خاص

كامالا هاريس

مع اقتراب يوم الانتخابات الرئاسية الأميركية، تزداد التساؤلات حول مدى قدرة كامالا هاريس على تحقيق رؤية اقتصادية جديدة تعزز من استقرار ونمو الاقتصاد الأميركي في حال فوزها.

 تتصدر خطتها الاقتصادية أولويات حملتها، حيث تَعِد بإصلاحات عميقة تهدف إلى دعم الطبقة الوسطى، وتحفيز الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، وتعزيز فرص العمل في قطاعات جديدة.

وفي ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد، مثل التضخم، وتباطؤ النمو، وتنامي الدين العام، تثير خطة هاريس ردود فعل متباينة بين الاقتصاديين والمستثمرين. تتوقع هاريس أن يؤثر برنامجها بشكل مباشر على خفض البطالة ورفع مستوى الأجور، لكنها تواجه في الوقت ذاته تساؤلات حول تمويل برامجها الطموحة وتأثيراتها على العجز المالي، مما يجعل نجاح خطتها رهناً بقدرتها على إدارة التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة المالية.

في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” إلى أنه على الرغم من إلحاح أصوات الجمهوريين المؤيدين لـ “جعل أميركا عظيمة مرة أخرى” على التقليل من قوة الاقتصاد الأميركي، فإن التعافي الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة على مدى الأعوام القليلة الماضية لم يكن أقل من معجزة.

ونقلت الصحيفة عن صندوق النقد الدولي أن “صناع السياسات في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات الكبرى نجحوا في كبح جماح أسوأ تضخم في أربعة عقود دون الانزلاق إلى الركود”. كما رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي الأميركي على مدى العامين المقبلين، مؤكداً أن أكبر اقتصاد في العالم تمتع بأقوى تعافي من الجائحة مقارنة بأي دولة متقدمة.

وتضيف الصحيفة: حققت الولايات المتحدة هذا الوضع لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي المستقل تمكن من السيطرة على التضخم؛ ودفع الرئيس جو بايدن بقوانين رئيسية أدت إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتكنولوجيا الجديدة (وحث القطاع الخاص على القيام بنفس الشيء)؛ وساهمت سياسات أخرى في تحرير الإنفاق الاستهلاكي (من بين أمور أخرى، من خلال توفير مليار دولار للمستهلكين في تكاليف الأدوية وتوفير حافز كبير ).

كما يشير إلى تحذيرات وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من تفجير التقدم الذي تحقق بالفعل. وقالت: “منذ اليوم الأول، رفضنا الانعزالية التي جعلت أميركا والعالم أسوأ حالاً، وسعينا إلى قيادة الاقتصاد العالمي الذي يدعم الاقتصادات في مختلف أنحاء العالم ويجلب فوائد كبيرة للشعب الأميركي والاقتصاد الأميركي”. وأشادت يلين بالعلاقة التكافلية بين الحكومة الفيدرالية والقطاع الخاص، مشيرة إلى أن “الاستثمارات العامة في مجال الطاقة الخضراء قوبلت بأكثر من خمسة أضعاف الاستثمارات الخاصة”.

نهج ناجح

“توضح هذه الصيغة الناجحة لماذا تعد الخطط الاقتصادية لنائبة الرئيس كامالا هاريس، التي تستند إلى هذا النهج الناجح، أفضل كثيرا من صيغة دونالد ترامب (الحمائية، وتخفيضات الضرائب الضخمة للأثرياء، وإلغاء قانون خفض التضخم، وما إلى ذلك). ويتفق العديد من خبراء الاقتصاد مع هذا”، بحسب التقرير.

يشار هنا لاستطلاع أجري مؤخراً لآراء 39 خبيراً اقتصادياً في صحيفة وول ستريت جورنال . وقد حظي اقتراح هاريس بإعفاء ضريبي بقيمة 6000 دولار للمواليد الجدد بموافقة 74 بالمئة، وحظيت خطتها لزيادة معدل ضريبة الشركات بتأييد 59 بالمئة، وحصل مفهوم تحديد أسعار الأنسولين عند 35 دولارًا للجميع على دعم 64 بالمئة. (كان تحديد سقف للإنفاق من الجيب على جميع الأدوية الموصوفة متعادلًا في الأساس). وأضاف:

“على النقيض من ذلك، فضل 8 بالمئة فقط جعل تخفيضات ترامب الضريبية دائمة، ولم يؤيد أي خبير اقتصادي خطة التعريفات الجمركية، ودعم 5 بالمئة فقط إلغاء الضرائب على إعانات الضمان الاجتماعي”. ووفقًا لتقدير واحد، فإن خطة ترامب فيما يخص التعريفات من شأنها أن تخفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو  9 بالمئة.

