خاص

حصاد أسواق النفط في 2023

أطلقت إيران سلسلة من الصواريخ على إسرائيل، مساء الثلاثاء، بعد ساعات من شن القوات الإسرائيلية هجوما بريا ضد حزب الله في جنوب لبنان، في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة المخاطر في المنطقة، وسط مخاوف من الاتجاه نحو الحرب الشاملة.

وقد يكون هجوم إيران على إسرائيل مماثلاً في نطاقه للهجوم الذي وقع في أبريل  الماضي،  ففي ذلك الهجوم، أُطلق أكثر من 300 صاروخ – بما في ذلك نحو 170 طائرة بدون طيار، و30 صاروخًا كروزًا، وأكثر من 120 صاروخًا باليستيًا – باتجاه إسرائيل، لكن أنظمة الدفاع الجوي لإسرائيل وحلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة اعترضت جميعها تقريبًا.

وتفاعلت الأسواق مع التطورات بشكل مباشر، لا سيما أسواق الطاقة التي شهدت قفزات سريعة خلال التعاملات فور بدء الضربات الإيرانية.

وقفزت أسعار الذهب والنفط متأثرة بتصاعد التوترات في الشرق الأوسط عقب الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل.

أسعار الطاقة

قفزت أسعار خام برنت، خلال تعاملات الأول من أكتوبر، بنسبة 5 بالمئة، وأصبحت أسواق الطاقة العالمية في حالة من التوتر بعد أن شنت إيران هجوما صاروخيا جديدا على إسرائيل، مما أثار مخاوف من تصعيد إقليمي كبير وصراع مباشر بين إسرائيل وإيران.

وقال محللون نفطيون في شركة إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس في مذكرة “إن الهجوم الذي شنته إيران من خلال ضربات صاروخية على إسرائيل من شأنه أن يصعد الصراع القائم بين إسرائيل وحزب الله وإسرائيل وحماس، ومن المرجح أن يعرض بعض البنية التحتية النفطية الإسرائيلية على الأقل، بما في ذلك 287 ألف برميل يوميا من طاقة التكرير الإسرائيلية، لخطر أكبر”.

ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 5 بالمئة بعد الهجوم الذي بدأ عند 75.45 دولار للبرميل، وبلغت التداولات عند 74.74 دولار للبرميل بحلول الساعة 17:25 بتوقيت غرينتش.

وفي وقت سابق من اليوم، كان الخام القياسي يتداول عند مستويات أقل في أعقاب تقارير تفيد بأن أوبك وحلفائها قد يبدأون في زيادة إنتاج الخام في سوق مزودة بشكل جيد في الأشهر المقبلة.

تهديدات حقيقية

في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أكدت أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، الدكتورة وفاء علي، أن:

  • أسواق الطاقة تواجه تهديدات حقيقية جراء تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
  • إطلاق إيران صواريخ فرط صوتية على إسرائيل، واستهداف منصات الغاز بالقرب من عسقلان جنوب غربي إسرائيل، قد ينذر بتداعيات أكثر حدة على ملف الطاقة العالمي، الذي يعد من أهم الملفات الاقتصادية.
  • إسرائيل تعتمد بشكل كبير على غاز منصاتها لإنتاج نحو 70 بالمئة من احتياجاتها من الكهرباء.
  • يؤدي ذلك إلى زيادة أسعار الطاقة، وهو ما يتم تسعيره بالفعل في الأسواق الآن.

وأشارت إلى أن تداعيات هذا الوضع تمتد إلى دول مثل مصر والأردن بشكل خاص، حيث تؤثر على صادرات الغاز.

  • وتعتمد مصر على واردات الغاز الإسرائيلي لتلبية جانب من الطلب المحلي، وكذلك لإعادة التصدير عبر محطتي الإسالة في إدكو ودمياط.
  • وكانت صادرات الغاز الإسرائيلية قد توقفت إلى مصر مع وقف الإنتاج في حقل تمار الإسرائيلي في 9 أكتوبر الماضي، بعد اندلاع الحرب.

