تلعب أموال المليارديرات دوراً كبيراً قد يصل إلى مرحلة حسم الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر انعقادها في نوفمبر المقبل، بالمساهمة في اختيار من يكون سيد البيت الأبيض، خاصة وأن هؤلاء المليارديرات أصحاب نفوذ كبير يؤثرون في لعبة الانتخابات عبر طرق مختلفة.
بحسب تقرير لكبير مراسلي منصة “بيزنس إنسايدر” غون دورمان، اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه، فإن الولايات المتحدة الأميركية لم تشهد من قبل تدفق هذا القدر من المال إلى الانتخابات، مشيراً إلى أنه في السنوات الأخيرة أسهم كبار المانحين مثل كينيث غريفين وجورج سوروس وريد هوفمان في تغيير نتائج الانتخابات.
وتساءل أين تذهب هذه الأموال؟ وهل يمكن أن تؤدي إلى نجاح الانتخابات أو فشلها؟ لافتًا إلى أن رؤية مليارات الدولارات يتم جمعها هي ظاهرة حديثة نسبياً في السياسة الأميركية.
- كانت المرة الأولى التي جمعت فيها الحملتان الرئاسيتان أكثر من مليار دولار في العام 2012 في السباق بين الرئيس باراك أوباما والجمهوري ميت رومني، وكان إنجازاً تاريخياً.
- في دورة العام 2020، تم جمع 14.4 مليار دولار بين سباقات الكونغرس والسباق الرئاسي، وهو مبلغ ضخم من المال.
وأفاد بأن تدفق الكثير من المال إلى الانتخابات له عديد من العواقب، وهي:
- عادةً، يفوز المرشحون الذين ينفقون المزيد من المال بسباقاتهم؛ ففي العام 2022، فاز ما يقرب من 94 بالمئة من مرشحي مجلس النواب الذين جمعوا أكبر قدر من المال بسباقاتهم، وبالنسبة لسباقات مجلس الشيوخ في ذلك العام، فاز ما يقرب من 82 بالمئة من مرشحي مجلس الشيوخ الذين جمعوا أكبر قدر من المال.
- بالنسبة للحملات الرئاسية، فإن الأمور مختلفة بعض الشيء، على سبيل المثال، في العام 2016 جمعت هيلاري كلينتون أموالاً أكثر من دونالد ترامب، لكنها خسرت الانتخابات، لذلك لا يوجد دائماً ارتباط واضح بين مقدار الأموال التي تم جمعها ومن يفوز بالفعل في الانتخابات.
- تذهب أموال الحملة إلى كل شيء، بما في ذلك استضافة التجمعات، وفتح المكاتب وتوظيف الموظفين في الولايات المتأرجحة، ورسوم الاستشارات، لكن القدر الأكبر يكون الإعلان، سواء كانت مباشرة، أو إعلانات تلفزيونية أو إذاعية.
- أيضاً تستخدم التبرعات في إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يحاول المرشحون إيجاد وسيلة للوصول إلى الناخبين، ويستخدمون أي طرق تمكنهم القيام بذلك، لذا يعد جمع التبرعات جزءاً أساسياً من أية حملة رئاسية.
وأشار دورمان في فيديو شارح له عبر المنصة، إلى أن المثال الأبرز على دور التبرعات في الحملات الرئاسية، ذلك أنه بعد مناظرة بايدن -التي وصفها بـ “الكارثية”- في يونيو، والتي تركت عديداً من الديمقراطيين في حالة من القلق والتوتر، كان لدى بايدن مانحون ديمقراطيون كبار مثل حفيدة والت ديزني ووريثة شركة الترفيه الكبرى أبيجيل ديزني، التي قالت إنها لن تتبرع بالمال للحملة بعد الآن إذا كان بايدن مرشحاً.
وأكد أن عدم مساهمة المليارديرات بالمال يعني أن حملة المرشح ستواجه صعوبات، بمجرد أن رأى الناس أن الصنبور كان مغلقاً، مؤكدًا أن ذلك أثر على حملة بايدن كما رجح أن يكون قد أسهم في خروجه من السباق.
