تلقت الأسواق صدمة قوية جراء خسائر حادة في مستهل جلسات الأسبوع، الاثنين، حينما انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 3 بالمئة وانخفض مؤشر داو جونز بنسبة 2.6 بالمئة (أكثر من ألف نقطة). وجاء انهيار السوق مع تصاعد المخاوف من الركود، والتي حفزها جزئياً تقرير الوظائف الذي جاء أبرد من المتوقع الأسبوع الماضي والمخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أبقى أسعار الفائدة مرتفعة للغاية لفترة طويلة (أطول من اللازم).

سارع ترامب، المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري لانتخابات نوفمبر المرتقبة، إلى تصوير هبوط السوق يوم الاثنين باعتباره الفصل الأول في “كارثة اقتصادية” أوسع نطاقا، والتي ألقى باللوم فيها على المرشحة الديمقراطية الفعلية هاريس، وأطلق على عمليات البيع لقب “انهيار كامالا”.

كما كتب زميله في الترشح، السيناتور عن ولاية أوهايو جيه دي فانس، في منشور على موقع إكس: “هذه اللحظة قد تؤدي إلى كارثة اقتصادية حقيقية في جميع أنحاء العالم. إنها تتطلب قيادة ثابتة – من النوع الذي قدمه الرئيس ترامب لمدة أربع سنوات”.

ولكن مع انتعاش وول ستريت بعد ذلك بدءاً من يوم الثلاثاء، سرعان ما توقف “خط الهجوم الجمهوري”، بحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.

نشر ترامب ما لا يقل عن تسعة منشورات منفصلة على منصة “تروث سوشيال”، وألقى باللوم في هبوط سوق الأسهم على سياسات الإدارة في عهد الرئيس جو بايدن وهاريس. وفي يوم الثلاثاء، مع عودة أسواق الأسهم إلى الارتفاع، التزم ترامب الصمت على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الأسواق.

بحسب التقرير فإن التحول التكتيكي الذي اتخذه ترامب هو نتيجة لميله إلى ربط رسائل حملته السياسية بأسواق متقلبة بطبيعتها. فعندما ترتفع الأسواق، يحاول ترامب عادة أن ينسب الفضل لنفسه، وعندما تهبط الأسواق، فإنه عادة ما يلقي اللوم على خصومه.

في يناير عندما وصل مؤشر داو جونز وستاندرد آند بورز إلى مستويات قياسية في ذلك الوقت، قال ترامب إن السبب في ذلك هو أن المستثمرين كانوا يراهنون على قدرته على هزيمة بايدن، الذي انسحب منذ ذلك الحين من السباق وأيد هاريس.

وكتب ترامب في منشور على منصته: هذه هي سوق أسهم ترامب؛  لأن استطلاعات الرأي ضد بايدن جيدة جداً لدرجة أن المستثمرين يتوقعون فوزي، وهذا من شأنه أن يدفع السوق إلى الارتفاع.

تأثير الرئيس

الدكتور نضال الشعار، كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية في أستراليا، يتحدث في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بداية عن مدى التأثير المباشر لـ “شخص الرئيس” على أداء أسواق المال، قائلاً:

  • الدستور الأميركي يحدد بوضوح حدود تأثير الرئيس الأميركي على الجوانب الاقتصادية، إذ لا يمتلك الرئيس تأثيراً مباشراً على جميع مجالات الاقتصاد، حيث ينحصر دوره في السياسات المالية التي تشمل الإنفاق، والضرائب والرعاية الصحية والدفاع والاستثمارات الحكومية ومسائل الدين العام، وذلك بالتعاون مع الكونغرس.
  • في المقابل، فإن السياسة النقدية تُدار من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يتمتع باستقلالية شبه مطلقة.
  • قد يكون هناك تأثير محدود للرئيس على السياسة النقدية، خصوصاً خلال فترة الترشح والانتخابات، إلا أن هذا التأثير يكون غالباً مؤقتاً ومتغيراً، كما لاحظنا في فترة صعود ترامب وترشح هاريس.

وعن الاضطرابات الأخيرة في الأسواق -والتي حاول ترامب استغلالها للترويج لنفسه ومهاجمة منافسته في انتخابات نوفمبر المقبل كامالا هاريس- يشير الدكتور الشعار  إلى أن تلك الاضطرابات كانت نتيجة لوضع اقتصادي جديد كان ينبغي أن تتوقعه الإدارة السياسية والنقدية.

