خاص

ترامب وماسك

تشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية جدلاً متزايداً بشأن دور شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل في تشكيل الرأي العام والتأثير على النتائج الانتخابية.

في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه الشركات من اللاعبين الرئيسيين في الساحة السياسية، حيث تسهم في توجيه النقاشات العامة وتعزيز التأثيرات السياسية. يتجلى هذا الدور في تأثير هذه المنصات على نشر المعلومات والأخبار، وكيفية إدارتها للمحتوى السياسي، مما يثير تساؤلات حول حيادية هذه المنصات ومدى تأثيرها على العملية الديمقراطية.

إيلون ماسك، مالك منصة X (تويتر سابقاً)، يمثل مثالاً بارزًا على كيفية تأثير الأفراد البارزين في شركات التكنولوجيا على الانتخابات. فقد اكتسب ماسك شعبية واسعة ونفوذًا كبيرًا، مما يجعله لاعبًا مهمًا في الساحة السياسية، وبالتالي فإن دعمه العلني لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، يبرز كيف يمكن لشخصيات مؤثرة في مجال التكنولوجيا أن تلعب دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام.

موقف منصات التواصل

وفي غمار المنافسة الانتخابية، تواجه منصات وشركات تكنولوجية اتهامات بالانحياز إلى مرشح بعينه، ما بين ترامب وكامالا هاريس، آخرها الاتهامات التي ساقها نجل ترامب بشأن ما اعتبره تعمداً من جانب “غوغل” لطمس معلومات بشأن محاولة اغتيال ترامب، فضلاً عن اتهامات مماثلة فيما يخص إظهار نتائج بحث مرتبطة بهاريس عند البحث عن اسم ترامب، وهي الاتهامات التي شاركها إيلون ماسك على صفحته على إكس.

في المقابل، تطرق تقرير نشرته “بيزنس إنسايدر” إلى اتهامات مقابلة لمنصة “إكس” بالانحياز ضد داعمي هاريس. فقبل أسبوع، استضافت مجموعة تطلق على نفسها اسم “الرجال البيض من أجل هاريس” حملة لجمع التبرعات عبر الإنترنت تستهدف الرجال البيض الذين يدعمون نائبة الرئيس الأميركي، وقال المنظمون إن الآلاف انضموا إلى الدعوة، وأن الحدث جمع أكثر من 4 ملايين دولار للحملة الرئاسية لهاريس.

أثناء الحدث، يقول المنظم مايك نيلس إنه تلقى رسالتين بالبريد الإلكتروني من تويتر تخبرانه بأن حسابه قد تم تعليقه مؤقتًا، وأنه سيحتاج إلى التحقق من حسابه لإعادة تنشيطه، وهو ما فعله. وبعد وقت قصير من انتهاء الحدث، قال نيلس إنه تلقى رسالة بريد إلكتروني أخرى على تويتر تخبره بأن الحساب تم تعليقه بالكامل بسبب “انتهاك قواعدنا ضد التهرب من التعليق”. بينما اعتبارًا من ظهر اليوم التالي تمت استعادة الحساب.

يشير التقرير إلى أنه:

  • ربما قامت مجموعة من مستخدمي تويتر بمحاولة منسقة للإشارة إلى الحساب باعتباره بريداً عشوائياً أو أي شيء آخر من شأنه أن يؤدي إلى إعدادات الاعتدال في تويتر.
  • ربما قام إيلون ماسك ، الذي اشترى تويتر في العام 2022 وأعاد تسميته بـ X، بإغلاق الحساب، ربما لأنه يدعم دونالد ترامب في الانتخابات.

ويشير كاتب التقرير إلى أنه لطالما كان هناك غموض حول كيفية وسبب حظر أو تعليق أو تقييد منصات التواصل الاجتماعي لمستخدميها (..).

وكان ماسك قد أضاف تعقيداً جديداً إلى حالة عدم اليقين التي تحيط بمنصته من خلال تأييده علناً لترشيح ترامب بعد دقائق من نجاته من محاولة اغتيال في 13 يوليو. وقد جاء هذا بعد أشهر من تصريح ماسك بأنه لن يتبرع بالمال لأي من المرشحين في الانتخابات المقبلة ، وبعد يوم واحد من ظهور تقارير تفيد بأن ماسك كان يمول بالفعل لجنة عمل سياسي مؤيدة لترامب .

يضيف التقرير: “الآن، عندما يقوم ماسك بشيء على تويتر – سواء كان علنيا أو خلف الكواليس – فمن المنطقي تماما أن نتساءل عما إذا كان يفعل ذلك لدعم ترامب”.

وفي حالات مثل قضية “الرجال البيض من أجل هاريس”، عندما لا يكون من الواضح ما إذا كان قد فعل أي شيء على الإطلاق، فإن الناس سوف يميلون أكثر إلى الاعتقاد بأنه قد فعل شيئًا ما .

تأثير ماسك

من جانبه، يوضح خبير تكنولوجيا المعلومات محمد الحارثي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:

  • إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركات تسلا وسبيس إكس، يتمتع بشعبية كبيرة بين جمهور الشباب والمستثمرين في قطاع التكنولوجيا.
  • دعم ماسك لترامب قد يسهم في جذب شريحة جديدة من الناخبين الشباب الذين ينظرون إلى ماسك كرائد في الابتكار والتكنولوجيا.
  • كما يمكن أن يثير هذا الدعم تفاعلاً قويًا من قاعدة ترامب الانتخابية، مما يعزز موقفه في الانتخابات.

