وتُظهر مُعظم استطلاعات الرأي أن نتيجة الانتخابات ستكون متقاربة للغاية، وأن أعداداً صغيرة من الأصوات ستفصل بين فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أو مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب.

والهوامش الضيقة التي قد يفوز بموجبها أحد المرشحين، ستسلّط الضوء مرة جديدة على الآلات والبنية التحتية الرقمية، التي تستخدم في أميركا للتصويت وتسجيل وفرز الأصوات، حيث كانت مثل هذه الأجهزة محور الكثير من الغضب، من جانب ترامب في أعقاب انتخابات 2020، عندما أشار إلى أن ملايين الأصوات التي حصل عليها قد ضاعت، مما أدى إلى منح النصر لجو بايدن.

ورغم عدم ظهور أي دليل يدعم أقاويل ترامب في 2020، إلا أن نظريات المؤامرة حول البنية التحتية الرقمية لانتخابات الرئاسة الأميركية لا تزال تنتشر، وهذا ما يضع مقدمي هذه التكنولوجيا أمام تحدي إثبات أن أجهزتهم آمنة وموثوقة خلال انتخابات الرئاسة لعام 2024.

طرق التصويت في الانتخابات الأميركية

بحسب تقرير أعدته data center dynamics أعتماداً على بيانات منظمة Verified Voting الأميركية التي تسعى لترويج الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا في الانتخابات، فإن 70 بالمئة من المواطنين الأميركيين الذين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية يوم الثلاثاء المقبل سيفعلون ذلك باستخدام قلم وورقة، حيث سيتم بعدها فرز هذه الأصوات، من خلال آلة التعرف الضوئي على الحروف (OCR)، في حين ستعتمد بعض الولايات على احتساب الأصوات بشكل يدوي.

كما تظهر بيانات Verified Voting أن 5 بالمئة من الأميركيين، سيصوتون باستخدام الأجهزة التي تعتمد على أنظمة التسجيل الإلكتروني المباشر DRE، التي تقوم بتسجيل الأصوات واحتسابها على نفس الجهاز، أما نسبة الـ 25 في المئة المتبقية، فسيصوتون باستخدام الآلات التي تعتمد على أنظمة BMD، وهي أجهزة تُظهر أسماء المرشحين على الشاشة ليقوم الناخب بالاختيار فيما بينهم، وبعدها تقوم الآلة بإنتاج نسخة مطبوعة عن اختيار الناخب، يمكن فرزها عبر آلة التعرف الضوئي على الحروف (OCR) أو يدوياً.

وكان يُنظر إلى الآلات التي تعتمد على أنظمة التسجيل الإلكتروني المباشر DRE أي التي تقوم بتسجيل الأصوات واحتسابها على نفس الجهاز، على أنها النوع الأول من آلات التصويت في أميركا، ولكن بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2000، أثارت هذه الأجهزة الجدل بسبب وجود أصوات مفقودة وغير واضحة في فلوريدا، ولذلك التزمت الحكومة الأميركية بتخصيص 4.1 مليار دولار من التمويل الفيدرالي لتكنولوجيا الانتخابات، من خلال قانون مساعدة أميركا على التصويت.

وتم إنفاق معظم هذه الأموال على أجهزة DRE لأنها كانت آلة التصويت الوحيدة في السوق في ذلك الوقت، ولكن مرة أخرى وصلت مشاكل أجهزة DRE إلى ذروتها في عام 2006 في فلوريدا، عندما ضاع 18000 صوت في انتخابات الكونغرس في مقاطعة ساراسوتا بسبب خطأ تسببت به هذه الآلة.

ومع تراجع شعبية أجهزة نظام DRE، تم طرح نوع جديد من الآلات وهي الأجهزة التي تعتمد على نظام BMD والتي تسمح باختيار مرشح على الشاشة وتنتج نسخة مطبوعة عن اختيار الناخب، حيث ارتفعت نسبة استخدام هذه الأجهزة في أميركا من 1.5 بالمئة في 2018، إلى 20 بالمئة بحلول عام 2020.

ولكن حتى أجهزة BMD تورطت في جدل تزوير الأصوات في عام 2020، عندما قال ترامب إن الأجهزة التي أنتجتها شركة Dominion حذفت 2.7 مليون صوت له، وقد تبين أن هذا الاتهام لا أساس له من الصحة بحسب أحكام قضائية.

