في العصر الرقمي الحديث، أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة حيوية في العديد من جوانب الحياة المهنية، بما في ذلك في كتابة السير الذاتية.
وتُشكل أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي حلاً مبتكراً يساعد المتقدمين للوظائف على كتابة سيرهم الذاتية وتقديم أنفسهم بأفضل صورة ممكنة. كما توفر هذه الأدوات الدعم في تجنب الأخطاء الشائعة، وتحسين جودة المحتوى في السير الذاتية لتكون أكثر احترافية وجاذبية، إضافة إلى تحسين تنسيق النصوص، واختيار الكلمات الرئيسية المناسبة، وتوفير نصائح حول كيفية عرض المعلومات بشكل يجذب انتباه القائمين على التوظيف.
وفي الوقت الذي جعلت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي من السهل على الأفراد إنشاء سير ذاتية مثالية، إلا أن انتشار استخدام هذه الأدوات بكثرة أظهر جانبها السلبي في هذا المجال، حيث باتت الشركات تتعامل مع “بحر من التشابه” في السير الذاتية، إذ أن المحتوى الذي يتم إنشاؤه عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي يميل إلى أن يبدو “نفس الشيء”.
وهذه الظاهرة أدت إلى إحباط أصحاب العمل الذين يبحثون عن التميز في المرشحين، ودفعتهم إلى رفض توظيف الأشخاص الذين تمت ملاحظة أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل مبالغ فيه في كتابة السير الذاتية.
انتحال المعلومات والإجابات
وبحسب تقرير أعدته “Financial Times” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإنه على مدار العام الماضي، سهّلت روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل تشات جي بي تي ChatGPT من OpenAI وGemini من غوغل إنشاء مقاطع نصية يمكن مقارنتها بالكتابة البشرية، حيث تتميز هذه التكنولوجيا بمهارة خاصة في توليد اللغة الطبيعية كونها مُدرّبة على كميات هائلة من البيانات النصية، مما يعني أن المتقدمين إلى الوظائف كانوا قادرين على تزويد روبوتات الدردشة بمعلومات عن سيرتهم الذاتية، والطلب منها إدخال ملاحظات أو تعديلات عليها لتتناسب أكثر مع الدور الوظيفي الذي يسعون للفوز به.
ولكن المشكلة في برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي لجأ إليها المستخدمون هي أنها تقدم إجابات احترافية جداً ولكنها تكرر نفسها، مما أدى إلى تحوّل السير الذاتية إلى ملفات بأسماء متنوعة ولكن بالشكل والمحتوى نفسه، وجعل مدراء التوظيف يشعرون أنهم أمام عملية “انتحال” في المعلومات والإجابات.
إجابات منسوخة بدقة
ويكشف خياتي سوندارام، الرئيس التنفيذي لشركة Applied، وهي منصة توظيف، أن بعض أصحاب العمل باتوا يجدون أنفسهم غارقين في الأعداد الكبيرة من السير الذاتية التي أنشأها الذكاء الاصطناعي، حيث أن المزيد من الأشخاص يلجأون إلى ChatGPT والبرامج المماثلة لكتابة هذه الملفات ما يُشعر مدراء التوظيف وأصحاب العمل أنهم أمام إجابات مسروقة أو منسوخة بدقة.
بدوره يقول جيمي بيتس، مؤسس شركة Neurosight لإنشاء تقييمات ما قبل التوظيف عبر الإنترنت، إن هناك قلقاً لدى الشركات من الأشخاص الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء نسخة مزيفة عن أنفسهم، مضيفاً إن الشركات تخشى أن يؤدي هذا الأمر إلى “توظيف سيئ”.
واعتبر بيتس أنه في الوقت الحالي، لا يزال الناس يستخدمون برامج الذكاء الاصطناعي بسذاجة وينسخون منه مباشرة، في حين تقول نيكي هاتشينسون، مستشارة التوظيف والوظائف في جامعة إكستر، إنها واجهت طلاباً تم رفضهم من أدوار متعددة بعد كتابة طلباتهم باستخدام هذه البرامج، مشيرة إلى أن الذكاء الاصطناعي هو أداة مفيدة حقاً في مجال كتابة السير الذاتية، ولكنه عندما يحاول القيام بالكثير من أجل الشخص، فإنه “يمحو شخصيته” نوعاً ما.
سير ذاتية “مملة للغاية”
ووفقاً لـ “Financial Times” فقد حذرت هاتشينسون من أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، أو قوالب السير الذاتية الجاهزة دون تفكير أو تخصيص، يمكن أن يؤدي إلى نتائج “مملة للغاية”، بينما يرى جوفيند بالاكريشنان، نائب الرئيس الأول لشركة Adobe Express، وهي منصة إبداعية، أن معظم السير الذاتية باتت تتبع تنسيقاً مشابهاً غالباً ما يفتقر إلى الفردية، حيث يرجع جزء من ذلك إلى أن العديد من المتقدمين للوظائف، يختارون ببساطة أحد القوالب المعدة مسبقاً التي توفرها البرامج التكنولوجية.
وشدد هاتشينسون على ضرورة أن يتحلى الأشخاص بالحذر الشديد، عند استخدام قوالب وتنسيقيات السير الذاتية التي تدخل بإنشائها الذكاء الاصطناعي، فعدم تحقيق التوازن الصحيح في محتوى السيرة الذاتية، قد ينهي الأمر على نحو مبتذل ويؤدي إلى نتائج عكسية.