وأوضحت أن ملف الطاقة أصبح على حافة الهاوية، ذلك أنه في حالة إصابة المنصات الإسرائيلية فإن ذلك يؤثر بشكل مباشر على دول الجوار.

ورغم أن هذه المنصات تتمتع ببعض وسائل الحماية، إلا أن الصواريخ فرط الصوتية تتمكن من اختراق المجال، ولم تستطع القبة الحديدية رصدها.

تقرير لصحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية، كان قد أشار إلى أن المنصات تتمتع بحماية نسبية، حيث تم استثمار أكثر من 3 مليارات شيكل في الدفاع عنها: 1.7 مليار شيكل (455 مليون دولار) لشراء أربع سفن بحرية، و1.5 مليار شيكل لشراء صواريخ اعتراضية، وأنظمة حرب إلكترونية وأنظمة أخرى.

وتعتبر علي أن العالم يواجه معادلة سياسية واقتصادية معقدة في ظل التصعيد المستمر، مما يؤدي بدوره إلى زيادة أسعار الطاقة. وفي ختام تصريحاتها، أكدت أن الخيارات المتاحة أمام العالم تتمحور حول تسعير المخاطر الجيوسياسية، مع تأكيد ضرورة الانتباه إلى الضغط والتصعيد المتواصل في المنطقة.

وفيما يتعلق بتداعيات الأحداث على الأسواق، أفادت الخبيرة الاقتصادية بأن “الأسواق مرتبطة ببعضها البعض، وبالتالي فإن تفاقم المخاطر الجيوسياسية من شأنه أن يؤدي من جديد إلى عودة التضخم إلى المستويات السابقة المرتفعة”.

البنية التحتية للغاز الإسرائيلي

وفي سياق الهجمات التي شنتها إيران على إسرائيل، نقلت تقارير إعلامية -إيرانية وإسرائيلية- أنباءً عن إصابة صواريخ إيرانية منشآت إنتاج الغاز الواقعة بالقرب من مدينة عسقلان الساحلية، جنوب غربي إسرائيل.

يقع حقل تمار – وهو أحد أبرز حقول الغاز الطبيعي في إسرائيل- على بُعد حوالي 24 كيلومترًا من سواحل مدينة حيفا، ويبعد نحو 50 كيلومترًا إلى الشمال من مدينة عسقلان.  وتم اكتشافه سنة 2009، وتقدر احتياطاته بأكثر من 10 تريليون متر مكعب.

وبدأ إنتاج الغاز من الحقل في العام 2013، ومنذ ذلك الحين، لعب دورًا محوريًا في تلبية احتياجات السوق المحلية الإسرائيلية. يتم توجيه الغاز المنتج لتوليد الطاقة الكهربائية، وكذلك لتصديره إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن.

وبحسب تقرير لـ S&P Global، فإن أي تأثير على البنية التحتية للغاز في إسرائيل نتيجة لصراع أوسع نطاقا مع حزب الله من شأنه أن يخلف آثارا إقليمية ومحلية.

  • تعد إسرائيل منتجًا مهمًا للغاز ومصدرًا إقليميًا، حيث وصل الإنتاج إلى مستوى قياسي بلغ 24.7 مليار متر مكعب في عام 2023، وفقًا لبيانات وزارة الطاقة الإسرائيلية المنشورة في مايو.
  • ارتفع الإنتاج بشكل أكبر في النصف الأول من العام 2024، بنسبة 7% على أساس سنوي، عند 13.1 مليار متر مكعب، مما يشير إلى أنه في طريقه لتسجيل إنتاج قياسي في عام 2024.
  • تنتج إسرائيل الغاز من ثلاثة حقول بحرية وهي: تمار، وليفيثان، وأخيرًا كاريش.

وبحسب التقرير، فقد تتأثر مصافي النفط الإسرائيلية بالتصعيد في الصراع.

