تسبب إعصارا هيلين وميلتون العنيفين، الشهر الماضي، في أضرار بالغة بلغت كلفتها ما بين 51.5 مليار دولار و81.5 مليار دولار، معظمها في ولايات جنوب شرق الولايات المتحدة، بحسب تقديرات شركة CoreLogic.
ورغم تفاقم الكلفة، إلا أن تلك الخسائر لا تعدو سوى جزء من أوجه التأثير الكبرى التي تعاني منها عديد من البلدان حول العالم -وفي مقدمتهم الولايات المتحدة- جراء توالي الأحداث المناخية المتطرفة التي تؤثر تسفر عن خسائر واسعة، بلغت خلال العقد الماضي المنتهي في 2023 حوالي تريليوني دولار.
تقدر دراسة لغرفة التجارة الدولية، التكلفة الإجمالية للأضرار الناجمة عن الأحداث المناخية المتطرفة المرتبطة بالمناخ على مستوى العالم بحوالي 2 تريليون دولار بين عامي 2014 و2023 – وهو ما يعادل تقريبا مع الخسائر الاقتصادية للأزمة المالية العالمية في عام 2008، بحسب شبكة “سي إن إن” الأميركية.
التقرير الذي جاء بالتزامن مع مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في أذربيجان هذا الأسبوع، أماط اللثام عن تفاقم حجم التداعيات الاقتصادية لتلك الأحداث. ووفق الأمين العام للغرفة التجارية الدولية، جون دبليو إتش دينتون، فإنه كما قوبلت الأزمة المالية العالمية باستجابة سريعة ومنسقة من زعماء العالم “فإننا بحاجة إلى أن تفهم الحكومات أن التأثير الاقتصادي لتغير المناخ يتطلب استجابة بنفس السرعة والحسم”.
قام تقرير اللجنة الدولية للطقس بتقييم ما يقرب من 4000 حدث مناخي عبر ست قارات في العقد الماضي، حيث جمع بين الخسائر المالية المباشرة الناجمة عن تدمير المنازل والشركات والبنية التحتية وتأثير الطقس القاسي على الإنتاجية البشرية.
ووجد أن ما يقرب من 1.6 مليار شخص تأثروا بهذه الأحداث الجوية، ويزعم التقرير أن الخسائر ستشتد بمرور الوقت: فقد كانت هناك زيادة بنسبة 83 بالمئة في الكوارث المناخية المسجلة بين عامي 1980-1999 و2000-2019.
وفي عامي 2022 و2023، وصلت الأضرار الاقتصادية إلى 451 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 19 بالمئة مقارنة بالمتوسط السنوي للأعوام الثمانية السابقة.
وقال دنتون: “تظهر البيانات من العقد الماضي بشكل قاطع أن تغير المناخ ليس مشكلة مستقبلية: إن خسائر الإنتاجية الناجمة عن الأحداث الجوية المتطرفة يشعر بها الاقتصاد الحقيقي الآن”.
تتصدر الولايات المتحدة الأميركية قائمة الدول الأكثر خسائر جراء الظواهر المناخية المتطرفة خلال العقد بتسجيل 934.7 مليار دولار، تليها الصين بـ 267.9 مليار دولار، ثم الهند (112.2 مليار) واليابان (90.8 مليار). وتضم قائمة العشر دول الأكثر تأثراً أيضاَ ألمانيا (65.4 مليار) وإيطاليا (35 ملياراً) واستراليا (33.7 مليار) وفرنسا (29.4 مليار) والبرازيل (24.8 مليار).
وتؤكد بيانات منفصلة أصدرتها الأسبوع الماضي خدمة كوبرنيكوس الأوروبية لتغير المناخ أن العالم من المرجح أن يتجاوز علامة قاتمة هذا العام: فمن المرجح أن يكون عام 2024 هو العام الأكثر سخونة على الإطلاق .
خسائر مليارية
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال الخبير في شؤون المناخ حمدي حشاد إن ثمة عديداً من الأوجه للتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، التي تشمل الكوارث الطبيعية، والتي تترك أثاراً كبيرة على الجانب الاقتصادي، موضحاً أن:
- هذه الكوارث تفرض خسائر ثقيلة بالمليارات.
- الولايات المتحدة على سبيل المثال تكبدت خسائر مليارية في البنية التحتية (..).
- التغيرات المناخية تؤثر كذلك على المحاصيل الاستراتيجية مثل الأرز والحبوب، حيث يؤدي الجفاف والفيضانات إلى تدمير الأراضي الزراعية وتعطيل الإنتاج، مما يؤثر على مستوى الإنتاجية، ويرفع الأسعار نتيجة لتأثير ذلك على العرض والطلب.
