ومع تزايد التعقيدات في الأسواق العالمية وتنامي احتياجات الأفراد والشركات لإدارة مواردهم بكفاءة، ظهرت حلول مبتكرة تتيح الوصول إلى استشارات مالية متقدمة بسهولة غير مسبوقة.

تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة أضافت أبعادًا جديدة إلى هذا المجال، حيث يمكن للمستشارين الماليين اليوم استخدام نماذج محوسبة لتوقع المخاطر وتحليل العوائد المحتملة. كما أتاحت المنصات الرقمية للأفراد العاديين إمكانية الحصول على استراتيجيات استثمارية مخصصة بناءً على أنماط إنفاقهم وأهدافهم المستقبلية، دون الحاجة إلى التعامل مع الوسطاء التقليديين.

لكن على الجانب الآخر، فمع ازدهار الاستشارات المالية عبر الإنترنت، برزت إشكالية خطيرة تمثلت في انتشار فوضى التوجيهات غير الموثوقة. فقد أصبح أي شخص يمتلك منصة أو حسابًا على وسائل التواصل الاجتماعي قادرًا على تقديم نصائح مالية قد تفتقر إلى الأساس العلمي أو الخبرة المهنية.

هذه الظاهرة لا تهدد فقط الأفراد الذين قد يقعون ضحية لاستراتيجيات مضللة أو استثمارات غير مدروسة، بل تضر أيضًا بثقة السوق ككل.

وبالتالي فإنه في ظل هذا الواقع، تزداد الحاجة إلى التحقق من مصداقية المصادر واستشارة خبراء معتمدين لضمان حماية الأصول المالية وتحقيق الأهداف بطرق مستدامة.

بحسب “نيويورك تايمز”، فإن:

  • وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الأخرى ساعدت في جعل المعلومات المتعلقة بالثقافة المالية والاستثمار والتداول أكثر سهولة من أي وقت مضى.
  • يأتي ذلك في وقت تشارك فيه عديد من الحسابات معلومات يمكن أن تساعد الأشخاص في إدارة أموالهم.
  • لكن آخرين يشاركون نصائح يقول المنظمون إنها قد تكون مضللة .
  • قد يروج بعض منشئي المحتوى لمنتجات مالية مثل بطاقات الائتمان إلى جانب سلع مثل مكملات الفيتامينات والإلكترونيات. وقد يكشف آخرون – سواء كانوا يتمتعون بالخبرة أم لا – النقاب عن رحلاتهم المالية الخاصة أو يشاركون استراتيجيات الاستثمار.
  • فرز المفيد من الخادع قد يكون مهمة صعبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشهد الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي. وقد حذرت الهيئات التنظيمية المالية الناس من توخي الحذر من النصائح من ما يسمى بالمؤثرين الماليين.

المحلل المالي الموثوق

في تصريحاتها لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أشارت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، إلى:

  • تزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الاستشارات المالية، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف هذه الخدمات المقدمة من جانب بعض المؤسسات المعنية.
  • أصبح عديد من المحللين الماليين والفنيين يمتلكون صفحات على منصات مثل فيسبوك وتليغرام، يقدمون من خلالها توصيات على الأسهم ويجمعون متابعين يهتمون بتلك النصائح.

وشددت رمسيس على أهمية الثقة في المحللين، مشيرة إلى أنه يمكن بناء هذه الثقة من خلال تحقيق المحلل لمكاسب مستمرة لعملائه وعدم التسبب في خسائر لهم، وهي سمعة يكتسبها المحلل المال في السوق، موضحة أن المحلل الناجح يمكن أن يحقق مصداقية أكبر مع الوقت، خاصة إذا كان لديه تاريخ من النصائح الناجحة التي ساعدت الآخرين على تحقيق أرباح.

كما تحدثت عن ضرورة تنظيم هذا النوع من الاستشارات المالية من قبل الجهات الرقابية، لتجنب “فوضى الاستشارات المالية عبر الإنترنت”.

وأشارت رمسيس إلى أهمية استشارة أكثر من شخص قبل اتخاذ أي قرار استثماري، لافتة إلى أن التجمعات الاجتماعية والتواصل مع الأصدقاء يمكن أن يكون لهما دور كبير في اكتساب الخبرة وفهم الأسواق بشكل أفضل. وتطرقت أيضًا إلى أهمية النصائح المقدمة من كبار المستثمرين مثل وارن بافيت على سبيل المثال، والتي تتوافر على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يتيح للناس الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم في عالم الاستثمار.

