برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كقوة إقليمية ودولية ذات تأثير واسع في مختلف مجالات العلاقات الدولية، معززة موقعها كجسر حيوي للتواصل بين الشرق والغرب، ومؤكدة مكانتها كدولة تتمتع برؤية مستقبلية شاملة لتحقيق الازدهار والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
يعود نجاح الإمارات في هذا المسعى بشكل كبير إلى استراتيجياتها الفعالة في تعزيز الدبلوماسية والتنمية المستدامة، وتوظيف مواردها بشكل يعزز السلام والتعاون الدولي.
تتبنى الدولة نهجاً دبلوماسياً يقوم على بناء شراكات قوية مع مختلف الدول، بما في ذلك القوى الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، والدول الإقليمية المؤثرة مثل السعودية ومصر. ومن ثم فإن سياسة التنوع في الشراكات هي إحدى الركائز التي تستند إليها السياسة الخارجية الإماراتية، حيث توازن الدولة بمهارة وحكمة واسعة بين العلاقات المتنافسة على الساحة الدولية، مما يتيح لها مكانة محورية في حل النزاعات والوساطة في القضايا الدولية.
وانطلاقاً من هذا الدور، قدمت الإمارات نفسها كقوة معتدلة تدعو إلى الحوار وتعزز مبدأ الحياد الإيجابي، إذ حرصت على عدم الانخراط في الاستقطابات الدولية، متجنبة الانحياز لطرف ضد آخر. هذا الموقف أتاح لها لعب أدوار دبلوماسية حيوية، مثل الوساطة في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا أخيراً، إلى جانب مساهمتها الفعالة في دعم الاستقرار والسلام في مناطق مختلفة من العالم، خاصة منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، علاوة على مساعداتها التنموية والإغاثية وأيادي أبناء زايد البيضاء.
وقبيل أيام، أعلنت دولة الإمارات عن نجاح جهود وساطة قامت بها بين جمهوريتي روسيا الاتحادية وأوكرانيا في إنجاز عملية تبادل أسرى حرب جديدة شملت 190 أسيرا مناصفة من الجانبين، ليصل العدد الإجمالي للأسرى الذين تم تبادلهم بين البلدين في هذه الوساطات إلى 2184 أسيرا.
بالإضافة إلى قوتها الدبلوماسية، قدمت الإمارات نموذجاً تنموياً اقتصادياً رائداً، يقوم على تنويع مصادر الدخل، والاعتماد على التكنولوجيا والابتكار كمحركات رئيسية للنمو. لتجذب بذلك بيئة الاستثمار الإماراتية عديداً من رؤوس الأموال العالمية بفضل الاستقرار السياسي والمناخ الاقتصادي الجذاب والمرن الذي تقدمه. ولتصبح مركزاً إقليمياً للتجارة والاستثمار، فضلاً عن ريادتها في الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر.
هذا التنوع الاقتصادي لم يسهم فقط في تحقيق معدلات نمو مرتفعة، بل أيضًا في تعزيز الدور الإماراتي على الساحة الدولية عبر ما يسمى بـ”دبلوماسية التنمية”. حيث تسعى الإمارات من خلال شراكاتها الاقتصادية إلى تحقيق الرفاهية لشعبها والمساهمة في تحسين مستويات المعيشة في الدول الأخرى.
وإلى ذلك، يشار إلى أن التزام الإمارات بدعم السلم والأمن الدوليين يأتي ضمن أولويات سياستها الخارجية، حيث شاركت في عديد من المبادرات الإقليمية والدولية التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار والسلام. وقد انضمت الإمارات إلى تكتلات اقتصادية وسياسية كبرى مثل مجموعة “بريكس”، في خطوة تهدف إلى تنويع علاقاتها الدولية والمشاركة الفاعلة في صياغة توجهات الاقتصاد العالمي.
عاصمة الإنسانية وواحة السلام
وأفاد بأن توجهات دولة الإمارات خارجياً تركز على قيم إنسانية وتنموية تجعلها عاصمة للإنسانية وواحة للسلام، ما يعكس الاهتمام بريادة الإمارات عالمياً وترسيخ مكانتها الإقليمية والدولية خلال الفترة المقبلة، وذلك عبر حسن الجوار، حيث أن الإمارات تعتبر المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها وهي تعمل على تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع هذا المحيط.
وأشار إلى ثناء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على دور الإمارات، وتأكيده على أنه يرتبط بعلاقات صداقة مع الشيخ محمد بن زايد وأنه مرحب به في الأراضي الروسية وسوف يعقد معه لقاء خاص، يعكس التقدير الكبير من دولة كبرى كروسيا للإمارات قيادة وشعبا، وأن دورها مهما في العلاقات الاستراتيجية الدولية.