‎من ناحية أخرى، يوضه أنه يمكن أن يخلق دعم ماسك لترامب توتراً بين عمالقة التكنولوجيا، خاصةً في ظل الاتهامات المتزايدة ضد غوغل وشركات أخرى بالتحيز ضد ترامب وأنصاره، وفق الحارثي الذي يلفت إلى أن هذه الاتهامات قد تزيد من حدة التنافس بين الشركات التكنولوجية العملاقة، وتدفعها لاتخاذ مواقف أكثر وضوحًا وصراحة في المشهد السياسي.

نفوذ إيلون ماسك

من جانبه، يقول خبير تكنولوجيا المعلومات، العضو المنتدب لشركة “آي دي تي للاستشارات والنظم”، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • إيلون ماسك يمتلك نفوذاً هائلاً على الرأي العام.. وهو داعم صريح للمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
  • ماسك، بصفته مالك منصة X (تويتر سابقاً)، يمكن أن يكون محركاً رئيسياً -بشكل غير مباشر- لتشكيل الرأي العام، حيث يمكن أن يسهم في تعزيز الدعم الشعبي لترامب من خلال منصته.
  • هذا الدعم يتجلى في التفاعلات على المنصة، بخلاف التبرعات المالية التي يحشدها ماسك لصالح حملة ترامب، مما يكشف عن تأثير متبادل بين الشخصيتين.
  • ترامب في الوقت نفسه يستفيد من قاعدة جماهير ماسك الواسعة، بينما يستفيد ماسك من نفوذه السياسي المتزايد.

ويؤكد سعيد أن العلاقة الوثيقة بين إيلون ماسك وترامب تتسم بالاستفادة المتبادلة معنوياً ومادياً، بينما على الجانب الآخر فإن ثمة مواجهة عنيفة وعدم قبول بين ترامب ومسؤولون في شركات تكنولوجيا أخرى، مثل ميتا على سبيل المثال، بالإضافة إلى الاتهامات الموجهة لغوغل بالانحياز ضد المرشح الجمهوري.

ويضيف سعيد:

  • كثير من قادة التكنولوجيا لديهم انتماء سياسي للحزب الديمقراطي، ويقفون في الخندق الآخر المناوئ لترامب وإيلون ماسك.
  • المشوار السياسي طويل.. وترامب دائماً ما يثير الجدل.. بالتالي يحتمل أن تكون هناك مزيد من الاتهامات المتبادلة.. في الأيام الماضية، أدلى ترامب بتصريحات ذات طابع عدائي تجاه حلفاء تكنولوجيين، عندما قال إن تايوان يجب أن تتحمل العبء المادي نتيجة حمايتنا لها من الصين، مما أثر بشكل حاد وسلبي على أسهم وشركات التكنولوجيا في وول ستريت.
  • مثل هذه التصريحات يمكن أن تؤثر على علاقة ترامب بقادة التكنولوجيا وقد تتسبب في زيادة حدة المنافسات بينهم.

ولا ننسى، كما يقول سعيد، أن دعم ماسك لترامب كان في مواجهة مع بايدن في ظل حالته الصحية المعروفة، وبالتالي فإن الوضع والخريطة السياسية قد تتغير في الأيام المقبلة، مما يجعل الوقت مبكرًا جدًا لتحديد المواقف النهائية. ويشدد سعيد على أن اتخاذ مواقف صريحة بالدعم أو المعارضة يشكل عاملًا من عوامل تأجيج المنافسة.

مصالح استراتيجية

وإلى ذلك، يقول استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، عاصم جلال، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • الساحة الرقمية تعد مسرحاً لتنافس شرس بين عدة لاعبين رئيسيين.. من أبرز هؤلاء اللاعبين تيك توك، التطبيق الصيني الذي يواجه تحديات في بعض الأسواق الغربية بسبب مخاوف أمنية. ويأتي في المرتبة الثانية ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام وواتساب، والتي تمثل قوة كبيرة في هذا المجال. أما اللاعب الثالث فهو إكس (تويتر سابقًا) الذي يمتلكه حاليًا إيلون ماسك.
  • هذه المنصات تشهد تنافساً شديداً على المستخدمين، وقد تتأثر هذه المنافسة بعوامل سياسية واقتصادية. على سبيل المثال، شهدنا في السنوات الأخيرة قرارات بحجب حسابات سياسية على بعض هذه المنصات، مما أثار جدلاً حول حرية التعبير وحيادية المنصات.

ويضيف: الفترة الماضية شهدت ردود فعل عنيفة ضد الشركات التي تتبنى توجهات أيديولوجية أو سياسية لا تلقى قبولاً واسعاً (..) بالتالي فإن الشركات أصبحت أكثر حذراً في مواقفها، وباتت تميل إلى ربط أي تصرف بمصالح العمل بدلاً من التعبير عن التوجهات السياسية لرؤسائها.

ويشدد جلال على أن المشهد السياسي الأميركي يشهد حالياً حالة من التصلب والتطرف، حيث تقلصت مساحة الحوار والتوافق بين الطرفين الليبرالي والمحافظ. ويتجه كل من الطرفين نحو المزيد من التشدد، مما يشبه إلى حد كبير تعصب مشجعي كرة القدم. ونتيجة لذلك، غابت الأجندات السياسية الشاملة لصالح أجندات ضيقة ومجزأة.

ويؤكد أن استبدال بايدن بهاريس حل جزءاً من المشكلة، إلا أن هاريس ليست لديها الأرضية السياسية والشعبية التي تضمن لها الانتصار الواضح والصريح. فالمشهد السياسي ليس لطيفًا وهناك عدم وجود رؤية واضحة، لافتاً إلى أن المصالح الخاصة والشأن السياسي المتقلب، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية المحلية والعالمية، عوامل تؤثر على القرارات التي تتخذها الشركات. فقد تميل بعض الشركات إلى دعم ترامب دون الإعلان عن ذلك صراحةً، وذلك للحفاظ على علاقاتها مع الأطراف الأخرى، على حد قوله.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version