تشهد المنطقة تداعيات خطيرة جراء الحرب الدائرة في غزة، والتي لم تقتصر آثارها على الجانب الإنساني فقط، بل امتدت لتطال اقتصادات دول الجوار وتضرب مفاصلها الحيوية.
الصراع الذي بدأ منذ أكتوبر من العام الماضي يأخذ منحى متزايد التأثير، حيث تبدو الدول المجاورة، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، متضررة من هذه الأزمة المستمرة، مما يضع عديداً من اقتصاداتها أمام تحديات غير مسبوقة.
الاقتصاد الفلسطيني هو أكثر المتأثرين من الحرب في غزة بشكل مباشر، فقد دُمرت البنية التحتية بصورة كبيرة، مما جعل إعادة الإعمار ضرورة عاجلة تتطلب جهودًا دولية ضخمة.
الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني تضرر بشدة، ما يعكس بشكل واضح التراجع الكبير للأنشطة الاقتصادية وتدهور الخدمات الأساسية. يترافق هذا مع توقف حركة التجارة وتدهور الشرايين الاقتصادية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل سياسات الحصار والعزل الاقتصادي التي تزيد من معاناة الفلسطينيين.
إسرائيل تدفع فاتورة آلة الحرب، إذ لم تسلم هي الأخرى من التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب. فقطاع السياحة، أحد أهم القطاعات الداعمة للاقتصاد، تلقى ضربة قاسية جراء تراجع عدد السياح وتقلص الأنشطة السياحية. كما عانى قطاعا العقارات والصناعة من تأثيرات ملحوظة، إلى جانب القطاع التكنولوجي الذي شهد تراجعًا نتيجة تزايد المخاوف والتوترات الأمنية.
يأتي ذلك في وقت يؤدي فيه تزايد الإنفاق العسكري والضغط على الموازنة العامة إلى ارتفاع العجز والمديونية، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية المستقبلية ويعمق الأزمات الداخلية.
أما في لبنان، فالوضع الاقتصادي كان هشًا أصلاً حتى قبل اندلاع الحرب في غزة، إلا أن استمرار الصراع في المنطقة يزيد من هشاشة الوضع ويضع الاقتصاد اللبناني على حافة الهاوية، لا سيما بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة.
الضغوط السياسية، بالإضافة إلى افتقار جانب كبير من الدعم الخارجي تعني أن لبنان يواجه أزمة مالية خانقة، تتفاقم بسبب انعدام الاستقرار السياسي ووجود تحديات أمنية على الحدود الجنوبية.
كذلك الحال في سوريا التي تعيش وضعًا اقتصاديًا بالغ الصعوبة، حيث تسببت سنوات من الحرب الداخلية في استنزاف قدرات البلاد الاقتصادية.
تطال التبعات الاقتصادية للحرب في غزة بلدان أخرى مثل مصر والأردن، فالقاهرة التي تأثرت بشكل واضح من التوترات الجيوسياسية في المنطقة، تعرضت فيها قناة السويس لتراجع في الإيرادات نتيجة التوترات البحرية في البحر الأحمر وباب المندب. بينما رغم ذلك، يبقى الاقتصاد المصري قادرًا على الصمود، بفضل تنوع موارده من السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية، إلى جانب الإنتاج الصناعي. ارتفاع الاحتياطي النقدي ساعد في تعزيز الثقة والاستقرار في سوق العملة، إلا أن مصر لا تزال تواجه تحديات تتعلق بارتفاع معدلات التضخم الناجمة عن ضغوط داخلية وخارجية.
والأردن كدولة مجاورة للصراع في غزة، يواجه تحديات اقتصادية تضغط على بنيته المالية. التقارب الجغرافي مع مناطق الصراع يجعل الأردن معرضًا بشكل كبير للتداعيات الاقتصادية.
اقتصادات المنطقة تحت الضغط
وفي السياق، حذر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن الحرب والطقس المتطرف يؤثران على النمو الاقتصادي في دول يغطيها البنك، مشيرا إلى أن الأزمة الآخذة في التصاعد في الشرق الأوسط تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان وتضر بدول مجاورة مثل الأردن ومصر.
وذكر البنك في تقرير نصف سنوي أن التعديل الهبوطي لنمو الناتج المحلي الإجمالي بالمنطقة التي يغطيها البنك طفيف إلا أنه ثاني تعديل بالخفض في تلك المنطقة التي تشمل اقتصادات ناشئة في أوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا.
وكان صندوق النقد الدولي قد خفض توقعاته لنمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال العام الجاري، بشكل طفيف إلى 2.7 بالمئة، مقابل 2.9 بالمئة في تقديراته السابقة التي أصدرها في يناير، وذلك في ظل الضغوط الناتجة عن استمرار الحرب في غزة وتوترات حركة الشحن في البحر الأحمر.
