هذا الإنجاز يعكس التحولات الجذرية في استراتيجيات التسويق وتوجه الشركات نحو منصات التكنولوجيا الكبرى التي تهيمن على السوق. فالإعلانات الرقمية أصبحت المحرك الرئيسي لنمو القطاع، مدفوعة بالتوسع المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل البياني، مما يتيح استهدافاً أكثر دقة للجمهور وفعالية أكبر للحملات.

شركات التكنولوجيا العملاقة مثل غوغل وميتا (فيسبوك سابقاً) وبايت دانس (المالكة لتطبيق تيك توك) وأمازون وعلي بابا، تستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الإيرادات، حيث يُتوقع أن تحقق أكثر من نصف الإجمالي السنوي. هذا الاستحواذ يعكس قدرة هذه الشركات على تقديم منصات متكاملة تجمع بين الترفيه والتجارة الإلكترونية، مما يعزز من جاذبيتها كوجهة رئيسية للمعلنين، ويضعها في قلب المنافسة العالمية التي تعيد رسم ملامح سوق الإعلانات.

وفق تقديرات شركة غروب إم (وكالة الإعلام المملوكة لشركة دبليو بي بي)، فإنه:

  • نسبة 9.5 بالمئة ارتفاعاً متوقعاً بعائدات الإعلان العالمية، بزيادة عن المعدل المتوقع في منتصف العام، وبرغم الأوضاع الاقتصادية في أكبر الأسواق، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
  • يُتوقع تجاوز إيرادات صناعة الإعلان العالمية تريليون دولار لأول مرة العام الجاري.
  • قطاع التكنولوجيا يهيمن على السوق.
  • كل من ميتا وغوغل، إضافة إلى بايت دانس وعلي بابا، يُتوقع تحقيقهم أكثر من نصف الإجمالي

وبالنسبة لتوقعات العام المقبل 2025، فوفق تقديرات الشركة، من المتوقع توسع السوق بنسبة نحو 7.7 بالمئة، بدعم من نمو الإعلانات الرقمية في قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة، وليس مقدمي خدمات التسويق مثل وكالات الإعلان.

يشار إلى أن الشركة في تقديراتها المذكورة استبعدت الإعلانات السياسية في الولايات المتحدة، مشيرة إلى تأثيرها “المتحيز” على المقارنات من سنة إلى أخرى.

في عام 2024، أضافت إيرادات الإعلانات السياسية في الولايات المتحدة 15.1 مليار دولار إلى الإجمالي، أي ما يقرب من الثلث أكثر من عام الانتخابات الرئاسية 2020.

وتشير المجموعة في الوقت نفسه إلى أنه “بينما من غير المرجح أن تشهد السنوات القليلة المقبلة نفس أسعار الفائدة القريبة من الصفر التي دعمت نمو الإعلان بشكل أكبر في أعقاب الأزمة المالية وخلال الوباء، فإننا نتوقع أن يؤدي المزيد من تطبيق الذكاء الاصطناعي والأتمتة… إلى تعويض ذلك ودفع المزيد من الابتكار”.

ومن المتوقع أن تشكل الإعلانات الرقمية 73 بالمئة من إجمالي الإيرادات بحلول نهاية العام المقبل،  مع نمو بنسبة 12.4 بالمئة على مستوى العالم في عام 2024 و10 بالمئة في عام 2025 – أو 82 بالمئة عند تضمين الإيرادات من الصحف والمجلات الرقمية والبث المباشر.

وذكر تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن قنوات الإعلان التقليدية مثل التلفزيون والصحافة المطبوعة والإذاعة تعاني من هيمنة الخيارات الرقمية. 

  • على الصعيد العالمي، من المتوقع أن ينخفض ​​إجمالي إيرادات الإعلانات المطبوعة بنسبة 4.5 بالمئة في عام 2024 وبنسبة 3 بالمئة أخرى في عام 2025.
  • ستظل إيرادات الصوت ثابتة في العام المقبل، في حين من المتوقع أن ينمو التلفزيون، بما في ذلك كل من الخطي والبث المباشر، بنسبة 2.4 بالمئة فقط على أساس مركب من 2024 إلى 2029.

وتعتبر الولايات المتحدة أكبر سوق للإعلان، ومن المتوقع أن تبلغ قيمتها حوالي 379 مليار دولار من الإيرادات في عام 2025، على الرغم من ارتفاع تكاليف الاقتراض والتوجيهات الأكثر حذراً من بعض تجار التجزئة بما في ذلك متاجر الإلكترونيات وتحسين المنازل.

