ومع تصاعد هذه الحرب التجارية، تلوح في الأفق إمكانية فرض ترامب تعريفات جديدة قد تصل إلى 60 بالمئة على الواردات الصينية حسبما أعلن خلال حملته الانتخابية الرئاسية، فضلاً عن أن ترامب تعهد الإثنين الماضي، بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 بالمئة على السلع القادمة من الصين، ما قد يشكل ضربة قوية للاقتصاد الصيني.

وبينما تسعى الصين للتكيف مع هذه التحديات، تواجه تحديات أخرى هيكلية في اقتصادها مثل تراجع قطاع العقارات الذي كان يشكل ركيزة رئيسية في نموها الاقتصادي لعقود، إلى جانب أزمة الديون المتزايدة التي ترهق كاهل الحكومات المحلية والشركات وضعف الاستهلاك، ما يطرح تساؤلات حول قدرة الصين على مواجهة هذه الضغوط المتزايدة وفيما إذا كان باستطاعتها التصدي للتعريفات الجمركية التي قد تفرضها الإدارة الأميركية المقبلة؟ وهل تستطيع الحفاظ على استقرارها الاقتصادي في ظل الأزمات الاقتصادية الداخلية المتعددة التي تهدد طريقها نحو النمو؟

فالصين استطاعت التعامل مع الحرب التجارية الأولى التي شنها ترامب، ولكن الحرب الثانية ستكون أكثر صعوبة، وقد لا يكون أمام بكين خيار سوى إعادة تشكيل اقتصادها إذا تورطت في صراع تجاري أوسع نطاقاً، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

 وفي إشارة إلى مدى جديته في زيادة التعريفات الجمركية لمكافحة ما يراه تجارياً غير عادل، أخبر الرئيس المنتخب ترامب حلفاءه أنه يريد تعيين روبرت لايتهايزر، الذي شغل منصب الممثل التجاري الأميركي خلال فترة رئاسته الأولى وكان شديد الانتقاد للممارسات التجارية الصينية، ليكون مسؤولاً عن التجارة في إدارته، بحسب التقرير.

وأوضح التقرير أنه “إذا خفضت الولايات المتحدة بعضاً من 430 مليار دولار من السلع التي تستوردها من الصين سنوياً، فقد تحاول الشركات الصينية إرسالها إلى دول أخرى، وهي استراتيجية اتبعتها بكين بنجاح بعد أن فرض ترامب أولى التعريفات الجمركية على السلع الصينية في عام 2018. ولكن الدول الأخرى بدأت بالفعل في الاحتجاج بسبب تدفق الصادرات الصينية الرخيصة التي تضر بشركاتها”.

ونوه بأن زيادة التعريفات الجمركية وارتفاع التحقيقات في مكافحة الإغراق في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية يبعث برسالة قوية مفادها أن الصين لا يمكنها الاعتماد على الدول الأخرى لاستيعاب فائض إنتاجها الصناعي المتزايد، ناهيك عن السلع الإضافية التي قد تحرمها التعريفات الجديدة في الولايات المتحدة”.

التحديات المقبلة

إذا تم تنفيذ تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بزيادة التعريفات الجمركية على جميع الواردات الصينية إلى 60 بالمئة. فإن ذلك سيمثل تصعيداً كبيراً في حرب تجارية بدأت خلال فترته الرئاسية الأولى ولا تزال مستمرة منذ ذلك الحين.

في عام 2018، فرض ترامب تعريفات جمركية تصل إلى 25 بالمئة على الغسالات والألواح الشمسية والفولاذ والألمنيوم المصنوعة في الصين. وردت الصين بفرض تعريفات جمركية على الواردات الأميركية، بينما تحت إدارة الرئيس جو بايدن، تم رفع التعريفات على السيارات الكهربائية الصينية، ومعدات الطاقة النظيفة، وأشباه الموصلات.

وقد تمكنت الصين من إدارة المرحلة الأولى من النزاع عبر إعادة توجيه صادراتها إلى أسواق أخرى، مثل روسيا والدول المجاورة في جنوب شرق آسيا. كما أنها حققت مكانة رائدة عالمياً في صناعات جديدة ذات قيمة مثل صناعة السيارات الكهربائية، إذ زادت نتيجة لذلك حصة الصين في التصنيع العالمي وصادرات السلع العالمية منذ عام 2018، لكن يرى اقتصاديون أن المرحلة التالية من الحرب التجارية قد تكون أكثر صعوبة إذا تم تنفيذها على النحو الذي أشار إليه ترامب خلال حملته الانتخابية.

وقال دانيال يي شو، أستاذ الاقتصاد في جامعة ديوك: “من المحتمل أن يكون تأثير التعريفات على التجارة أكبر بكثير من الحرب التجارية الأولى، والفرص لزيادة كبيرة في التعريفات مرتفعة، يبدو أن صانعي السياسات في الولايات المتحدة من الجانبين يتوحدون أكثر حول موقف صارم تجاه الصين”.

