يهيمن الذكاء الاصطناعي على سوق العمل العالمية ليشكل تحولا هائلًا في الكثير من المجالات، ما يهدد مستقبل البعض وفرصهم ممن لم يطوروا من مهاراتهم لمواكبة الطفرة التي حدثت خلال السنوات الأخيرة بعد الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة.
وبحسب المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، فإن الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل العالمية “مثل تسونامي”، ورجحت أن يؤثر على 60 بالمئة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة و40 بالمئة من فرص العمل حول العالم خلال العامين المقبلين.
ووفقًا لتقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي، نشر قبيل أيام واطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه، فإن سوق العمل العالمية شهدت تغيرًا عميقًا مدفوعًا بالتقدم التكنولوجي والاكتشافات والتحولات الاقتصادية والتحول الأخضر الجاري، وخاصة في ضوء التطورات الكبرى الأخيرة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتحولات القوى العاملة التي عجلت بها أزمة كوفيد-19، وبالتالي فإن مشهد الوظائف مهيأ لإعادة تشكيله بشكل أكبر في المستقبل القريب.
وأشار تقرير مستقبل الوظائف للعام 2023 الذي أصدره المنتدى، إلى أنه بحلول العام 2027، سوف تتغير 23 بالمئة من الوظائف، مع توقع ظهور 69 مليون وظيفة جديدة واستبدال 83 مليون وظيفة قائمة، مما يؤدي إلى خسارة صافية قدرها 14 مليون وظيفة.
حماية العمال مع تغير الوظائف
كما أكد تقرير مستقبل الوظائف 2023 على الحاجة الملحة لتوفير الحماية الاجتماعية الكافية للعمال غير المحميين بعقود عمل بدوام كامل.
وجاء في التقرير أن ما يقرب من 2 مليار شخص يعملون في بيئة غير رسمية في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمثل ما يقرب من 70 بالمئة من العمال في البلدان النامية والمنخفضة الدخل، و18 بالمئة في البلدان ذات الدخل المرتفع.
وقال إنه نظرًا لتعرضهم للصدمات الاقتصادية والنزوح بسبب التغيير التكنولوجي، فإن العمال غير الرسميين يشكلون فئة سوق العمل التي تحتاج إلى اهتمام من واضعي السياسات من أجل تأمين الدخل في الأمد القريب والتحول نحو إضفاء الطابع الرسمي على مكان العمل في الأمد البعيد.
وفي هذا السياق الاقتصادي المتغير بسرعة، يستكشف أحدث تقرير صادر عن المنتدى، بعنوان “إطلاق العنان للفرص: إطار عالمي لتمكين التحولات إلى وظائف الغد”، ديناميكيات التحولات الوظيفية، مع تسليط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه اتباع نهج استباقي في إعداد القوى العاملة للأدوار الناشئة.
وذكر التقرير أن التحولات الوظيفية ليست مجرد استجابة حتمية لمتطلبات سوق العمل العالمية المتطورة فحسب، بل إنها تشكل أيضاً آلية بالغة الأهمية لتحسين الإنتاجية الاقتصادية وتعزيز رفاهية الأفراد.
وأكد أنه مع تعطل أنماط التوظيف التقليدية بفعل التقدم التكنولوجي والتحولات الاقتصادية والتحول الأخضر، فإن قدرة العمال على الانتقال إلى أدوار جديدة تشكل ضرورة أساسية للحفاظ على فرص العمل وتحقيق الحراك الاجتماعي.
فتح الفرص في التحول الوظيفي
ويخلص تقرير “إطلاق العنان للفرص: إطار عالمي لتمكين التحولات إلى وظائف الغد” إلى أنه من خلال جهود إعادة التدريب والتأهيل المستهدفة، والتعاون بين أصحاب المصلحة المتعددين وشبكات أمان العمال الفعّالة، يمكن إدارة التحولات الوظيفية بشكل استراتيجي لصالح الجميع.
وأوضح التقرير أنه من خلال تسهيل هذه التحولات، يمكن للاقتصادات أن تعمل على:
- مواءمة العرض والطلب على العمالة بشكل أفضل.
- الحد من البطالة.
- تمكين العمال من تأمين وظائف أعلى أجراً وأكثر استقراراً في قطاعات النمو.
- التحولات الوظيفية الاستباقية تساعد في التخفيف من الآثار السلبية لتشريد الوظائف.
- ضمان عدم تخلف العمال عن الركب في مواجهة التغيير الاقتصادي، بل وضعهم بدلاً من ذلك في وضع يسمح لهم بالازدهار في الاقتصاد الجديد.
