خاص

علم إيران

عاد مضيق هرمز إلى واجهة الأحداث مجدداً، مع تصاعد التوترات العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، فإطلاق طهران نحو 200 صاروخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية، إلى جانب تهديد تل أبيب برد قاس، أدخل المنطقة في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، حيث تتابع الدول الكبرى بقلق تطورات هذا التصعيد واحتمال تأثيره سلباً على حركة السفن في مضيق هرمز وبالتالي على أسواق الطاقة العالمية.

ومضيق هرمز، وهو ممر مائي ضيق عند مدخل الخليج العربي، ويعد طريق شحن رئيسي يتعامل مع ما يقرب من 30 بالمئة من تجارة النفط العالمية، ونادراً ما يكون هذا المضيق بعيداً عن مركز التوترات العالمية، ولذلك فإنه يخضع دائماً لمراقبة دقيقة من قبل الخبراء بحثاً عن علامات تشير إلى اضطرابات محتملة.

ويقول الخبراء الاستراتيجيين إن أي اضطراب محتمل في مضيق هرمز مع تفاقم الصراع بين إسرائيل وإيران من المرجح أن يكون أسوأ بالنسبة لشحنات النفط العالمية من أزمة البحر الأحمر، وقد يدفع الاقتصاد العالمي إلى الفوضى، فمع إلقاء نظرة على التاريخ نجد أن إيران استهدفت مراراً وتكراراً السفن التجارية التي تمر عبر مضيق هرمز وهددت بمنع عبور الناقلات عبره. 

  1. أين يقع مضيق هرمز؟

يحد مضيق هرمز إيران من الشمال، والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان من الجنوب، وهو يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي.

ويبلغ طول المضيق نحو 100 ميل (161 كيلومتراً) وعرضه 21 ميلاً في أضيق نقطة.

ويُعد العمق الضحل للمضيق سبباً لزيادة تعرض السفن للألغام البحرية، كما أن قربه من الساحل الإيراني يمكن أن يعرّض الناقلات للهجمات بالصواريخ أو الاعتراض بواسطة الزوارق والمروحيات الإيرانية.

  1. ما هو دوره؟

يعمل مضيق هرمز كرافعة استراتيجية لتجارة النفط العالمية، فقد شحنت ناقلات النفط خلال الربع الأول من عام 2024، ما يقرب من 15.5 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات، من المملكة العربية السعودية والعراق والكويت والإمارات العربية المتحدة وإيران عبر المضيق، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.

كما أن مضيق هرمز مهم للغاز الطبيعي المسال، حيث أظهرت البيانات أن أكثر من خمس إمدادات الغاز العالمية، معظمها من قطر، مرّت عبر المضيق خلال الربع الأول من عام 2024.

  1. ماذا الذي قد يحدث؟

في 13 أبريل 2024، وعلى وقع التوترات بين إسرائيل وإيران، استولى الحرس الثوري الإيراني على سفينة حاويات مرتبطة بإسرائيل بالقرب من مضيق هرمز.

ونفذت وحدة الحرس الثوري هجومها على سفينة “إم إس سي” بواسطة طائرة مروحية، حيث صعدت قوات خاصة على متن السفينة وتم توجيهها نحو المياه الإقليمية الإيرانية.

والآن ومع عودة التوترات بين إسرائيل وإيران وتحولها الى صراع أكبر، يخشى المراقبون لجوء طهران لاستخدام نفوذها، وتوتير حركة السفن في المضيق لممارسة الضغط على دول العالم.

لماذا تعطل إيران الشحن؟

بحسب “بلومبرغ” فقد استخدمت إيران مضيق هرمز لعقود من الزمان، لتسجيل استيائها من العقوبات المفروضة عليها، أو كوسيلة ضغط في النزاعات.

وزعمت طهران أن سفينة “إم إس سي” تم احتجازها لانتهاكها اللوائح البحرية، لكن المحللين أشاروا إلى أن ارتباطها بملكية إسرائيل كانت الدافع وراء عملية الاحتجاز.

وعندما استولت طهران على ناقلة متجهة إلى الولايات المتحدة في أبريل 2023، زعمت أن السفينة اصطدمت بسفينة أخرى، لكن هذه الخطوة بدت وكأنها رد انتقامي على استيلاء السلطات الأميركية على سفينة محملة بالنفط الخام الإيراني قبالة سواحل ماليزيا على أساس انتهاكات العقوبات.

وفي مايو 2022، استولت إيران على ناقلتين يونانيتين، واحتجزتهما لمدة ستة أشهر، ربما رداً على مصادرة السلطات اليونانية والأميركية للنفط الإيراني على متن سفينة أخرى.