حجم الأموال التي تم جمعها
وذكر أنه تم بالفعل جمع مبلغ هائل من المال للسباق الرئاسي للعام الجاري 2024، والآن، يتمتع الديمقراطيون بالزخم من حيث مقدار ما تم جمعه، وأوضح:
- جمعت نائبة الرئيس كامالا هاريس 310 مليون دولار في يوليو وحده.
- تم “توريث” جزء من هذه الأموال من حملة بايدن، وتم تحويلها إلى حملتها، وأصبح لديها الآن 377 مليون دولار نقدًا في متناول اليد.
- لدى الرئيس السابق دونالد ترامب 327 مليون دولار نقدًا في متناول اليد.
- الديمقراطيون متقدمون بحوالي 50 مليون دولار.
وقال إنه في اليوم الذي تم فيه الإعلان عن حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز كمرشح لمنصب نائب الرئيس لكامالا هاريس، حصلت مجموعة “آكت بلو” المسؤولة عن جمع التبرعات لحملة الانتخابات الرئاسية للحزب الديمقراطي، على حوالي 20 مليون دولار في ذلك اليوم وحده، وهو مبلغ كبير جدًا يظهر أن الديمقراطيين يتحمسون للانتخابات، في حين لم يكن لديهم ذلك قبل حوالي شهر.
وبيّن أن هناك ثلاث طرق يمكن من خلالها التبرع بالمال، سواء كانت مساهمات فردية أو من خلال لجان العمل السياسي أو من خلال لجان العمل السياسي الفائقة، حيث تخضع المساهمات الفردية لقيود صارمة بموجب القانون الفيدرالي، خاصة وأنه لا يمكن للأفراد المساهمة بأكثر من 6600 دولار لدورة انتخابية.
الانتخابات الأغلى في التاريخ الأميركي
من جهته، أكد أستاذ العلاقات الدولية، أيمن سمير، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن المرشح الرئاسي الذي يستطيع جمع أموال أكثر هو الذي قد يفوز بالانتخابات ويصبح سيد البيت الأبيض، لافتاً إلى أن لهذا السبب يتكالب الحزبان الديمقراطي والجمهوري على جمع أكبر قدر من أموال المليارديرات.
وأشار إلى أن كل التوقعات تفيد بأن الانتخابات الرئاسية التي سوف تشهدها الولايات المتحدة في 5 نوفمبر المقبل سوف تكون الأغلى في التاريخ الأميركي، ليس فقط بسبب الاستقطاب السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بل للخلاف الحاد في الأجندة الاقتصادية لمرشحي الحزبين.
وأوضح أنه دون الأموال لا يمكن لمرشح أن يصل إلى البيت الأبيض، مشيراً إلى أن الأموال في أميركا لها عدة تصنيفات تأتي في مقدمتها أموال المليارديرات، واستعرض تلك التصنيفات فيما يلي:
- أموال المليارديرات: وهي التي يكون مصدرها كبار رجال الأعمال والمليارديرات، منهم على سبيل المثال الملياردير الأميركي إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية، الذي يدعم ترامب، إضافة إلى شركات التكنولوجيا.
- فئة المتبرعين بما يزيد عن الألف دولار، وهم يشكلون شبكة كلما زادت على مستوى الخمسين ولاية تعكس أن المرشح أو الحزب الداعمة له يمتاز بشعبية كبيرة
- فئة الأموال البسيطة من خمسة حتى خمسين دولاراً، وهي أفضل أموال لدعم المرشحين لأنها تعبر عن القاعدة الأكبر، فكلما زادت هذه القاعدة يعني ذلك أن المرشح هو الأقرب للفوز بالبيت الأبيض؛ لأنه يعبر عن أكبر قاعدة انتخابية على مستوى الدائرة الانتخابية أو على مستوى الولاية أو حتى على المستوى الاتحادي.
- فئة “الأموال المظلمة”، وهي عبارة عن تبرع أصحاب المصالح لمنظمات، وهذه المنظمات تتبرع للمرشحين، على أن يعلن اسم المنظمة وليس اسم المتبرع، وهي تبدو أموال غير أخلاقية في عيون الناخبين رغم أنها أموال شرعية وقانونية، وواقع الأرقام والإحصاءات يقول إن الحزب الديمقراطي هو الذي يحصل على نسبة أكبر من تلك الأموال المظلمة.