تطور كبير
وإلى ذلك، قال خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى روسيا تأتي في سياق المشاركة الإماراتية في قمة بريكس التي تنعقد في مدينة قازان الروسية.
وأكد أن تلك الزيارة تمثل أهمية كبيرة، حيث تعد المشاركة الأولى للإمارات في تجمع البريكس منذ انضمامها رسمياً في يناير 2024 إضافة إلى مصر والسعودية وإثيوبيا وإيران، كما تعكس أن السياسة الخارجية الإماراتية تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بحيث أصبحت ترتكز على مرتكزات واضحة وثابتة تتمثل فيما يلي:
- تنويع دوائر السياسة الخارجية الإماراتية وتنويع الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية مع كافة دول العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، حيث أنها تجري شراكات اقتصادية مع كل الدول خاصة المؤثرة في النظام الاقتصادي الدولي والنظام السياسي، فلديها شراكات مع أميركا وروسيا والصين واليابان ومناطق مختلفة من العالم، بما يعكس قوة ومتانة وحيوية السياسة الخارجية الإماراتية.
- السياسة الخارجية الإماراتية تتسم بسياسة الحياد الإيجابي، أي عدم الانخراط في استقطابات عالمية، خاصة في ظل حالة الاستقطاب الدولي فيما بين أميركا وحلفائها من ناحية وكل من روسيا والصين من ناحية أخرى، فالإمارات منفتحة على كل الدول ولديها شراكات مع كل الدول دون أن تكون على حساب شراكة مع دولة أخرى.. تلك السياسة جعلتها تنفتح على كل الدول لتحظى بالمصداقية الدولية من كافة الدول سواء أميركا وروسيا والصين، حتى المتنافسين يسعون إلى بناء شراكات مع الإمارات.
- الانضمام إلى التكتلات الدولية وعلى رأسها البريكس في إطار سعي الإمارات إلى تقديم نموذج تنموي يعكس رؤيتها الشاملة في تنويع هيكل الاقتصاد الإماراتي والتوسع في المصادر غير النفطية والاعتماد على التكنولوجيا والمعرفة.. ولذلك هي تقدم نموذجاً تنموياً مهماً وحققت معدلات نمو كبيرة، فهذه الشراكات والتكتلات الاقتصادية تأتي في سياق “دبلوماسية التنمية”؛ أي توظيف السياسة الخارجية الإماراتية الرشيدة والفاعلة لدعم تنمية الداخل بتوطين التكنولوجيا وجذب الاستثمارات بما يعظم المصالح الإماراتية والدور الإماراتي.
- السياسة الخارجية الإماراتية تقوم على فكرة تعزيز السلم والأمن الدوليين، فالإمارات إلى جانب مصر والسعودية تمثل تيار الاعتدال في المنطقة، خاصة وأنها تنحاز إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدتها، ولذلك تحظى السياسة الخارجية الإماراتية بمصداقية كبيرة لدى جميع الدول.
- الإمارات قدمت نموذجاً تنموياً رائداً، خاصة فيما يتعلق بالتنمية والنهضة الشاملة وتوظيف التكنولوجيا والاستثمار في الإنسان وبناء نموذج معرفي، وهو ما مكنها من أن تكون نموذجًا ملهما للدول الأخرى وتحقيق التنمية والاستفادة من الموارد البشرية.
- الدولة في سياستها الخارجية تقوم على فكرة تعظيم العمل الجماعي الدولي من خلال تعزيز التعاون الدولي في مجال مواجهة التحديات الكونية مثل التغيرات المناخية والأوبئة والأمراض والتصحر والجفاف، وبالتالي قدمت نموذجاً رائداً في التوسع بالطاقة المتجددة والاقتصاد والهيدروجين الأخضر.
وشدد أحمد على أن السياسة الخارجية الإماراتية جعلت الإمارات لها موقع متميز على الخريطة الاقتصادية الإقليمية والعالمية كذلك على الخريطة السياسية بسبب فعالية هذه السياسة ودورها البارز في تقديم نموذج تنموي ودورها في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدفاع عن القضايا العربية على رأسها القضية الفلسطينية وتقديم نموذج عالمي يقوم على الاعتدال.
السياسة والعلاقات الدولية
من جهته، أكد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات منذ سنوات وهي تشهد تطوراً ملحوظاً، وأنها باتت لديها قوة دبلوماسية كبيرة على المستوى الرئاسي، بقيادة الشيخ محمد بن زايد، وحتى على مستوى الدبلوماسية الإماراتية القوية.
