يحبس الأميركيون أنفاسهم انتظاراً لانتخابات نوفمبر، التي تشهد منافسة حامية الوطيس بين الرئيس السابق دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، ونائبة الرئيس جو بايدن، مرشحة الحزب الديمقراطية، كامالا هاريس.
وفي غمرة الأسئلة التي تفرض نفسها على المشهد الأميركي والدولي، والمرتبطة بسياسات كل من هاريس وترامب، وتداعياتها المحتملة، لا سيما الاقتصادية، فإن ثمة تساؤلاً رئيسياً يفرض نفسه، وهو: كيف يتعامل الرئيس القادم (أياً كان انتماؤه) مع إرث بايدن؟
وفي هذا السياق، ذكر تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، اطلعت عليه سكاي نيوز عربية، أن الرئيس بايدن سيواجه بهتافات وتصفيق في شيكاغو، الاثنين؛ إذ سيصفه المشاركون في مؤتمر الحزب الديمقراطي بأنه “فرانكلين روزفلت آخر” بلمسة من “جورج واشنطن”؛ لتخليه عن السلطة “طواعية”. ثم سيتخلون عنه وكأنه موضة عابرة!
في تصور الصحيفة، فإن “هذا هو مصير الرئيس الذي يعتبره معظم الأميركيين فاشلاً، والذي كان متجهاً إلى الهزيمة في مباراة العودة ضد دونالد ترامب (الانتخابات الرئاسية في نوفمبر).
ووصف التقرير خروج بايدن بـ “الخروج الحزين” لرئاسة كان من الممكن أن تكون أفضل بكثير لو أوفى بوعد حملته الانتخابية بتوحيد البلاد وأن يكون “انتقالاً” من عصر ترامب.
ويُذكّر التقرير في الوقت نفسه بأن بايدن فاز بالبيت الأبيض، في محاولته الثالثة، باعتباره البديل الأخير الأفضل لهزيمة بيرني ساندرز وإليزابيث وارن ويسار حزبه. كما خاض حملة ضد ترامب باعتباره موحداً وطنياً يتجنب التطرف ويحكم من الوسط.. فيما فعل العكس في منصبه.
بعد فوزه بالسيطرة على مجلس الشيوخ بنسبة 50-50 في جولة الإعادة في جورجيا في العام 2021، رأى الديمقراطيون فرصة تاريخية لتمرير كل شيء. وللحفاظ على التقدميين إلى جانبهم، أبرم بايدن صفقة فاوستية لمتابعة الكثير من أجندة ساندرز.
بذور التضخم
يلفت تقرير الصحيفة في هذا السياق إلى مشروع قانون “الإغاثة من كوفيد” بقيمة 1.9 تريليون دولار في مارس 2021، على الرغم من أن الوباء كان قد انتهى تقريباً وكان الاقتصاد يتعافى بسرعة، باعتبار أن ذلك قد “زرع بذور أسوأ تضخم في 40 عاماً والذي بلغ 9.1 بالمئة في يونيو 2022 وخفض الدخول الحقيقية للأميركيين”.
“كان هذا هو نمط بايدن طوال حياته السياسية التي استمرت نصف قرن. أظهر له إلى أين يتجه الحزب وسوف يتبعه.. لقد نصح رون كلاين، أول رئيس لهيئة موظفي البيت الأبيض، بايدن بتوحيد حزبه على تلة الكابيتول بدلاً من السعي إلى تسوية مع الجمهوريين. وقد عانت شعبيته بسبب ذلك”، وفق التقرير.
- لقد ماتت معظم خطته لإعادة البناء بشكل أفضل في الكونغرس المنقسم بشكل ضيق.
- وقد أنتجت مشاريع القوانين العملاقة التي تم تمريرها بأصوات حزبية – برنامج الإغاثة من كوفيد وقانون خفض التضخم – ديونًا وعجزًا قياسيًا في زمن السلم.
وفي سياق متصل، يقول التقرير إن:
- ضوابط أسعار الأدوية ستحد من العلاجات الطبية، وتؤدي تريليون دولار من الإعانات الخضراء إلى سوء تخصيص رأس المال على نطاق واسع. كما سيسفر قانون الرقائق الثنائية الحزبية وقوانين البنية التحتية عن بعض المصانع والجسور الجديدة، ولكن بتكلفة هائلة.