وعلى نحو مماثل، أوضح مجموعة من خبراء الاقتصاد الحائزين على جائزة نوبل “إن سياسات ترامب، بما في ذلك التعريفات الجمركية المرتفعة حتى على السلع من أصدقاء وحلفاء أميركا، والتخفيضات الضريبية التراجعية للشركات والأفراد، ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وعجز أكبر، وعدم مساواة أكبر”.

وزعموا أن سياسات هاريس التي تركز على الطبقة المتوسطة “ستفعل أكثر بكثير من سياسات دونالد ترامب لزيادة القوة الاقتصادية ورفاهية أمتنا وشعبها”.

ووفق التقرير، فإن من بين أهم العوامل التي تحدد النجاح الاقتصادي سيادة القانون واليقين الاقتصادي والسياسي، وترامب يهدد كل هذا”.

ويوضح تقرير الصحيفة الأميركية في الوقت نفسه أنه من المرجح أن تنتج الاستثمارات التي اقترحتها هاريس (على سبيل المثال، في الإسكان، وفي الشركات الناشئة، وفي تقنيات القرن الحادي والعشرين )، وخطة لتوسيع مدخرات الأدوية الموصوفة والمساعدة الإضافية للمستهلكين (على سبيل المثال، ائتمان ضريبة الأطفال، ائتمان ضريبي آخر للأطفال بقيمة 6000 دولار) في إحداث نتائج ناجحة.

“وإذا كان الأميركيون يدركون بشكل أفضل النجاح الاقتصادي الأميركي والسياسات التي ساعدت في تحقيقه، فقد يدركون بشكل أفضل لماذا تحظى خطة هاريس بإشادة كبيرة من جانب خبراء الاقتصاد، بينما تتعرض خطة ترامب لانتقادات شديدة. وإذا لم يكن هناك سبب آخر، فإن خطة ترامب للتعريفات الجمركية ــ وهي نفس النوع الذي ساعد في إدخال فترات الركود في تسعينيات القرن التاسع عشر وثلاثينيات القرن العشرين ــ ينبغي أن تكون سبباً لرفض خطته”، وفق التقرير.

والآن أصبح لدى الناخبين خيار: صيغة هاريس التي ساعدت في تحقيق انتعاش تاريخي (بناء على قصة النجاح الاقتصادي غير العادية التي حققتها أميركا) أو صيغة يكاد يكون من المؤكد، كما يظهر التاريخ، أنها تنطوي على مخاطر الكارثة الاقتصادية، بحسب وصف التقرير.

عوامل النجاح

يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • نجاح كامالا هاريس في إدارة الاقتصاد الأميركي يعتمد على عدة عوامل؛ من أبرزها الظروف الاقتصادية السائدة وقت توليها المسؤولية، والسياسات التي يمكن أن تتبناها، وقدرتها على التعاون مع الكونغرس لتحقيق إصلاحات هيكلية واقتصادية فعالة.
  • إذا تمكنت من وضع سياسات تعزز الابتكار، وتدعم الطبقة المتوسطة، وتخفف من حدة الفقر، فستكون لديها فرصة لتحقيق النجاح.
  • كذلك، سيعتمد نجاحها على كيفية تعاملها مع قضايا مثل التضخم والديون الوطنية والتغير المناخي والعدالة الاجتماعية، علاوة على التعاون الدولي فى الملفات و القضايا السياسية وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط وأيضاً على قدرة فريقها الاقتصادي.
  • وجود قاعدة من الخبراء الاقتصاديين ومحللين استراتيجيين بجانبها، واستمرار الدعم الشعبي، سيكون له دور كبير في تعزيز فرصها.

ما الذي تكشفه استطلاعات الرأي؟

لكن على الرغم من أن هاريس ضيقت الفارق بينها وبين ترامب في الاقتصاد مقارنة بالرئيس جو بايدن، إلا أن استطلاعات الرأي أشارت إلى أن الأميركيين يفضلون ترامب بشدة من حيث التأثير على شؤونهم المالية الشخصية.

أظهر أحدث استطلاعات الرأي، أن الأميركيين يميلون إلى المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس باعتباره الخيار الأقوى لقيادة الاقتصاد، حيث يقف الاقتصاد الأميركي عند نقطة تحول محتملة قبل الانتخابات.

الاستطلاع الذي أجرته صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا أظهر أن 52 بالمئة من المستجيبين يثقون في أن ترامب سيقود الاقتصاد مقارنة بـ 45 بالمئة لهاريس، خارج هامش الخطأ البالغ 2.2 نقطة مئوية للعينة.

كما أظهر استطلاع مشترك أجرته فاينانشال تايمز وكلية روس للأعمال بجامعة ميشيغان أن 44 بالمئة من الناخبين يفضلون ترامب لرعاية الاقتصاد مقارنة بـ 43 بالمئة لهاريس، ضمن هامش الخطأ البالغ 3.3 نقطة مئوية في الاستطلاع.

