وقالت حماس إن اختيار “السنوار” رئيسًا لمكتبها السياسي جاء “بعد مشاورات ومداولات معمّقة وموسعة في مؤسسات الحركة القيادية”، معتبرة أنه يتولى منصبه “في مرحلة حساسة، وظرف محلي وإقليمي ودولي معقد”.
واستعرض محللون ومراقبون في حديثهم لـ”سكاي نيوز عربية”، دلالات تعيين السنوار “زعيمًا لحماس”، خاصة المسار الذي سيسلكه على الصعيد السياسي والعسكري، وما إن كان بمثابة “توحيدًا للجناحين”، بالنظر لنفوذه الكبير داخل قطاع غزة، لا سيما بعد هجوم السابع من أكتوبر الماضي الذي وُصف أنه “مهندسه الرئيسي”.
“واجبات دبلوماسية”
واعتبرت صحيفة “واشنطن بوست”، أن اختيار السنوار يعني تعزيز صعود دوره كزعيم بارز لحماس، ويؤكد كيف عزز فصيلها الذي يتخذ من غزة مقرا له سيطرته على الحركة بعد أحداث أكتوبر.
لكن الصحيفة الأميركية ذكرت أنه “لا يزال من غير الواضح كيف سينفذ السنوار، المختبئ داخل أنفاق غزة وعلى قائمة المطلوبين لإسرائيل، واجبات سلفه الدبلوماسية، بما في ذلك العمل كمفاوض رئيسي في محادثات وقف إطلاق النار، التي توقفت مرة أخرى في أعقاب الاغتيال”.
خلال أشهر من المفاوضات المتكررة، كانت هنية يتنقل بين العواصم العربية وخاصة القاهرة والدوحة، ولكن مع ذلك كان للسنوار الكلمة الأخيرة بشأن أي اتفاق.
وهذا ما شدد عليه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أكد أن السنوار “كان ولا يزال صاحب القول الفصل في التوصل لوقف إطلاق النار”.
كان للسنوار دورًا بارزًا في تأسيس الجناح العسكري لحماس وقضى أكثر من 20 عاما في السجون الإسرائيلية، حيث تعلم اللغة العبرية وصقل سمعته بين أنصار الحركة، قبل أن يتم اختياره ليحل محل هنية كرئيس لحماس في غزة عام 2017؛ “مما أدى إلى طمس الخطوط الفاصلة بين الجناحين السياسي والعسكري للحركة”، وفق “واشنطن بوست”.
بدوره، اعتبر دبلوماسي إقليمي أن “تعيين السنوار يعني أن إسرائيل بحاجة إلى التعامل معه بشأن حل حرب غزة (…) إنها رسالة صلابة ولا هوادة فيها”.
وأسندت للسنوار خلال مشواره مع حماس، عدة مسؤوليات أمنية، من بينها مشاركته في تأسيس جهاز “الأمن الحركي”، ثم تكليفه عام 1986 بتشكيل جهاز “مجد”، وهو الجهاز الأمني الداخلي لـ”حماس” المضطلع بأدوار حساسة أبرزها ملاحقة العملاء والمرتبطين بأجهزة الأمن الإسرائيلية، قبل أن يتولى مسؤولية الملف الأمني والعسكري في غزة منذ عام 2013.
مغامرة إضافية
ويصف مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي، والمحلل الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، تعيين السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحماس بأنه “مغامرة إضافية”.
وأوضح مطاوع في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “من الناحية المنطقية فهذا الاختيار لا يفيد حركة حماس على المدى الطويل، لكن من الممكن أن يفيد الحركة على المستوى القصير لأنها ستضع كل المسؤوليات على السنوار لإنهاء هذه الحرب، وربما هذا يخلق مخرجاً يتضمن مغادرته قطاع غزة باعتباره رئيس المكتب السياسي، في إطار صفقة”.