الآثار المستقبلية والتحديات المشتركة
الصورة الاقتصادية في المنطقة تتسم بالغموض، خاصة مع استمرار الحرب واحتمالية توسع رقعتها. تظل المنطقة تحت وطأة التوترات السياسية والأمنية، مما ينعكس على الاقتصادات الوطنية ويزيد من صعوبة جذب الاستثمارات واستقرار الأسواق المالية. الدول المتضررة بحاجة إلى دعم دولي ملموس، سواء في إطار إعادة الإعمار أو تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ولكن هذا الدعم يبدو غير متوفر بشكل كافٍ في الوقت الراهن، مما يترك اقتصادات هذه الدول في وضع هش يتطلب حلولاً جذرية وإجراءات إصلاحية طويلة الأمد.
الحرب في غزة هي مثال حي على كيف يمكن للصراعات الإقليمية أن تؤدي إلى تأثيرات اقتصادية تتجاوز حدود المناطق المتصارعة، لتشمل دولاً بأكملها، في وقت أصبحت فيه الأزمات الاقتصادية متشابكة ومعقدة، تحتاج إلى تضافر الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق أي نوع من الاستقرار والتنمية المستدامة.
أبرز الاقتصادات المتأثرة
من جانبه، عرب90مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور مصطفى أبو زيد، في تصريحات خاصة لـموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، جوانب من التداعيات الاقتصادية للحرب في غزة على دول المنطقة، موضحاً أن:
- هناك تداعيات كارثية وسلبية للغاية على الاقتصاد الفلسطيني، حيث فقد الاقتصاد ما يقرب من 97 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي بقيمة تُقدَّر بـ18.5 مليار دولار (قيمة الخسائر الاقتصادية التي شهدها القطاع منذ أكتوبر الماضي)، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة والبنك الدولي في أبريل الماضي.
- هذه الأرقام تعكس انهيار النظام الاقتصادي الفلسطيني، نتيجة تدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية.
- بالنسبة للوضع الاقتصادي في لبنان، فإن بيروت تعاني بالأساس منذ سنوات من أزمة مالية خانقة أدت إلى انهيار كبير في العملة الوطنية، حيث فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين.
- هذه الأزمة تزامنت مع تضخم مرتفع وانخفاض الناتج المحلي بنحو 50 بالمئة.
- كما يشهد لبنان ارتفاعاً في معدلات الفقر وتراجعاً حاداً في احتياطي النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي، في ظل غياب الدعم الخارجي اللازم لمواجهة التحديات الاقتصادية المتفاقمة.
وأكد أبو زيد أن التوترات المستمرة في غزة، بالإضافة إلى الأوضاع الحالية في لبنان، ستؤدي إلى خسائر اقتصادية متزايدة، خصوصاً بسبب الدمار الذي يلحق بالبنية التحتية في جنوب لبنان جراء الهجمات الإسرائيلية. وأضاف أن هذه الأوضاع تزيد من الضغط والأعباء على الاقتصاد اللبناني الذي يعاني أصلاً من هشاشة كبيرة.
- فيما يتعلق بالاقتصاد السوري، أشار أبو زيد إلى أن الحرب المستمرة منذ سنوات قد استنزفت الاقتصاد السوري بشكل كبير.
- وأوضح أن الليرة السورية فقدت قيمتها بالكامل تقريباً، إذ كانت تتداول قبل الحرب عند مستوى 47 ليرة للدولار، في حين يتراوح السعر حالياً بين 12.5 ألف ليرة (رسمياً) و14.5 ألف ليرة (غير رسمي).
- وأكد أن معدل التضخم وصل إلى 156 بالمئة، مما يعكس حجم التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجه سوريا، في ظل سيطرة الحكومة على جزء محدود من الأراضي، مما يحد من الاستفادة من الموارد الاقتصادية والإنتاجية في البلاد.
أما بخصوص الاقتصاد المصري، فأكد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن التوترات الجيوسياسية الحالية لها تأثير سلبي على مصر، لكن ما يميز الاقتصاد المصري هو تعدد موارده ومصادره.
وأشار إلى أن إيرادات قناة السويس تأثرت سلباً، حيث انخفضت بنسبة تصل إلى 50 بالمئة، غير أن الاقتصاد المصري لا يزال يتمتع بموارد أخرى لتدفقات النقد الأجنبي مثل السياحة، الصادرات، والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، فضلاً عن القدرات الإنتاجية والتصنيعية.
وكانت إيرادات هيئة قناة السويس المصرية قد تراجعت خلال العام المالي 2024/2023، وذلك نتيجة تأثرها الشديد من تداعيات الأحداث في البحر الأحمر.
