أصبح الانتقال بين الوظائف سلوكًا شائعًا لدى العديد من الأفراد في عالم العمل المتغير بسرعة، وبالرغم من أن هذا السلوك قد يوفر فرصًا جديدة للنمو والتطوير المهني، إلا أنه يثير تساؤلات حول مدى تأثيره على فرص التوظيف المستقبلية.
هل يعتبر أصحاب العمل الانتقال المتكرر بين الوظائف علامة سلبية على المرشح؟ وما هي العوامل التي يجب مراعاتها عند تقييم مرشح يمتلك تاريخًا من الانتقال بين الوظائف؟
تعتبر وجهة نظر أصحاب العمل حجر الزاوية في فهم تأثير الانتقال بين الوظائف على فرص التوظيف، إذ يرى عديد من أصحاب العمل أن الانتقال المتكرر بين الوظائف يشير إلى عدم الالتزام أو الاستقرار، مما يثير الشكوك حول قدرة المرشح على الاندماج في الشركة والبقاء فيها على المدى الطويل. كما يخشى أصحاب العمل من أن يكرر المرشح نفس السلوك في شركتهم، مما يؤدي إلى خسارة الوقت والموارد.
يُلاحظ تود جريفز، وهو الرئيس التنفيذي الملياردير والمؤسس المشارك لسلسلة مطاعم Raising Cane’s Chicken Fingers، أنه بالنظر إلى السير الذاتية، يبرز له اتجاه واحد، وهو انتشار الانتقال بين الوظائف.
جريفز، البالغ من العمر 52 عامًا، إن العلامة التحذيرية الأولى له عند توظيف موظفين جدد في الشركات هو السيرة الذاتية التي تُظهر تغييرات وظيفية متكررة كل سنتين أو ثلاث سنوات، بحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
ووفق التقرير، يمكن أن يجعل الانتقال بين الوظائف المتقدم يبدو وكأنه شخص في “بحث عن الألقاب”، كما يقول جريفز.
يلاحظ أيضًا أن هؤلاء الأشخاص يميلون إلى استخدام لغة خلال المقابلات يعتقدون بأن مدير التوظيف يريد سماعها، بدلاً من إعطاء إجابات حقيقية – والتي يمكنك اكتشافها من خلال البحث عن التناقضات في استجابات المرشحين عبر مقابلات متعددة. ويضيف جريفز: “عندما يكونون أكثر اهتمامًا باللقب والسيطرة بدلاً من العمل الجماعي، فهذه علاومة تحذيرية كبيرة بالنسبة لي”.
عندما يجري جريفز مقابلات عمل، يحاول قياس مستوى شغف كل مرشح بالعلامة التجارية – ويوظف الأشخاص الذين يعتقد بأنهم سيكونون “مدفوعين داخلياً” للعمل بالشركة بشكل جماعي. ويقول إنه لاحظ “ارتباطًا كبيرًا بالنجاح” للموظفين عندما يهتمون بما يحدث لزملائهم في العمل والفريق والمنظمة ككل – بدلاً من التركيز فقط على نمو حياتهم المهنية الخاصة.
كيفية تفسير الانتقال بين الوظائف
أصبح الانتقال بين الوظائف شائعًا نسبيًا، خاصة في ظل سوق العمل الضيقة في السنوات الأخيرة. يقول بعض خبراء الوظائف إن الوصمة المؤسسية ضد الانتقال بين الوظائف قديمة، طالما أن سيرتك الذاتية لا تُظهر سجلاً مفرطًا لذلك.
لكن جريفز ليس الوحيد الذي يعبر عن قلقه بشأن المرشحين الذين يغيرون الوظائف بشكل متكرر؛ فقد قال أكثر من ثلث مديري التوظيف الذين استطلعت آرائهم LinkedIn خلال الصيف إنهم سيترددون في متابعة مرشح له نمط من فترات قصيرة في وظائف مختلفة.
ينصح خبراء الوظائف عادةً بعدم ذكر وظائفك الحالية أو السابقة ما لم يطلب منك المقابلة ذلك تحديدًا. قد يكون قسم الملخص في السيرة الذاتية أو قسم “حول” في ملفك الشخصي على LinkedIn مكانًا مناسبًا لشرح تجاربك المهنية، كما قال خبير الوظائف في LinkedIn، درو مكاسكيل.
وبحسب التقرير، فإذا سئلت المقابلة عن خياراتك المهنية، يجب أن تكون مستعدًا بتفسير مختصر يركز على المستقبل والقيمة التي يمكنك إضافتها إلى وظيفة جديدة. تحدث عن ما اكتسبته من خلال كل تجاربك السابقة، وكيف يجعلك ذلك مناسبًا للدور الذي تريده الآن، كما قال مكاسكيل. ولا تمنح مديري التوظيف سببًا للاعتقاد بأنك قد فعلت شيئًا خاطئًا.
الموظف “الجوكر”
تقول خبيرة أسواق المال، الخبيرة الاقتصادية الدكتورة حنان رمسيس، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- عند تقييم موظف يمتلك مهارات وكفاءات متنوعة ويتنقل بين وظائف مختلفة، قد يُطلق عليه “جوكر”؛ لأنه يجمع بين عدة كفاءات.