لكن على الجانب الآخر، يشدد المحلل الفلسطيني أن “كل من شارك في هجوم 7 أكتوبر لن يحصل على حصانة، وما جرى مراهنة من حماس على استمرار نفس النهج مع إيران حتى النهاية”.
وعما إن كان القرار يدفع نحو توحيد الجبهتين العسكرية والسياسية لحماس معًا، أشار مطاوع إلى أن “جناحي الحركة لم يكونا منفصلين بشكل من الأشكال، فدائمًا ما تُتخذ القرارات باتفاق”، لكن التوحيد الحقيقي في نظره يتمثل في “وضع كل ما يتعلق بحرب غزة ومفاوضاتها وسيرها ونهايتها في يد من اتخذ قرار اندلاعها وهو السنوار، بغض النظر عما قيل إن غالبية المكتب السياسي لحماس لم يكونوا على علم بقرار 7 أكتوبر”.
ويعتبر مسؤولو الأمن الإسرائيليون، السنوار بأنه أحد الأعضاء الأكثر تشددا في حماس وحلقة وصل بين القيادة السياسية والجناح العسكري، المتمثل بكتائب عز الدين القسام، بقيادة محمد الضيف.
“الصقور والحمائم”
بدوره، يرى الباحث المختص في الشؤون الإقليمية هاني الجمل، في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “السنوار هو الرجل الأقوى في تنظيم حماس وأنفاقها، والشخص الأبرز في المواجهة المباشرة الخشنة مع إسرائيل”.
وأضاف الجمل في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “ملفات حماس وخاصة المفاوضات ستنتقل من معسكر الحمائم الذي كان يؤيده هنية بالجنوح لمحادثات بوساطة مصرية قطرية، إلى معسكر الصقور الذي يمثل السنوار ومحمد الضيف”.
واعتبر أن السنوار سيعمل على إظهار شخصية قوية لإدارة الأمور في داخل الأنفاق أولًا، ثم في المواجهة مع إسرائيل، على أن يكون له رسالة مختلفة مع أذرع المقاومة وإيران.
ومضى قائلًا: “السنوار الآن في مفترق طرق؛ لأنه من الصقور الذين دائمًا ما يمارسون فكرة المواجهة الحادة مع إسرائيل، وبين ترتيب البيت الحمساوي من الداخل، والتعامل مع حركة فتح”، مشددًا على أنه “ينتظر الدعم الحقيقي من إيران وأذرع المقاومة لمساندة تنفيذ أفكاره”.
وأشار الجمل إلى أن الاختيار “يعني توحيدًا مباشرًا للجبهتين العسكرية والسياسية في آن واحد، ما يتيح له اتخاذ القرار الفصل بشأن الحرب والمفاوضات”، إذ سيحوّل المكتب السياسي للحركة من “مجرد مكتب سياسي استشاري، إلى مكتب سياسي حربي”.
وبيّن أن الأيديولوجية التي يحملها السنوار هي “إطلاق الرصاص”، إذ سيكون مختلفًا عن سلفه هنية الذي كان يميل إلى الحلول السياسية و”خفض أصوات البنادق”.
أما الباحثة الأميركية المتخصصة في الشؤون الدولية إيرينا تسوكرمان، فقالت لـ”سكاي نيوز عربية”، إن تعيين السنوار “يجرد قناع الدبلوماسية من وجه حماس، ويعيدها إلى استراتيجية وضع المقاومة ضد إسرائيل”.
وأوضحت أن “حماس تسير الآن بشكل كامل في المعركة حتى الموت، ولم تعد تهتم بصورتها الخارجية على الأقل جزئيا؛ لأنها تعتقد أنها لم تعد ذات صلة في ضوء المواجهة المباشرة المرتقبة المحتملة بين إيران وإسرائيل، وأيضا لأن أهدافها قد تحققت إذ باتت إسرائيل معزولة بشكل متزايد سياسيا واجتماعيا في كل من الشرق الأوسط والعالم الغربي”.