خاص

الصين وأميركا – اقتصاد

غذت علاقة الملياردير إيلون ماسك مع دونالد ترامب التوقعات بأنه قد يتمكن من تخفيف موقف الرئيس الأميركي المنتخب تجاه بكين، لكن الخبراء يحذرون من وضع الكثير من الثقة في الرئيس التنفيذي لشركة تسلا.

كان الملياردير الأميركي البارز أحد أبرز المتبرعين لحملة ترامب، ويُعتقد بأنه قد يحصل على منصب وزاري أو استشاري في البيت الأبيض.

وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، أثارت علاقتهما (ماسك وترامب) اهتمام بكين بسبب العلاقات الوثيقة التي تربط ماسك بالصين، حيث تعمل شركته، تسلا، في الصين.

وقال المستشار الأول ورئيس مجلس أمناء الأعمال والاقتصاد الصيني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، سكوت كينيدي، في التصريحات التي نقلتها عنه شبكة “سي إن بي سي” الأميركية:

  • “كان هناك فضول واسع النطاق في الصين خلال الأشهر القليلة الماضية حول ما إذا كان ماسك يمكن أن يكون كيسنجر الجديد، الذي يساعد في التوسط في صفقة بين واشنطن وبكين”.
  • “من الصعب في هذه المرحلة معرفة ما إذا كانت هذه رؤية ثاقبة من شأنها أن تساعد في منع العلاقات من الانهيار أو جزءا من سيناريو مهدئ غير واقعي يريد الصينيون أن يخبروا أنفسهم به”.

يعود الفضل في تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى الدبلوماسي الأميركي هنري كيسنجر، الذي توفي العام الماضي، والذي بدأ بزيارته الأولى إلى بكين في يوليو 1971.

كان كيسنجر يحظى باحترام كبير في الصين واستمر في لقاء قادتها بصفته دبلوماسيا غير رسمي في محاولة لتعزيز العلاقات الدافئة بين البلدين. وقبل أشهر قليلة من وفاته التقى بالرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين في يوليو 2023.

ارتفعت الآمال في أن يتمكن ماسك من سد الفجوة التي تركها كيسنجر مع انخراطه بشكل متزايد مع كبار المسؤولين في الصين، حيث أسس شركة تسلا كأول شركة لصناعة السيارات مملوكة بالكامل للأجانب في العام 2018.

وخلال زيارته الأخيرة في أبريل، التقى الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس برئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، الذي استشهد بشركة تسلا كمثال للتعاون التجاري الناجح بين بكين وواشنطن، وفقا لوسائل الإعلام الرسمية.

وقال مدير معهد العلاقات الدولية بجامعة رينمين، وانغ ييوي:

  • ماسك يُنظر إليه باعتباره رجل أعمال يفهم كل من الصين والولايات المتحدة.
  • هذا قد يساعد في الدفع نحو بعض المرونة أو حتى إلغاء الزيادات الصارمة في الرسوم الجمركية التي هدد ترامب بفرضها على المنتجات المصنوعة في الصين.
  • كما عبر عن أمله في أن يؤدي عمل ماسك في التصنيع إلى تمكين الشركات الصينية من بناء مصانع في الولايات المتحدة.

مخاوف

وكان ماسك قد عبر عن مخاوفه بشأن التوترات بين البلدين وانتقد إدارة جو بايدن عندما رفعت الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية في وقت سابق من هذا العام.

وقد طرحت إدارة بايدن مجموعة من السياسات التي تهدف إلى إعادة مصنعي التكنولوجيا المتطورة إلى الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يؤيد ترامب العديد منها.

بحسب التقرير، فإنه من أجل تحقيق تأثير حقيقي على السياسة الأميركية، لن يكون رجل أعمال واحد، حتى أغنى رجل في العالم، كافياً لتحسين العلاقات بالطريقة التي كان كيسنجر قادراً عليها في السابق، كما قال وانغ هوي ياو مؤسس مركز الصين والعولمة، وهو مركز أبحاث مقره بكين.