من المبكر الحكم على التداعيات

وفي تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أشار خبير اقتصاديات الطاقة من لندن، نهاد إسماعيل، إلى صعوبة تحديد تأثير التوترات الحالية على أسواق الطاقة دون معرفة حجم الأضرار التي قد تلحق بالمنصات أو المنشآت “بشكل دقيق ورسمي”. وأكد أن التفاصيل ستظهر بوضوح خلال الأيام المقبلة، مع استيضاح الصورة.

وأضاف أنه من المحتمل اتخاذ إجراءات احترازية تتضمن إغلاقًا مؤقتًا لخطوط تصدير الغاز عبر الأنابيب حتى يتم التأكد من سلامة مرافق الإنتاج والشحن وتوقف أي مخاطر قائمة.

وأشار إلى أنه حتى الآن، لا يُعتقد بأن عمليات الإنتاج والتصدير قد تعرضت لأي خطر كبير. وقد حدث سابقًا توقف قصير للتصدير أو تخفيض للصادرات، كما حدث عقب أحداث 7 أكتوبر. وأكد أن التوقف التام لتصدير الغاز أو الإغلاق لفترة طويلة يبدو غير محتمل.

وأوضح خبير اقتصاديات الطاقة أن جميع الأمور تعتمد على التطورات العسكرية المرتقبة في الساعات المقبلة. وفي حال توسعت المواجهة إلى حرب شاملة، فقد تتغير الصورة تمامًا، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مع تزايد المخاطر. وتساءل حول ما إذا كانت البنية التحتية للإنتاج والتصدير في مصر والأردن ستتعرض للضرر بشكل أو بآخر.

وأكد أن في حال حدوث ذلك، سيكون التأثير السلبي كبيرًا وخطيرًا. ومن جهة أخرى، إذا اندلعت حرب لفترة طويلة، قد تضطر إسرائيل إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة من الغاز لتلبية احتياجاتها المحلية.

وهذا يتطلب تفعيل حالة القوة القاهرة في أي ظرف استثنائي خارج سيطرة الدولة المصدرة للغاز، مما يعني تخفيض أو إيقاف التصدير كليًا لفترة معينة. ومع ذلك، أشار إسماعيل إلى أننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، لذا من المبكر الخوض في تفاصيل هذا الموضوع قبل التأكد من الوضع الميداني.

حقل تمار

وكان حقل تمار قد تعرض للإغلاق في أعقاب بدء الحرب في غزة، مع تصاعد العمليات العسكرية، وهو ما أثر بشكل كبير على إمدادات الغاز المحلية وعلى الصادرات إلى مصر والأردن.

  • وزارة الطاقة الإسرائيلية في أكتوبر الماضي أصدرت تعليمات لشركة شيفرون، التي تدير الحقل الذي يعد مصدرا رئيسيا للغاز اللازم لمولدات الكهرباء والصناعة في إسرائيل، بإغلاق الحقل مع بداية التصعيد في غزة، والذي اندلع في السابع من أكتوبر الماضي.
  • في 13 نوفمبر 2023، قالت شركة شيفرون إنها استأنفت تزويد العملاء في إسرائيل والمنطقة بالغاز الطبيعي من حقل غاز تمار البحري بعد أن طلبت منها وزارة الطاقة الإسرائيلية استئناف الإنتاج.
  • قبل أسبوعين من استئناف العمل بالحقل بعد التوقف، قدرت شركة (بي.دي.أو إزرائيل) للمحاسبة والاستشارات بأن صادرات إسرائيل من الغاز الطبيعي هوت 70 بالمئة منذ أن أغلقت حقل تمار.
  • الشركة قالت إن الخسائر الاقتصادية لإغلاق حقل تمار بنحو 800 مليون شيكل (201 مليون دولار) شهريا، بحسب وكالة رويترز.
  • وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن شركة كهرباء إسرائيل اضطرت إلى استخدام الفحم والوقود الشمسي. وفي وقت قصير، لم يتمكن حقل غاز ليفياثان من توريد نفس الكمية التي زود بها تمار.

