنوات المقبلة.
وأوضح أن تكلفة الوقود تُعتبر العامل الأكبر في النفقات التشغيلية، حيث تصل نسبته إلى حوالي 30-35 بالمئة من إجمالي النفقات. وتوجد عدة برامج تهدف إلى تقليل مخاطر استهلاك أو شراء الوقود، مع وجود فريق دائم يقيم هذه المخاطر ويتخذ الخطوات اللازمة لتقليلها.
وأشار إلى أن قطاع الطيران من أكثر القطاعات تأثرًا بالتغيرات مثل الطقس والأوضاع السياسية، مما يفرض على شركات الطيران التكيف مع الظروف المتغيرة، مثل عدم القدرة على استخدام مجال جوي معين، مما يستدعي تغيير بعض المسارات أو زيادة كميات الوقود، وهو ما يؤثر على النفقات.
وأكد أن هذه التحديات هي جزء من طبيعة عمل شركات الطيران، مشيرًا إلى أن عدم القدرة على الوصول لبعض الوجهات بسبب الظروف يؤثر سلبًا على الإيرادات ويجعل من الصعب تحقيق الخطط المالية المرسومة مسبقًا.
تأثير التوترات
بدورها، أشارت الدكتورة نادين عيتاني، أستاذة إدارة الطيران في جامعة سري، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن 9 بالمئة من حركة النقل الجوي العالمي بين الغرب والشرق تمر عبر مطارات الشرق الأوسط.
وأضافت أن منطقة الشرق الأوسط، قبل بدء الحرب على غزة، كانت تعاني من قيود كبيرة على أجوائها، حيث كانت المجالات الجوية فوق اليمن والسودان وليبيا وسوريا والعراق مغلقة، مما كان يجبر شركات النقل الجوي على اتخاذ مسارات بديلة لتفادي الأجواء المغلقة.
وأوضحت أن الوضع الحالي يشهد إضافة المجال الجوي اللبناني إلى قائمة المجالات المغلقة، بالإضافة إلى المجال الجوي الأردني الذي يشهد فتحًا في بعض الفترات وإغلاقًا في فترات أخرى، بناءً على الأحوال الجوية والتطورات العسكرية الميدانية.
وأشارت عيتاني إلى أن التصعيد الحالي والأخبار العسكرية المتعلقة بإرسال الولايات المتحدة للصواريخ ووجود البوارج الحربية تعد أخبارًا سلبية لشركات الطيران ووكالات السلامة المسؤولة عن ضمان سلامة المناخ الجوي.
كما أوضحت أن شركات الطيران القادمة من أوروبا وأميركا إلى آسيا أمامها ممران جويان، الأول فوق أذربيجان والثاني فوق مصر، مما يؤثر على خياراتها الجوية في ظل توافر ممرين فقط.
وأكدت أن التأثير على النقل الجوي في المدى القصير، نتيجة وجود مناطق نزاع، سينعكس سلبًا على عمليات النقل، حيث ستقتصر استخدامات المطارات على إجلاء أو استقبال المساعدات الإنسانية فقط. وهذا الوضع يسبب خسائر للمطارات التي تعاني من الأزمات والحروب، مع فقدان الاتصال الجوي مع بقية دول العالم، مما يترتب عليه تداعيات اقتصادية كبيرة نتيجة عدم عمل الأسطول.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت شركات التأمين في مناطق النزاع بعض الإجراءات على شركات الطيران، مثل عدم التواجد في أماكن محددة نظرًا للتوترات، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف على جميع شركات الطيران في المنطقة، أو التي تستخدم الأجواء في المنطقة كمسار جوي أطول، مما يتطلب استخدام وقود أكبر. وهذه الأمور توضح الانعكاسات السلبية على شركات الطيران.
وبشكل عام، تواجه صناعة الطيران في منطقة الشرق الأوسط تحديات متعددة نتيجة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة. في حين تُظهر الشركات مرونة وقدرة على التكيف، فإن استمرار الاضطرابات يظل مصدر قلق كبير.
ويتطلب الوضع الحالي استراتيجيات جديدة لإدارة المخاطر واستعادة استقرار القطاع بما يضمن استمرارية العمليات وكفاءة الأداء في الأسواق العالمية.
#طيران
#الحرب في غزة