  1. هل أغلقت إيران مضيق هرمز من قبل؟

ليس حتى الآن، فخلال حرب 1980-1988 بين العراق وإيران، هاجمت القوات العراقية محطة تصدير النفط في “جزيرة خارج”، شمال غرب المضيق، جزئياً لدفع إيران قدماً لانتقام من شأنه أن يجر الولايات المتحدة إلى الصراع.

وبعد ذلك، وفي ما يسمى بحرب الناقلات، هاجم الجانبان الإيراني والعراقي 451 سفينة بينهما، حيث أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في تكلفة تأمين الناقلات ما ساهم في رفع أسعار النفط.

وعندما فُرضت العقوبات على إيران في عام 2011، هددت طهران بإغلاق المضيق، لكنها تراجعت عن ذلك في النهاية، حيث يشكك تجار النفط في أن البلاد ستغلق المضيق بالكامل لأن ذلك من شأنه أن يمنعها هي أيضاً من تصدير نفطها. علاوة على ذلك، فإن البحرية الإيرانية أقل شأناً من الأسطول الخامس الأميركي والقوات الأخرى المتواجدة في تلك المنطقة لتأمين وحماية حركة الشحن العالمية.

  1. هل يمكن حماية مضيق هرمز؟

خلال حرب الناقلات في الفترة بين عامي 1984 و1988، لجأت البحرية الأميركية إلى مرافقة السفن عبر الخليج.

وفي عام 2019، أرسلت أميركا حاملة طائرات وقاذفات بي-52 إلى المنطقة. وفي نفس العام، بدأت الولايات المتحدة عملية “سنتينل” رداً على تعطيل إيران لحركة الشحن. ولاحقاً انضمت عشر دول أخرى – بما في ذلك المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين – إلى العملية، المعروفة الآن باسم “بناء الأمن البحري الدولي”.

ولكن منذ أواخر عام 2023، تحول الكثير من التركيز على حماية الشحن البحري بعيداً عن مضيق هرمز إلى جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث أصبحت هجمات المسلحين الحوثيين في اليمن على السفن مصدر قلق أكبر.

  1. من يعتمد أكثر على المضيق؟

تُصدّر المملكة العربية السعودية معظم نفطها عبر مضيق هرمز، وذلك رغم أنها تستطيع تحويل التدفقات باستخدام خط أنابيب بطول 746 ميلاً عبر أراضيها إلى محطة على البحر الأحمر.

كما تستطيع الإمارات العربية المتحدة أن تتجاوز المضيق جزئياً بإرسال 1.5 مليون برميل يومياً عبر خط أنابيب من حقولها النفطية إلى ميناء الفجيرة على خليج عمان.

ويتم شحن بعض نفط العراق بحراً من ميناء جيهان التركي، ولكن 85 في المئة من نفط العراق يمر عبر المضيق، في حين أنه ليس أمام الكويت وقطر والبحرين خيار سوى شحن نفطها عبر مضيق “هرمز”.

أهم نقطة اختناق في العالم

ويقول عضو المنتدى الاقتصادي العالمي الدكتور ألفرد رياشي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه في جميع أنحاء العالم، يوجد حوالي 200 قناة أو مضيق، ومع ذلك، فإن عدداً قليلاً منها فقط يُطلق عليها وصف “نقاط اختناق”، حيث يعد مضيق هرمز، واحداً من أهم نقاط الاختناق على مستوى العالم، ويستمد أهميته الاستراتيجية من حقيقة أن إغلاقه يمكن أن يوقف حركة المرور البحرية التي تحمل ملايين الأطنان من النفط يومياً.

واعتبر أن تصاعد التوترات الناشئة بين إسرائيل وإيران، واحتمال قيام إسرائيل بالرد على طهران بقصف منشآت النفط التابعة لها، قد يدفع إيران مجدداً إلى استخدام نفوذها في مضيق هرمز من خلال توتير الأوضاع هناك.

وبحسب رياشي، يعتقد بعض الخبراء أنه في حال تنفيذ إسرائيل ضربة جوية كبرى ضد إيران، فإن الأخيرة قد تلجأ إلى استخدام غواصاتها لزرع قنابل ذكية في المضيق لاستهداف ناقلات النفط التي قد يكون لها ارتباط بإسرائيل.

