يسعى البنك المركزي للمضي قدماً باتجاه السيطرة على سوق الصرف بشكل كامل، وإحكام الرقابة على التحويلات الخارجية، في خط متواز مع إجراءات ومشاورات إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية التي تعد وضعاً استثنائياً من نوعه.
وقبل نهاية أغسطس، كشف البنك المركزي العراقي، نتائج زيارة الوفد الذي ترأسه محافظ البنك علي محسن العلاق إلى الولايات المتحدة الأميركية، والتي استمرت في الفترة من 26 إلى 29 أغسطس 2024.
وأكد البنك المركزي العراقي، أن:
- وفد تفاوضي رفيع المستوى أجرى سلسلة من الاجتماعات المكثفة في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، حيث شملت مباحثات مع وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى لقاءات مع مجموعة من الشركات من بينها فيزا وماستر كارد وموني غرام وجي بي مورغان.
- المشاركون في الاجتماعات أشادوا بالتحولات التي أنجزها البنك.. حقق البنك تقدماً ملحوظاً في إجراءات الرقابة على التحويلات الخارجية وعمليات البيع النقدي لعملة الدولار الأميركي، مما أدى إلى تحسين الأنظمة والسياسات والإجراءات وفقاً للمعايير الدولية والمحلية.
- لقاء سيتم بين مسؤولي البنك المركزي العراقي مع شركائه الدوليين بنهاية هذا العام بشأن التحول الكبير في إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية واستبدالها بالعلاقات المصرفية المباشرة بين المصارف العراقية وشبكة المصارف المراسلة الدولية، وفقاً للخطة التي وضعت من قبل البنك، و المعمول بها دولياً ما سيتيح للبنك المركزي العراقي وبنك الاحتياطي الفيدرالي ممارسة أدوارهم الرقابية بعيداً عن الإجراءات التنفيذية.
- سيكون لهذا التحول انعكاسات مهمة في استقرار وانسيابية وشفافية عمليات تمويل التجارة الخارجية للبلد.
- الاجتماعات في مدينة نيويورك تناولت ايضاً آليات توسيع شبكة المصارف الدولية المراسلة وتأهيل المصارف العراقية لتلبية المتطلبات اللازمة لفتح حساباتها مع البنوك الدولية المراسلة، بهدف تمكينها من إنجاز تعاملاتها المالية سواء من خلال التحويلات الخارجية بعملة الدولار أو العملات الأجنبية الأخرى.
وفي بيان بتاريخ 30 أغسطس، أعلن وفد البنك المركزي العراقي في نيويورك عن بدء المرحلة الجديدة من عمليات التحويل الخارجي بمشاركة (13) مصرفاً عراقياً، وذلك في خطوة وصفها بـ “الهامة” والتي تهدف إلى تعزيز تنوع العملات وتسهيل عمليات التحويل الدولي.
جاء هذا الإعلان بعد التوصل إلى اتفاق حول آليات تنظيم هذه العمليات، حيث سيشمل التعامل بعملات اليورو واليوان الصيني والروبية الهندية والدرهم الإماراتي.
وأكد الوفد العراقي تحديد نطاق عمل شركة التدقيق الدولية E&Y التي ستقوم بمراجعة عمليات التحويل لضمان سلامتها وامتثالها للمعايير الدولية، وتعدّ هذه الخطوة انعكاساً لالتزام البنك المركزي العراقي بتحقيق أعلى مستويات الشفافية والأمان في جميع عمليات التحويل الخارجي، وتعزيز الثقة في النظام المالي العراقي، بحسب بيان صادر عن البنك.
منصة اضطرارية
قال الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل جبار التميمي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- كانت فكرة إنشاء منصة للتحويلات المالية الخارجية يديرها البنك المركزي العراقي ويشرف عليها الفيدرالي الأميركي تمثل حالة استثنائية اضطرارية ووقتية، ويتوجب في نهاية المطاف إنهاء العمل بها وإدخال منظومة المصارف العراقية المحلية في النظام المصرفي الدولي، وإتاحة الفرصة أمام تلك المصارف لإجراء التحويلات مباشرة دون الحاجة إلى أن يقوم بذلك البنك المركزي العراقي.
- وهذا ما حدث فعلاً خلال ما يقرب من العامين؛ إذ عمل البنك المركزي بمعية شركائه الدوليين على تأهيل بعض المصارف المحلية وتسهيل إجراءات فتح حسابات لهم في المصارف المراسلة الكبرى، وتطوير عمل تلك المصارف بما يتوافق مع المعايير الدولية لتحقيق هذا الهدف.
وأضاف: هناك تخوف مما قد يحدث إذا تم إلغاء المنصة والعودة لإجراء التحويلات عبر المصارف وحوالات الاعتماد وغيرها، مما قد يتسبب بنوع من الإرباك في السوق المحلية التي بدورها قد تتسبب في ارتفاع أسعار صرف الدولار وإن كان ذلك بشكل مؤقت.