- اتبع بايدن اليسار في أمن الحدود، وكانت النتيجة الرئيسية تسميم فرصة أي تسوية للهجرة. قد يكون فشله في التكيف على الحدود لغز ولايته.
السياسة الخارجية
ويضيف التقرير: فيما لن يكتمل إرثه في السياسة الخارجية حتى نرى كيف ستتطور الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط. ولكننا نعلم أن انسحابه “المشين” من أفغانستان كان علامة على الضعف الوطني الذي شجع الخصوم في جميع أنحاء العالم. لم يكن قادرًا على ردع فلاديمير بوتين عن الحرب في أوكرانيا، ولا إيران ووكلائها عن تهديد وجود إسرائيل ذاته.
فيما كان أداء بايدن أفضل في المحيط الهادئ، وخاصة في بناء بنية من الحلفاء على استعداد لمقاومة الهيمنة الصينية. كما أن ميثاق أوكوس، والعلاقات العسكرية الموسعة مع اليابان، والعلاقات الوثيقة مع الفلبين هي أمثلة.
ولكن الحكم الأكثر قسوة في التاريخ قد يكون أنه مع تقدم الخصوم، اقترح بايدن تخفيضات في الإنفاق الدفاعي الأميركي بعد التضخم كل عام من رئاسته. وسوف يطارد هذا الرئيس القادم، أياً كان، إذا سعى المحور الجديد من الخصوم في الصين وروسيا وإيران وأماكن أخرى إلى استغلال الجيش الأميركي الذي يفتقر إلى الوسائل اللازمة للوفاء بالتزاماته العالمية.
ترامب في دائرة الضوء
ووفق التقرير، فقد سعى بايدن إلى إبقاء الرئيس السابق في دائرة الضوء السياسية.
وصف جميع الجمهوريين بأنهم MAGA (في إشارة للانتقاد الموجه للسياسات والنهج الشعبوي الذي يتبناه أنصار ترامب) وأعلن أن حتى مشاريع القوانين المتواضعة المتعلقة بنزاهة التصويت في جورجيا وأماكن أخرى كانت المعادل العنصري لـ “جيم كرو”. وقال إن الناخبين يجب أن يختاروا بين “جانب أبراهام لينكولن (الديمقراطيين) أو جيفرسون ديفيس (الجمهوريين)”.
ولعل الأمر الأكثر ضررًا باعتباره سابقة تخالف القواعد، أوضح بايدن أنه يريد محاكمة السيد ترامب كمجرم. وقد التزمت وزارة العدل بذلك. جعل هذا ترامب “شهيداً” لناخبي الانتخابات التمهيدية الجمهورية وساعده في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري.
لم يكن بايدن يريد أن يتلاشى ترامب؛ أراد الحفاظ على مسيرته المهنية لفترة كافية للترشح ضده باعتباره الجمهوري الأسهل هزيمته.
شيخوخة بايدن
- تراجعت خطة بايدن الأنانية للترشح لولاية ثانية بسبب الشيخوخة المتزايدة التي لم يكن على استعداد للاعتراف بها.
- لو أعلن في وقت مبكر من عام 2023 أنه لن يترشح مرة أخرى، لكان من الممكن أن يعيد كلا الحزبين ضبط الانتخابات التمهيدية بمرشحين أصغر سنا وأكثر قدرة على معالجة التحديات المتزايدة التي تواجهها أميركا في الداخل والخارج.
- في النهاية، أجبرت نانسي بيلوسي وزملاؤها الديمقراطيون بايدن على التخلي عن طموحاته لإعادة انتخابه خشية أن يطيح بالحزب بأكمله هذا العام.
- ترك رحيله في اللحظة الأخيرة أميركا مع خيار بين نائب رئيس غير مجرب لم يضطر قط إلى السعي للحصول على صوت واحد في الانتخابات التمهيدية ورئيس سابق لا يحبه أكثر من نصف الجمهور.
- سيطلق الديمقراطيون على هذا انتصارا إذا تمكنت هاريس من الفوز، لكنها أو ترامب سيرثان بلدا أكثر انقساما ويأسا مما كان عليه عندما انتُخب جو بايدن. هذا هو الإرث المؤسف لرئاسة بايدن.