ويشير تقرير “أوكسفورد إيكونوميكس” إلى أن فرض تعريفات بنسبة 60 بالمئة على الواردات الصينية قد يقلل التجارة مع الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 70بالمئة، مما يقلل حصة الصين من واردات الولايات المتحدة إلى أقل من 4 بالمئة، مقارنة بحوالي 14بالمئة في عام 2023.

بدوره، قال جوليان إيفانز-بريتشارد، رئيس قسم الاقتصاد الصيني في “كابيتال إيكونوميكس”، للاستشارات: “إذا استجابت الدول الأخرى أيضاً من خلال فرض حواجز تجارية، فسيصبح الأمر أكثر تحدياً بالنسبة للصين”.

فرض الرسوم على الأعداء والأصدقاء

في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال الدكتور نضال الشعار الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY”: “يوماً بعد يوم تزداد قناعة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بجدوى رفع الرسوم والتعريفات الجمركية سواء على الأعداء أو على الأعداء، فها هو يخطط لرفع التعريفات الجمركية على كندا والمكسيك بنسبة 25 بالمئة ولفرض زيادة في التعريفات الجمركية على الصين بنسبة 10 بالمئة إضافية على كل ما يمكن أن يحصل في المستقبل والذي كان مخطط له وهو 60 بالمئة”.

وفي الفترة الأخيرة أدخل ترامب عاملاً آخر لتبرير رفع الرسوم الجمركية، وهو المخدرات إذا لم يكن ذلك مثاراً في السابق، بل كان الموضوع تجارياً بحتاً ويتعلق بحماية الصناعات الأميركية وتحقيق توازن في الميزان التجاري للولايات المتحدة، بحسب تعبيره.

 وعلى الرغم من أن ترامب لديه جدية كبيرة في رفع وفرض هذه الرسوم التعريفات الجمركية، يرى الدكتور الشعار أن هذا الرفع لن يحصل كما هو مخطط له، بل سيكون هناك مفاوضات في هذا الشأن.

المشكلات الاقتصادية قد تكبل بكين عن الردود الانتقامية

ورداً على سؤال حول خيارات الصين في مواجهة تعريفات ترامب أجاب الخبير الاقتصادي الدكتور الشعار: “سابقاً عندما تم رفع التعريفات الجمركية على الصين من قبل ترامب ومن بعده الرئيس جو بايدن، ردت الصين بعقوبات شبه مماثلة، ولكنها لم تكن بذات المستوى لأنها لم تكن جاهزة في ذاك الوقت للقيام بعمليات انتقامية، والصين اليوم في وضع أفضل فيما يخص الردود الانتقامية، ولكن المشكلة في الصين أـنها تعاني من وضع اقتصادي سيء وخصوصاً في القطاع العقاري وضعف الاستهلاك، وهذا يكبلها عن القيام عن أي رد انتقامي على الرغم من أنها درست هذا الموضوع في السابق”.

وأضاف: “والدليل على ذلك هو رد الصين الهادئ على تصريحات ترامب الأخيرة، “بأن الحروب التجارية الدولية ليست من مصلحة أي بلد”، هذا الرد العقلاني يشير إلى أن الصين فعلاً ليست جاهزة تماماً للتصريح عن أي خطة انتقامية في المستقبل”.

ويعاني ثاني أكبر اقتصاد في العالم من تباطؤ في النمو نتيجة مجموعة من الأزمات التي تؤثر بشكل مباشر على بنيته الاقتصادية، وأبرزها الأزمة العقارية التي تمثل تحدياً كبيراً، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وتراجع إنفاق الأسر وديون الحكومات المحلية. ومنذ أكثر من عام، تعمل الحكومة الصينية على تحفيز اقتصادها المتباطئ عبر إطلاق حزم إجراءات متعددة، كان من أبرزها خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للمصارف، بالإضافة إلى خفض سعر الفائدة المرجعي للإقراض، بهدف الحفاظ على معدل نمو مستهدف يبلغ 5بالمئة

ومع ذلك، كشف صندوق النقد الدولي في تقرير نُشر أخيراً عن خفض توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني في عام 2024، مشيراً إلى احتمالية تباطؤ أكبر خلال العام المقبل. وقد توقع الصندوق أن يصل النمو إلى 4.8 بالمئة في 2024 مقارنةً بتقديراته السابقة البالغة 5 بالمئة، وهي النسبة التي حددتها الحكومة الصينية كهدف للنمو، كما رجح الصندوق مزيداً من التباطؤ في عام 2025، وحذر من أن تفاقم أزمة القطاع العقاري بوتيرة أعلى من المتوقع يشكل أحد أبرز المخاطر التي تهدد الاقتصاد الصيني.

خيارات الصين

ومن المرجح أن تستمر الصين في اتباع سياساتها السابقة لمواجهة تعريفات ترامب الجمركية وذلك من خلال تحويل الإنتاج إلى دول مثل فيتنام وتايوان والهند وكوريا الجنوبية. على سبيل المثال، بلغت صادرات فيتنام إلى الولايات المتحدة حوالي 90 مليار دولار، في حين وصلت صادرات تايوان إلى 25 مليار دولار وكوريا الجنوبية إلى 45 مليار دولار. وقد كانت غالبية هذه الصادرات تتكون من بضائع صينية أعيد تصديرها أو من منتجات لشركات صينية قامت بفتح فروع لها في هذه الدول، طبقاً لما قاله كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” الدكتور الشعار.

