من المنتظر أن تشهد أسعار الملابس التي تبيعها شركات التجارة الإلكترونية الصينية في الولايات المتحدة، ارتفاعاً بنسبة لا بأس بها، إذ تحاول الإدارة الأميركية تقليص استغلال تلك الشركات، لثغرة في قانون التجارة الأميركي، تسمح لها بالاستفادة من بعض الإعفاءات الضريبية.
ويتعلق الأمر بثغرة “de minimis tax exemption” الغامضة، التي يعاني منها قانون التعريفات الجمركية في أميركا منذ ثلاثينيات القرن الماضي، بحسب تقرير أعدته “CNBC” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، حيث تسمح هذه الثغرة للحزم والطرود التي تصل إلى أميركا، والتي تبلغ قيمتها أقل من 800 دولار أميركي (للشخص الواحد، في اليوم) بالحصول على إعفاء ضريبي يشمل عدم دفع الجهة الشاحنة للبضائع رسوم الاستيراد، إضافة إلى الاستفادة من تدقيق سريع لدى الجمارك مقارنة بالحاويات الكبيرة.
ويرى الساسة الأميركيون أن هذه الثغرة تفيد حالياً شركات التجارة الإلكترونية الصينية مثل Temu و Shein، وهو ما ساعد في جعل ملابس هذه الشركات شائعة للغاية لدى المستهلكين الأميركيين.
تحقيق استمر لأكثر من عام
ويوم الجمعة الماضي، أعلنت إدارة بايدن عن خططها لمنع الشحنات الخارجية صغيرة الحجم بين الولايات المتحدة والصين من أن تكون مؤهلة للإعفاء الضريبي بموجب بند “de minimis tax exemption” الموجود في قانون التعريفات الجمركية، إذ يأتي هذا الإعلان بعد أكثر من عام على بدء لجنة من المشرعين الأميركيين التدقيق في كيفية استفادة شركات مثل Temu وShein من بنود القانون للتهرب من دفع الضرائب.
ففي العام الماضي، بدأت اللجنة المعنية بالمنافسة الاستراتيجية بين أميركا والحزب الشيوعي الصيني في الكونغرس الأميركي، التحقيق مع Temu وShein بشأن عدة نقاط مرتبطة بلجوء هذه الشركات إلى “العمالة المستعبدة” لصنع الملابس الخاصة بها، كما ركزت التحقيقات على استفادة هذه الشركات من بند “de minimis tax exemption” للحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية.
اتهامات بالتهرّب الضريبي
وادّعت لجنة الكونغرس في تقرير صدر في يونيو 2023 أن Temu وShein لم تدفعا أي رسوم جمركية في عام 2022، كما كشف التحقيق أن غالبية المنتجات من الشركتين، تستفيد من بند “deminimis tax exemption” وهذا ما يسمح لهما بالتهرب من الجمارك الأميركية والتهرب من التدقيق الذي يواجهه تجار التجزئة الآخرون، حيث قال متحدث باسم لجنة الكونغرس لشبكة “CNBC”، إنه يجب على الولايات المتحدة الحد من هذه الشحنات بشكل عاجل وإجبار Temu وShein على تصحيح ممارسات الامتثال الهزيلة.
وقد نفت Shein ادعاءات لجنة الكونغرس، وقالت إنها دفعت ملايين الرسوم الجمركية في عامي 2022 و2023، ولكنها اعترفت بأنه تم العثور في ملابسها على قطن من مناطق “محظورة”، مشيرة إلى أنها تعمل على تصحيح هذه القضية.
من جهتها، أعلنت شركة Temu أنها مكرسة لدعم ممارسات العمل الأخلاقية، وتحظر استخدام أي شكل من أشكال العمل القسري أو عمل الأطفال، مؤكدة التزامها بجميع قوانين العمل المحلية.
نسبة ارتفاع أسعار ملابس Temu وShein
وبحسب ما كشف المتحدث باسم الأغلبية الجمهورية في اللجنة المعنية بالمنافسة الاستراتيجية، بين الولايات المتحدة والحزب الشيوعي الصيني في الكونغرس الأميركي لشبكة “CNBC”، فإن الشركات المعروفة بقمصانها التي يبلغ سعرها 5 دولارات والسترات الصوفية التي يبلغ سعرها 10 دولارات، قد تشهد ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 20 في المئة على الأقل، إذا تم تعديل ما يسمى بـ “بند الحد الأدنى” أي “deminimis tax exemption”، حيث توصلت اللجنة لهذا التقدير بعد بدء التحقيقات مع Temu وShein منذ أكثر من عام.
