خاص

أسعار البنزين في أميركا

اقترح الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، في وقت متأخر من يوم الاثنين الماضي، فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على جميع الواردات من المكسيك وكندا، متهما أقرب جيران الولايات المتحدة بـ “الفشل” في معالجة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات.

تأتي تلك الرسوم ضمن جملة السياسات الحمائية التي يتبعها ترامب، والتي تثار معها مخاوف واسعة بشأن تداعياتها الأوسع نطاقاً على الاقتصاد العالمي، فضلاً عن تداعيات محتملة على المستهلك الأميركي الذي قد تتسرب إليه زيادات الأسعار نتيجة ارتدادات تلك السياسات، وبما قد ينعكس على معدلات التضخم بأكبر اقتصاد في العالم، ويعطل اتجاه الفيدرالي.

في هذا السياق، نقل تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه، عن عددٍ من منتجي النفط تحذيراتهم من أن خطة ترامب لفرض رسوم جمركية عقابية على الواردات الكندية سوف تؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين بالنسبة الأميركي، وذلك في الوقت الذي ضربت فيه تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب الأسواق العالمية.

  • ستكون صناعة النفط الكندية -التي تزود الولايات المتحدة بأكثر من نصف وارداتها من النفط الخام- من بين الصناعات الأكثر تضرراً.
  • وحذر المنتجون من أن المستهلكين الأميركيين سوف يشعرون بالعواقب إذا انخفضت الواردات وارتفعت الأسعار.

من جانبها قالت رئيسة الجمعية الكندية لمنتجي البترولليزا بايتون: “إن فرض تعريفة جمركية بنسبة 25 بالمئة على النفط والغاز الطبيعي من المرجح أن يؤدي إلى انخفاض الإنتاج في كندا وارتفاع تكاليف البنزين والطاقة للمستهلكين الأميركيين في حين يهدد أمن الطاقة في أميركا الشمالية”.

بحسب التقرير، يمكن فرض الرسوم باستخدام الصلاحيات التنفيذية التي من شأنها أن تتجاوز اتفاقية التجارة الحرة USMCA التي وقعها ترامب مع كندا والمكسيك خلال ولايته الأولى كرئيس.

ويشار إلى أن سلاسل التوريد واقتصادات البلدان الثلاثة أصبحت متكاملة بشكل عميق خلال الثلاثين عامًا منذ أن أبرمت لأول مرة اتفاقية تجارية ثلاثية، وهي العلاقات التي يمكن أن تتعطل بسبب الرسوم الجمركية أو الحرب التجارية.

وقال روري جونستون من شركة كوموديتي كونتكست، وهي شركة استشارات طاقة مقرها تورنتو: “إذا تم تطبيق التعريفات الجمركية على واردات النفط، فإن التأثير المباشر الأول والأساسي سيكون ارتفاع أسعار المضخات في الولايات المتحدة وضعف هوامش التكرير في الولايات المتحدة نظرًا لارتفاع تكلفة المواد الخام الخام – والتي لا يزال يتعين استيراد الكثير منها وأكثر من نصفها يأتي من كندا “.

الاقتصاد الأميركي.. تباطؤ للنمو وتسارع للتضخم

آثار سلبية

من لندن، يسلط الخبير في اقتصاديات الطاقة، الدكتور نهاد إسماعيل، في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، الضوء على الآثار السلبية للتعرفة الجمركية على حرية التجارة والاقتصاد العالمي، محذرًا من تداعياتها الخطيرة التي قد تشمل إشعال حروب تجارية واتخاذ إجراءات انتقامية.

ويوضح إسماعيل أن:

  • التعرفة الجمركية بنسبة 25 بالمئة المزمع فرضها على المنتجات الكندية والمكسيكية اعتبارًا من يناير 2025 ستؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلك في الولايات المتحدة.
  • يعزز ذلك التضخم ويعقد مهمة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي يحاول تخفيض أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.
  • نتائج هذا القرار تتناقض مع وعود الرئيس المنتخب دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، حيث ركز على مساعدة المستهلكين وخفض تكاليف السلع الأساسية.