وقال التقرير إن هذا البحث يستند إلى أبحاث المنتدى السابقة التي رسمت خريطة للتحولات الوظيفية في الولايات المتحدة، والتي نُشرت عبر بحثين: نحو ثورة إعادة التدريب: مستقبل الوظائف للجميع ، ونحو ثورة إعادة التدريب: العمل بقيادة الصناعة من أجل مستقبل العمل .
وأوضح أنه في تلك الأبحاث، كان التركيز على الوظائف التي من المتوقع أن تتراجع في الأمد المتوسط بسبب الأتمتة من التقدم التكنولوجي، وأن لتحديد التحولات الوظيفية العملية للعاملين الحاليين في هذه الوظائف، يتم النظر في معيارين رئيسيين: الجدوى والرغبة.
واستعرض التقرير بعض السبل لتسهيل انتقالات الوظائف، ومنها:
(1) إعادة التدريب والارتقاء بالمهارات للحصول على فرص جديدة.
(2) تحسين التوافق بين الموظف وصاحب العمل.
(3) شبكات أمان العمال
(4) التعاون بين أصحاب المصلحة المتعددين لكسر حواجز الصناعة.
الاتجاهات الناشئة في التحول الوظيفي
وأشار التقرير إلى أن هذا البحث يستند إلى الأعمال السابقة وتوسع نطاقها الجغرافي في إطار “ثورة إعادة تأهيل المهارات: مستقبل الوظائف للجميع”، التي كانت تركز فقط على الولايات المتحدة، وتوسع التغطية لتشمل 15 دولة عبر سبع مناطق، مما يوفر فهمًا عالميًا لفرص انتقال العمل.
وقال إنه لكل منطقة، يقوم الباحثون بدراسة بيانات انتقالات العمل المستندة إلى بيانات الوظائف المنشورة التي تم جمعها من الموقع الالكتروني، بالتعاون مع Lightcast، ويسلطون الضوء على العديد من دراسات الحالة التي تؤكد على إمكانات المنطقة.
وأفاد بأن هناك بعض التحليلات الإقليمية التي توفر تغطية مفصلة لدول فردية، والتي أظهرت عدة اتجاهات ملحوظة عبر جميع المناطق المدروسة:
- هناك نمو سريع في الانتقالات إلى وظائف في خدمات الأعمال، مثل محلل الأعمال ومندوب المبيعات، والتي يمكن ملاحظتها في دول عبر طيف الدخل.
- الانتقالات إلى الوظائف الرقمية، مثل تطوير البرمجيات، تعد من بين أكثر الوظائف شيوعًا في البيانات العالمية التي تم تحليلها، وغالبًا ما تكون ناتجة عن وظائف تقنية أقل مستوى.
- هناك تكرار عالٍ للانتقالات إلى مجالات الرعاية الصحية، وخاصة الأطباء والممرضات المسجلات، تميل الوظائف الابتدائية لهذه الانتقالات إلى أن تكون أدوارًا أخرى في الرعاية الصحية التي قد تعمل بالقرب من مقدمي الرعاية الأولية، مثل فنيي الصحة أو الإداريين.
أي دور للذكاء الاصطناعي؟
في حديث شامل لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، ألقى الدكتور أحمد بانافع، المستشار الأكاديمي بجامعة سان خوسيه الحكومية، الضوء على التحولات الجذرية التي تشهدها سوق العمل بفضل صعود الذكاء الاصطناعي. وأشار إلى أن هذه الثورة التقنية تفرض على الشباب ضرورة تطوير مهارات متعددة، مع التركيز على التفكير النقدي، الإبداع، والتعلم المستمر.
وفي سياق هذه التحديات، قدم بانافع مجموعة من النصائح التي يمكن أن تساعد الشباب في تعزيز قدراتهم المهنية.
أولى هذه النصائح تتعلق بتطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي، إذ شدد على أهمية التشجيع المستمر للعقل على التساؤل وطرح الأسئلة. علاوة على أن التفكير خارج الصندوق أصبح ضرورة، وليس مجرد اختيار، خاصة في ظل تعقيد المشكلات التي تتطلب تحليلاً عميقاً من زوايا متعددة للوصول إلى حلول مبتكرة.
أما عن المهارات التي يصعب على الذكاء الاصطناعي محاكاتها، فقد أكد على أن الذكاء العاطفي والقدرة على فهم مشاعر الآخرين، فضلاً عن التواصل الفعّال والقيادة، هي مجالات يتفوق فيها البشر. إدارة الفرق، التحفيز، والإبداع تظل قدرات إنسانية بامتياز، لا يستطيع الذكاء الاصطناعي منافستها بسهولة.
وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم توجهًا نحو التخصص في مجالات ذات قيمة مضافة، نبه الدكتور بانافع إلى أهمية الاستثمار في العلوم الإنسانية، مثل علم النفس والسوسيولوجيا، كونها مجالات تمنح الإنسان ميزة تنافسية لا يمكن تعويضها بالتكنولوجيا.
كما أشار إلى مجالات التسويق والإعلان والابتكار وريادة الأعمال، حيث تتطلب هذه القطاعات فهماً عميقاً لسلوك المستهلك وتطوير استراتيجيات مبتكرة.
الرسالة الأساسية التي حاول بانافع إيصالها للشباب هي أهمية التكيف المستمر مع التغيرات السريعة في سوق العمل. ودعا إلى تبني “دورة تعلم مدى الحياة”، حيث يجب على الأفراد السعي الدائم لتطوير الذات عبر الدورات التدريبية والبرامج التعليمية المستمرة، إلى جانب استكشاف فرص جديدة في الصناعات الناشئة والوظائف المستقبلية.
وأخيراً، شدد بانافع على أهمية الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية وتحسين جودة العمل. فهم أساسيات التعلم الآلي وتحليل البيانات الكبيرة أصبحت من المهارات الأساسية التي لا غنى عنها في السوق المعاصر.
ومن خلال توظيف هذه الأدوات بذكاء، يمكن للأفراد اتخاذ قرارات أكثر دقة وفعالية، مما يمنحهم ميزة تنافسية قوية في المستقبل المهني.
مهارات ضرورية
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، استعرض أخصائي التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، مجموعة من المهارات الضرورية التي يجب على الشباب اكتسابها وتعزيزها لمواكبة الثورة التكنولوجية المتسارعة، وخاصة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك لتجنب فقدان وظائفهم في المستقبل.
أولى هذه المهارات هي تعلم المهارات التقنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل البرمجة بلغات جديدة مثل Python، التي أصبحت من الأدوات الأساسية في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما أشار الناطور إلى أن معظم منصات التواصل الاجتماعي مبنية باستخدام هذه اللغات، مما يعكس أهميتها في الصناعة الحديثة.
فهم مفاهيم التعليم الآلي والتعلم العميق كان أحد المحاور التي ركز عليها الناطور، حيث يجب على الشباب دراسة هذه المفاهيم لفهم كيفية عمل الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف المجالات.
كما أن تحليل بيانات الذكاء الاصطناعي وفهم طريقة استفادته من الإحصاءات والأرقام يُعد من المهارات الأساسية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي التعامل مع كميات ضخمة من المعلومات بسرعة فائقة.
ورغم أهمية التكنولوجيا، شدد الناطور على أن المهارات البشرية مثل التفكير النقدي، الإبداع، وحل المشكلات تظل لا غنى عنها، فالذكاء الاصطناعي قد يكون قوياً في معالجة البيانات، لكنه غير قادر على تقليد القدرات البشرية في هذه المجالات.
ومن بين المهارات الأخرى التي اعتبرها الناطور جوهرية، التكيف السريع مع التغيرات التكنولوجية. بما أن سوق العمل يتطور بسرعة، يجب على الشباب مواكبة هذه التغييرات، حتى ولو من الناحية النظرية، لفهم كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائفهم وكيفية التكيف مع التحولات في بيئة العمل.
كما دعا الناطور الشباب إلى تعزيز مهارات التعليم الذاتي، حيث يتعين على المهنيين، مثل المحاسبين، البحث عن الأدوات الجديدة المرتبطة بمجالاتهم، التي تم تطويرها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. بهذه الطريقة، يمكنهم تحسين أدائهم والاستفادة من الأدوات الحديثة لتعزيز كفاءتهم.
أداة مساعدة
أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُستخدم كأداة مساعدة، وليس بديلاً كاملاً للبشر، كاستخدامه في المهام الروتينية وحل المشكلات الحسابية المعقدة يمكن أن يوفر الوقت والجهد، لكنه لا ينبغي أن يكون الاعتماد الكامل عليه.
وأخيراً، شدد الناطور على أهمية التعليم المستمر في هذا العصر الرقمي، مشيراً إلى أن الحصول على شهادات في مجالات الذكاء الاصطناعي يعتبر عاملاً مهماً لزيادة فرص التوظيف. هناك العديد من المنصات التعليمية التي تقدم دورات بتكاليف رمزية تمنح شهادات تساعد على تطوير المهارات وتعزيز الفرص المهنية في هذا المجال المتنامي.