“استمرار الحرب يدفع لبنان نحو المجهول”.. هذا ما أكده وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام، في تصريحاته له لـ “سكاي نيوز عربية” أشار خلالها إلى أن الحالة الاقتصادية للبنان “في وضع صعب ودقيق جدا”، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أن لبنان يقوم بتنفيذ خطة طوارئ حاليا لمحاولة إنقاذ الوضع الاقتصادي في البلاد، إلا أن استمرار التصعيد “سيأخذ البلاد نحو وضع صعب ومجهول” حتى مع استمرار المساعدات والدعم الدولي.
وفي هذا السياق، يعتقد خبراء اقتصاديون بأن الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله قد يؤدي إلى انكماش اقتصادي يتراوح بين 10 و25 بالمئة في لبنان هذا العام، مع تدمير قطاعات حيوية من الزراعة إلى السياحة وتضرر البنية التحتية الحيوية.
وبحسب ما نقلته صحيفة “ذا ناشيونال”، عن المحللة البارزة لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU)، كيرين أوزييل، فإن لبنان، الذي يعاني بالفعل تحت وطأة عدة أزمات ناجمة عن سنوات من الجمود السياسي ونحو 12 شهراً من القتال بين إسرائيل وحزب الله، قد يواجه تباطؤاً اقتصادياً “كبيراً” في أوائل عام 2025 .
كانت وحدة الاستخبارات الاقتصادية قد توقعت انكماشا اقتصاديا للعام السابع على التوالي في لبنان في عام 2024، حتى قبل الهجمات الإسرائيلية يوم الاثنين والتي كانت الأكثر دموية في القصف على لبنان منذ عام 2006.
وأضافت:
- إن تصاعد القتال بين إسرائيل وحزب الله منذ هجوم جهاز النداء “البيجر” والهجوم الجوي الإسرائيلي المكثف من شأنه أن يؤدي إلى تراجع الآمال في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بشكل أكبر.
- تدهور الاقتصاد والبنية الأساسية في لبنان بالفعل بشكل خطير بسبب الأزمة الاقتصادية وسنوات من عدم الاستقرار السياسي وسوء الإدارة، الأمر الذي جعله يفتقر إلى القدرة على الصمود حتى في مواجهة حملة عسكرية قصيرة نسبيا بهذا الحجم.
- تصاعد القتال من المرجح أيضا أن يؤدي إلى تفاقم مشاكل العرض وزعزعة استقرار الليرة اللبنانية مرة أخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم الذي بدأ في التراجع في الأشهر الأخيرة.
سيناريوهات الاقتصاد والحرب
من جهته، أفاد أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية، جاسم عجاقة، في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن الحرب القائمة على الجبهة الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل أتت وهي غير مرحب بها على الصعيد الاقتصادي نظرا لضررها الواسع على الاقتصاد.
وأشار إلى أن وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية كانت قد وضعت ثلاث سيناريوهات بشأن اقتصاد لبنان خلال الحرب الحالية، وكانت كالتالي:
- السيناريو الأول: تم تخطيه حيث كان عبارة عن مواجهة على صعيد ثلاثة أشهر، بما يسفر عن خسائر محدودة إلى حد ما، خاصة في القطاع السياحي وعلى صعيد الاحتياطي الأجنبي والناتج المحلي الإجمالي.. الخسائر على القطاع السياحي وصلت إلى 500 مليون دولار، بينما خسائر في الاحتياطي الأجنبي كانت حوالي 2 بالمئة ونسبة الخسائر من الناتج المحلي 3 بالمئة.
- السيناريو الثاني: وهو يعبر عن الواقع بالوقت الحالي، صراع يمتد حتى منتصف 2024.. هناك خسائر في الإيرادات السياحية بقيمة 1.6 مليار دولار، بينما وصلت نسبة خسائر الاحتياطي الأجنبي 6 بالمئة، وخسائر الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى 7 بالمئة.