ويضيف: إن فرض تعرفة جمركية على النفط الكندي الخام سيكون له انعكاسات كارثية، حيث تستورد الولايات المتحدة النفط الكندي الثقيل، الذي يعد مثاليًا لعديد من المصافي الأميركية. وفي حال تطبيق التعرفة، ستشهد أسعار البنزين ارتفاعًا يتراوح بين 20 و30 بالمئة، مما سيزيد الضغوط على المصافي مثل “فيليبس 66″ و”ماراثون أويل”.

تعتمد مصافي التكرير الأميركية، وخاصة في شمال البلاد، على واردات الخام الكندي، وهو أثقل بكثير من نوع النفط المنتج في حقول النفط في تكساس والذي يحرك الإنتاج الأميركي. ويقول المحللون إن المنتجين المحليين سيواجهون صعوبة في سد الفجوة إذا تم تقييد النفط الكندي، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية.

ويلفت إسماعيل إلى أن ارتفاع تكلفة المنتجات المكررة سيؤثر على قطاعات واسعة؛ أبرزها النقل واللوجستيات، مما يعني أن المستهلك الأميركي سيدفع أسعارًا أعلى للسلع والخدمات. فيما يثير شكوكًا حول جدية تنفيذ هذه التعرفة، معتبرًا أنها قد تكون وسيلة ضغط على المكسيك لاتخاذ إجراءات ضد الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات.

كذلك فإنه من المثير للدهشة، وفق إسماعيل، أن هذه الإجراءات تأتي رغم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك في العام 1992، والتي دخلت حيز التنفيذ في 1994 وتم تحديثها في 2020 تحت اسم USMCA. الاتفاقية كانت قد ألغت التعرفات الجمركية بين الدول الثلاث، ما يجعل فرض تعرفة جديدة تناقضًا صريحًا مع أهداف الاتفاقية.

ويختتم خبير اقتصاديات الطاقة حديثه بالتأكيد على أن المستهلك الأميركي سيكون المتضرر الأكبر من تطبيق هذه التعرفة، سواء من خلال ارتفاع أسعار الوقود أو زيادة تكاليف الاستيراد، ما سيؤدي إلى ضغوط اقتصادية إضافية على الاقتصاد الأميركي بشكل عام.

كما هدد ترامب هذا الأسبوع بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 بالمئة على السلع الصينية، وهي الخطوة التي وصفها تلفزيون الصين المركزي بأنها “غير مسؤولة”.

وتسعى الصين إلى تقديم نفسها باعتبارها مدافعة عن التجارة المفتوحة، على الرغم من الاتهامات الموجهة إليها بدعم مصنعيها بشكل كبير والحفاظ على حواجز مشددة أمام وصول الشركات الدولية إلى أجزاء من سوقها المحلية. وقال نائب الرئيس هان تشنغ: “العولمة الاقتصادية هي اتجاه تاريخي لا رجعة فيه”.

اضطرابات

وحول تداعيات السياسات التجارية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لا سيما فيما يتصل بفرض الرسوم الجمركية على شركاء تجاريين رئيسيين مثل كندا والمكسيك والصين، تقول استاذة الاقتصاد والطاقة في القاهرة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • المشهد الاقتصادي العالمي يمر بحالة اضطراب؛ إذ يتم التعامل مع أزمات متتالية ومفاجآت غير متوقعة.
  • ترامب يتخذ من شعار “أميركا أولاً” نهجًا استراتيجيًا لإعادة هيكلة الاقتصاد الأميركي.
  • الرئيس المنتخب يعتمد الرسوم الجمركية كأداة لتحقيق أهداف اقتصادية متنوعة مثل تقليل العجز التجاري، وإعادة تنشيط الصناعة الأميركية، وتوفير فرص عمل. ومع ذلك، هذه السياسة قد تحمل تبعات سلبية، منها ارتفاع معدلات التضخم.

