تصاعدت حدة الصراع بين الملياردير الأميركي إيلون ماسك، والرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي (OpenAI) سام ألتمان، بعد أن رفع الأول دعوى قضائية ضد شركة الذكاء الاصطناعي، متهماً رئيسها التنفيذي بالانحراف عن مهمة الشركة الأساسية.
جدد ماسك ادعائه من جديد بأن شركة الذكاء الاصطناعي التي شارك في تأسيسها تراجعت عن مهمتها لإفادة البشرية عندما وقعت شراكة تجارية مع مايكروسوفت، وذلك في دعوى قضائية رفعها في محكمة فيدرالية في كاليفورنيا يوم الاثنين، بعد حوالي شهرين من سحبه فجأة قضية مماثلة في محكمة الولاية.
يتضمن الملف الأخير مزاعم جديدة بأن ألتمان ومؤسس آخر لشركة أوبن إيه آي OpenAI، جريج بروكمان، انتهكا قوانين الابتزاز المدني الفيدرالية، ويدعي أن ماسك والمستثمرين الآخرين تم تحريضهم على الاستثمار في أوبن إيه آي OpenAI من خلال “مهمتها الإنسانية المزيفة”.
اتهامات وجهها إيلون ماسك لـ”ألتمان”
وبحسب تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية الذي نشر جانباً من تفاصيل الدعوى، فإن:
- قضية إيلون ماسك ضد سام ألتمان وأوبن إيه آي هي “قصة مدرسية” عن الإيثار في مواجهة الجشع.
- ألتمان تعمد بالتعاون مع المدعى عليهم الآخرين، التودد إلى ماسك وخداعه، مستغلاً قلق ماسك الإنساني بشأن المخاطر الوجودية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي.
- ألتمان وبروكمان “تلاعبا بماسك بجدية ليجعلهما يؤسسان مشروعهما غير الربحي الزائف من خلال الوعد بأنه سيرسم مساراً أكثر أماناً وانفتاحاً من شركات التكنولوجيا العملاقة التي تعمل على تحقيق الربح”، وفق الدعوى.
- “بمجرد أن اقتربت تكنولوجيا أوب إيه آي OpenAI من الذكاء الاصطناعي العام التوليدي، قلب ألتمان الرواية وشرع في الاستفادة منها”.
- “بالشراكة مع مايكروسوفت، أنشأ ألتمان شبكة غامضة من الشركات التابعة لأوبن إيه آي OpenAI التي تعمل من أجل الربح، والتي انخرطت في التعامل الذاتي الواسع، واستولى على مجلس إدارة الشركة واستنزف بشكل منهجي من التكنولوجيا القيمة والعاملين في المؤسسة غير الربحية”، طبقاً للدعوى.
وأشارت الصحيفة إلى أن الشركة الناشئة وقعت صفقة استثمارية مع مايكروسوفت في يناير 2023 بقيمة 10 مليارات دولار، مما أعطى عملاق التكنولوجيا حصة من أرباحه وسمح له بدمج تقنية أوبن إيه آي OpenAI في خدمات السحابة ومحرك البحث.
منذ عام 2019، استثمرت مايكروسوفت حوالي 13 مليار دولار في أوبن إيه آي OpenAI، مما منحها ميزة مبكرة على شركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى في وادي السيليكون في سباق التسلح لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية.
وأفادت الصحيفة بأن هيكل الاستثمار المعقد لشركة مايكروسوفت في أوبن إيه آي OpenAI آثار منذ ذلك الحين تحقيقات مكافحة الاحتكار من قبل الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وطلبت دعوى ماسك الأخيرة من المحكمة أن تقرر ما إذا كانت أحدث نماذج أوبن إيه آي OpenAI قد حققت الذكاء الاصطناعي العام – وهو برنامج قادر على محاكاة الذكاء البشري.
الدعوى القضائية ذكرت أن هذا المعيار سيجعل اتفاقية ترخيص أوبن إيه آي مع مايكروسوفت “باطلة ولاغية” حيث يمنحها استثمار مايكروسوفت حصة من أرباح أوبن إيه آي “قبل الذكاء الاصطناعي العام” فقط، وزعم ماسك أن الشركة لديها مصلحة مالية في تأخير التوصل إلى نتيجة عامة تفيد بأنها حققت الذكاء الاصطناعي العام.
ويطالب ماسك أيضاً بتعويضات بناءً على “محاسبة جميع المكاسب والأرباح والمزايا” التي حققتها أوبن إيه آي نتيجة لمساهمات ماسك.
معركة متجددة
المعركة القانونية المتجددة هي أحدث تطور في معركة مستمرة بين ماسك وألتمان، وهما شخصيتان بارزتان في وادي السيليكون متورطتان في سباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي.
بدأت المعركة عندما غادر ماسك مجلس إدارة أوبن إيه آي في عام 2018 بعد خلاف حول اتجاه أبحاثها، تم إنشاء القسم الربحي بعد عام.
وأطلق ماسك شركته الناشئة للذكاء الاصطناعي، xAI، العام الماضي، وفي الشهر الماضي، قال إنه سيسعى للحصول على موافقة مجلس إدارة شركة تسلا لصناعة السيارات، التي يديرها، على استثمار 5 مليارات دولار في الشركة، وقد تم تقييم xAI بمبلغ 18 مليار دولار في جولة لجمع التبرعات في مايو.