ومع ذلك أوضح أن هذه الاستراتيجية قد تواجه تحديات جديدة، إذ إن بعض هذه الدول، مثل فيتنام وتايوان والفلبين، تسعى حالياً لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. نتيجة لذلك، قد تجد الصين صعوبة في مواصلة سياستها السابقة بتحويل الإنتاج إلى هذه الدول ثم تصديره إلى الولايات المتحدة، حيث من المحتمل أن تؤدي هذه التغيرات الجيوسياسية إلى عرقلة مثل هذه التحركات.

وأشار إلى أدوات أخرى يمكن أن تستخدمها الصين فيما يخص التصدير إلى الولايات المتحدة من خلال فرض تعريفات جمركية أكبر في لمستقبل القريب، ولكنه يرى أن الصين على الأغلب ستجنح إلى المفاوضات.

وأضاف: “وأفضل طريق أمام الصين هو فرصة التوجه إلى الداخل ومحاولة رفع وتيرة الاستهلاك إلى جانب التركيز على منتجات أخرى كالمنتجات الزراعية التي لدى الصين كمية هائلة منها، ولكنها لم تستثمر في التصدير كما استثمرت المنتجات الأخرى. لكن إذا أرادت الصين التصعيد في الردود الانتقامية، فبإمكانها ببيع السندات الأميركية ما يشكل إرباكاً في السوق التي تعد أكبر الأسواق في العالم، ولكن في هذه الحالة قد تنشا مشكلات سياسية أعتقد أن الصين بغنى عنها”.

هل نشهد حرب عملات؟

من جهته قال الخبير الاقتصادي علي حمودي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: كانت الصادرات بمثابة نقطة مضيئة نادرة في الاقتصاد الصيني في الأشهر الأخيرة حيث أدى الطلب المحلي الفاتر وتباطؤ سوق العقارات إلى إبطاء النمو، ومن المتوقع أن تشجع الصين المؤسسات المالية على توفير المزيد من المنتجات لمساعدة الشركات على تحسين إدارة مخاطر العملة، وتعزيز تنسيق السياسة الكلية للحفاظ على اليوان “مستقراً بشكل معقول، لكن إذا وسع ترامب التعريفات الجمركية المقترحة بشكل أكبر، فإن بكين لديها أداة قوية للرد ويمكننا بالفعل أن نرى بداية حرب عملة، وهي خطوة تفرض مخاطر هائلة على الصين وكذلك الولايات المتحدة”.

إن السماح للعملة الصينية، بفقدان قيمتها مقابل الدولار سيكون إجابة مجربة وحقيقية للتعريفات الجمركية. من شأن اليوان الأرخص أن يجعل الصادرات الصينية أقل تكلفة للمشترين في الخارج، مما يخفف من الضرر الذي يلحق بالقدرة التنافسية للصين من تعريفات ترامب. فعلت بكين ذلك في عامي 2018 و2019، عندما فرض ترامب التعريفات الجمركية في ولايته الأولى، بحسب تعبيره.

وأشار إل أن انخفاض قيمة العملة الصينية قد يعوض جزئيا أو كلياً عن آثار التعريفات الجمركية الإضافية بنسبة 10بالمئة على السلع الصينية التي قال ترامب أخيراً إنه سيأمر بها في أول يوم له في منصبه.

كما أن خفض قيمة العملة الصينية بشكل استراتيجي، والتي تخضع لسيطرة مشددة من قبل البنك المركزي في البلاد، قد يسمح لبكين بتعزيز آلة التصدير القوية الخاصة بها. فقد ارتفع إجمالي حجم صادرات الصين إلى جميع الوجهات بالفعل بنحو 12 بالمئة في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام مقارنة بالعام الماضي. وتستعد الصين لمزيد من المكاسب، حيث تزيد بنوكها من الإقراض لبناء مصانع جديدة، طبقاً لما قاله الخبير الاقتصادي حمودي.

ومع ذلك، يرى حمودي أن السماح للعملة الصينية بالهبوط قد يعرض اقتصاد الصين للخطر. وفي مواجهة ضعف العملة قد تسارع الشركات الصينية والأسر الثرية إلى تحويل الأموال خارج البلاد بدلاً من الاستثمار في الداخل، فضلاً عن أن انخفاض سعر صرف اليوان مقابل الدولار قد يضر أيضاً بثقة الأسر الصينية، ويقوض إنفاق المستهلكين ويؤدي إلى تآكل أسعار الأسهم. وقد يتعارض هذا أيضاً مع الجهود الأخيرة التي بذلها صناع السياسات الصينيون لدعم الاقتصاد، الذي تعرض لضربة قاسية بسبب انهيار سوق الإسكان الذي أدى إلى محو جزء كبير من مدخرات الطبقة المتوسطة في الصين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version