خسائر قوية

من جانبه، توقع مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث، أبو بكر الديب، أن يتكبد قطاع الطاقة والغاز الإسرائيلي خسائر تقدر بملايين الدولارات إثر تهديدات تلاحق منصات إنتاج الغاز بالقرب من مدينة عسقلان الساحلية جنوب غرب إسرائيل، مما سيؤثر على صادراتها في الفترة المقبلة.

وأضاف الديب أن وزير الطاقة يمكنه في حالات الطوارئ أن يأمر بوقف صادرات الغاز الطبيعي وغلق المنشآت، مما يتيح الأولوية للسوق المحلية. وقد حدث ذلك بالفعل في أكتوبر الماضي، عندما تم إغلاق حقل تمار لمدة شهر بسبب مخاوف من الهجمات، حيث تم تعويض النقص بواسطة حقل ليفياثان، ولم تحدث مشاكل كبيرة في سوق الطاقة المحلية.

وأشار إلى أن احتياطيات الغاز الإسرائيلية تحتل المرتبة الخامسة والأربعين عالميًا، حيث تمتلك البلاد ثلاث منصات رئيسية هي ليفياثان وتمار و كاريش. ومن الممكن أن تؤدي هذه الحرب إلى زيادة أسعار الغاز على الصعيد العالمي.

وأوضح أن إسرائيل تعتمد بشكل شبه كامل على إمدادات منتظمة من هذه الحقول، حيث يُنتج حوالي 70% من احتياجات الكهرباء المحلية من الغاز الطبيعي المستخرج من ثلاث منصات في البحر الأبيض المتوسط، بينما يتم إنتاج النسبة المتبقية من الطاقة الشمسية والفحم. كما ستطالب شركات الغاز الطبيعي بتعويضات عن الأضرار المالية التي تكبدتها نتيجة الضربات، علمًا بأن منصتي كاريش وتمار تزودان السوق المحلية بمعظم احتياجات الغاز، في حين تُصدر منصة ليفياثان 10% فقط من الغاز، مع تصدير معظم الكميات إلى الأردن ومصر.

أسعار الذهب

وفيما كانت أسواق الطاقة المتأثر الأكبر على ما يبدو بالضربات، لجهة نطاق التحركات التي شهدتها أسعار النفط بشكل خاص، لم يكن الذهب ببعيدٍ عن المشهد، فقد قفزت المعدن الأصفر بأكثر من 1 بالمئة، الثلاثاء، بفضل الطلب على الملاذ الآمن، مع تصاعد المخاوف من اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط بعد أن أطلقت إيران صواريخ باليستية على إسرائيل.

وارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية واحدا بالمئة إلى 2661.63 دولار للأونصة بعد أن سجل أعلى مستوى على الإطلاق عند 2685.42 دولار يوم الخميس.

واستقرت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة على ارتفاع 0.9 بالمئة عند 2690.3 دولار.

وبدورها، أشارت خبيرة أسواق المال، الدكتورة حنان رمسيس، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن تصاعد الأحداث في منطقة الشرق الأوسط تعزز مخاوف المستثمرين، وهو ما يصب في صالح الذهب، بالنظر إلى اعتباره “ملاذ آمن” في فترات عدم اليقين الاقتصادي ومع تصاعد المخاطر بشتى أنواعها.

وتعتقد بأن ثمة مجموعة من العوامل المتداخلة التي تصب في صالح الذهب، إلى جانب التوترات الجيوسياسية والتصعيد الواسع الذي تشهده المنطقة، من بينها اتجاه البنوك المركزية لخفض الفائدة، علاوة على مشتريات البنوك المركزية من الذهب، موضحة أن الذهب يمثل مخزن قيمة للأموال السائلة، أي أنه يحافظ على قيمة العملة في ظل تلك الأوضاع المضطربة، وهو مرشح للوصول إلى 3 آلاف دولار للأونصة.

ويشار إلى أن غولدمان ساكس، كان قد أشار إلى أن سعر الذهب من المرجح أن يصل إلى 2900 دولار للأونصة في أوائل 2025.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version