وأشار إلى أن ترامب أقرب للمليارديرات خاصة وأنه ملياردير، ويتعهد برواتب مرتفعة ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وبالتالي دعم المليارديرات، بينما تيم والز نائب كامالا هاريس، يعد أفقر مرشح في تاريخ أميركا ورأس ماله المسجل ضعيف، ويقدم نفسه وهاريس داعمين للطبقة الوسطى.
وأفاد بأنه على الرغم من دعم ترامب المعلن للمليارديرات، إلا أن معركة الحزبين الآن فيما يسمى بـ “ولايات الصدأ” التي تتعلق بالطبقة الوسطى والعمال، وأصحاب الدخول الصغيرة والمتوسطة، مشيراً إلى أنه لأول مرة يحاول ترامب أن يجذب الطبقات العمالية.
واستدل على ذلك باختيارات المرشحين المتنافسين ترامب وهاريس لنائب كل منهما، فبالنسبة للأول اختار نائبه “جي دي فانس” من ولاية أوهايو التي تعد من أفقر الولايات الأميركية، بينما الثانية اختارت “تيم والز” من ولاية مينيسوتا المعروف أنها من الولايات سكانها من أصحاب الدخل المتوسط.
وأضاف أن المعركة الحقيقية على العمال ومتوسطي الدخل، مستدلًا على ذلك بأن الطرفين يدعوان إلى تخفيض الضرائب، فترامب يشكو التضخم الكبير الذي عانت منه أميركا في عهد باين ويحاول إصلاح الأزمة، وهاريس كل خططها تسير في اتجاه خفض الأسعار، مؤكدًا أنهما يهدفان تقديم أنفسهما كأصدقاء لأصحاب الدخول المتوسطة والفقيرة.
وذكر أن برنامج ترامب الاقتصادي قد يعكس أنه داعم للمليارديرات وأجنداتهم، إلا أنه يراعي مصالح كل الفئات فيما يتعلق بالاقتصاد، وهو ما تعكسه استطلاعات الرأي التي تقول أن الأميركيين يثقون في ترامب أكثر عند الحديث عن القضايا الاقتصادية.
تأثير المليارديرات على الانتخابات
ومن جانبه أكد خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن المليارديرات لهم تأثير كبير على الانتخابات الأميركية، وأن لهذا التأثير أوجه عديدة منها:
- التأثير المالي: وهو تأثير كبير على الانتخابات الأميركية من خلال تقديمهم دعم مالي وتبرعات للمرشح المفضل بالنسبة لهم، ما يؤثر بشكل كبير وفارق في قدرات المرشح ونجاحه في الانتخابات.
- تأثير بالأوساط السياسية: دائماً ما يكون الملياردير صاحب صوت مؤثر ومسموع بالأوساط المحيطة به، وقد يكون متواجداً في دائرة كبرى ذات كتلة كبيرة من المصوتين بالانتخابات.
- تأثير إعلامي: على سبيل المثال إجراء الملياردير إيلون ماسك حوار مع دونالد ترامب خلال منصة إكس، حضره أكثر من مليون شخص، وكذلك إعلان الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري دعمها المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، لتستمر في دعمها للديمقراطيين بعد أن دعمت بالسابق بايدن وباراك أوباما.
وأفاد بأنه على الرغم من أن دعم المليارديرات لأحد المرشحين عامل مهم، لكنه غير حاسم في اختيار سيد البيت الأبيض نظرًا لوجود مؤثرات أخرى في القرار النهائي والتأييد الواسع للمرشح، منها على سبيل المثال:
- توجهاته السياسية والاجتماعية.
- موقفه من الأزمات الجيوسياسية.
- سياساته الاقتصادية؛ خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها أميركا في الوقت الحالي وتتزامن مع الانتخابات.
- سياساته في الحرب التجارية تجاه الصين والقيود التجارية المفروضة على منتجاتها وعلى التعامل التجاري مع أوروبا.