وبدلاً من ذلك، أشار وانغ إلى أن مجموعة من قادة الأعمال والفكر البارزين، بما في ذلك إيلون ماسك، وتيم كوك من شركة أبل، وستيفن شوارزمان من مجموعة بلاكستون، يمكن أن تعمل كمجموعة (تؤدي دور كيسنجر), لكنه شدد على أن هذه المحادثات ربما لا تحقق نفس التأثير الذي حققه كيسنجر، نظرا للفترة الأكثر تعقيدا، على الرغم من أنها قد تساعد في استقرار العلاقات.

ويقوم كوك وشوارزمان أيضًا بزيارة القادة في الصين بانتظام، حيث تسلط بكين الضوء عليهما في كثير من الأحيان باعتبارهما مثالين للعلاقات التجارية والاقتصادية الإيجابية بين الصين والولايات المتحدة.

ونقل التقرير عن المدير الإداري وكبير المحللين السياسيين في لونجفيو غلوبال، ديواردريك ماكنيل، قوله: “في حين أنه من الصحيح أن الصين استخدمت في بعض الأحيان أميركيين مؤثرين كقنوات غير رسمية، فمن غير المعقول أن ننظر إلى ماسك باعتباره كيسنجر العصر الحديث”.

وأوضح أن الالتزام الأساسي لهؤلاء “الوسطاء غير الرسميين” هو تجاه المساهمين، وليس تجاه المصالح الوطنية، مضيفا أن المشاركة السياسية النشطة يمكن أن تؤدي إلى ”صراعات المصالح” وتضع قادة الأعمال تحت التدقيق المكثف، إذا فشلت الدبلوماسية.

شخصية محورية.. وتأثير كبير

في السياق، أوضح المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية بولاية كاليفورنيا، أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصادسكاي نيوز عربية” أن إيلون ماسك يمثل شخصية محورية في عالم التكنولوجيا والأعمال، مشيرًا إلى تأثيره الكبير على العلاقات الدولية، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين. وأكد أن ماسك يلعب دورًا حيويًا في تعزيز التعاون بين الدولتين بفضل تأثيره الاقتصادي والتكنولوجي وانتشاره العالمي. 

  • شركة تسلا، التي أسسها ماسك، تعتبر نموذجًا ناجحًا للتعاون الأميركي الصيني. مصنع تسلا في شنغهاي، وهو الأول من نوعه المملوك بالكامل لشركة أجنبية في الصين، يبرز استعداد الصين لاستقبال الاستثمار الأجنبي. ويسهم هذا التعاون في خلق فرص عمل، تحسين كفاءة الإنتاج، وتعزيز التقنيات المستدامة، مما يعكس شراكة اقتصادية قوية رغم التوترات السياسية.
  • ماسك ليس مجرد رجل أعمال، بل يتمتع بنفوذ يسمح له بالتواصل مع أعلى المستويات السياسية في الصين. اجتماعاته مع مسؤولين كبار في الحكومة الصينية تُظهر إمكانيته في تخفيف التوترات من خلال تعزيز التفاهمات التكنولوجية، خاصة في ظل التنافس الحاد في قطاعات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.
  • ماسك غالبًا ما يتخذ مواقف محايدة بشأن القضايا السياسية بين البلدين، مع تركيزه على المصالح الاقتصادية والتكنولوجية المشتركة. هذا النهج العملي يمكن أن يُلهم الحوار السياسي لتجنب التصعيد والتركيز على المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة والصين.
  • نجاح ماسك في الصين يمثل درسًا للشركات الأميركية حول أهمية المرونة والتكيف مع السوق الصينية. إذ يمكن لهذا النهج أن يُشجع المزيد من الشركات الأميركية على التوسع في الصين، مما يعزز التعاون التجاري ويفتح آفاقًا جديدة للاستثمار.

وأبرز بانافع إمكانات ماسك في أن يكون جسرًا للتعاون العلمي بين البلدين، خاصة من خلال مشاريعه في الفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. يمكن لهذه المبادرات أن تعزز الثقة بين الحكومتين وتفتح مجالات تعاون مستقبلية تتجاوز الاقتصاد التقليدي إلى مشاريع علمية طموحة.   واختتم المستشار الأكاديمي أحمد بانافع تصريحه بالتأكيد على أن إيلون ماسك يمثل شخصية استثنائية تجمع بين الابتكار والرؤية العالمية، مما يؤهله لتأدية دور مؤثر في تقريب وجهات النظر بين القوى العظمى وتعزيز التعاون في مجالات حيوية.

