خاص

سكوت بيسنت

في خطوة تؤكد ملامح التوجهات الاقتصادية للإدارة الأميركية المقبلة، أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب اختياره سكوت بيسنت وزيراً للخزانة.

بيسنت، الذي يحمل إرثاً استثمارياً حافلاً بالمراهنات الناجحة على العملات والأصول، يجد نفسه اليوم في قلب المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، حيث سيتولى رسم سياسات مالية وتجارية تهدف إلى تعزيز القوة الاقتصادية للولايات المتحدة.

يعكس اختيار بيسنت توجهاً نحو الجمع بين الخبرة الأكاديمية في التاريخ الاقتصادي والأساليب الاستثمارية الجريئة، مما قد يحمل دلالات عميقة على التحولات المنتظرة في السياسات المالية والتجارية، في ظل رؤية ترامب لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي.

ووفق تقرير لـ “وول ستريت جورنال”، فإن سكوت بيسنت، الذي حقق مليارات الدولارات من الأرباح من خلال الرهان على العملات وأسعار الفائدة وأصول مختلفة، لديه فرصة الآن لوضع بصمته في التاريخ الاقتصادي؛ بعد أن اختاره دونالد ترامب ليقود وزارة الخزانة.

  • عمل بيسنت كمدير لصناديق التحوط، بداية في شركة جورج سوروس ولاحقاً في شركته الخاصة، حيث تخصص في الاستثمار الكلي، معتمداً على تحليل البيانات الاقتصادية والجيوسياسية لتوجيه استثمارات كبيرة.
  • يُعرف بيسنت بشخصيته المتحفظة وأساليبه الأكاديمية. درّس التاريخ الاقتصادي في جامعة ييل، واستلهم استراتيجياته الاستثمارية من أحداث اقتصادية سابقة.
  • عمل في صندوق سوروس للإدارة منذ العام 1991، وشارك في رهان ناجح على انهيار الجنيه الإسترليني. كما قاد استثمارات ناجحة في اليابان حققت أكثر من مليار دولار، قبل أن يطلق شركته الخاصة، “كي سكوير كابيتال”، التي حققت أداءً بارزاً في السنوات الأخيرة.
  • دفعه القلق من أن الوقت يوشك على النفاد أمام الاقتصاد الأميركي للنمو لتجاوز العجز المالي والديون إلى الانخراط في حملة ترامب.
  • في مساء يوم الجمعة، أبلغ ترامب بيسنت في مكالمة هاتفية أنه تم اختياره لشغل المنصب.
  • انضم بيسنت لاحقاً إلى ترامب في نادي مار-إيه-لاغو حيث ناقشا استراتيجيات السياسة مع نائب الرئيس المنتخب جي دي فانس ورئيسة الموظفين الجديدة سوزي وايلز.

الأولويات السياسية

في أول مقابلة له بعد اختياره، أكد بيسنت أن أولوياته تتمثل في تنفيذ تعهدات ترامب بتخفيض الضرائب، بما يشمل جعل تخفيضات الضرائب في فترته الأولى دائمة، وإلغاء الضرائب على الإكراميات، علاوة على مزايا الضمان الاجتماعي، وأجور العمل الإضافي. كما ستشمل الأولويات فرض تعريفات جمركية، وتقليص الإنفاق، وضمان استمرار الدولار كعملة احتياطية عالمية.

ساعد بيسنت في صياغة مقترحات ترامب الاقتصادية، ودافع بشدة عن سياساته التجارية النشطة، واصفاً تأثيرها بأنها “نهضة اقتصادية كبرى”. وقد فضل ترامب اختياره على منافسين آخرين مثل هوارد لوتنيك، الذي تم تعيينه لاحقاً لقيادة وزارة التجارة، رغم انتقادات شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك.

نال اختيار بيسنت تأييداً واسعاً من وول ستريت، بما في ذلك المليارديران دانيال لوب وبيل أكرمان، بينما وصفه المستثمر كايل باس بأنه “أفضل اختيار على الإطلاق”.

توجهات بيسنت المستقبلية

إذا تمت الموافقة على تعيينه وزيراً للخزانة، فسيشرف بيسنت على إصدار سندات حكومية أميركية بقيمة تريليونات الدولارات، وسيتولى إدارة السياسات المالية وجمع الضرائب وتنفيذ العقوبات.

يرى بيسنت أن السبيل الرئيسي لتقليص ديون الولايات المتحدة يتمثل في تعزيز النمو الاقتصادي، مما يزيد من الإيرادات الضريبية.