وحذر التقرير من أن الرسوم الجمركية وارتفاع قيمة الدولار في أعقاب انتخاب دونالد ترامب قد يكون لهما تأثير على السوق. وأضاف التقرير: “من المرجح أن يشكل هذان التطوران تحديًا إضافيًا للمعلنين في مجال السلع الاستهلاكية والسلع الفاخرة الذين يواجهون فترة من الاستهلاك الأكثر هدوءاً”.

وفي الصين، من المتوقع أن ترتفع إيرادات الإعلانات الإجمالية بنسبة 13.5 بالمئة في عام 2024 إلى 204.5 مليار دولار. وفي المملكة المتحدة، أكبر سوق للإعلان في أوروبا بقيمة 53.2 مليار دولار في عام 2024، من المتوقع أن ينمو هذا العام بنسبة 8.3 بالمئة.

وأشار التقرير إلى المبادرات في الصين التي تهدف إلى تعزيز ثقة المستهلك والإنفاق، والتي إذا نجحت، قد “تشهد نمواً إعلانياً أكثر قوة مع تطلع المعلنين المحليين ومتعددي الجنسيات إلى الاستفادة من الطلب المكبوت”.

هيمنة شركات التكنولوجيا

يقول أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي في السيليكون فالي، الدكتور حسين العُمَري، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على سوق الإعلانات الرقمية أحدثت تحولاً جذرياً في هذا المجال، مما أعاد تشكيل ديناميكيات السوق وطريقة وصول المعلنين إلى الجمهور.
  • شركات مثل غوغل وميتا وأمازون وأبل، أصبحت اللاعبين الرئيسيين، مستفيدين من قوتهم التقنية الهائلة والبنية التحتية التي تستوعب مليارات المستخدمين حول العالم.

ويشير إلى أن أحد أهم أسباب التحول نحو الإعلانات الرقمية هو قدرة هذه الشركات على جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات الشخصية والسلوكية للمستخدمين، والتي تُستخدم في تصميم إعلانات تستهدف الأفراد بدقة غير مسبوقة.

على سبيل المثال، تعتمد منصات مثل غوغل على بيانات البحث وتاريخ التصفح، بينما تعتمد ميتا على اهتمامات المستخدمين وسلوكهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا النوع من الاستهداف المُحسَّن رفع كفاءة الإعلانات الرقمية بشكل كبير مقارنة بالإعلانات التقليدية التي كانت تعتمد على الجمهور العام دون تخصيص.

تكامل الإعلانات مع المنصات الأخرى

لم تكتفِ شركات التكنولوجيا بتوفير الإعلانات الرقمية فقط، بل قامت بدمجها بذكاء مع خدمات أخرى مثل التجارة الإلكترونية والبث الرقمي والتطبيقات الذكية.

أمازون، على سبيل المثال، أصبحت قوة رئيسية في سوق الإعلانات، حيث توفّر فرصاً للمعلنين للوصول إلى العملاء مباشرة أثناء بحثهم عن المنتجات. على الجانب الآخر، استحوذت ميتا على سوق إعلانات الفيديو القصير من خلال منصاتها مثل إنستغرام وريلز.

التأثير على الشركات الصغيرة

ويضيف أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي: هذا التغيير منح الشركات الصغيرة فرصاً للوصول إلى جمهور عالمي دون الحاجة إلى ميزانيات ضخمة، حيث أصبح بإمكانها استهداف شرائح محددة من العملاء بتكاليف أقل. ومع ذلك، فإن المنافسة مع عمالقة التكنولوجيا ليست سهلة؛ إذ أصبحت هذه الشركات تتحكم في الوصول إلى السوق من خلال فرض قواعد صارمة ورسوم عالية للإعلانات، مما يجعل المعلنين يعتمدون عليها بشكل كامل تقريبًا.

من المتوقع أن تصل عائدات الإعلانات إلى تريليون دولار في السنوات المقبلة، مما يبرز الحجم الهائل للسوق ونموّه المستمر. النمو لا يقتصر فقط على الدول المتقدمة، بل يمتد إلى الأسواق الناشئة حيث يتزايد عدد مستخدمي الإنترنت والهواتف الذكية.

التحديات والجدل

لكن مع هذا النجاح تأتي تحديات ضخمة، وفق العمري، على النحو التالي:

  • هناك جدل متزايد حول مسائل الخصوصية واستخدام البيانات الشخصية لاستهداف المستخدمين بالإعلانات.
  • التحقيقات التنظيمية والقوانين الجديدة في الولايات المتحدة وأوروبا تسعى إلى كبح جماح هذه الشركات ومنع الممارسات الاحتكارية.
  • كما أن الشركات الناشئة تواجه صعوبة كبيرة في التنافس في سوق تهيمن عليه حفنة من الشركات الكبرى.

