فما أسباب فشل التوصل لوقف إطلاق النار؟ وما السيناريوهات المتوقعة؟
عبر سودانيون عن إحباطهم لعدم تمكن مفاوضات جنيف التي اختتمت الجمعة من الخروج ببند واضح لوقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب التي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 10 ملايين، وعرضت أكثر من 25 مليونا لخطر الجوع.
وفي حين رأى البعض بارقة أمل بخصوص فتح المعابر لإيصال الإغاثة لملايين العالقين، فقد ربطوا نجاح ذلك بإجراءات على الأرض تضمن عدم إعاقة الأنشطة الإغاثية في ظل احتدام القتال بين الطرفين، وانتشاره في أكثر من 70 بالمئة من أنحاء البلاد.
وأشار مراقبون إلى أسباب لأدت إلى فشل تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في وقف الحرب، واعتبروا أن مفاوضات جنيف شكلت بارقة أمل وفرصة سانحة كان على الجميع العمل لإنجاحها، وحمّلوا غياب الجيش عن المفاوضات مسؤولية عدم إحراز تقدم فيما يخص وقف إطلاق النار، متوقعين أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الحالة المأساوية التي تعيشها البلاد منذ اندلاع الحرب.
وبالنسبة لرئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي القيادي في تنسيقية القوى المدنية السودانية “تقدم” بابكر فيصل، فإن العامل الرئيسي لتعثر جهود وقف إطلاق النار يعود لمقاطعة الجيش، لأسباب منها ما هو معلن مثل المطالبة بتنفيذ اتفاق جدة الموقع في مايو 2023، ومنها ما يندرج تحت أجندة أخرى أشار إليها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بالقول إن الجيش لن يذهب للتفاوض “إلا عندما تحين الظروف المواتية وعندما يكون مستعدا لذلك”.
ويرى فيصل أن “حديث عقار يعني أن الجيش لن يدخل في تفاوض إلا عندما يكون في وضع أفضل ميدانيا وعسكريا”، إلا أن أحد النشطاء الداعمين للجيش كان أكثر جرأة وأشار بوضوح إلى أن “التفاوض من موقع الهزيمة استسلام وليس سلاما، ونحن الآن مهزومين”.
ويشدد فيصل على أن المبادرة الأميركية مثلت فرصة ذهبية لوقف الحرب، حيث توفرت فيها عوامل غير قابلة للتكرار على الأقل في الفترة القريبة المقبلة، لكنه يتوقع أن يتراجع حماس واشنطن مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر المقبل، مما يعني أن “أي إدارة جديدة للبيت الأبيض لن تلتفت لترتيب أوراق السياسة الخارجية إلا بعد نهاية يناير 2025، وهو موعد مباشرة الرئيس المقبل لمهام منصبه”.
مواقف متباينة
وكانت قوات الدعم السريع استجابت للدعوة الأميركية وأرسلت وفدها المفاوض لجنيف، لكن الجيش رفض الانضمام للمفاوضات مطالبا بإلزام الدعم بتنفيذ بنود إعلان جدة، الذي يتبادل الطرفان الاتهامات بخرقه.
ويقول الجيش إن قوات الدعم السريع لم تلتزم بالخروج من منازل المدنيين، في حين تقول قوات الدعم السريع إن شرطا كهذا لم يرد في إعلان جدة.
وأوضح عضو الوفد المفاوض لقوات الدعم السريع محمد مختار في مقابلة سابقة مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “إعلان جدة لم ينص على خروج الدعم السريع من منازل المدنيين”، بل إنه أضاف أن “قوات الدعم السريع لا تتمركز في منازل المدنيين ولم تمنع أي مواطن من السكن في منزله. المواطنون خرجوا من منازلهم بسبب المعارك والقصف المدفعي وقصف الطيران، لذلك ما لم يتوقف القتال لن يستطيع المواطن العودة إلى منزله”.
ويرى مراقبون أن الجيش يريد تغيير معادلة الحرب على الأرض أولا ثم يذهب لطاولة المفاوضات، وأن الحديث عن تنفيذ اتفاق جدة ليس سوى محاولة لكسب الوقت حتى لا يوصم بأنه رافض للتفاوض.
لكن أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية محمد خليفة، يشير إلى ضرورة أن “يخاطب المجتمع الدولي هموم الجيش إن أراد منه أن يقبل المبادرات”.
ويوضح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الجيش يريد مفاوضات على مواصفاته وإذا لم يجدها سيظل متعنتا، وعلى رأس مطالب الجيش تنفيذ ما تم التوقيع عليه في اتفاق جدة، وكذلك توفير ضمانات كافية أن ما سيتم الاتفاق عليه في أي مبادرة سيتم تنفيذه، ولن يكون مصيره مصير اتفاق جدة”، على حد وصفه.
سيناريوهات متوقعة
يرسم الخبير القانوني مدير معهد حقوق الإنسان في جنيف نزار عبد القادر، مجموعة من السيناريوهات لنهاية المشهد الحالي الذي يعيشه السودان.
ويقول لموقع “سكاي نيوز عربية”: “مؤشرات هذه السيناريوهات باتت أكثر وضوحا في ظل عدم تنفيذ الطرفين لبنود إعلان جدة، والنتيجة الحالية لمحادثات جنيف بسبب رفض الجيش المشاركة فيها، وفشل طرفي الحرب، الجيش والدعم السريع، في الوفاء بالتزاماتهم لبناء الثقة، وظاهرة الانتشار الواسع لتسليح المدنيين والقبائل، وزيادة خطاب الكراهية القائم على أسس إثنية وعرقية وجهوية، والغياب التام للحل السياسي التفاوضي، وجلوس القوى المدنية على كراسي المتفرجين”.
ووفقا لعبد القادر، فإن “السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن يصدر مجلس الأمن الدولي قرارا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يلزم الطرفين بتنفيذ اتفاق جدة، وتسـهيل أعمـال الإغاثـة، إضافة إلى تعزيز أعمال التحقيـق المسـتقل في انتـهاكات حقـوق الإنسـان والقـانون الإنسـاني الدولي، بالتعاون مع الأمم المتحدة وبصفة خاصة لجنة التحقيق الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في أكتوبر من العام الماضي”.
أما السيناريو الثاني الذي من المرجح أن يتحقق في حال فشل الجهود الدولية من وجهة نظر عبد القادر، فهو نشوب حرب أهلية شاملة تصل إلى كل المناطق التي لم تشملها الحرب حتى الآن.
ويتمثل السيناريو الثالث في توصل الطرفين لاتفاق يوقف الحرب من دون الدخول في أي عملية سياسية تشارك فيها القوى السياسية المدنية، ويربط عبد القادر احتمالية تحقيق هذا السيناريو بالضغوط الدولية المتزايدة على الجيش، لكنه يشير إلى خطورة هذا السيناريو بالقول: “يمكن أن يقود ذلك إلى دخول الطرفين في تحالفات مع بعض الحركات المسلحة الموالية للجيش حاليا، وتشكيل حكومة شمولية عسكرية دكتاتورية جديدة تكون امتدادا لانقلاب أكتوبر 2021”.
ويشير الخبير القانوني إلى سيناريو رابع لا يقل خطورة، وهو تقسيم البلد إلى دويلات يسيطر كل طرف على بعض منها انطلاقا من الوضع الميداني الحالي، حيث يسيطر الجيش على الشمال والشرق في حين يسيطر الدعم السريع على نحو ثلثي السودان، كما تسيطر الحركة الشعبية-جناح الحلو على مناطق في جنوب كردفان.