استلهاماً من سياسة “الأسهم الثلاثة” لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، وضع بيسنت خطة مشابهة تتضمن:

  • تقليص العجز في الموازنة إلى 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2028.
  • تحفيز نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 بالمئة من خلال تخفيف القيود التنظيمية.
  • إنتاج 3 ملايين برميل إضافية من النفط أو ما يعادلها يومياً.

كما اقترح تمديد قانون تخفيضات الضرائب للعام 2017 مع “آليات تعويض” لتقليل التكلفة، إضافة إلى تجميد الإنفاق غير الدفاعي وإصلاح إعانات السيارات الكهربائية.

سياسات تجارية أكثر نشاطاً

يدافع بيسنت عن استخدام التعريفات الجمركية كأداة تفاوضية. وفي خطاب ألقاه أخيراً بعنوان “اجعل النظام الاقتصادي الدولي عظيماً مرة أخرى”، دعا لزيادة التعريفات استناداً إلى اعتبارات الأمن القومي ولحث الدول الأخرى على خفض حواجزها التجارية.

واقترح أن تكون التعريفات أشبه ببرامج العقوبات لتعزيز المصالح الأميركية، مع إمكانية تخفيفها للدول التي تُجري إصلاحات هيكلية.

ختم بيسنت بالقول: “قد يبدو من منظور السوق الحر أن سياساتنا تتناقض مع حرية التجارة، لكنها السبيل لتحقيق نظام تجاري أكثر حرية وازدهاراً على المدى الطويل”.

دور حيوي

من جانبه، أكد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحاته لموقع اقتصاد “سكاي نيوز عربية” أن المرشح لمنصب وزير الخزانة الأميركي يلعب دوراً حيوياً في الإدارة الجديدة، حيث يقدم المشورة للرئيس في القضايا الاقتصادية والمالية، بما في ذلك الإنفاق والضرائب. وقال: “إن وزارة الخزانة تتحمل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على اقتصاد قوي وتعزيز الظروف التي تتيح النمو والاستقرار في الولايات المتحدة. كما أن لها دوراً أساسياً في إدارة الشؤون المالية ومكافحة التهديدات للأمن القومي”.

وأضاف: “لا يمكن تجاهل أن الوزير الحالي قد حقق ثروة طائلة من خلال المضاربة على الجنيه الاسترليني في العام 1992.. هذا يعكس خبرته العميقة في الأسواق المالية وشبكة العلاقات الواسعة التي يتمتع بها، والتي تمتد من وول ستريت إلى القصور الملكية في أوروبا”.

وأشار الديب إلى أن بيسنت يدعم نهجاً تدريجياً في التعامل مع التعريفات الجمركية، بهدف احتواء ردود الفعل التضخمية المحتملة. وعلق قائلاً: “اختيار بيسنت لهذا المنصب يعكس حاجة ترامب إلى خلق توازن بين خطابه الشعبوي وحاجته إلى طمأنة الأسواق المالية في بداية ولايته الثانية”.

كما أشار مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث في الوقت نفسه  إلى أن اختيار بيسنت قد لقي ترحيباً واسعاً في أوساط وول ستريت، خاصة مع المخاوف من احتمال اختيار بوب لايتهايزر المعروف بمواقفه الأكثر تشدداً في قضايا التجارة، مردفاً: “يدعو بيسنت إلى إصلاحات ضريبية وإلغاء القيود التنظيمية لتحفيز الإقراض المصرفي وزيادة إنتاج الطاقة، بالإضافة إلى ضرورة إلغاء الدعم الحكومي لتحرير الاقتصاد”.

وفي ختام تصريحه، أكد الديب أن بيسنت يدافع عن استخدام التعريفات الجمركية ويدعو إلى فرض رقابة سياسية على الاحتياطي الفيدرالي، مما يعكس رؤيته لتعزيز السيطرة الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة.

إدارة الوضع المالي

وسيكون بيسنت المستشار الرئيسي لترامب في القضايا المالية أثناء إدارة الوضع المالي الذي شهد تضخم الديون والعجز في السنوات الأخيرة، بحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه.

يبلغ إجمالي ديون الولايات المتحدة أكثر من 36 تريليون دولار. ومن المتوقع أن يقترب العجز مرة أخرى من 2 تريليون دولار في السنة المالية 2025، مع توقع سداد خدمة الدين بنحو 1.2 تريليون دولار.

وبالإضافة إلى ذلك، سيكون مسؤولاً عن المساعدة في الإشراف على المؤسسات المالية وقيادة المعركة ضد الجرائم المالية. وسيحل محل الوزيرة المنتهية ولايتها جانيت يلين، التي شغلت في السابق منصب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهي أول امرأة تتولى أياً من الدورين على الإطلاق.