- السيناريو الثالث: سيدخل لبنان في هذه المرحلة إلى أمد أطول للصراع واتساع نطاقه دون أن تكون حرب شاملة، لتحدث خسائر أكبر تصل إلى 3.7 مليار دولار في القطاع السياحي، ونسبة خسارة الاحتياطي الأجنبي 14 بالمئة، بينما خسارة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 23 بالمئة.
وأضاف إلى تلك السيناريوهات الثلاثة سيناريو آخر للحرب الشاملة، وعن تأثيرها على الاقتصاد اللبناني توقع ما يلي:
- أن يكون ضرر تلك الحرب أكبر بكثير لأن ما قامت به إسرائيل على صعيد غزة يمكن أن يتكرر في لبنان من ناحية تدمير البنية التحتية والمنازل وغيرها من المنشآت الاقتصادية، ما يستدعي زيادة الإنفاق الحكومي، وهو بالطبع سيؤدي إلى ضرر كبير قد تتخطى نسبته عشرات مليارات الدولارات من الخسائر المباشرة وأخرى غير مباشرة.
- على الصعيد الاجتماعي ستؤدي الحرب الشاملة إلى تجويع الشعب اللبناني خاصة المواد الغذائية وأيضًا الصحية.. وإذا أقدمت إسرائيل على غلق البحر والمطار وغيرها من الحدود اللبنانية مع العالم، سيكون هناك نقص في تلك المواد ما يدفع لبنان للاعتماد على مساعدات المجتمع الدولي لتوفيرها.
- نقص بالمحروقات حال امتداد تلك الحرب لتشمل فترة الشتاء، ليكون ضررها أكبر خاصة وأن طقس لبنان بالشتاء يحتاج إلى محروقات أكبر، إضافة إلى احتياجها للاستخدام في وسائل التنقل.
السيناريو الأسوأ
وبالعودة لتقرير صحيفة “ذا ناشيونال”، فقد نقل عن كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في مجموعة بنك بيبلوس في بيروت، نسيب غبريل، قوله: “نظرًا لأن السيناريو الأسوأ قد تحقق وبدأت إسرائيل حربها على لبنان ، أتوقع انكماشًا أكثر حدة في النشاط الاقتصادي في عام 2024 والذي قد يتراوح من 6 إلى 10 بالمئة هذا العام، اعتمادًا على طول وحجم الحرب”.
وأضاف: نتيجة لاشتداد الحرب فإن الاستهلاك سوف يقتصر على السلع الأساسية، وسوف تتعطل حركة السفر بشكل كبير، مما سيؤثر على صناعة السياحة، وسوف يتأخر الاستثمار بشكل أكبر، وسوف يكون معدل الواردات أقل من 17.5 مليار دولار في عام 2023.
وتتوقع وزارة المالية اللبنانية فائضاً مالياً بنسبة 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام استناداً إلى أداء المالية العامة في الأشهر الثمانية الأولى، لكن غبريل يتوقع أن يتراوح التوازن المالي بين صفر بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى عجز بنسبة 1 بالمئة بسبب تكثيف القتال، وفق التقرير.
تفعيل الدبلوماسية
وشدد على ضرورة أن تُفعل الحكومة اللبنانية دبلوماسيتها مع العالم لمنع اندلاع الحرب الشاملة لأن لبنان لا تستطيع أن تتحمل اقتصاديا تلك الحرب، والضغط من خلال المؤسسات الدولية والعلاقات الثنائية التي تربط لبنان بالعديد من البلدان العربية والخليجية والأصدقاء في أميركا وأوروبا خاصة وأن هذه الحرب ليست في مصلحة أي طرف والخسائر ستكون أرقامها خيالية.
وفي السياق أرجع الأزمة الاقتصادية التي تعانيها لبنان إلى الإدارة المالية السيئة، قائلًا إنها أوصلت لبنان في عام 2020 للتخلف عن سداد ديونها.