الإرث الاقتصادي
الملفات الاقتصادية واحدة من أهم الملفات التي يُنظر إليها عادة ضمن “إرث الرئيس”، بينما تزداد أهميتها في المرحلة الحالية لا سيما في ظل التطورات اللافتة التي شهدتها فترة بايدن، مع تصاعد الضغوطات الاقتصادية واسعة النطاق والتضخم العنيد الذي ضرب الولايات المتحدة والعالم، وهو ما يشير إليه محللون في تصريحات متفرقة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” لدى الحديث عن إرث بايدن.
من جانبه، يقول كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية في أستراليا، الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن رئاسة بايدن تزامنت مع تصاعد أزمة جائحة كورونا والتي كان من نتائجها شبه انهيار في الوضع الاقتصادي وتراجع في الأسواق وخلل كبير في آليات العرض والطلب، وكان أمراً متوقعاً من إدارة بايدن أن تركز على القوانين التي تحفز النمو الاقتصادي.
من أهم تلك القوانين كان القانون الأميركي للإنقاذ في أوائل 2021 وهو ضخ ما يقارب 1.9 تريليون دولار للتخفيف من تأثير الجائحة، والذي تضمن إصدار شيكات للأفراد بمبلغ 1400 دولار للفرد العاطل عن العمل، بجانب ما كان يحصل عليه من تعويضات ومطالب تقليدية، بالإضافة إلى ذلك تضمنت حماية المالكين والمستأجرين المتعثرين ومنع طردهم من منازلهم، واستمرت تلك الحماية إلى منتصف عام 2021، بحسب “الشعار”.
خصصت إدارة بايدن 40 مليار دولار مساعدات لهذه الفئات، كما تضمن قانون مساعدات 200 مليار دولار لمعالجة آثار الجائحة من الناحية الصحية، علاوة على المساعدات التي ذهبت للمدارس لكي تبقى مفتوحة، ومساعدات لإبقاء كافة الموظفين الحكوميين على رأس عملهم.
ويضيف الشعار: لكن فيما يخص الرعاية الصحية وضمن قانون تخفيض معدل التضخم أصبحت المؤسسات الصحية قادرة على التفاوض مع الشركات المنتجة للأدوية، واستطاعت تخفيض الأسعار بالفعل، ومررته للفرد الأميركي، وهذا إنجاز كبير يحسب لإدارة بايدن.
وتابع: لقد ساعدت إدارة بايدن الطلاب في الجامعات والعفو عن ديونهم ونفقاتهم الجامعية بمقدار 10 إلى 20 ألف دولار للطالب حسب مستوى الدخل وغيره، وكان في نيته توسيع هذه المساعدات إلى 430 مليار دولار، لكن المحكمة الدستورية العليا رفضت هذا المشروع واعتبرته تدخلاً من الرئيس الأميركي في مهام الكونغرس.
ويستكمل: بايدن مرر قانون البنية التحتية والاستثمار بمقدار 1.2 مليار دولار، وهذا رقم متواضع ولكنه كان تعبيراً عن الاهتمام بكل مناحي حياة الفرد الأميركي، وقانون حماية الرقائق الإلكترونية في 2022 أسهم في ضخ استثمارات تجاوزت 350 مليار دولار في فترة لا تتجاوز العام، وكان لها تأثير كبير على النمو والعمالة والتصدير، وذلك سيستمر وسيسهم في جذب استثمارات جديدة في ظل التطورات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
لا شك أن كل هذه القوانين تعتبر إيجابية للاقتصاد الأميركي وللفرد، ولكنه من الإنصاف القول إن إدارة بايدن تزامنت أيضاً مع انتهاء جائحة كورونا، وظهور الطلب الهائل الذي كان كامناً وأدى إلى نمو اقتصادي هائل وإلى ارتفاع عام في مستوى الأسعار، والذي رافقه أيضاً الأزمات الجيوسياسية والحرب في أوكرانيا وغيرها، هذا الارتفاع في معدلات التضخم قاد الفيدرالي الأميركي إلى رفع معدلات الفائدة 11 مرة في سبيل القضاء على التضخم، وفق كبير الاقتصاديين.