ووفق التقرير المشار إليه، فلم يكن الجميع حول ترامب سعداء باهتمامه ببيسنت؛ ففي الأسبوع الماضي، أيد إيلون ماسك، المقرب من ترامب، رئيس شركة كانتور فيتزجيرالد هوارد لوتنيك. ويعتقد آخرون مقربون من الرئيس المنتخب بأن بيسنت لم يكن صارماً بما فيه الكفاية في دعمه للرسوم الجمركية، على الرغم من أن وارش أدلى أيضاً بتصريحات علنية ضد الرسوم.

دلالات مهمة

بدوره، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية: “إن اختيار دونالد ترامب لسكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة يحمل دلالات مهمة حول التوجهات الاقتصادية التي ستعتمدها الإدارة الجديدة، إذ يُعرف بيسنت بتوجهاته المحافظة ودعمه لزيادة الرقابة السياسية على الاحتياطي الفيدرالي، مما يدل على رغبة ترامب في تعزيز السيطرة السياسية على المؤسسات المالية، وهذا قد يؤثر بشكل مباشر على السياسات النقدية في البلاد.

وأضاف: “من الواضح أن بيسنت سيستمر في التركيز على تخفيض الضرائب، وهو ما يمثل استكمالاً لسياسات ترامب خلال ولايته الأولى. كما سيتولى مسؤولية خفض العجز الفيدرالي والدين العام، الذي تجاوز 36 تريليون دولار، وهو تحدٍ يتطلب استراتيجيات فعالة”.

وتابع: “على صعيد العلاقات التجارية، نتوقع أن يسعى بيسنت لتحسين العلاقات مع شركاء رئيسيين مثل الصين، مما قد يسهم في إعادة تشكيل المشهد التجاري الدولي. كما أن دعوته لدور سياسي أكبر في صنع القرار تشير إلى إمكانية حدوث تغييرات في السياسات النقدية”.

واختتم الإدريسي بالقول: “بشكل عام، يُتوقع أن يعمل بيسنت على تعزيز القوة الاقتصادية للولايات المتحدة كوجهة للاستثمار والابتكار، مع السعي لضمان استمرار هيمنة الدولار كعملة احتياطية عالمية، وهو هدف يتماشى تماماً مع رؤية ترامب لتعزيز الدور العالمي للاقتصاد الأميركي”.

خبرة طويلة

وأشار مدير مركز رؤية للدراسات بالقاهرة، بلال شعيب، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن سكوت بينست يمثل نموذجاً استثنائياً للخبرة الاقتصادية المتكاملة، بفضل مسيرته الطويلة التي مزجت بين الإدارة المالية الرفيعة والمساهمة الفعّالة في رسم ملامح أسواق المال العالمية.

وأضاف: خلفيته المتينة في مجالات الاستثمار والمصرفية والاقتصاد الكلي تمنحه مؤهلات لا تضاهى لتولي منصب وزير الخزانة، خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تتطلب قيادة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية المتصاعدة.

وأوضح شعيب أن اختيار الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبينست لا يعكس فقط الثقة في شخصه، بل أيضاً إدراكاً لأهمية الدور الذي يمكن أن يؤديه في تحقيق التحول الاقتصادي المنشود.

وفي بيان له، كان ترامب قد وصف بينيست  بأنه “أحد أبرز المستثمرين الدوليين والاستراتيجيين الجيوسياسيين والاقتصاديين في العالم. وقصة سكوت هي قصة الحلم الأميركي”.

 وعلى غرار ترامب، يؤيد فرض التعريفات الجمركية تدريجيا وإلغاء القيود التنظيمية لدفع عجلة الأعمال التجارية الأميركية والسيطرة على التضخم. وعلاوة على ذلك، دعا إلى إحياء التصنيع فضلا عن الاستقلال في مجال الطاقة.

ونقل تقرير “سي إن بي سي” الأميركية، عن مصدر مطلع على تفكير ترامب، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله: “إذا كنت ستفكر في السوق وتفكر في ما يهم، فهذا الرجل رائع. لا يوجد الكثير من الناس الذين يعرفون السوق بشكل أفضل من بيسنت”.

“إن بينست ليس مجرد اقتصادي بارع، بل هو استراتيجي يمتلك رؤية بعيدة المدى لإعادة هيكلة النظام الاقتصادي الأميركي بشكل يعزز النمو ويضمن التنافسية العالمية.”

وبالعودة لحديث شعيب، فقد قال إن توجهات بينست تتقاطع بشكل مثالي مع رؤية ترامب الاقتصادية، بدءاً من دعمه القوي لسياسات تمديد التخفيضات الضريبية التي أرساها ترامب في ولايته الأولى، وصولاً إلى التركيز على خفض العجز المالي ودفع عجلة الإنتاج المحلي للطاقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version