العصر الرقمي

ووفقًا لمسح أجرته Nationwide:

من الصعب الحصول على مشورة مالية موثوقة في عصرنا الرقمي اليوم.

  • أكثر من ثلث المستثمرين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و54 عامًا، تصرفوا بناءً على معلومات مالية شاهدوها عبر الإنترنت أو على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تبين أنها مضللة أو غير صحيحة من الناحية الواقعية.
  • بالإضافة إلى ذلك، ليس من المستغرب أن يتعامل المستثمرون الأصغر سناً – الذين تزامنت نشأتهم مع ثورة المعلومات عبر الإنترنت – مع النصائح المالية التي يجدونها على الإنترنت بشكل مختلف عن أقرانهم الأكبر سناً.
  • أكثر من أربعة من كل عشرة من الجيل Z و34 بالمئة من المستثمرين من جيل الألفية واجهوا وتصرفوا بناءً على معلومات مالية مضللة أو غير صحيحة من الناحية الواقعية رأوها على الإنترنت أو على وسائل التواصل الاجتماعي، مقارنة بنحو 6 بالمئة فقط من المستثمرين من جيل طفرة المواليد.

وبحسب نائب الرئيس الأول لشركة Nationwide Annuity Distribution “رونا جيمون، فإن:

  • “وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية ومورد رائع للتعلم حول مواضيع مالية مختلفة، ولكنها تأتي مع الكثير من المعلومات المضللة أيضًا”.
  • “قد تكون المعلومات عبر الإنترنت غير دقيقة أو غير قابلة للتطبيق على حالتك. لهذا السبب من المهم أن تبذل العناية الواجبة بشأن المعلومات المالية التي تجدها عبر الإنترنت – أو الأفضل من ذلك، اللجوء إلى متخصص أو مستشار مالي للحصول على المساعدة”.

 نصائح مجانية

من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي ياسين أحمد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن منصات التواصل الاجتماعي أحدثت نقلة نوعية في قطاع الاستشارات المالية، مردفاً: “اليوم، يمكن لأي شخص الوصول إلى نصائح مالية مجانية بضغطة زر، وهو ما قلل من اعتماد البعض على المستشارين الماليين التقليديين.. ومع ذلك، فإن هذا التحول يفرض تحديات جديدة على القطاع”.

وأضاف: لتبقى المنافسة قائمة، أصبح لزامًا على المستشارين الماليين تطوير خدمات مبتكرة ومخصصة، تلبي احتياجات العملاء الذين يتعرضون يوميًا لفيض من النصائح عبر الإنترنت”.

وأوضح أن النصائح المالية عبر مواقع التواصل لها دور كبير في رفع الوعي المالي لدى الجمهور “لقد ساعدت هذه النصائح الكثيرين على فهم مبادئ التخطيط المالي والاستثمار، ما دفع شريحة واسعة من الناس للتفكير بجدية في إدارة أموالهم”.. لكن في المقابل، حذر من خطورة الاعتماد العشوائي على مثل هذه النصائح، موضحاً أن “كثيراً من النصائح المنتشرة قد تفتقر إلى الدقة، أو تقدم حلولًا مبسطة بشكل مفرط. هذا الأمر قد يؤدي إلى قرارات مالية خاطئة، خصوصًا لدى الأفراد الذين لا يمتلكون خلفية مالية كافية”.

واستعرض خطوات لتجنب السلبيات  أو نصائح غير المتخصصين، على النحو التالي:

  • من المهم معرفة خلفية الشخص أو الجهة التي تقدم النصيحة.. هل لديهم خبرة مهنية؟ هل يحملون مؤهلات أكاديمية تؤهلهم للحديث عن هذه المواضيع؟”
  • “قبل اتخاذ أي قرار مالي، يُفضل دائمًا مراجعة النصائح مع مؤسسات مالية موثوقة مثل البنوك أو الشركات الاستثمارية”.
  • “ليس كل نصيحة تناسب الجميع. القرارات المالية يجب أن تُبنى على الوضع المالي للفرد وأهدافه المستقبلية”.

وأوضح أن نصائح مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فمع الاستخدام السليم لهذه النصائح، يمكن تحقيق فوائد كبيرة وزيادة الوعي المالي. ولكن في الوقت نفسه، يجب أن يكون هناك وعي بمخاطر المحتوى غير الموثوق، لتجنب الوقوع في قرارات قد تكون مكلفه على المدى الطويل.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version