ويقول وارن ستيوارت، المحلل في منظمة Verified Voting، إن صحة نتائج الانتخابات مع نظام التصويت الرقمي، تعتمد بالكامل على صحة هذه البرنامج، مشيراً إلى أن مصنعي أجهزة ومعدات التصويت يبذلون جهوداً كبيرة لإظهار كيف أن النتائج التي يتم الحصول عليها عبر أجهزتهم يمكن التحقق منها، ولكن إقناع الجمهور بعدم حدوث أي شيء غير قانوني هو معركة شاقة، حيث يكاد يكون من المستحيل اختراق جدار المعلومات المضللة.

ما هي تدابير السلامة لحماية آلات التصويت؟

بحسب تقرير أعدته شبكة ABCNews الأميركية واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، هناك

شركات مختلفة تصنع أنظمة التصويت في أميركا بما في ذلك شركات مثل Clear Ballot وDominion Voting Systems وElectronic Systems & So ftware (ES&S)، حيث تحتاج الأجهزة التي تنتجها هذه الشركات إلى نيل موافقة لجنة المساعدة الانتخابية الفيدرالية (EAC).

وتقوم لجنة EAC باختبارات إجهاد على المعدات المستخدمة في الانتخابات وتتحقق من عيوبها وقدرات والأمان التي تمتلكها، وهذه العملية صارمة وبطيئة، وتستند إلى أكثر من 1000 متطلب، وهي تستغرق ما يصل إلى 18 شهراً قبل الحصول على إذن الاستخدام.

ووفقاً لـ ABCNews فإن الضمانة الرئيسية في جعل أجهزة التصويت صعبة الاختراق تتمثل بعدم ربطها بالإنترنت أثناء عملية التصويت، فمثلاً الأجهزة المستخدمة في مسح بطاقات الاقتراع، غير قادرة على الحصول على أي اتصال Wi-Fi أو Bluetooth أو راديو، وهي متصلة ببعضها عبر شبكة خاصة معزولة تماماً عن الإنترنت العام.

وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الأجهزة المخصصة للتصويت الرقمي والتي يخرج منها سلك واحد وهو سلك الطاقة، ما يقلل بشكل كبير من خطر الاختراق عن بعد، ولذلك فإن اختراق آلة التصويت يحتاج من المقرصن الوصول شخصياً للآلة والعبث بها، وهو أمر شبه مستحيل بسبب تدابير الأمن المحيطة بأجهة الانتخابات.

بدوره نقل تقرير أعدته وكالة ” أسوشيتد برس” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، عن مسؤولي الانتخابات في أميركا، قولهم إن اختراق نظام التصويت المحلي لن يكون سهلاً، إذ سيكون من المستحيل تغيير الأصوات سراً، على نطاق ضخم، بما يكفي لتغيير نتيجة السباق الرئاسي، وذلك بفضل الأنظمة اللامركزية والسجلات الورقية لجميع بطاقات الاقتراع تقريباً والمراجعات الشاملة والإجراءات القانونية، الواجب اتخاذها من قبل مسؤولي الانتخابات، والمتطوعين والمواطنين.

من جهتها نشرت “بلومبرغ” تقريراً اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يشرح كيف أصبحت آلات التصويت الأميركية أكثر أماناً من أي وقت مضى، فمثلاً أنظمة ClearCast للتصويت التي تنتجها Clear Ballot Group التي تم اعتماد منتجاتها للاستخدام في 14 ولاية، هي أنظمة غير متصلة بالإنترنت وتصل إلى مراكز الاقتراع في حاويات أو أقفاص مقفلة، حيث يقوم المسؤولون الجمهوريون والديمقراطيون بإعدادها معاً عن طريق تمزيق الأختام الأمنية التي تحمل أرقاماً تسلسلية تعريفية ومن ثم إدخال كلمات مرور فريدة لتشغيلها.

وبحسب “بلومبرغ” فإن آلات التصويت تتكون عموماً من أجهزة بمكونات مختلطة من إنتاج شركات مثل Dell وSanDisk، وهي تقوم بتخزين البيانات على محركات مقفلة، تشبه الصندوق الأسود للطائرات، ولا يوجد في أميركا حالياً سوى ستة مصنعين لآلات التصويت معتمدين من قبل لجنة المساعدة الانتخابية الفيدرالية (EAC).