وأكد أن السياسات الاقتصادية لترامب تبدو أنها تتوافق مع مصالح رجال الأعمال، خاصة وأن توجهات الحزب الجمهوري أقرب لرجال الأعمال، ما يجعله يحظى بتأييد من المليارديرات في مواجهة مرشح الحزب الديمقراطي، لكن هناك سياسات أخرى مهمة في التأثير على توجهاتهم تجاه دعم واحد من المرشحين.
وذكر أنه على الرغم من أهمية تأييد المليارديرات وتأثيره الكبير على حسم الانتخابات، إلا أن الطبقة العامة التي تتميز بعدد أكبر من الأصوات، إذا لم يتمكن المليارديرات من التأثير على عدد كبير من تلك الطبقة وجذبهم لتأييد المرشح المفضل، ستكون كفة الطبقة العامة أرجح لأن عددها وأصواتها أكبر.
دور المليارديرات مؤثر ..ولكن!
فيما قال الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر لدراسات أسواق المال، عمرو زكريا عبده، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن دور المليارديرات في الانتخابات الرئاسية الأميركية يعتبر مؤثرًا جدًا لكنه ليس العامل الوحيد الحاسم في تحديد من سيصل إلى البيت الأبيض.
وأوضح أن تأثير المليارديرات يمكن النظر له من عدة زوايا:
- التمويل والدعم المالي: المليارديرات يمتلكون القدرة على تقديم دعم مالي هائل للمرشحين من خلال التبرعات المباشرة أو من خلال لجان العمل السياسي التي تمول الحملات الانتخابية، على أن تستخدم هذه الأموال في شراء الإعلانات الانتخابية، وتنظيم الفعاليات، وزيادة الوصول إلى الناخبين، فعلى سبيل المثال، في الانتخابات السابقة، رأينا كيف أن رجال أعمال مثل مايك بلومبيرغ زاد من تأثيره السياسي من خلال تقديم تبرعات ضخمة.
- النفوذ السياسي: المليارديرات لا يقدمون فقط التمويل، ولكنهم أيضًا يمتلكون شبكة علاقات واسعة داخل الحكومة ووسائل الإعلام، وتأثيرهم يمتد إلى صناعة القرار والتأثير على سياسات المرشحين، على سبيل المثال، السياسات الاقتصادية التي يطرحها ترامب، مثل خفض الضرائب على الشركات الكبرى، تنسجم بشكل كبير مع مصالح رجال الأعمال والمليارديرات.
- تأثير السياسات الاقتصادية: السياسات الاقتصادية التي يتبناها المرشحون يمكن أن تكون جاذبة لفئة المليارديرات، على سبيل المثال، دونالد ترامب، خلال فترة رئاسته، ركز على خفض الضرائب وتقليل القيود التنظيمية، وهو ما يحظى بشعبية كبيرة بين المليارديرات والشركات الكبرى، وأن هذه السياسات قد تساعد في حشد دعم قوي من قبل قطاع الأعمال، وهو ما يعطي المرشح قاعدة مالية قوية تساعد في التأثير على نتائج الانتخابات.
- الجاذبية لدى الناخبين: رغم أهمية دعم المليارديرات، إلا أن المرشح الذي يستطيع جذب طبقة العامة بتعهداته قد يكون صاحب الكفة الأرجح، فالحملات التي تركز على قضايا مثل تحسين الرعاية الصحية، زيادة الأجور، والعدالة الاجتماعية تجد صدى أكبر بين فئات الناخبين العادية، وهذا التوجه يتضح بشكل خاص في الحملات الانتخابية التي يقودها مرشحين يساريين مثل بيرني ساندرز أو إليزابيث وارن، اللذين يركزان على تقليص الفجوة الاقتصادية بين الطبقات.
وبالنسبة للمرشح صاحب الكفة الأرجح، أوضح أن المسألة تعتمد بشكل كبير على الحالة العامة للبلاد وتوجهات الناخبين في وقت الحملة، فعلى سبيل المثال، يمكن لدونالد ترامب جذب المليارديرات الذين يهتمون بقطاع الطاقة الأحفورية و الغاز والأسلحة والقطاع المالي الذي يحبذ تخفيف الرقابة على المجال، أما كامالا هاريس يمكن أن تجذب مليارديرات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.