سيرة ذاتية ممتازة بدقائق
وتقول خبيرة التوظيف صونيا ملحم، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيو عربية”، غالباً ما يأتي التقدم في المجال الرقمي بتكلفة في العالم الحقيقي، فمع سعي الموظفين للحصول على طرق أسرع وأكثر كفاءة لإظهار مهاراتهم عند كتابة سيرتهم الذاتية، لجأ هؤلاء إلى برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تقلل الوقت المطلوب لكتابة السيرة بنسبة تزيد عن 75 في المئة، حيث يمكن لأي شخص الآن كتابة سيرة ذاتية بمواصفات ممتازة بأقل من 5 دقائق، فكل ما على الفرد فعله هو تزويد برنامج الذكاء الاصناعي ببعض المعلومات الخاصة مثل الاسم والعمر والمستوى العلمي والتخصصات الجامعية ليقوم البرنامح بالمهمة المطلوبة منه، ولكن يتبين لاحقاً أن تكلفة اللجوء لهذه البرامج كانت بظهور سير ذاتية متشابهة جداً.
أسباب تشابه السير الذاتية
وترى ملحم أن السير الذاتية التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، على الرغم من كفاءتها، قد تفتقر إلى اللمسة الدقيقة والاهتمام الفردي، الذي يمكن أن يوفره الكاتب البشري، فالأسباب الرئيسية لتشابه السير الذاتية التي تنتجها برامج الذكاء الاصطناعي تتلخص بالنقاط الآتية:
- التدريب على سير ذاتية متشابهة: يتم تدريب برامج الذكاء الاصطناعي على مجموعات بيانات ضخمة ولكنها تحتوي على سير ذاتية متشابهة، وبما أن هذه البرامج تتعلم مما يتم تزويدها به، فإنها تقوم بتقديم سير ذاتية متشابهة ظناً منها أن هذا الأمر طبيعي.
- التركيز على السرعة: برامج الذكاء الاصطناعي غالباً ما تركز على إنشاء سير ذاتية بسرعة، مما قد يأتي على حساب الإبداع والتفرد في تقديم المعلومات.
- الافتقار إلى المعلومات: بعض برامج الذكاء الاصطناعي لا تملك القدرة على انتاج سيرة ذاتية فريدة، نظراً لعدم حصولها من المستخدم على معلومات خاصة به، فتقوم هذه البرامج بكتابة سيرة ذاتية بعناوين عامة تغيب عنها المعلومات التي تميز كل فرد عن الآخر.
- معايير شائعة للكتابة: تميل خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلى تطبيق معايير شائعة للكتابة والتنسيق، مثل استخدام كلمات رئيسية معينة أو نمط محدد في عرض المهارات والخبرات، وهذا يحد من التنوع ويجعل السير الذاتية تشبه بعضها البعض.
- استخدام قوالب موحدة: تعتمد الكثير من برامج الذكاء الاصطناعي على قوالب جاهزة لإنشاء السير الذاتية، وهذه القوالب تكون مصممة مسبقاً وتفتقر إلى التنوع، مما يؤدي إلى تكرار نفس الأسلوب والتنسيق في السير الذاتية المختلفة.
التشابه يعيق اكتشاف المهارات
من جهته يقول مدرب الكوادر البشرية حسين الخطيب في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الذكاء الاصطناعي هو أداة مفيدة حقاً في مجال كتابة السيرة الذاتية، بشرط عدم الاعتماد عليه كلياً في إجراء هذه المهمة، حيث يبدو أن أصحاب الشركات ومديري التوظيف ضاقوا ذرعاً من رؤية سيراً ذاتية تشبه بعضها إلى حد غير مقبول، وهم باتوا يقومون بردة فعل فورية تقضي باستبعاد أي ملف يحتوي على معلومات مكررة، فالتشابه المفرط يعيق قدرة الشركات على اكتشاف المهارات والخبرات الفريدة التي يمكن أن يضيفها كل مرشح للمنصب الذي يترشح له.
نصائح تمنع الوقوع في فخ التشابه
وبحسب الخطيب فإنه في ظل هذا الوضع يبرز سؤال مهم، وهو “كيف يمكن للمرشحين أن لا يقعوا ضحية هذه الموجة من التشابه؟”، والإجابة على هذا السؤال سهلة جداً وتكمن في منع برامج الذكاء الاصطناعي من “محو الهوية” الخاصة بكل فرد من خلال اتباع النصائح التالية:
- التعامل مع الأداة بحذر: عند الطلب من برنامج الذكاء الاصطناعي مثل “شات جي بي تي” المساعدة في كتابة السيرة الذاتية، يجب على المستخدم منح هذه البرامج معلومات كافية والطلب حرفياً منها أن تبتعد عن القوالب الجاهزة وعن التكرار، مع ضرورة التركيز على اللجوء إلى عبارات جديدة جذابة.
- إضافة لمسة شخصية: بعد استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء مسودة للسيرة الذاتية، يجب على المستخدم إجراء تعديلات شخصية ضرورية عليها، مثل سرد تفاصيل قصص نجاحه في الحياة، وأمثلة دقيقة عن كيفية تحقيق هذه النتائج. كما يجب على كل شخص التدخل شخصياً لكتابة شرح، يظهر كيف تتناسب المهارات التي يمتلكها، مع متطلبات الوظيفة المعروضة، مع ضرورة الابتعاد عن النصوص العامة.
- عبارات غير رسمية: استخدم لغة تعبر عنك، حيث قد يكون من المفيد أن تحتوي السيرة الذاتية على عبارات غير رسمية قليلاً.
- طلب مراجعة من الآخرين: اطلب من أصدقائك أو زملائك مراجعة سيرتك الذاتية وتقديم ملاحظاتهم عليها، وهذا الأمر يضفي عليها مزيداً من الطابع البشري.
- تحديث مستمر: حافظ على تحديث سيرتك الذاتية بانتظام لتعكس أحدث إنجازاتك وتجاربك، ولتظل قريبة من تطورات حياتك المهنية والشخصية ومن الطابع البشري.