- لكن من المهم النظر في الفترات التي قضاها في كل وظيفة، إذ يمكن أن يكون قد انتقل دون اكتساب خبرات جديدة، وربما فقط شغل وظيفة متاحة دون تحقيق تقدم فعلي، أو انتقل لفرصة أفضل من حيث الراتب وظروف العمل دون إضافة مهارات حقيقية.
- التخصص له قيمة كبيرة، حيث يسهم في تطوير خبرة عميقة وقدرة أكبر على التعامل مع المتغيرات التي قد تعيق آخرين يفتقرون لهذه الخبرة.
- قد يكون التحوّل الوظيفي (Shift Career) ضرورياً أحياناً، خاصة عندما يصل الشخص إلى سقف الترقيات المتاحة في مجاله الحالي. في هذه الحالة، قد يكون من المفيد البدء من جديد في مجال آخر للحصول على خبرات جديدة وإضافة قيمة لسيرته الذاتية، مما يعزز من تنوع مهاراته.
وتضيف: يختلف مفهوم التنوع الوظيفي من دولة لأخرى؛ ففي منطقة الشرق الأوسط، غالباً ما يُطلب من الموظف البقاء في مجال عمل قريب من تخصصه السابق، كما أن الرغبة في التميز تعد عاملاً حاسماً. أما في الخارج، فتتوفر أحياناً برامج تدريبية واختبارات نفسية لمساعدة الموظفين في التحوّل الوظيفي. هذه البرامج تساعد الموظف على الانتقال إلى وظيفة تحقق له الرضا الشخصي وتسمح له بإبراز كفاءاته.
وفي بعض الدول العربية، قد يضطر الفرد للعمل في مجال بعيد عن شهادته الأكاديمية، فقط للحصول على فرصة عمل، وقد يتنقل بين وظائف عدة حتى يجد عملاً مناسباً لمؤهلاته. وهكذا، تتيح له هذه التجارب المتنوعة اكتساب مهارات متعددة، وهو ما يصب في مصلحته ويجعله أكثر بروزاً في سوق العمل ويؤهله للقب “جوكر”، وفق رمسيس.
سلبيات وإيجابيات
الباحث الاقتصادي، ياسين أحمد، يشير لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن التنقل الوظيفي له سلبيات وإيجابيات، ولكن ربما السلبيات قد تؤثر على المسار المهني للفرد خاصة في حالة عدم الاستمرارية في مهنة لمدة أقل من سنه وبالتالي سيكون له تأثير على:
- يثير شكوك أصحاب العمل تجاة الموظف؛ لأن بعض أرباب العمل قد يعتبرون التنقل السريع بين الوظائف علامة على عدم القدرة على التحمل أو حل المشكلات، أو حتى عدم الرضا الوظيفي السريع، مما قد يؤثر على فرص التوظيف في المستقبل.
- التنقل المستمر بين الوظائف يجعل من الصعب على الشخص أن يبني سمعة قوية ومستدامة في مكان عمل محدد. قد يتردد بعض أصحاب العمل في توظيف شخص اعتاد التنقل كثيرًا، لأنهم قد يرون في ذلك علامة على عدم الالتزام.
- صعوبة الحصول على ترقيات طويلة الأمد: الكثير من الترقيات والفرص التدريبية تتطلب التزامًا طويل الأمد من الموظف، وقد لا يحصل الشخص المتنقل على مثل هذه الفرص.
- عدم الاستقرار المالي: قد ينتج عن التنقل بين الوظائف عدم استقرار في الدخل أو فقدان لبعض الامتيازات المالية، مثل المكافآت السنوية أو زيادة الراتب بناءً على مدة الخدمة.
- الانتقال المتكرر إلى بيئات عمل جديدة يتطلب من الموظف التكيف باستمرار مع ثقافات جديدة وأنظمة مختلفة، مما قد يسبب إرهاقًا نفسيًا وتوترًا.
- فقدان الخبرة العملية بشكل أطول: الانتقال المستمر بين الوظائف يعني أن الشخص قد يكتسب معرفة سطحية في عدة مجالات دون التعمق في مجال معين، مما قد يؤثر على تطوره المهني بشكل عام.
لكنه يشير في الوقت نفسه إلى بعض الإيجابيات؛ مثل اكتساب مهارات جديدة وتجارب متنوعة، ولكن من المهم تحقيق التوازن بين التنقل المهني والاستقرار بما يتناسب مع أهداف الشخص المهنية.
ويمكن القول إن تأثير الانتقال بين الوظائف على فرص التوظيف يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك أسباب الانتقال، المهارات والخبرات التي اكتسبها المرشح، وكذلك وجهة نظر الشركة. وعلى الرغم من أن الانتقال المتكرر بين الوظائف قد يثير بعض الشكوك، إلا أنه لا يجب الحكم على المرشح بناءً على هذا العامل وحده. يجب على أصحاب العمل تقييم كل حالة على حدة والتركيز على تحديد ما إذا كان المرشح يمتلك المهارات والخبرات والكفاءات اللازمة للنجاح في الوظيفة. أما بالنسبة للمرشحين، فعليهم أن يكونوا مستعدين لتوضيح أسباب انتقالاتهم السابقة وإظهار كيف يمكنهم الاستفادة من هذه الخبرات في وظيفتهم الجديدة.
#السيرة الذاتية
#وظائف