وأوضح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في كلمة خلال حفل تخرج دفعة جديدة من طلاب أكاديمية الشرطة في مصر، الأحد، أن قناة السويس فقدت أكثر من 50 إلى 60 بالمئة من إيراداتها خلال نحو 8 أشهر الماضية، مقدرًا الخسائر بأكثر من 6 مليارات دولار.
وأشار أبوزيد لارتفاع الاحتياطي النقدي إلى أكثر من 46 مليار دولار، وتأمين المخزون الاستراتيجي من السلع لفترات آمنة، مما يعزز من قدرة الاقتصاد المصري على التكيف مع الأزمات والتحديات.
وشدد على أن استمرار الحرب والتوترات في المنطقة سيسهم بشكل مباشر في تفاقم الانهيار الاقتصادي في فلسطين، لبنان، وسوريا، مشيراً إلى أن هذه الدول بحاجة ماسة إلى دعم مالي دولي كبير لإعادة الإعمار، بجانب تنفيذ برامج إصلاح اقتصادي قادرة على استعادة مسار النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار.
ووفق صندوق النقد الدولي، في تقريره الصادر في أبريل الماضي، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد استمرار سلسلة من التحديات، حيث أن “الصراع في غزة وإسرائيل تسبب في معاناة إنسانية جمة”. وأضاف أن “الانقطاعات في حركة الشحن عبر البحر الأحمر والتخفيضات في إنتاج النفط أفضت إلى تفاقم مواطن الضعف الناشئة عن مستويات الدين المرتفعة وتكاليف الاقتراض الكبيرة”.
“وفي 2025، من المتوقع أن يسجل النمو ارتفاعا إلى 4.2 بالمئة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يفترض أن ينحسر تأثير هذه العوامل المؤقتة بالتدريج”، بحسب ما ذكره تقرير صندوق النقد الدولي.
ووفق الصندوق، فإن “الصراع في غزة وإسرائيل يؤدي إلى مفاقمة عدم اليقين الراهن، إذ تظل مدة الصراع وتأثيره محاطين بضبابية كبيرة”. وذكر أن الصراعات تؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي في بعض البلدان الهشة منخفضة الدخل.
توقعات بتفاقم التأثيرات
وإلى ذلك، أوضح مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الحرب الدائرة حالياً بين حزب الله وإسرائيل، التي تُعتبر امتداداً للحرب الإسرائيلية في غزة منذ حوالي عام، تحمل تأثيراً سلبياً على اقتصادات الدول المجاورة، ومن المتوقع أن تتفاقم تداعياتها على منطقة الشرق الأوسط وربما العالم إذا استمرت على نحو أوسع. وأكد الديب أن تأثير هذه الحرب يختلف من دولة لأخرى حسب وضعها الاقتصادي ومدى ارتباطها بالمرافق المتأثرة.
وأوضح أن مصر تأثرت بشكل خاص بانخفاض عوائد قناة السويس، نتيجة التوترات في الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب جراء تهديدات الحوثيين. وأشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط تُعد معبراً مهماً لحوالي 45 بالمئة من حجم التجارة العالمية عبر المحيط الهندي، كما يدخل من باب المندب 12 بالمئة من هذه التجارة، ويمر عبر قناة السويس حوالي 30 بالمئة من حركة الحاويات و10 بالمئة من النفط المنقول بحراً، إضافة إلى 8 بالمئة من الغاز. وأكد أن تعثر حركة الملاحة يعني تضرر سلاسل الإمدادات وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مما قد يدفع بعض السفن للمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما يستغرق وقتاً أطول وتكاليف أكبر، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الخام على الدول الأوروبية وزيادة معدلات التضخم فيها.
وفيما يخص الأردن، أشار الديب إلى أن البلاد تقع قرب منطقة الصراع الدائر بين إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان، مما يجعلها تتأثر بشدة بسبب علاقاتها التجارية مع جميع الأطراف.
وعن إسرائيل، أضاف أن وكالة موديز خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل مرتين منذ بدء الحرب في غزة، وتعرضت تل أبيب لخسائر كبيرة في قطاعات السياحة، العقارات، الزراعة، الصناعة، والتكنولوجيا، إلى جانب ارتفاع عجز الموازنة وتفاقم الديون وانهيار البورصة، مما أدى إلى خسائر اقتصادية ربما تصل إلى 100 مليار دولار وفق بعض التقديرات.
وقالت “موديز” إن المحرك الرئيسي وراء خفض التصنيف “هو واعتقادنا أن المخاطر الجيوسياسية تفاقمت بشكل كبير إلى مستويات مرتفعة للغاية، مما ينذر بعواقب مادية سلبية على الجدارة الائتمانية لإسرائيل على المدى القريب والبعيد”.