انعكاسات ارتفاع الأسعار
وأيّد نيل سوندرز، محلل التجزئة والمدير الإداري لشركة غلوبال داتا، مقولة إن تعديل “بند الحد الأدنى” في قانون الجمارك الأميركي، من المرجح أن يزيد الأسعار، لكنه لم يستطع تحديد مقدار تلك النسبة، مشيراً إلى أن منتجات شركات التجارة الإلكترونية الصينية ستظل رخيصة لكنها لن تتمتع بالميزة التنافسية في السعر كما كانت سابقاً، ما قد يؤدي إلى خسارتها جزءاً من حصتها السوقية أو إبطاء نموها.
وبحسب سوندرز لا يوجد ما يضمن ارتفاع أسعار Temu وShein بنسبة 20 في المئة، ومع ذلك فإن عدم استفادة منتجات هذه الشركات من ميزة “التدقيق السريع”، بموجب بند “deminimis tax exemption” يعني أن أوقات وصول الشحنات ستطول، ما قد يدفع بعض المستهلكين إلى اختيار تجار التجزئة الأقرب إلى الوطن، لافتاً إلى أن إصلاح قانون الجمارك الأميركي من شأنه أن يوفر مجالاً أكثر عدالة وتكافؤاً، ولكنه مثل أي تعرفة جمركية، سيؤدي إلى تكلفة أكبر على المستهلكين.
من جهة أخرى، رفض كل من Shein وTemu إخبار “CNBC” ما إذا كانتا سترفعان الأسعار بسبب التغييرات المقترحة على القانون، في حين أكد متحدث باسم Shein أن الشركة تدعم إصلاح القانون الأميركي، مؤكداً أن Shein تم قبولها مؤخراً في برنامج تجريبي تطوعي مع الجمارك وحماية الحدود الأميركية، وهي وافقت على تقديم بيانات إضافية حول الطرود والشحنات.
منتجات Shein وTemu تجتاح أميركا
ويكشف تقرير “CNBC” الذي اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه على مدار العامين الماضيين، جذبت منتجات Shein وTemu من الملابس، المستهلكين في الولايات المتحدة بأسعارها المنخفضة للغاية، خصوصاً أن الشركتين الصينيتين، تمكنتا من إنتاج أزياء رائجة بسرعة أكبر بكثير من المنافسين، ما تسبب في تراجع الحصة السوقية للمنافسين مثل H&M وZara وTarget وWalmart وAmazon.
وبالتالي فإن ارتفاع أسعار Shein وTemu بنسبة 20 في المئة، إضافة إلى تأخر وصول الطرود سيؤدي إلى تعزيز موقع الشركات المنافسة. فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط سعر الفستان على Shein نحو 28.51 دولاراً اعتباراً من 1 يونيو 2024، وفقاً لبيانات Edited، وهي شركة أبحاث مقرها لندن قامت بتحليل استراتيجية تسعير الشركة وشاركت المقاييس مع رويترز.
وفي ذلك الوقت، كانت فساتين H&M وZara تباع بسعر 40.97 دولاراً و79.69 دولاراً على التوالي، وفقًا لبيانات Edited، ولذلك، فإن ارتفاع التكاليف بنسبة 20 في المئة، من شأنه أن يجعل متوسط سعر الفستان على Shein قرب 34.21 دولاراً أي أقرب بكثير إلى متوسط سعر الفستان لدى H&M.
منافسة غير عادلة
ويقول المحلل الاقتصادي محمد الحسن في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن إدارة الرئيس بايدن أعلنت بوضوح أن مُصنّعي المنسوجات والملابس الأميركيين، يواجهون منافسة غير عادلة من قبل شركات التجارة الإلكترونية الموجودة في الصين، حيث تستغل هذه الشركات بند “de minimis ” في القانون الأميركي لشحن كميات هائلة من منتجات المنسوجات والملابس إلى المستهلكين الأميركيين، وهذا ما دفع بالإدارة الأميركية إلى اتخاذ إجراءات حاسمة تدعم منتجي الملابس في البلاد، خصوصاً أن هؤلاء يلعبون دوراً أساسياً في القاعدة الصناعية الأميركية، ويدعمون مئات الآلاف من الوظائف المباشرة وغير المباشرة.