فيما يخص كندا، تشير إلى أنها  تعد أحد أهم شركاء أميركا في قطاع الطاقة، ومن أكبر الموردين للنفط لواشنطن، وبالتالي فإن فرض رسوم بنسبة 25 بالمئة على النفط المستورد من كندا قد يؤدي إلى:

  • ارتفاع أسعار البنزين في السوق الأميركية بنسبة تصل إلى 5 بالمئة.
  • زيادة تكلفة جالون البنزين بحوالي 70 سنتاً.
  • تصاعد معدلات التضخم، مما يثقل كاهل المواطن الأميركي الذي انتخب ترامب.

ووصلت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام من كندا إلى مستوى قياسي بلغ 4.3 مليون برميل يوميا في يوليو بعد توسعة خط أنابيب ترانس ماونتن الكندي الذي ينقل الخام من حقول النفط في ألبرتا إلى الساحل الغربي لكندا.

وتُبرز انعكاسات أوسع على الاقتصاد العالمي، بالإشارة إلى أن ارتفاع تكاليف الطاقة نتيجة لسياسات ترامب التجارية قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية عالمية، والأسواق قد تشهد اضطرابًا واسع النطاق بسبب تأثير السياسات الأميركية على قطاع الطاقة والتجارة.

  • على الرغم من كونها أكبر منتج للنفط في العالم، فإن الولايات المتحدة تستورد كميات كبيرة من النفط الخام الذي يتم تحويله في مصافيها إلى بنزين ومنتجات بترولية أخرى.
  • يتم استيراد حوالي 40 بالمئة من النفط الخام المكرر في الولايات المتحدة، حيث يأتي نحو 60 بالمئة منه من كندا و11 بالمئة من المكسيك.

تأثير زيادة الإنتاج

الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، يقول لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” في هذا السياق:

  • قرار ترامب الخاص بفرض رسوم جمركية على الواردات من المكسيك وكندا، ومن ضمنها النفط، إن تم تطبيقه سيؤثر بشكل مباشر على أسعار البنزين في الولايات المتحدة.
  • حوالي 20 بالمئة من النفط المستخدم في المصافي الأميركية يأتي من كندا، مما يجعل أي رسوم مفروضة على الواردات الكندية ذات أثر ملحوظ على أسعار الوقود.
  • الرسوم الجمركية بنسبة 25 بالمئة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين بنسبة 5 إلى 10 بالمئة، ما يعادل زيادة قد تصل إلى 30 سنتًا لكل غالون.
  • الولايات الأميركية التي تعتمد على النفط الكندي، خصوصًا تلك القريبة من الحدود الكندية، ستكون الأكثر تأثرًا.
  • ترامب كان قد وعد بزيادة إنتاج النفط المحلي. وإذا تم تحقيق ذلك، قد يقل الاعتماد على النفط الكندي، مما قد يخفف من تأثير الرسوم الجمركية على أسعار البنزين.

ويضيف: “السياسة الاقتصادية الانقلابية التي يقترحها ترامب قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك البنزين والديزل”، موضحاً أن المخاوف الأكبر تتمثل في احتمال حدوث تضخم في الأسعار، مما قد يدفع الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة، وهو أمر قد يترك أثرًا سلبيًا ليس فقط على الاقتصاد الأميركي، بل أيضًا على الاقتصادات الناشئة والعالمية.

تضخم تكلفة الواردات

وحثت رابطة مصنعي الوقود والبتروكيماويات الأميركيين، وهي المجموعة الصناعية الرئيسية التي تمثل مصافي التكرير الأميركية، السياسيين على “الابتعاد عن أي سياسات من شأنها تعطيل ميزة الطاقة الأميركية”.

وقالت مجموعة عمل صناعة النفط والغاز: “إن سياسات التجارة الشاملة التي يمكن أن تؤدي إلى تضخم تكلفة الواردات، وتقليص الإمدادات المتاحة من المواد الخام والمنتجات النفطية، أو إثارة التعريفات الجمركية الانتقامية، من الممكن أن تؤثر على المستهلكين وتقوض ميزتنا كأكبر صانع للوقود السائل في العالم”.

ما هي تداعيات الاكتساح الجمهوري في أميركا على الاقتصاد؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version