كما أشار إلى جانب آخر من التأثيرات، وهو زيادة الطلب على الطاقة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار، لتصبح تكاليف توفير الطاقة الأساسية للمستهلكين عبئاً متزايداً على الاقتصادات المختلفة.
وأكد حشاد أيضاً أن التغيرات المناخية تسهم في ما يُعرف بالتضخم المناخي، حيث ينعكس هذا التضخم على القدرة الشرائية للأفراد ويهدد استقرار الأسواق المالية. وأضاف أن هناك تداعيات مالية خطيرة على بعض الدول (صاحبة الاقتصادات النامية) التي تجد صعوبة في مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة بفعل التأثيرات المناخية بشكل خاص، حيث تصبح بعضها معرضة لمخاطر حقيقية تهدد استقرارها الاقتصادي.
تكلفة كبيرة
من جانبه، ألقى عضو مجلس الطاقة العالمي وكبير مستشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ، الدكتور ماهر عزيز، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، الضوء على التداعيات الاقتصادية للتغيرات المناخية والظواهر الجوية القاسية التي تتسبب بتكلفة باهظة تتجاوز طاقات الميزانيات المالية للدول، موضحاً أن العالم يشهد أثاراً كارثية لهذه الظواهر، حيث كلفت معالجة آثار تسونامي فوكوشيما اليابان خسائر هائلة على سبيل المثال، خاصة فيما يتعلق بمحطات توليد الكهرباء.
وأشار كذلك إلى إعصار فلوريدا في الولايات المتحدة الذي ترتب عليه خسائر بمليارات الدولارات لإعادة إعمار المناطق التي دمرها، وكذلك حرائق الغابات التي اجتاحت كاليفورنيا ومناطق وبلدان أخرى حول العالم، والتي خلّفت آثارًا بيئية واجتماعية شديدة الخطورة، كلفت مئات المليارات لمعالجتها.
وتطرق أيضًا إلى ظاهرة التصحر التي دفعت مجموعات بشرية كبيرة إلى الهجرة القسرية، مما شكل ضغطًا كبيرًا على الدول التي فتحت حدودها لاستقبالهم، وتكبدت هذه الدول مئات المليارات لتوفير سبل العيش الكريم للمهاجرين.
وأكد عزيز أن هذه التكاليف البيئية المرتفعة تم استقطاعها من ميزانيات الدول لمواجهة الكوارث بدلاً من توجيهها نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يضع أعباءً إضافية على اقتصادات الدول ويؤثر سلبًا على رفاهية الشعوب.
ظواهر متطرفة
وأفاد أستاذ النانوتكنولوجي والخبير البيئي، تحسين شعلة، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بأن التغيرات المناخية تتسبب في تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي، حيث تسهم الظواهر المناخية القاسية مثل الجفاف، الفيضانات، والعواصف الاستوائية في تهديد التجارة الدولية والبنية التحتية، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف الاقتصادية وزيادة الأضرار التي يصعب تعويضها.
ويحيل في هذا السياق إلى دراسات أخرى تشير إلى أن الأزمات البيئية المرتبطة بتغير المناخ (في تداعياته الأوسع بمختلف القطاعات) قد تؤدي إلى خسائر تقدر بحوالي 4 تريليونات دولار عالميًا في 2024، ومن المتوقع أن يؤدي استمرار ارتفاع درجات الحرارة إلى فقدان 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2050.
وأضاف: تأثيرات التغير المناخي تبرز بشكل خاص في الدول النامية، حيث تؤدي الكوارث الطبيعية إلى زيادة معدلات الوفيات والهجرة، فضلاً عن تدني مستويات الأمن الغذائي. وتشير التوقعات إلى أن الدول النامية قد تتحمل تكاليف اقتصادية ضخمة تصل إلى 580 مليار دولار سنوياً بحلول 2030. من جهة أخرى، تعاني بعض الدول المتقدمة أيضًا من الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية، مما يعكس الحاجة إلى تدخلات اقتصادية مثل فرض الضرائب على الشركات الملوثة أو إنشاء صناديق لتعويض الخسائر.
من بين أبرز الأمثلة على تداعيات التغير المناخي، يعاني الاقتصاد العالمي من تأثيرات الجفاف الذي أصاب قناة بنما، مما عطل حركة التجارة البحرية. هذه الظاهرة أدت إلى تقليص عدد السفن العابرة للقناة بشكل ملحوظ وزيادة زمن العبور. كما أدى التغير المناخي إلى زيادة الهجرة الداخلية في مناطق مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تزايد النزوح بسبب قلة الموارد والتصحر، مما يخلق ضغوطًا اجتماعية واقتصادية إضافية على الدول المضيفة.