إلى جانب الحرب التي تخوضها على الجبهتين الشمالية والجنوبية تواجه إسرائيل حربا من نوع آخر وهي تداعيات التصعيد الذي بدأ في 7 أكتوبر على الاقتصاد الإسرائيلي.
التداعيات الداخلية التي تسببت في ارتفاع عجز الموازنة الإسرائيلية إلى أكثر من 8 بالمئة، والإنفاق العسكري الضخم الذي تجاوز حسب تقديرات إسرائيلية 100 مليار دولار، والأزمات التي خلقتها الحرب في عدة قطاعات اقتصادية مثل التكنولوجيا والبناء، دفعت وكالة ستاندرد آند بورز مرة أخرى لتخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل على المدى الطويل من A+ إلى A، وأرجعت الوكالة هذا القرار إلى المخاطر الأمنية المتزايدة في ضوء التصعيد الأحدث في الصراع مع حزب الله.
كما غيرت الوكالة نظرتها المستقبلية لاقتصاد إسرائيل إلى سلبية، مشيرة إلى أنها تعكس أيضا خطر اندلاع حرب أكثر مباشرة مع إيران.
تخفيضات متتالية
ليست هذه المرة الأولى التي تخفض فيها وكالة ستاندرد آند بورز، تصنيف إسرائيل، ففي أبريل الماضي خفضت الوكالة الأميركية تصنيف إسرائيل الائتماني طويل المدى من “إيه إيه-” (AA-) إلى “إيه+” (A+).
وتَواصُل حرب غزة والتصعيد مع حزب الله على الجبهة الشمالية دفع وكالة فيتش أيضا إلى تخفيض تصنيف إسرائيل الائتماني بدرجة واحدة، من “إيه +” (A+) إلى “إيه” (A).
كما خفضت وكالة موديز في فبراير الماضي تصنيف إسرائيل الائتماني إلى “A2” لكن اشتداد الصراع مع حزب الله دفع الوكالة إلى تخفيض تصنيف إسرائيل مرة ثانية، ولكن هذه المرة بمقدار درجتين من A2 إلى Baa1، كما أبقت على توقعاتها السلبية وهو تصنيف يعني جدارة ائتمانية ضعيفة، ومخاطر عالية تحيط بالاقتصاد والمالية العامة.
تداعيات تخفيض التصنيف
تعرض الاقنصاد الإسرائيلي إلى 5 تخفيضات في تصنيفه الائتماني في أقل من عام وهي تخفيضات تشكل تحذيرا اقتصاديا خطيرا، وبحسب صحيفة كالكاليست الإسرائيلية يحمل تخفيض تصنيف إسرائيل في طياته تداعيات أعمق من مجرد أرقام، فهو يؤثر بشكل مباشر على ثقة المستثمرين في الاقتصاد الإسرائيلي، كما يؤثر على قدرة إسرائيل على تمويل نفسها بتكاليف معقولة في المستقبل.
وأشار تقرير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن التقييم الذي تصدره وكالات التصنيف لا يقتصر فقط على كونه انعكاسا للواقع، بل يعمل أيضا على “تشكيل” هذا الواقع، فهو يؤثر بشكل كبير على كيفية نظر المستثمرين المحتملين إلى الاقتصاد الإسرائيلي.
ويقول الخبير والمحلل اقتصادي الدكتور ثابت أبو الروس، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن التصنيف الجديد لإسرائيل يُعتبر نقطة مخاطرة للمستثمرين الذين يرغبون بالاستثمار في إسرائيل، مؤكداً أن خفض تصنيف إسرائيل يشكل خطورة على اقتصادها.
وأضاف: “رغم قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن تصنيف “موديز” لا يمكن أن يؤثر “كبعد استراتيجي” على اقتصاد إسرائيل، إلا أن الحقيقة هي عكس ذلك فالتصنيف الجديد له دلالاته الواضحة، ففي حال رغبت إسرائيل بالاقتراض من دول الخارج، أو من المستثمرين فإن تكلفة الاقتراض ستكون مرتفع”.
“اقتصاد إسرائيل في خطر”
كان للحرب المتواصلة منذ أكثر من عام في قطاع غزة والتصعيد مع حزب الله تداعيات خطيرة على أغلب القطاعات الاقتصادية في إسرائيل، حيث يعاني قطاع التكنولوجيا من انخفاض حاد في الاستثمارات الأجنبية والمحلية بنسبة 30بالمئة كما يعيش قطاع البناء والزراعة أزمات كبيرة بسبب النقص الكبير في اليد العاملة بعد تعليق تصاريح عمل أكثر من 200 ألف فلسيطيني.
كما بلغت خسائر السياحة الدولية في إسرائيل خلال سنة من الحرب على غزة نحو 5.25 مليار دولار، بحسب ما ذكرته صحيفة جيروزاليم بوست.
إلى جانب ذلك شهدت الديون الإسرائيلية ارتفاعا كبيرا، حيث تعادل نسبة الدين الإسرائيلي البالغة 70 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما قيمته 370 مليار دولار، وهو رقم يفوق احتياطات إسرائيل من النقد الأجنبي، البالغة قرابة 200 مليار دولار، بحسب بيانات “بنك إسرائيل”.
هذه المؤشرات دفعت وزارة المالية الإسرائيلية إلى تخفيض توقعات النمو إلى 1.1 بالمئة انخفاضا من 1.9 بالمئة كما تم خفض توقعات النمو للعام القادم إلى 4.4 بالمئة من 4.6 بالمئة. كما خفضت وكالة موديز توقعاتها لنمو اقتصاد إسرائيل عام 2025 من 4% إلى 1.5% فقط، كما تم تخفيض توقعات النمو على المدى الطويل من 4% إلى 3% سنويًا.
وبحسب ما قاله الخبير الاقتصادي الإسرائيلي، دان بن ديفيد، الذي يرأس مؤسسة “شوريش” للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية، لصحيفة واشنطن بوست، فإن اقتصاد إسرائيل في خطر جاد ما لم تستيقظ الحكومة. وأضاف: “في الوقت الراهن، هم منفصلون تماماً عن أي شيء لا يتعلق بالحرب… ولا توجد نهاية في الأفق”.
وفي إشارته إلى الحرب باعتبارها “أم كل الحروب”، أعرب بن ديفيد عن إحباطه من المسؤولين في وزارة المالية، التي يرأسها حالياً الوزير بتسلئيل سموتريتش، بسبب ما يرون أنه تفضيل الحكومة لاسترضاء مؤيديها على حساب تعزيز الاقتصاد.
نفقات مرتفعة
بلغت كلفة النزوح لنحو 100 ألف شخص من سكان إسرائيل بسبب الحرب نحو 2.34 مليار دولار بما في ذلك 1.5 مليار دولار تم تخصيصها لنفاقات الفنادق حيث حجزت الحكومة نحو 13.5 مليون ليلة إقامة، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست. كما اضطرت حكومة إسرائيل إلى دفع 864 مليون دولار في شكل منح إقامة. كل هذه التكاليف ساهمت في ارتفاع عجز الموازنة إلى نحو 8.3 بالمئة.