تشهد منطقة الساحل تطورات سريعة تؤثر على مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد، حيث تُركّز الأبحاث والمراقبة الأخيرة على تأثير التحركات العسكرية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وخاصةً فيما يتعلق بالسيطرة على مناطق التعدين وطرق التجارة الحيوية بين شمال ووسط وجنوب إفريقيا.
وفي السادس من يوليو 2024، شكلت المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر اتحادًا كونفدراليًا خلال القمة الأولى لتحالف دول الساحل، يهدف هذا التحالف إلى تعزيز التعاون لمواجهة التهديدات الإرهابية والجماعات المسلحة، ويعكس رغبة الدول الثلاث في الانفصال عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”.
كما تتجه الدول الثلاث نحو الخروج من الفرنك الأفريقي، العملة المشتركة بين ثماني دول أعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA)، التي تتمتع بعلاقة ثابتة مع اليورو. وقد أبدت بوركينا فاسو ومالي والنيجر رغبتها في إنشاء عملة موحدة خاصة بها.
وفي نوفمبر الماضي، أصدر وزراء المالية من الدول الثلاث بيانًا مشتركًا أوصوا فيه بتشكيل لجنة من الخبراء لدراسة قضايا الاتحاد الاقتصادي والنقدي، بالإضافة إلى اقتراح إنشاء صندوق مشترك للاستقرار وبنك استثماري، إلى جانب مشاريع هيكلة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل والأمن الغذائي.
رئيس مفوضية إيكواس، عمر أليو توراي، حذر من خطر “العزلة الدبلوماسية والسياسية” التي قد تواجهها الدول الثلاث، بالإضافة إلى فقدان استثمارات بملايين اليورو.
وأعرب عن قلقه من أن هذه الدول قد تواجه مخاطر التفكك، داعيًا إلى بذل كل جهد ممكن لتجنب انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
الفرص الاقتصادية والمشاريع المستقبلية
وفقًا للبيانات الواردة من مؤتمر التعدين العالمي، تمتلك منطقة الساحل ثروات طبيعية هائلة، لكنها لم تترجم بعد إلى مستويات عالية من التنمية البشرية.
مالي، التي تُعتبر ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، تمتلك ثروات طبيعية متنوعة تشمل حوالي 800 طن من رواسب الذهب، و2 مليون طن من خام الحديد، و5 آلاف طن من اليورانيوم، و20 مليون طن من المنغنيز، و4 ملايين طن من الليثيوم، و10 ملايين طن من الحجر الجيري.
في المقابل، تبرز النيجر كأكبر مورد لليورانيوم في العالم، كما تتمتع النيجر بموارد أخرى مثل الفحم والذهب والنفط.
بوركينا فاسو أيضًا غنية بالموارد المعدنية، حيث تحتوي على الذهب والماس والزنك والنحاس والمنغنيز والفوسفات والحجر الجيري.
كذلك المنطقة الحدودية الثلاثية “ليبتاكو-غورما”، التي تشترك فيها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، غنية بالموارد الطبيعية مثل الذهب والماس واليورانيوم والمنغنيز والغاز والنفط، ولكنها أيضًا مسرح لهجمات إرهابية متكررة لأكثر من عقد من الزمن.
أيضا تشكل المنطقة الحدودية الثلاثية التي تلتقي عندها حدود مالي وكوت ديفوار وبوركينا فاسو شريانًا استراتيجيًا للمنطقة، إذ تمر نحو 25 بالمئة من واردات مالي عبر ممر أبيدجان-باماكو، وعلى نحو مماثل، تمر نحو 30 بالمئة إلى 35 بالمئة من واردات بوركينا فاسو عبر ممر أبيدجان-بوبو ديولاسو، حيث يعتمد أكثر من نصف صادرات بوركينا فاسو، بما في ذلك قطاع القطن القيم، على ميناء أبيدجان.
ومن بين المشاريع الرئيسية التي تواجه المخاطر في المنطقة مشروعان رئيسيان: الأول هو خط سكة حديد يمتد بطول 284 كيلومترًا، يربط بين ثاني أكبر مدينتين في النيجر ونيجيريا، هما كانو في نيجيريا ومرادي في النيجر. وقد وقعت الحكومة النيجيرية في عام 2021 اتفاقية بقيمة 2 مليار دولار مع مجموعة موتا-إنجيل البرتغالية لإنشاء هذا الخط. بينما يواجه مشروع خط أنابيب الغاز عبر الصحراء الكبرى، الذي يهدف إلى نقل ما يصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي النيجيري إلى أوروبا سنويًا، خطر التأخير أو مشاكل أخرى، حيث تبلغ تكلفة المشروع 13 مليار دولار.
تحالف دول الساحل.. تحديات وفرص
تقول الباحثة البوركينية مني لي لـ”سكاي نيوز عربية” إن العملاق النيجيري يهيمن بشكل كبير على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، حيث يمثل ناتجها المحلي الإجمالي 66 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للمجموعة، في المقابل، تسهم بوركينا فاسو ومالي والنيجر مجتمعة بنسبة 8 بالمئة فقط.
الدول الثلاث، التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على الزراعة، هي دول غير ساحلية ولا تزال تعتمد على إيكواس في العديد من الجوانب الاقتصادية، بما في ذلك إمدادات الكهرباء.
وتقدم إيكواس أيضًا ضمانًا لوصول هذه البلدان إلى الأسواق المالية الدولية.
وبالتالي، فإن خروج هذه الدول من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا قد يحرمها من التمويل المستقبلي، مما قد يؤدي إلى تدهور تصنيفها الائتماني وسقوط قيمة عملتها الجديدة المستقبلية.
بالنسبة للنيجر ومالي وبوركينا فاسو، فإن التحديات تتجاوز مجرد طباعة أوراق نقدية جديدة، حيث ستكون هناك حاجة أيضًا لإنشاء بنك مركزي جديد، وصياغة سياسة نقدية مشتركة، وإدارة عملية الانتقال بعيدًا عن فرنك الاتحاد الأفريقي.
وقد أكدت مني أن “التخلي عن العملة الموحدة سيؤدي إلى كساد اقتصادي كبير”، معتبرة أن هذا سيكون أسوأ خطأ سياسي يمكن أن ترتكبه هذه الدول، حيث كانت مالي الوحيدة من بين هذه الدول التي جربت تجربة العملة الوطنية بين عامي 1962 و1967 دون نجاح.
مع قطع السيولة من البنك المركزي لدول غرب إفريقيا، فإن البنك المركزي الأفريقي الجديد سيُحرم أيضًا من إمكانية الاقتراض من الأسواق الإقليمية.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الصعب تحقيق المشاريع الطموحة بسبب العقوبات الاقتصادية التي تفرضها إيكواس وإلغاء المساعدات الخارجية من دول مثل فرنسا والاتحاد الأوروبي، والتي تعتمد عليها ميزانيات هذه الدول جزئيًا.
رغم هذه التحديات، تمتلك الدول الثلاث الوسائل والموارد اللازمة لمواجهتها، بفضل مواردها التعدينية. تعتمد هذه البلدان بشكل كبير على استخراج الذهب في بوركينا فاسو ومالي، واليورانيوم والنفط في النيجر.
كما تمتلك إمكانيات زراعية وحيوانية قوية، وتعد بوركينا فاسو ومالي من بين أكبر منتجي القطن في إفريقيا. وللاستفادة من هذه الثروات، وقعت هذه الدول اتفاقيات تعاون مع روسيا والصين لبناء محطات للطاقة النووية وتكرير الذهب والطاقة الشمسية.