وشدد تقرير “بلومبرغ” على أن الأمان الذي يتمتع به نظام التصويت الأميركي، لا يعني أن الآلات أو أنظمة التصويت الإلكترونية معصومة عن الخطأ، ولكن مع حفظ السجلات وإمكانية القيام بمراجعة يدوية لها، فإن أي خطأ قد يحصل يمكن حله، في حين أن عملية اختراق هذه الأجهزة تتطلب حضور المخترق شخصياً إلى مركز الانتخابات ومنع المراجعين من التحقق أو إعادة فرز أوراق الاقتراع.

عوامل يجب الحذر منها

ويقول خبير التحول الرقمي فريد خليل في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الأمر المهم الذي يجب إدراكه هو أن آلات التصويت الرقمي الموجودة في أميركا، هي غير موصولة بالإنترنت أو البلوتوث ولا يمكن الوصول اليها عبر أي مصدر ربط خارجي أو شبكة خارجية، وعلمياً فإنه عند ضبط هذه النقطة يصبح خطر عملية الاختراق عن بُعد، أو العمل السيبيراني غير موجود وتصبح الأجهزة في أمان وهذا الإجراء عامل حاسم في الحماية، مشيراً إلى أن ما يجب الحذر منه هي الجهات التي صنعت آلة التصويت الرقمي والبرامج التي تشغلها، حيث يجب إخضاع تلك الجهات للمراقبة والتأكد من أنها لن تقوم بأي تعديل برمجي يسمح بتغيير نتيجة الانتخابات.

وبحسب خليل فإنه يجب أيضاً الحذر من أي هجوم على سلسلة التوريد خلال عملية نقل الآت التصويت من مكان لآخر، فأي اختراق في هذا المجال سيكون سببه العامل البشري وليس العامل السيبيراني، إذ أن التدخل البشري من خلال التعديل والتلاعب ببرمجة الأجهزة، يمكن أي يؤثر على نتيجة الانتخابات من خلال عدة سيناريوهات، منها تعطيل الآلة أو منعها من أخذ التصويت لمرشح ما.

من جهته يقول الخبير في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الشركات المنتجة لأجهزة ومعدات التصويت في أميركا، تقول إن الطريقة الوحيدة الممكنة لاختراق هذه الأجهزة، هي وجود المخترق شخصياً على الأرض لتحقيق مبتغاه، وهذا الأمر من سابع المستحيلات حدوثه، فالأجهزة ستكون تحت مراقبة ممثلين عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لافتاً إلى أنه رغم عدم إمكانية حدوث هذا السيناريو، إلا أنه ومع افتراض وقوعه لسبب ما، فإن نتيجة هذا الاختراق لا يمكن أن تتسبب بأي شكل من الأشكال بقلب نتيجة الانتخابات كون الأضرار ستكون محصورة جداً. 

ويؤكد أبي نجم أن لا شيء آمن بنسبة 100 بالمئة فبعض الأشخاص في أميركا، يتحدثون عن إمكانية أن تكون عملية الاختراق للأجهزة تمت من قبل الشركات المصعنة للأدوات المستخدمة فيها، كاختراق جهاز التخزين الموجود في الآلة وبرمجته، لتعديل النتائج لصالح مرشح ما، وهذا ما يُعرف بالاختراق من المصدر.

وأشار إلى أن الرئيس السابق دونالد ترامب وإيلون ماسك وغيرهما من الأشخاص يعترضون على وجود هذه الأجهزة الرقمية، ويطالبون أن تقتصر الانتخابات على التصويت والفرز اليدوي، وهو أمر صعب حدوثه كونه يحتاج لتوافر نحو 100 ألف عامل، يقومون بأعمال فرز تشمل نحو 160 مليون صوت وهو ما قد يمتد لعدة أسابيع.

وشدد أبي نجم على أن الشركات المصنعة لآلات التصويت في أميركا عملت على مبدأ عدم ربط الأجهزة بالإنترنت او أي شبكة لاسلكية لحمايتها من الاختراق، ولكن الخوف في البلاد يتمحور الآن حول فكرة “اختراق العقل”، الذي يعد أخطر من الاختراق السيبيراني، حيث تشير التقارير الإعلامية إلى أن هناك جهات في أميركا ومن خلال بثها لأخبار وفيديوهات مفبركة، تم إنتاجها عبر الذكاء الاصطناعي، تحاول التلاعب بالعقول ودفع الناس إلى الخوف والتشكيك بنزاهة الانتخابات ونتائجها، وصولاً إلى حثهم على عدم المشاركة في التصويت.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version