وحذرت الوكالة من أن حالة عدم اليقين بشأن أمن البلاد وآفاق نموها الاقتصادي على المدى الأطول “أعلى كثيرا من المعتاد عند مستوى التصنيف Baa”، والانخفاض عن هذا المستوى يعني أن إسرائيل سوف تفقد تصنيفها الائتماني عند الدرجة الاستثمارية.
كما تطرق الديب إلى الاقتصاد الفلسطيني، مشيراً إلى أن الضفة الغربية وقطاع غزة يواجهان خسائر اقتصادية كبيرة، حيث يحتاج قطاع غزة إلى إعادة إعمار بعد تدمير البنية التحتية، وهو ما يتطلب سنوات. وأشار إلى تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقطع العلاقة بين البنوك الفلسطينية والمصارف الإسرائيلية، مما سيعوق تدفق الأموال للسلطة الفلسطينية.
وفيما يتعلق بالاقتصاد اللبناني، أشار إلى أن لبنان يمر بأزمة اقتصادية منذ سنوات، ويعاني من انهيار في قيمة العملة وارتفاع في التضخم. وأوضح أن حزب الله، الذي يتحكم في الاقتصاد اللبناني، يرفض شروط صندوق النقد الدولي، ويدير اقتصاداً خفياً بقيمة تصل إلى ملياري دولار عبر مصارف وشركات وتجارة خاصة.
وأكد أن الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد عدة أطراف تتسبب في هزة اقتصادية للدول المجاورة، مما يزيد الضغوط على التضخم وأسعار العملة الوطنية. وحذر من أنه في حال توسع الحرب واشتدت وتيرتها، فإن التداعيات الاقتصادية ستكون كارثية، ولن تقتصر على دول الجوار فحسب، بل ستمتد لتؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل أوسع.
تداعيات جسيمة
من جانبه، أكد مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لـموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الحرب المطولة على غزة والتوترات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط لها تداعيات اقتصادية جسيمة على دول الجوار، بما في ذلك مصر.
وأشار إلى أن مصر فقدت جزءاً كبيراً من مواردها الدولارية نتيجة تأثر مصادر أساسية بسبب الاضطرابات الجيوسياسية والعسكرية. وضرب مثالاً بقناة السويس التي شهدت تراجعاً ملموساً في عوائدها خلال العام الماضي، جراء التهديدات التي طالت المصالح الأميركية والإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب من قبل الحوثيين في اليمن. وأوضح أن هذه التهديدات دفعت بعض الشركات إلى تغيير مسارات السفن، مما أثر على إيرادات القناة، فضلاً عن تردد شركات التأمين في تقديم التغطية لبضائع تمر بمناطق معرضة للمخاطر، ما أدى إلى شلل في حركة التجارة العالمية.
وأضاف أن تلك الأزمات الجيوسياسية تسهم في زيادة التضخم العالمي بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت مؤشراته على مدى العامين الماضيين، مما أدى إلى زيادة تكلفة تمويل البضائع وتآكل القوة الشرائية للأفراد، خاصة في الدول المجاورة لمنطقة النزاع. كما أشار إلى أن التضخم ارتفع بشكل متسارع في ظل الأوضاع غير المستقرة، إذ يلجأ التجار إلى رفع الأسعار، خصوصاً للسلع الاستراتيجية كالقمح والطاقة.
فيما يتعلق بالإيرادات السياحية، أوضح شعيب أن دولاً مثل مصر ولبنان والأردن تعتمد بشكل كبير على السياحة كأحد مصادر العملة الصعبة (..) كما أضاف أن التوترات في الشرق الأوسط امتدت لتشمل مناطق أخرى مثل اليمن وجنوب لبنان وسوريا وإيران، ما جعل المنطقة ككل تبدو وكأنها على صفيح ساخن، الأمر الذي ينعكس سلباً على الاقتصاد.
ولفت شعيب إلى أن الاقتصاديات في دول مثل مصر والأردن ولبنان تعتبر ضعيفة، وتعتمد بشكل كبير على الاستدانة من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي. وهذا العجز المالي يجعل هذه الدول تعتمد على الأموال الساخنة لسد الفجوات التمويلية. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية، تصبح تلك الأموال عرضة للخروج المفاجئ، ما يزيد من هشاشة الاقتصاد ويعرض قدرة تلك الدول على الوفاء بالتزاماتها التمويلية للخطر.
في ختام حديثه، أكد شعيب أن ارتفاع التوترات العسكرية يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل استباقي، حيث يسعى الموردون والتجار، انطلاقاً من توقعاتهم لمستقبل الأزمات، إلى حماية مصالحهم عبر رفع الأسعار لتحقيق أكبر ربح ممكن، ما يفاقم من الأعباء على المستهلكين ويدفع الأسواق نحو مزيد من عدم الاستقرار.