وأوضح أن هناك أحداث سياسية وأمنية إضافة إلى جائحة كورونا منذ 2020، كلها عصفت بلبنان، وحتى اليوم تعيقها عن الخروج من أزمته الاقتصادية التي أطاحت أيضًا بالقطاع المصرفي .وأكد أنه لا يمكن الحديث عن اقتصاد طبيعي في ظل إصلاحات طالب بها صندوق النقد الدولي، مؤكدًا أنه إذا لم تقم السلطات بتلك الإصلاحات نتيجة الانقسام السياسي الحاد سيظل هناك خلل بالاقتصاد اللبناني، ويجعله في مواجهة مع المجتمع الدولي.
تلك الإصلاحات في مقدمتها:
- إعادة هيكلة القطاع المصرفي خاصة مع أزمة المودعين.
- إعادة التوازن إلى المالية العامة والقطاع العام كتوظيف ومؤسسات فهناك ضرورة لإعادة هيكلتها.
- تعديل بعض القوانين على رأسها محاربة الفساد، وفرض سيادة الدولة المالية على كل الأراضي اللبنانية.
وشدد على أن استمرار الأزمة سيزيد من الخسائر الناتجة عن تخلف الدولة عن سداد ديونها، إضافة إلى زيادة الخسائر على المودعين الذين يتأملون استرداد ولو جزء من ودائعهم في المصارف اللبنانية.
اتساع نطاق الصراع
ووفق وزير الاقتصاد الأسبق ونائب حاكم مصرف لبنان المركزي، ناصر السعيدي، فإن “اتساع نطاق الصراع ليشمل هجوما بريا سيكون مدمرا، بما في ذلك من خلال المزيد من الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي، والصادرات، والتحويلات المالية، وتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، والهجرة”، بحسب تقرير الصحيفة المشار إليه.
وأضاف أن “التصعيد الإضافي نحو حرب أوسع نطاقا، مع الضربات وتدمير البنية التحتية، قد يؤدي إلى انكماش الاقتصاد بنسبة تصل إلى 25 بالمئة في عام 2024”.
وقد تؤدي الحرب أيضاً إلى انقطاع التحويلات المالية، وخاصة النقدية، والتي كانت تشكل مصدراً رئيسياً للدخل بالنسبة للسكان الفقراء ــ تمثل التحويلات المالية نحو 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ــ والعملات الأجنبية اللازمة لدفع ثمن الواردات.
وأضاف أن التجارة الخارجية والسفر والسياحة ستتأثر بشكل مباشر، فضلا عن قطاع الطاقة والنقل وتجارة التجزئة الذي تضرر بالفعل بسبب انخفاض القدرة الشرائية.
فيما قال كبير الاقتصاديين في بنك عودة، مروان بركات، إن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، الذي انكمش بالفعل من 50 مليار دولار إلى 20 مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية، سوف يشهد “انكماشا إضافيا”. وأضاف: “سوف ينكمش النمو بنسبة 20 بالمئة على الأقل في سيناريو الحرب الطويلة الأمد”. وحذر من أن التضخم، الذي تراجع مؤخرا، قد يرتفع إلى أكثر من 400 بالمئة في حال استمرار الحرب لفترة طويلة.
وحذرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية من أن الأوضاع في لبنان قد لا تبدأ بالاستقرار إلا في النصف الثاني من العام المقبل، وأن النمو الإجمالي قد يستعيد عافيته في عامي 2026 و2027.
ضغط شديد للاقتصاد
فيما أكدت الخبيرة في النفط والغاز اللبنانية لوري هايتايان، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن اتساع الحرب من شأنه أن يضع اقتصاد لبنان تحت ضغط شديد، لافتة إلى أن القليل الموجود من الصناعة والتجارة قد يتأثر، إضافة إلى المطاعم والمواقع السياحية، مشددة على أن تلك الحرب ستخلق أزمة أكبر بالبلاد.