واستطرد: من المفترض أن يتخذ البنك المركزي العراقي أحد خطوتين؛ إما أن يستمر العمل بنظام المنصة لمدة ستة أشهر أخرى مع السماح للمصارف بإجراء حوالاتهم مع البنك المراسلة كخط حوالات موازي للمنصة، أو فتح الباب منذ هذه اللحظة على الأقل للمصارف لإجراء تحويلات مباشرة مع البنوك المراسلة لغاية نهاية السنة الجارية لضمان عدم حدوث إرباك في التحويلات المالية وتعريض السوق العراقية إلى صدمة جديدة.
العلاقة مع إيران
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة البصرة، نبيل المرسومي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: زيارة محافظ البنك المركزي العراقي لواشنطن ولقائه مع وزارة الخزانة والبنك الاحتياطي الفيدرالي كان أحد نتائجها هو الاستمرار بالمنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية حتى نهاية العام، ومن ثم التحول إلى البنوك المراسلة.
وتابع: البنوك المراسلة محصورة في مصرفين أميركيين هما سيتي بنك وجي مورغان، بالتالي يراقب الفيدرالي الأميركي والمركزي العراقي هذه العملية.. هذا التحول نحو المصارف المراسلة الغرض منه تبسيط الحوالات المصرفية والاعتمادات المستندية وتسهيل تمويل التجارة، وربما يؤدي إلى إحداث تغير بسيط في آليات تمويل التجارة، لكن المشكلة في العراق اليوم هي وجود عقوبات أميركية على إيران، إذ لا تسمح بتمويل التجارة مع إيران.
والمصارف المراسلة لن تتطرق إلى تمويل التجارة مع إيران، وسوف تراقب الحوالات المصرفية إلى المستفيد النهائي، ومنع تمويل التجارة مع إيران يحدث مشكلة في العراق، لأن حجم التجارة معها كبير جداً يتخطى 10 مليارات دولار، فالعراق يستورد كميات كبيرة من السلع والخدمات الإيرانية، وهذه السلع لا يجري تمويلها مصرفياً وإنما من السوق السوداء والدولار النقدي، بحسب أستاذ الاقتصاد.
واستكمل: هناك ضغط على الدولار في السوق الموازية ويتم جمع الدولار ليذهب إلى إيران عبر قنوات متعددة لتسديد قيم استيراد تجارة العراقيين، وهناك تجارة بمقدار أقل للعراق مع سوريا، لكن النسبة الأكبر مع إيران لذلك التحول نحو المصارف المراسلة لن يكون له تأثير كبير باتجاه تقليص الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي في ظل وجود عقبة منع التعاون المصرفي مع إيران، وبدون حل تلك المشكلة فلن تؤدي إجراءات البنك المركزي إلى تغيير كبير.
وأوضح أن زيارة محافظ البنك المركزي نتج عنها الموافقة على شمول 13 مصرفاً عراقياً جديداً بالتحويلات والدخول إلى نافذة العملة والسماح لها بالتعامل مع عدة عملات.. وفي كل الأحوال سوف تبقى المشكلة النقدية في العراق قائمة إلى أن يتم حل معضلة التجارة والسياحة مع إيران، خاصة وأن العراقيين ينفقون في إيران سنوياً أكثر من 3.5 مليار دولار، لأغراض السياحة والعلاج والدراسة، وهذا يمول من السوق الموازي وليس من قبل البنك المركزي، مما يؤدي إلى الضغط على الدولار ومن ثم ارتفاعه مقارنة بالدينار العراقي.
الفساد المالي
في السياق، قال الخبير الاقتصادي العراقي، الدكتور جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: إن العراق يعاني من استشراء ظاهرة الفساد المالي غير المسبوقة في جميع أنحاء العالم؛ إذ وصل حجم السرقات المالية ذات الطابع الرسمي إلى مليارات الدولارات.
ولا يرى الخبير الاقتصادي أن المنصة قد ساعدت على وقف تلك الظاهرة، ويقول: “من غير المعقول أن تتم تحويلات الأموال المسروقة عبر المنصات الإلكترونية الرسمية.. وللحد من هذه الظاهرة وإيقاف تسريب الأموال المسروقة طرح البنك المركزي العراقي فكرة إنهاء التعاملات عبر المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية واستبدالها بالعلاقات المصرفية المباشرة؛ للحد من ظاهرة الفساد المالي الذي يشترك فيه بعض المسؤولين في الدولة، والذي عملوا كالبالون يتضخم يوماً بعد يوم”، على حد وصفه.
وأوضح الخبير الاقتصادي العراقي، أن هذه الخطوة حالة صحية على الطريق الصحيح لحماية أموال العراق المنهوبة في عمليات الفساد، مضيفاً: “نتمنى أن تكون خطواتها جادة وصارمة بعيدة عن المجاملات المحلية والإقليمية”.
#العراق
#اقتصاد عربي