إزاء هذه التطورات، يطرح مهتمون وخبراء سلسلة من التساؤلات أبرزها، هل تحقق الرسوم الجمركية الجديدة أهدافها المعلنة في دعم الاقتصاد وتخفيف الأعباء عن المواطن؟ أم أنها تؤدي إلى نتائج عكسية، ونزيد من معاناة الشعب السوري؟ وما هي الآثار المترتبة على هذه الإصلاحات على المدى القصير والطويل؟ وهل هناك بدائل أفضل لتحقيق التنمية الاقتصادية في سوريا؟

وأشارت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا إلى تخفيض الكثير من الرسوم المعمول بها، سابقاً، بنسبة 50إلى 60 بالمئة “ما ينعكس أثره على السوريين بتعزيز قدرتهم الشرائية، وتلبية احتياجاتهم بأسعار معقولة”.

وقال مدير العلاقات في الهيئة “إن النشرة راعت حماية المنتج المحلي، وتشجيع الصناعة عبر الرسوم المخفضة على المواد الأولية، كما طبقت الرزنامة الزراعية لحماية الفلاح، ودعم القطاع الزراعي”، ولفت إلى “استهدافها دعم القطاع الصناعي، وتعزيز جذب الاستثمار من خلال تقديم إعفاءات للمستثمرين وأصحاب المعامل الذين اضطروا إلى إخراج معداتهم أو منشآتهم نتيجة لظروف الحرب، ويرغبون في إعادتها إلى البلاد أو الذين يرغبون في إدخال معامل جديدة متكاملة”.

ولفتت مواقع إخبارية محلية، أن القرار الذي تم تطبيقه اعتباراً من يوم السبت الماضي، أدى إلى ارتفاع السلع في شمال سورية بينما انخفضت في المدن الكبرى مثل دمشق وحمص وحلب بعد ما كانت الرسوم الجمركية مرتفعة فيها مقارنة مع إدلب. حيث أشارت بعض المواقع إلى ارتفاع الجمارك في معبر باب الهوى (معبر حدودي بين سوريا وتركيا) حوالي 300 إلى 500 بالمئة عما كانت عليه سابقا، موضحة أن جميع المعابر الجمركية بنفس التعرفة حالياً.

اضطراب السوق

في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أكد الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري عصام تيزيني، أن هذا الاستعجال في تبني سياسة جديده للتعرفة الجمركية سيؤدي إلى اضطراب السوق ومن خلفه عودة توتر المستهلك خصوصاً وأنه” لانزال في مرحلة تحول جذري لشكل الاقتصاد السوري ومن المبكر جداً الخوض في هذا المضمار الشائك”.

وأضاف: “اقتصاد سوريا ليس مستقراً الآن وبالتالي فإن الأولوية حالياً هي لتحسين قدرة المستهلك على الشراء وكل القراءات والتقارير تدل على أن السلوك الاستهلاكي لدى السوريين بدأ يتحسن من شهر وحتى اليوم والسبب هو السماح للتجار (بالاستيراد تهريباً )، أما وأن نضع الآن لوائح جمركية فهذا من شأنه أن ينفر التجار ويجعلهم يعكفون عن العمل وبالتالي ستنضب السلع من الأسواق ويرتفع سعرها “.

إن أي إجراء يتخذ اليوم تكون غايته حماية المنتج الوطني بفرض رسوم زائده على مثيله المستورد هو إجراء لا يخدم المستهلك والمطلوب اليوم هو السماح والاستمرار بإغراق الأسواق بكل أشكال السلع (مستورده تهريباً) أو منتجة محلياً ودون ذلك ستُسرق فرحة المستهلك التي نراها واضحة جداً على وجهه، بحسب الباحث تيزيني.

فرض رسوم جديدة يحتاج إلى استقرار اقتصادي وسياسي

وذكر أن الرسوم الجمركية هي أحد أدوات تنظيم التجارة الخارجية لأي دولة وأساس فرض هذه الرسوم هو وجود استقرار اقتصادي وسياسي وهذا لم يتحقق بعد في سوريا.

وختم الباحث المختص بالشأن السوري تيزيني “بأن قاعدة المستهلك أولاً هي القاعدة التي يجب أن يتبناها الفريق الاقتصادي الحالي وهذه القاعدة تتعارض مع أي شروط جمركية أو مالية أو إدارية على الأقل خلال سنة قادمة، بمعنى تطبيق مبدأ (دعه يعمل دعه يمر) ولسنة قادمة على الأقل هو الذي سيحل مشكلة المستهلك السوري مرحلياً.

بدوره، قال المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إن الاعتماد على الرسوم الجمركية والضرائب كدخل للخزينة هو أمر منطقي تتبعه الدول لتمويل الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، والمشكلة في سوريا تكمن في أن بعض المناطق في الشمال لم تكن تعتمد نظاماً للرسوم الجمركية أو كانت تتبع رسوماً بسيطة جداً، مما يجعلها غير معتادة على تطبيق مثل هذه الرسوم”.

وأشار إلى أن التحدي أمام الحكومة الحالية يتمثل في وجود أكثر من 10 منافذ حدودية، بالإضافة إلى المنافذ البحرية في المرافئ، حيث يتوجب دفع الرسوم الجمركية على الحاويات قبل خروجها من الميناء، مما أدى إلى ضرورة توحيد الرسوم الجمركية عبر جميع المعابر والمنافذ.

إعفاء الاحتياجات الأساسية من الرسوم حتى تستقر الليرة 

وأوضح الدكتور القاضي أن المناطق غير المعتادة على الرسوم فوجئت بتطبيقها وبارتفاع تكلفة استيراد البضائع، وهو أمر متوقع، لكنه شدد على أنه كان من الممكن إعفاء البضائع الأساسية مثل الأرز والسكر والقمح واللحوم من الرسوم الجمركية لتستقر الأسواق والليرة السورية، ولضمان توفر حجم كافٍ من البضائع في الأسواق وتحقيق توازن بين المحافظات في المعروض من السلع.

وفي سياق حديثه عن الخطط التنموية، أكد المستشار الاقتصادي الدكتور القاضي أن أي حكومة تبني خططها بناءً على مواردها من القطاعات الاقتصادية، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية المفروضة حالياً تتراوح بين 5 بالمئة إلى 7 بالمئة، رغم أنها قد ارتفعت في بعض الحالات من دولار واحد إلى عشرين دولاراً للطن، ما يمثل زيادة بمقدار 20 ضعفاً.

ومع ذلك، أوضح أن هذه الزيادة تعني ارتفاعاً على الكيلوغرام الواحد يتراوح بين 5 بالمئة و7 بالمئة فقط، وأنه من الضروري التواصل مع التجار في المناطق المختلفة لطمأنتهم حول مستقبل استيراد البضائع، وإعادة النظر في الرسوم الجمركية على السلع الأساسية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version