كذلك فإن استطلاع “سي إن بي سي” الأميركية وجد أن ترامب يتمتع بميزة 13 نقطة مئوية بين الناخبين الذين يعتبرون التضخم والاقتصاد بشكل عام من أهم قضاياهم في هذه الدورة.

أظهرت استطلاعات رأي رئيسية أخرى أن ترامب يتصدر المرشح المفضل لقيادة الاقتصاد على نطاق واسع، بما في ذلك استطلاع أجرته وكالة أسوشيتد برس-نورك في سبتمبر الماضي والذي أفاد بهامش 43 بالمئة إلى 41 بالمئة يفضل ترامب في هذه القضية.

تحديات واسعة

وإلى ذلك، يشير مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:

  • الاقتصاد الأميركي يواجه عدة أزمات وتحديات معقدة في ظل إدارات أميركية متعاقبة؛ إذ تجد الولايات المتحدة نفسها تحت ضغوط سياسية وعسكرية متزايدة.
  • تتصاعد التوترات مع استمرار الحرب في أوكرانيا، التي لم تُحسم بعد، في حين تقدم الولايات المتحدة دعماً كبيراً لكييف. وفي الشرق الأوسط، تقدم الولايات المتحدة دعماً مفتوحاً لإسرائيل، مما يعقد فرص السلام في المنطقة ويوسع دائرة الحرب لتشمل دولاً مثل إيران ولبنان، بالإضافة إلى التهديدات التي تواجهها في مضيق باب المندب من قبل الحوثيين.
  • كل هذه الأزمات تشكل تحديات ضخمة للمرشح الرئاسي، ولها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد الأميركي.
  • هذا بجانب تحديات أخرى يعاني منها العالم ككل، مثل أزمة ارتفاع أسعار الفائدة التي زادت من أعباء الديون العالمية (..) كذلك، هناك مشكلات التضخم الحاد وتذبذب أسعار السلع الاستراتيجية، خاصة النفط، والركود التضخمي الذي أثر أيضاً على اقتصاد الصين، التي تعاني من انخفاض كبير في معدلات النمو والطلب على المنتجات.
  • وبالتالي، يواجه الرئيس الأميركي القادم ملفات معقدة متعددة، سواء كانت سياسية، اقتصادية، أو تجارية، خاصة في ظل المنافسة المتصاعدة مع الصين على زعامة الاقتصاد العالمي.

ويضيف: أعتقد بأن هناك احتمالاً كبيراً أن تنجح كامالا هاريس -حال فوزها في الانتخابات- في التعامل مع الملف الاقتصادي إذا ما قورنت بدونالد ترامب، خاصة أنها تنتقد التوترات العسكرية وتفضل أسلوباً أكثر استقراراً وأماناً من الناحيتين العسكرية والسياسية، مما قد ينعكس إيجاباً على الاقتصاد. فالولايات المتحدة دولة مؤسسات، تعتمد على نظام مؤسسي في إدارة ملفاتها، مما يمنع الرئيس من التفرد بالقرارات الاقتصادية.

أما بالنسبة للتعامل مع الصين، فمن المتوقع أن تتبع أية إدارة النهج ذاته، إذ أن التعامل معها يمثل تحدياً استراتيجياً ثابتاً، بحسب شعيب.

تحسين الاقتصاد

وفي السياق، تعتقد خبيرة أسواق المال، الدكتورة حنان رمسيس، بأنه بإمكان هاريس المساهمة في تحسين الاقتصاد الأميركي، لكن الاقتصاد لا يعتمد عليها بالكامل؛ إنما يتم الاعتماد على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وعلى دور رجال الأعمال.

وتوضح لدى حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أنه إذا أصر الناخبون على اختيار هاريس، فستسير الأمور بأمان، لأن أهم ما يسعى إليه الأميركيون هو السيطرة على الاقتصاد العالمي والبقاء في الصدارة. ولهذا السبب أبرموا اتفاقيات تجارية مع عديد من الدول، ويسعون لتعزيز علاقاتهم مع دولة مختلفة، كما يعملون على تقوية تحالفهم مع اليابان لدعم خطتهم الاقتصادية القادمة.

وتضيف: “لكن المشكلة من ناحية أخرى تتعلق ببعض سياسات الديمقراطيين، حيث إنهم غالبًا ما يثيرون الجدل ويدعمون تغييرات سياسية مثيرة للجدل (..) أما الجمهوريون، فيميلون للتركيز على الشؤون الداخلية أكثر من الخارجية، ما يجعلهم أكثر قبولًا لدى أطراف خارجية أخرى”.

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version