وقدرت قيمة شركة أوبن إيه آي بنحو 86 مليار دولار في عرض شراء أسهم الموظفين الذي اكتمل في فبراير، وزعم ماسك في الدعوى القضائية أن قيمة الشركة “قُدرت مؤخرًا بنحو 100 مليار دولار”.
تعليق أوبن إيه آي
رفضت شركة أوبن إيه آي التعليق على الدعوى القضائية الجديدة، كما رفضت الدعوى القضائية السابقة التي رفعها ماسك، ووصفت الادعاءات بأنها “غير متماسكة وغير ذات أهمية”.
نشرت الشركة منشورًا على مدونتها تضمن عديداً من رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها ماسك من الأيام الأولى للشركة، والتي بدا أنها تُظهر أنه يعترف بأن الشركة بحاجة إلى جمع مبالغ كبيرة من المال لتمويل موارد الحوسبة المطلوبة لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي.
وقال محامي ماسك، مارك توبيروف، لصحيفة نيويورك تايمز إن “الدعوى السابقة كانت تفتقر إلى القوة”، وأضاف: “هذه دعوى قضائية أقوى بكثير”.
انحراف عن التوجه
من جهته أوضح استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K عاصم جلال، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن إيلون ماسك كان أحد المستثمرين الأساسيين لشركة أوبن إيه آي عند تأسيسها، وكان توجهه والمؤسسين آنذاك ومن بينهم سام ألتمان تطوير الذكاء الاصطناعي بهدف تحسين جودة الحياة للبشر وأن يكون ذلك دون توجه تجاري.
وأضاف أن ما حدث هو أن سام ألتمان انحرف عن التوجه الأساسي واتجه بوضوح نحو اتجاه تجاري بإجراء تحالف مع مايكروسوفت التي أصبحت تمتلك 49 بالمئة من أوبن إيه آي، لافتًا إلى أن مايكروسوفت تعتبر شركة ذات توجه تجاري على عكس ما كان يخطط له إيلون ماسك.
وأشار إلى أن ماسك لم يستاء وحده من تحول شركة أوبن إيه آي إلى الاتجاه التجاري، وأن مجلس إدارتها السابق قام بفصل سام ألتمان في وقت سابق قبل أن تثار أزمة كبيرة حينها، وبعدها وتحت ضغط من المستثمرين والموظفين تم تغيير مجلس الإدارة هذا إضافة إلى استقالة عدد من كبار الموظفين احتجاجا على منحى الشركة التجاري وعدم الاهتمام بالخصوصية والأمان.
وأفاد بأن إيلون ماسك أنشأ نظام الذكاء الاصطناعي الخاص به xAI ، مستغلًا توفير كم هائل من البيانات التي يمكن استخدامها للتعامل مع الذكاء الاصطناعي، على أن تكون مفتوحة ومتاحة لكل المستخدمين.
وشدد على أن الصراع بين ماسك وأوبن إيه آي يتضمن جزءاً نابعاً عن انحراف الشركة عن المسار الأساسي، بينما جزء آخر من هذا الصراع نابع عن التنافسية بينهما.
صراع تنافسي
ومن الولايات المتحدة، أكد خبير تكنولوجيا المعلومات، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه من الصعب الجزم بأن الصراع بين ماسك والرئيس التنفيذي لـ “أوبن إيه آي” يمثل عداء شخصياً بحتاً، مشيرًا إلى أن الأبعاد التقنية والتجارية واضحة.
لكنه أضاف أنه قد يكون هناك عنصر شخصي يلعب دوراً في هذا الصراع، خاصة بالنظر إلى العلاقة السابقة بين ماسك وألتمان، موضحاً أن إيلون ماسك وسام ألتمان يمثلان شخصيتين بارزتين في عالم التكنولوجيا، وكل منهما له رؤيته الخاصة حول تطور الذكاء الاصطناعي واستخداماته.. العداء الظاهر بينهما قد يعود إلى عدة عوامل، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
- الانحراف عن الهدف الأصلي: يزعم ماسك أن شركة أوبن إيه آي قد انحرفت عن هدفها الأصلي المتمثل في تطوير الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية، وتحولت إلى شركة تجارية تسعى لتحقيق أرباح طائلة بالتعاون مع مايكروسوفت.
- الخوف من الاستخدام الخاطئ للذكاء الاصطناعي.. حيث يعتبر ماسك أن تطوير الذكاء الاصطناعي دون ضوابط كافية يشكل تهديدًا خطيرًا على البشرية.
- السيطرة على التكنولوجيا، فقد يكون هناك دافع لدى ماسك للسيطرة على تطوير الذكاء الاصطناعي، خاصة بعد أن كان أحد مؤسسيه في البداية.
وأفاد بأن هذا الصراع التنافسي الشديد بين عمالقة التكنولوجيا للسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي الواعد يعكس:
- الأبعاد الأخلاقية للذكاء الاصطناعي: يثير هذا الصراع تساؤلات مهمة حول الأبعاد الأخلاقية والقانونية لتطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه.
- دور الحكومات في تنظيم التكنولوجيا: يسلط ذلك الصراع الضوء على الحاجة إلى وضع قوانين ولوائح تنظيمية واضحة لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة ومسؤولة.
وبيّن أن الصراع بين إيلون ماسك وسام ألتمان يعكس تعقيدات العلاقة بين الرؤية الشخصية والمهنية لتطوير التكنولوجيا المستقبلية، وأن هذا النوع من الصراعات قد يكون له تأثير كبير على توجهات وسياسات الشركات التكنولوجية الكبرى وكيفية تعاملها مع الابتكارات المستقبلية.