وأوضحت أن جنوب لبنان أصبح ساحة حرب منفصلة عن باقي المناطق التي تعيش حياة طبيعية، لكنها قد تتأثر بحال الحرب الواسعة وضُربت البنى التحتية مثل المطار أو المرفأ، فلن تعد هناك إمكانية لنقل البضائع والتمويل، مؤكدة أن كل ذلك سيؤثر على ما تبقى من الاقتصاد اللبناني الذي يتمثل في السياحة الموسمية والمطاعم وبالتالي لبنان أصبحت تنتقل من كارثة إلى كارثة أخرى.
وقالت إن الاقتصاد اللبناني يعاني منذ وقت أزمة الانهيار في عام 2019، مؤكدة أن هناك أزمة اقتصادية حقيقية يعكسها صغر حجم الاقتصاد اللبناني وانعدام الاستثمارات الخارجية.
وأشارت إلى أن هناك اعتماداً كبيراً على الاقتصاد النقدي “الكاش”، في ظل انعدام الثقة بالقطاع المصرفي، فإن المواطنين لديهم سيولة بالأموال لا يستطيعون وضعها بالبنوك أو حتى الاقتراض منها، لذا يستخدمون النقد في معاملاتهم اليومية بشكل متزايد.
وبحسب وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، في أبريل الماضي، فإن قطاع السياحة تأثر بسبب الحرب بنسبة 75 بالمئة، وأن قطاع الزراعة قد بلغت خسائره بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار.
تفاقم للأزمة الداخلية
وأوضح الكاتب الصحافي والمحلل السياسي اللبناني محمد سعيد الرز، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه في ظل الواقع الذي يعيشه لبنان واللبنانيون فإن خوض حرب واسعة مع إسرائيل من شأنه أن يفاقم الأزمة الداخلية، خاصة وأن الدمار الحاصل في الجنوب اللبناني على عمق كيلومترات عن الحدود مع فلسطين، فيما باتت كلفة إعادة اعمار الجنوب أكثر من خمسة مليارات دولار إضافة إلى الخسائر المهولة في قطاعي الزراعة والصناعة في تلك المنطقة.
وقال إن إسرائيل نفذت بعد صدور القرار الأممي 1701 عام 2006 وحتى السابع من أكتوبر الماضي 32 ألف خرق لهذا القرار تمثلت باعتداءات متنوعة برا وبحرا وجوا ، كما أن مناطق لبنانية هي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وخراج بلدة الماري لا تزال محتلة من قبل الجيش الإسرائيلي إضافة إلى تقارير دولية أكدت أن إسرائيل خططت لحرب مع لبنان فور انتهاء حربها مع غزة.
ونوه بأن عدم وجود جبهة داخلية لبنانية سياسية واقتصادية سليمة ومتراصة وفي ظل وجود قوى سياسية معارضة لحزب الله، من شأنه التأثير سلبا على مجريات حرب موسعة حال نشوبها.
كما أفاد بأن الوضع الاقتصادي في لبنان تردى إلى أدنى مستوياته منذ خمس سنوات وحتى الآن، وهو ما ينعكس خلال:
- أن أكثر من نصف الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر في المعادلات المعيشية، وسقوط الطبقة الوسطى.
- تدهور قيمة العملة اللبنانية بنسبة 90 بالمئة.
- ذهاب أموال المودعين في المصارف إلى خبر كان.
- تراكم الدين العام على الدولة ليتجاوز 120 مليار دولار.
ارتفع معدل الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي إلى 44 بالمئة من مجموع السكان، وفقا لتقرير للبنك الدولي في مايو الماضي.
وأرجع حدوث هذا الانهيار المالي والاجتماعي في لبنان إلى انقلاب الطبقة الحاكمة على الدستور الوطني المستمد من اتفاق الطائف للوفاق الوطني، لتقيم منذ 33 سنة دستورا خاصا بها سمح لها بتقاسم مؤسسات الدولة وإداراتها ووزاراتها والمالية العامة بتحالف بينها وبين أصحاب المصارف والحاكم السابق لمصرف لبنان.