قنوات خلفية

ونقل تقرير لموقع scmp الصيني، عن محللين قولهم إن تعاملات ترامب مع الصين ستعتمد على مليارديرات مثل إيلون ماسك للحصول على قنوات خلفية (من أجل التفاوض حول الملفات الأساسية). وأفاد التقرير بأن النهج القائم على هذه المعاملات الذي يتبعه الرئيس المنتخب في التعامل مع الدبلوماسية قد يؤدي إلى ظهور حوار غير رسمي خلف الكواليس مع بكين في المقدمة.

ومن المرجح أن يستعين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بقائمة من المليارديرات – إيلون ماسك ، وستيفن شوارزمان، وستيف وين، وليندا مكماهون – إلى جانب بعض خبراء السياسة الموثوق بهم في واشنطن لتوجيه دبلوماسيته الحرة مع بكين، بحسب المحللين.

ومن المتوقع أن تلعب هذه الشخصيات القوية أدوارا ضخمة بينما يستعد ترامب لولاية ثانية تنطوي على مخاطر عالية، بما في ذلك فرض رسوم جمركية تصل إلى 60 بالمئة أو أكثر على الواردات الصينية التي وعد بها الرئيس المنتخب.

وعلى النقيض الحاد من النهج المنهجي للرئيس المنتهية ولايته جو بايدن تجاه قضايا مثل التجارة والتكنولوجيا وتايوان، من المرجح أن تؤكد استراتيجية ترامب تجاه الصين في الفترة الانتقالية وأول 100 يوم على إبرام الصفقات غير الرسمية التي تركز على المعاملات من خلال القنوات الخلفية، وفق scmp.

حرب الرقائق العالمية تحتدم

تنافس قوي

في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أشار مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب، إلى الصعوبات التي تجابه ماسك أو غيره في مسألة لعب دور مؤثر في التقريب بين البلدين، موضحاً  أن العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين ستظل تشهد تنافسًا شديدًا يصعب تجاوزه لتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين. وأكد أن هذا التنافس يعود بالأساس إلى المصالح المتناقضة والمتعارضة بين القوتين الاقتصاديتين والسياسيتين الأكبر في العالم.

وأوضح أن الولايات المتحدة تسعى دائمًا إلى لعب دور المهيمن السياسي والاقتصادي على الساحة العالمية، حيث تعتبر نفسها القائد أو “الأب الراعي” لبقية الدول. وهذا الدور جعلها تنظر إلى العالم كملكية خاصة بها. من الناحية الأخرى، تشكل الصين تحديًا لهذا النفوذ، خصوصًا مع ظهورها كمنافس اقتصادي قوي يسعى لتوسيع نفوذه العالمي.

وأضاف: العلاقات المتوترة بين البلدين تجعل من الصعب جمعهما على طاولة مفاوضات واحدة، حيث إن المصالح متضاربة بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، العلاقة بين روسيا والصين لم تكن في أفضل حالاتها إلا حين اجتمعت مصالحهما، وهو ما يختلف عن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، التي تتميز بتناقض المصالح سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.

وأشار شعيب إلى أن الصين، مع انشغال الولايات المتحدة بملفات سياسية معقدة حول العالم، باتت تمتلك فرصًا أكبر لتعزيز مكانتها الاقتصادية. لكن واشنطن تحاول مواجهة هذا التقدم الصيني عبر زعزعة الاستقرار في المنطقة، من خلال تأجيج التوترات في بحر الصين الجنوبي وتشكيل تحالفات مع دول صغيرة قريبة من الصين مثل تايوان. وأكد أن هذه المنطقة، بالفعل، غنية بالموارد الطبيعية، وهو ما يعزز أهمية السيطرة عليها في السياسة الأميركية.

من جانبها، تسعى الصين إلى تعزيز تحالفاتها مع دول مثل روسيا لمواجهة الولايات المتحدة. وقد توجهت الصين إلى تأسيس تجمعات اقتصادية قوية، مثل تجمع بريكس، الذي يُعد واحدًا من أكبر التكتلات الاقتصادية عالميًا.

حرب الرقائق تحتدم بين الصين وأميركا

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version