وأشار إلى أن مثل هذه المواجهة قد تؤدي إلى تدخل الولايات المتحدة للجم تدهور الوضع هناك، ومنع دفع الاقتصاد العالمي إلى الفوضى، ولكن وفي جميع الأحوال فإن تزايد المخاطر في مضيق هرمز سوف يضاعف أقساط المخاطر وتكاليف ناقلات النفط مرة جديدة بعد ارتفاعها بسبب ما يحصل في مضيق باب المندب.

ويكشف رياشي أن السلطات الإيرانية لطالما أطلقت تهديدات بإغلاق مضيق هرمز، ومع ذلك، فإن تطبيق هذه الخطوة بعيد كل البعد عن الواقع، ويرجع ذلك إلى حقيقة مفادها أن الاقتصاد الإيراني لا يستطيع الصمود دون ضمان المرور السلس للنفط عبر المضيق، فإيران تقوم بدورها بتصدير نفطها عبر المضيق، في حين أن المجتمع الدولي وعلماً أن أميركا التي تحتفظ بنفوذ كبير في الشرق الأوسط لن تسمح بزعزعة الاقتصاد العالمي، خصوصاً أنه في حال ارتفعت اسعار النفط ستتضاءل حظوظ الحزب الديموقراطي الأميركي في الانتخابات الرئاسية، لافتاً إلى أن إيران قد تلجأ إلى توجيه ضربات محدودة وموجهة في مضيق هرمز لإظهار نفوذها وقوتها في المنطقة.

السيناريو الكارثي

ويرى رياشي أن السيناريو الأسوأ ورغم انعدام آمال حدوثه يبقى قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز كلياً، حيث أن إلقاء نظرة على التاريخ يسلط الضوء على المخاطر الاقتصادية التي يمثلها هذا الإغلاق، مشيراً إلى أن أكبر اضطراب في سوق النفط على الإطلاق حدث في أغسطس 1990، عندما أدى غزو العراق للكويت إلى إخراج 4.3 مليون برميل يومياً من النفط من السوق أي نحو 6.5 في المئة من المعروض العالمي حينها.

وتسبب هذا التوقف في مضاعفة أسعار النفط العالمية من نحو 20 دولاراً إلى 40 دولاراً للبرميل، ومع الأخذ في الاعتبار أن حصار مضيق هرمز من شأنه أن يخرج ما يقرب من 15.5 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات من السوق، فإن ذلك سوف يؤدي حتماً إلى زلزال غير مسبوق في أسواق النفط وسيدفع سعر البرميل إلى مستويات تفوق الـ 150 دولار بكثير.

وشدد رياشي على وجوب عدم مقارنة مضيق هرمز، بمضيق باب المندب الواقع بين اليمن وجيبوتي عند أقصى جنوب البحر الأحمر، واصلاً إياه بخليجي عدن وبحر العرب.

فإغلاق مضيق هرمز سيتسبب بكارثة للاقتصاد العالمي، في حين أنه يمكن تجاوز ما يحصل في مضيق باب المندب من خلال تحمل تكلفة مالية إضافية وسلوك طريق شحن أطول، لافتاً إلى أنه ليس هناك بدائل عملية أخرى لمضيق هرمز، رغم أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يمكنهما تجاوز الطريق من خلال الشحن خارج الخليج العربي ولكن حتى هذا ليس فعالاً بما فيه الكفاية.

بدوره يقول أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عصام ملكاوي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه لا يعتقد أن إيران تريد أن تغلق مضيق هرمز، بل أن تستعرض قدراتها في استخدام امكاناتها وهذا الاستعراض الإعلامي يختلف كلياً عن الاستعراض العملي، لذلك تحدث نوعاً من الإرباك والاستنفار عند الخصوم، ولكنها تحتفظ لنفسها بالفعل أو عدمه دون دفع التكلفة، لأن تكلفة أي خطوة كبيرة كهذه لن تكون بسيطة بالنسبة لإيران، فالأضرار على الخصوم كبيرة ورد فعلهم على إيران سيكون أكبر لذلك كل هذه التهديدات ما هي إلا حروب إعلامية، القصد منها التشويش والإرباك.

ويرى ملكاوي أن السيطرة على فوضى سلوك بعض القوى الإقليمية او الفاعلين دون الدولة ممكنة، ولكنها في بعض الأحيان تكون مزعجة ومكلفة وأفعال الحوثيين أكبر مثال، مشيراً إلى أن مجرد التهديد باستخدام مضيق هرمز كورقة ضغط، يستنفر القوة الأميركية فيصبح التهديد والتهديد المضاد هو سيد الموقف ولكن إيران تستفيد من هذا الوضع لتبني لنفسها شخصية دولية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version