ويستطرد: التأثير لا يتوقف عند حدود الأعمال؛ بل يمتد إلى كيفية تفاعل الجمهور مع المحتوى الرقمي. فالإعلانات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تجربة المستخدم اليومية، مما أثّر على قرارات الشراء وحتى على الطريقة التي يتلقى بها الناس المعلومات الإخبارية.

مستقبل الإعلانات الرقمية

في المستقبل، يتوقع العمري أن يصبح الذكاء الاصطناعي والمزيد من التقنيات مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز عناصر أساسية في الإعلانات الرقمية، مما يفتح الباب لفرص جديدة، ولكن أيضًا لتحديات أكبر تتعلق بالابتكار والتنظيم.

وفي المجمل، فإن هيمنة شركات التكنولوجيا على سوق الإعلانات الرقمية قد غيّرت المشهد بالكامل، مع فوائد واضحة للمعلنين والجمهور، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات عميقة حول الخصوصية، المنافسة العادلة، ومستقبل هذا القطاع الحيوي.

منظومة مترابطة

بدوره، يشير المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل غوغل وميتا  وأمازون، أعادت تشكيل سوق الإعلانات بشكل جذري خلال العقدين الماضيين، موضحاً أن هذه الشركات لم تكتفِ بتطوير أدوات وتقنيات إعلانية جديدة، بل أنشأت منظومة مترابطة تعتمد على البيانات، مما مكّنها من احتكار جزء كبير من السوق.

ويستعرض في هذا السياق أهم النقاط التي توضح تأثير هذه الهيمنة:

أولاً- التحول إلى الإعلانات الرقمية

  • شهدت الإعلانات تحولًا كبيرًا من الوسائل التقليدية (التلفزيون والصحف والراديو) إلى الرقمية، وذلك بفضل التقنيات التي قدمتها شركات التكنولوجيا.
  • الإعلانات الرقمية تُتيح استهدافًا دقيقًا للمستخدمين بناءً على بياناتهم الشخصية، مثل العمر والموقع والاهتمامات، وهي ميزة توفرها منصات مثل غوغل وأمازون.

ثانياً- جمع البيانات وتحليلها

  • تقوم هذه الشركات بجمع كميات هائلة من البيانات من خلال خدماتها المختلفة، مثل محركات البحث، وسائل التواصل الاجتماعي، والتجارة الإلكترونية.
  • تُستخدم هذه البيانات لتطوير نماذج إعلانية مخصصة، مما يعزز فعالية الإعلانات ويرفع من عائداتها.

ثالثاً- احتكار السوق

  • تهيمن الشركات الكبرى على نسبة كبيرة من عائدات الإعلانات الرقمية.
  • غوغل تسيطر على سوق البحث والإعلانات المرتبطة به.. بينما ميتا تسيطر على إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي.. وأمازون تحتل المرتبة الثالثة في السوق بفضل بياناتها عن سلوكيات الشراء.

رابعاً- الابتكار في تقنيات الإعلانات

  • تعتمد الشركات على الذكاء الاصطناعي لتحسين استهداف الإعلانات، وقياس أدائها، وتقديم توصيات مخصصة.
  • تُقدم تقنيات جديدة مثل الإعلانات الصوتية والبصرية باستخدام أدوات متطورة تعتمد على التحليل السلوكي.

خامساً- التحديات التي تواجه الهيمنة

  • هناك دعوات متزايدة لتنظيم عمل هذه الشركات بسبب ممارساتها الاحتكارية وتأثيرها على المنافسة.
  • ظهرت قوانين جديدة تهدف إلى تعزيز الشفافية وحماية خصوصية المستخدمين، مما قد يُقيد من قدرة هذه الشركات على جمع البيانات.

ويوضح بانافع أنه في الوقت الذي من المتوقع فيه وصول عائدات الإعلانات عالمياً إلى تريليون دولار، فإن تلك الشركات ستواصل توسعها من خلال:

  • الابتكار في مجالات جديدة، مثل الإعلانات التي تستهدف العواطف باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
  • تعزيز استراتيجيات الإعلانات داخل المنصات الإلكترونية مثل التطبيقات والألعاب.

ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن  هيمنة شركات التكنولوجيا غيّرت قواعد سوق الإعلانات، حيث أصبحت الإعلانات أكثر استهدافًا وأقل تكلفة للشركات الصغيرة. ومع ذلك، أثارت هذه الهيمنة تحديات تتعلق بالمنافسة، الخصوصية، وتنظيم السوق، ما يستدعي تدخلات قانونية لضمان التوازن بين الابتكار وحماية المستهلك.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version