هذا الوضع يتميز بتباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع الإنتاج الصناعي، وتزايد التوترات الجيوسياسية، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم،  بحسب الشعار، الذي يشدد على أن معالجة التضخم خلال عامي 2022 و2023 من خلال رفع أسعار الفائدة كانت مسؤولية بنك الاحتياطي الفيدرالي، دون أن نلحظ تأثيرات ملموسة للسياسة المالية في الوضع الاقتصادي العام، حيث لم يكن للإدارة السياسية تأثير ملموس.

وفيما يخص تأثير ترامب، يضيف: عند الارتفاع غير المسبوق في البورصة قبل الانخفاض الحالي، برر ترامب ذلك بتوقعات الناخبين بفوزه في الانتخابات، مدعيًا أن هذا التحسن في الأسواق كان ناتجًا عن التفاؤل بشأنه. لكن عندما انخفضت البورصة، اتهم الرئيس السياسات الحالية بالفشل في تحقيق الأهداف المنشودة.

وعبر الشعار عن اعتقاده بأن تصريحات الرئيس السابق تعكس شخصية ترامب كرجُل أعمال بارع، يمتلك مهارة في تفسير الأمور بما يتناسب مع مصالحه، مشيراً إلى أن هذه السياسة قد تكون مضللة للرأي العام وللناخبين. وأضاف أنه رغم وجود أخطاء نسبية قد تكون ارتكبها بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقدير العوامل المؤثرة في الوضع الاقتصادي الحالي، فإن توجيه النقد الكامل للإدارة الحالية يعتبر غير مبرر.

سابقة ترامب

ونقل تقرير “سي إن بي سي” الأميركية، عن كبير خبراء الاقتصاد في موديز، مارك زاندي، قوله:”أعتقد بأن السياسيين على مر التاريخ تجنبوا محاولة ربط ثرواتهم بسوق الأوراق المالية كإشارة لسياساتهم أو أي شيء لأن السوق ترتفع وتنخفض في كل مكان (..) الرئيس السابق ترامب هو أول من فعل ذلك، وأنا في حيرة من أمري”.

ويعتقد زاندي بأن استخدام ترامب لسوق الأوراق المالية كنقطة نقاش في حملته الانتخابية، فضلاً عن كونه محفوفاً بالمخاطر السياسية، يعكس أيضاً مفهوماً خاطئاً حول كيفية قياس صحة الاقتصاد وما يفكر فيه الناخبون.

“بالنسبة لمعظم الأميركيين، فإن ما يهم في هذه المرحلة من الزمن بالتأكيد، هو التضخم والأسعار وأسعار البقالة والإيجارات.. الغالبية العظمى من الأميركيين، عندما يفكرون في وضعهم المالي، فإن الأسهم تأتي في أسفل القائمة، في أدنى مستوياتها”.

وقد صنف الناخبون باستمرار ارتفاع تكاليف المعيشة كأولوية قصوى في استطلاعات الرأي في دورة الانتخابات هذه.

استغل ترامب هذه المشاعر الاقتصادية المتشائمة، منتقدًا سياسات البيت الأبيض على الرغم من أن الاقتصاد الأميركي كان في حالة تعافي ثابتة، وإن كانت بطيئة، بعد الوباء، حيث تفوق تقدمه على البلدان المتقدمة الأخرى، وفق التقرير المشار إليه.

دور حاسم للاقتصاد

وإلى ذلك، أوضح رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets أن:

  • الاقتصاد الأميركي يلعب دوراً حاسماً في تحديد مسار الانتخابات والسياسة في الولايات المتحدة.
  • الرئيس السابق ترامب استغل أية نقطة ضعف في الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك أداء بورصة وول ستريت، لشن هجمات على خصومه السياسيين.
  • في المقابل، حققت إدارة بايدن إنجازات ملحوظة، بما في ذلك فيما يتعلق بخلق فرص العمل (..).

وأضاف: لم تخلُ إدارة بايدن من التحديات، أبرزها ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القوة الشرائية للمواطنين. رغم أن بايدن يفتخر بارتفاع الأجور، فإن هذه الإنجازات قد تكون مهددة بالتضخم المتصاعد.

في ظل هذه الظروف، يتوقع المراقبون معركة انتخابية حامية، حيث سيستخدم المرشحون كافة الأدوات المتاحة، بما في ذلك الاقتصاد وأداء الأسهم الأميركية؛ للتأثير على الناخبين.

واستطرد: “ترامب، على سبيل المثال، مارس ضغوطًا شديدة على بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة قبل الانتخابات، مما يبرز أهمية السياسة النقدية في تشكيل الرأي العا”، مشدداً على أنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التقلبات الاقتصادية، حيث يسعى كل طرف لاستغلالها لصالحه. ولا شك أن هذه التقلبات ستؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version