وقال إن الإمارات استطاعت ونجحت في أن تكون عاصمة للسياسة على مستوى العالم ويقصدها جميع الأطراف، موضحاً أن:
- الإمارات تتمتع بعلاقات قوية ومتميزة مع كل الأطراف، حتى المتصارعة منها، فعلى سبيل المثال في الشرق كروسيا والصين، والغرب كالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
- دولة الإمارات تعد من الدول القلائل التي تتمتع بتوازن في علاقاتها بين كل القوى الدولية الكبرى، كما أن لديها علاقات استراتيجية قوية بدول في المنطقة كمصر والمملكة العربية السعودية والأردن وكثير من دول المنطقة.
- الإمارات تمسك بيدها عديداً من الملفات في منطقة الشرق الأوسط، والكثير من الدول التي تريد أن تحقق السلام والاستقرار في المنطقة تتجه لها.
- الدبلوماسية الإماراتية أدت في السنوات الأخيرة بشكل خاص دوراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، وحتى على مستوى العالم، وشاركت في تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، ولها دور مهم ويُعتمد عليها اعتماداً كبيرا في منطقة الشرق الأوسط .
- الإمارات قوة اقتصادية مهمة ولديها حرية اقتصادية يقصدها المستثمر من جميع النوحي نظراً للمناخ الاستثماري الجاذب لرؤوس الأموال.
- الدبلوماسية الإماراتية سعت خلال السنوات الماضية لتشمل كل ملفات المنطقة، حيث نجد يد الإمارات البيضاء في كل ملفات المنطقة والقارة الأفريقية بتقديم المساعدات لعديد من الدول التي تحتاج للمساعدات.
واستعرض بعض العوامل التي تقف وراء تنامي الدور الإماراتي عالمياً؛ منها الإرادة السياسية لقادتها في جعلها دولة تحقق الرفاهية لمواطنيها وللبشر حول العالم، وتشكيل التوجهات المستقبلية طويلة المدى ورسم رؤية أكثر مرونة وشمولية واستدامة لمستقبل البشرية، فضلاً عن اهتمامها بالسلام والسلم والحوار والتنمية الشاملة ما عمل على ترسيخ مكانتها الدولية.
وأوضح مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة تقوم على السلم والسلام والحوار والتنمية الشاملة وتوفير أفضل حياة لشعبها ولشعوب العالم، ويظهر ذلك في وثيقة “مبادئ الخمسين” التي تحدد المسار خلال الخمسين عاماً المقبلة وترسم المسار الاستراتيجي لدولة الإمارات في المجالات الاقتصادية والسياسية والتنموية والداخلية.
خطة استراتيجية
وإلى ذلك، لفت الباحث في العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن التفاعلات التي تقوم بها دولة الإمارات على الصعيد الدولي والإقليمي، هي تفاعلات هامة جدا تعكس مدى وعي القيادة السياسية في الإمارات وإدراكها التفاعلات الإقليمية والدولية.
وأضاف أن تلك التفاعلات تعكس الدور المحوري لدولة الإمارات، على الصعيد الدولي والإقليمي في كثير من القضايا والتطورات الدولية سواء كان هذا الدور على الصعيد السياسي والاقتصادي، وحتى على صعيد الوساطة أو تقديم العديد من المساعدات الإنسانية لبعض الدول التي تعاني الصراعات والأزمات.
وذكر أن رؤية القيادة السياسية في الإمارات بضرورة التفاعل مع البيئة الدولية المتغيرة والتي باتت تتغير بصورة متسارعة، تعكس وجود خطة استراتيجية لدى الدولة بشأن التفاعل مع القضايا الإقليمية والدولية بصورة كبيرة.
واستعرض بعض العوامل التي ساعدت على تنامي الدور الإماراتي عالميا في السنوات الأخيرة، ومنها:
- رؤية القيادة السياسية في الإمارات.
- الاستراتيجية الإماراتية الهادفة إلى أن تصبح الإمارات لاعباً إقليمياً.
- تدخل الإمارات في الكثير من الملفات من خلال دعم عمليات الاستقرار والسلام وطرح رؤى سياسية لتعزيز السلام الإقليمي والدولي وتنمية الجهود الإنسانية في هذا المجال.
- الاقتصاد الإماراتي والدور الذي تلعبه العوامل الاقتصادية في الإمارات لتعزيز مكانتها، وموقعها الاستراتيجي الهام في الخليج العربي، ما يؤكد على محورية دورها.