مليار شحنة تستفيد من “de minimis”
ويشرح الحسن أن البيانات الرسمية التي أصدرها البيت البيض، أظهرت بوضوح الإساءة المتزايدة للسوق الأميركية، من خلال استغلال بند “de minimis”، فعلى مدى السنوات العشر الماضية، زاد عدد الشحنات التي تدخل الولايات المتحدة والتي تستفيد من هذا البند، من حوالي 140 مليون شحنة سنوياً، إلى أكثر من مليار شحنة، وقد تبين أن أغلب هذه الشحنات تأتي من منصات التجارة الإلكترونية في الصين، ما أدى إلى استيراد كميات ضخمة من المنتجات منخفضة القيمة من المنسوجات والملابس، لافتاً إلى أن السلطات الأميركية تعتقد أن Shein وTemu تستغل القانون، للتحايل على إجراءات إنفاذ التجارة في البلاد، والإضرار بالعمال وتجار التجزئة والشركات الأميركية.
ما هي القواعد الجديدة لتصحيح الخلل؟
وبحسب الحسن فإن القواعد الجديدة التي تقترحها إدارة الرئيس بايدن، من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف، إلى استبعاد نحو 70 في المئة من واردات المنسوجات والملابس من الصين، من قائمة السلع التي تستفيد من إعفاءات بند “de minimis”، كما تقترح القواعد الجديدة طلب بيانات محددة وإضافية للشحنات، قبل الاستفادة من الإعفاء الضريبي، مما سيحسن استهداف الشحنات التي تتحايل على القانون، وأيضاً وبحسب القواعد المقترحة فإنه يجب على مقدمي الطلبات تحديد هوية الشخص أو الجهة الذي تتم المطالبة باستفادتها من الإعفاء الضريبي.
موعد تطبيق القواعد الجديدة
ويكشف الحسن أن تمرير هذه القواعد، لا يزال بحاجة إلى إقرار من الكونغرس الأميركي، فالإجراء التشريعي من جانب الكونغرس، من شأنه أن يساعد في تحقيق الإصلاحات التي اقترحتها إدارة بايدن بشكل أسرع، علماً أن معظم أعضاء الكونغرس من أشد المتحمسين لإقرار هذه التعديلات قبل نهاية العام الحالي.
طريقة تهرّب المنصات من الضرائب
من جهتها تقول الكاتبة والصحفية الاقتصادية محاسن مرسل، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن منصات التجارة الإلكترونية في الصين، تقوم بتقسيم شحناتها إلى أميركا بشكل يمنعها من تخطي قيمة 800 دولار أميركي ما يخوّلها الاستفادة من إعفاء ضريبي، كاشفة أن بند “de minimis tax exemption” في القانون الأميركي، كان يُطبّق الإعفاءات عندما لا تتجاوز قيمة الطرود، حاجز الـ 200 دولار، ولكن تم رفع هذه القيمة إلى 800 دولار في فبراير 2016 من قبل إدارة باراك أوباما، لتقوم الشركات مثل Shein وTemu باستغلال هذا الأمر بعد زيادة الرسوم الجمركية بنسبة 25 في المئة على السلع الصينية من قبل الرئيس دونالد ترامب في عام 2018.
انعكاسات سلبية
وتؤكد مرسل أن البيانات الأميركية تُظهر أن ما يصل إلى 18 مصنعاً للنسيج، أغلقت أبوابها في الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة بسبب تدفق الواردات الرخيصة من الصين، ما دفع المشرّعين الأميركيين للتحرّك بشكل عاجل لمعالجة ما يحصل، ولكن وفي المقابل، وجدت دراسة حديثة أجراها أساتذة الاقتصاد في جامعة ييل وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أن الجهود المبذولة لتقليص حجم البضائع التي تستفيد من إعفاء “de minimis” من شأنها أن تؤدي إلى خسارة اقتصادية للأميركيين، تصل قيمتها إلى 14 مليار دولار.
وتشرح مرسل أن هناك وجهات نظر في أميركا، تقول إن نحو 74 في المئة من عمليات الشراء المباشرة، التي تستفيد من إعفاء “de minimis” يقوم بها الأفراد الذين يريدون زيادة قوتهم الشرائية، بسبب معاناتهم من التضخم، وبالتالي فإن التعديلات الجديدة المقترحة من شأنها أن تزيد التكلفة النهائية على المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض، وأن ترفع حجم الأموال المخصصة للإنفاق على الملابس، في حين أن هناك العديد من الخطوات التي يمكن القيام بها لتحسين سبل تنفيذ القانون، مثل تشديد الرقابة على الواردات التي تستفيد من إعفاء ضريبي.