واختتم الدكتور الشعار حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بقوله: الادعاء بأن إدارة بايدن كانت قادرة على خفض معدلات التضخم غير واقعي؛ ذلك أن عملية خفض معدلات التضخم أمر مناط بالفيدرالي الأميركي وهو مؤسسة مستقلة تماماً عن إدارة بايدن.
تحولات اقتصادية
بدوره، يفيد الباحث في العلاقات الدولية، محمد عطيف، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأنه في ظل التحولات التي يشهدها العالم على المستوى الاقتصادي اقتربت نهاية ولاية بايدن، الذي لم يعد يستطع أن يقود أميركا في هذه السن.
ويضيف: خلال فترته حاول بايدن وضع استراتيجيات لتخفيز الاقتصاد الأميركي على المستويين الداخلي والخارجي.. على المستوى الداخلي واجه شبح التضخم العنيد وقد عملت إدارته على مكافحته، علاوة على معدلات البطالة وأزمة ارتفاع الدين العام، وقد سعى الرئيس الأميركي لإنعاش الاقتصاد حتى يتعافى من أزماته المتتالية.. بداية من إخراج أميركا من تداعيات جائحة كوورنا، رغم أنه لا تزال تداعيات الجائحة مؤثرة على الاقتصاد الأميركي.
ويستكمل: على المستوى الخارجي حاول جو بايدن تعزيز علاقاته الاقتصادية متعددة الأطراف مع مجموعة العشرين وغيرها، على أن تكون أميركا حاضرة في هذه التكتلات الاقتصادية بقوة حتى تضمن حماية اقتصادية على المستوى الدولي، بجانب تنويع الشركاء الاقتصاديين رغم التحديات والمشاكل الاقتصادية مع القوى الكبرى لاسيما مع الصين.
وفيما يخص العلاقات مع الصين، وهي العلاقات التي ربما تنتظرها مجموعة متغيرات واسعة حال عودة ترامب للبيت الأبيض، يوضح عطيف أن الولايات المتحدة والصين بينهما تبادل تجاري واستثماري رغم التنافس والمشكلات خاصة على مستوى الشركات الكبرى، فالاقتصاد الأميركي مبني على “المصلحة” أو البراغماتية، وفي كل الأحوال شهد الاقتصاد الأميركي في عهد بايدن تحركاً ملحوظاً مقارنةً بالنمو الذي كان يعرفه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، على حد وصفه.
الأسواق في عهد بايدن
في تحليلها لفترة حكم الرئيس جو بايدن وإرثه الاقتصادي بالأسواق تحديداً، توضح خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن هذه الفترة تميزت بعديد من التحديات الاقتصادية؛ أبرزها كان ارتفاع سقف الدين الأميركي إلى مستويات تاريخية، مما وضع البلاد على حافة أزمة اقتصادية حادة (..). واصفة إرث بايدن بـ “الثقيل جداً” لا سيما في ظل أزمات مثل ارتفاع الأسعار.
وتشير إلى أن هذا الارتفاع في سقف الدين هدد جميع الأنشطة الاقتصادية بالتوقف، لا سيما مع أزمة سقف الدين الحكومي، كما شهدت هذه الفترة ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات التضخم، مما دفع الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة حتى وصلت إلى 5.5 بالمئة، وهو ما أثر سلباً على عديد من الأسواق.
وتضيف رمسيس: تضاف إلى المشكلات بيانات الوظائف المتأرجحة، مما أثار مخاوف من حدوث ركود اقتصادي في الفترة المقبلة، وهو ما انعكس على الأسواق العالمية في الفترة الأخيرة، لا سيما في ما يعرف بـ”الاثنين الأسود”، مؤكدة أن إدارة بايدن كانت عاجزة عن خفض أسعار الفائدة للحفاظ على قيمة الدولار مقابل سلة العملات، بينما كان للين الياباني واليوان الصيني تأثير كبير.
كما تشدد أيضاً على أن “النجاح البارز الذي حققه الاقتصاد الأميركي كان في مبيعات الأسلحة، حيث أسهمت الإدارة الأميركية في نقل الصراعات إلى خارج البلاد، سواء في أفريقيا أو الشرق الأوسط أو الحرب الروسية الأوكرانية”، على حد وصفه.