في مقال له بصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، قال الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز، والمؤلف المشارك لكتاب “الإمبراطورية السرية: كيف سلحّت أميركا الاقتصاد العالمي” مع أبراهام نيومان، هنري فاريل، إنه “ينبغي لأميركا أن تفكر مرتين قبل استبدال العقوبات بالرسوم الجمركية”.
وبحسب الكاتب، فإن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، يحب أن يقول إنه وحده القادر على حماية أميركا من “الخداع” من جانب “الحلفاء الجشعين”.
فلماذا إذن يريد استبدال حجر الزاوية الوحيد للأمن القومي الذي تدعمه الدول الأجنبية بنظام من شأنه أن يجعل المستهلكين الأميركيين يدفعون التكاليف؟
في الأسابيع الأخيرة، تحدث ترامب عن الابتعاد عن العقوبات المالية الأميركية ضد روسيا والصين، والتي يزعم أنها تقوض الدولار وتجعل عملة الصين أكثر جاذبية.
وبدلاً من ذلك، يريد ترامب تحويل التعريفات الجمركية إلى أداة أميركية للإكراه.
وقد يجبر التهديد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100 بالمئة الحكومات المترددة على التمسك بالدولار، أو إجبار الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي على إنفاق المزيد على جيشها.
وأضاف كاتب المقال: “إن أميركا لديها علاقة غير صحية مع العقوبات المالية. ولكنها أصبحت “مدمنة” عليها؛ لأنها لا تضطر إلى دفع معظم تكاليفها. بل إنها تجعل الأجانب يدفعون بدلا من ذلك. ويريد ترامب التخلي عن هذا، واستبدال سلطة العقوبات الأميركية بنسخة مكلفة من “الإكراه الاقتصادي الصيني”، على حد وصفه.
ووفق المقال، فإنه من غير المرجح أن يكون الرئيس الأميركي السابق مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية مهتمًا بالمخاطر طويلة الأجل الناجمة عن الإفراط في استخدام العقوبات.
وربما يريد تخفيف الضغوط على روسيا والعملات المشفرة (التي تتعارض بشكل متزايد مع الدولة الأمنية في الولايات المتحدة)، ولكن حتى لو كان غير صادق، فهو ليس مخطئًا تمامًا.
قوة الدولار
وأوضح أن قوة الدولار تسمح للولايات المتحدة بالضغط على البنوك الأجنبية والجهات المالية الفاعلة لإجبارها على الخدمة، مما يضطرها إلى قطع وصول خصومها إلى النظام المالي العالمي.
ولهذا السبب فإن العقوبات المالية الأميركية قوية للغاية، ولكن كما زعم مسؤولون مثل وزير الخزانة السابق جاكوب لو، فكلما استغلت الولايات المتحدة الدولار، كلما بحثت الدول الأخرى عن طرق للالتفاف عليه.
ولكن الدولار، إذا استُخدِم بعناية، بحسب فاريل، يسمح لأميركا بممارسة الإكراه بثمن بخس، والصين ليست محظوظة إلى هذا الحد. فهي مضطرة إلى دفع ثمن معاقبة الآخرين. والحكومة الصينية لا تسيطر على التمويل العالمي، بل إنها لجأت بدلاً من ذلك إلى استغلال الوصول إلى أسواق الصين لإلحاق الأذى الاقتصادي بدول أخرى، بحسب تعبيره.
وأفاد كاتب المقال بأن قطع الوصول إلى السوق يضر بالصين وكذلك أهدافها، مما يقوض تجارتها ويضعف ازدهارها. تفقد الشركات والمستهلكون الصينيون قدرتهم على الوصول إلى السلع الأجنبية، أو يتعين عليهم دفع المزيد مقابلها.
على سبيل المثال، عندما أرادت الصين معاقبة أستراليا، تلاعبت باللوائح لوقف واردات الفحم الأسترالي، لكن هذا لم ينجح بشكل جيد. وبحسب ما ورد فإن تقييد الوصول إلى السوق كلف الصين 2 مليار دولار أسبوعياً بينما شجع أستراليا على إيجاد أسواق مربحة في أماكن أخرى.
وهذا هو النهج الذي يريد ترامب تقليده، باستخدام التعريفات الجمركية الضخمة لقطع الوصول إلى السوق، بدلاً من اللوائح التنظيمية.
وعلى حد تعبير منافسته كامالا هاريس، يريد ترامب استبدال سلاح الأمن الاقتصادي الرئيسي لأميركا بـ”ضريبة مبيعات” غير فعالة إلى حد كبير على المستهلكين والشركات الأميركية، وبدلاً من الاستفادة من نقاط الضعف في الصين، يريد تقليدها.
وسوف يحدث هذا على نطاق هائل: إذ يعد ترامب بفرض “رسوم جمركية أكبر من أي وقت مضى في هذا البلد”. وكما يشير جيه دي فانس، فمن المرجح أن تستخدم هذه الرسوم لمعاقبة الحلفاء وكذلك، أو ربما حتى بدلا من الخصوم.
وبطبيعة الحال، كلما استخدمت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية لمعاقبة الحلفاء، كلما بحثوا عن أسواق أخرى، فالاقتصاد الألماني متشابك بالفعل بشكل عميق مع الاقتصاد الصيني.
وسوف يزداد الأمر تعقيدا إذا فاز ترامب وحصل على ما يريد. وسوف تنهار الجهود الحثيثة التي تبذلها إدارة بايدن لبناء ترتيبات تعاونية طويلة الأجل مع الحلفاء بشأن تصدير أشباه الموصلات وتصنيعها، وفق المقال.
واختتم المقال: صحيح أن الولايات المتحدة أصبحت مدمنة على العقوبات المالية.
ولكن الرسوم الجمركية العقابية تشكل دواء أشد خطورة، إذ تخلف آثاراً جانبية فورية أشد قسوة، فضلاً عن أن نتائجها على الأمد البعيد أسوأ كثيراً.
الحماية التجارية
من جانبه، قال الأستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد رامي القليوبي، إن “الاختلاف الرئيسي بين العقوبات والرسوم الجمركية يكمن في أن العقوبات تستهدف دولًا بعينها بشكل مباشر، بينما تهدف الرسوم الجمركية إلى دعم المنتجين المحليين من خلال سياسات الحماية التجارية.
وتعتبر الحماية هذه استراتيجية تبنتها العديد من الدول، منها الدول التي فرضت رسومًا مرتفعة على السيارات لفترات طويلة لحماية صناعاتها المحلية نظرًا لارتفاع تكلفة إنتاج السيارات محليًا مقارنة بالخارج.
وأضاف أن “الولايات المتحدة، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، اعتمدت سياسات حمائية مماثلة بهدف دعم المنتج الأميركي، وهو ما أدى إلى صراعات تجارية مع الصين.. ترامب، كرجل أعمال، كان يرى أن مصلحة أميركا تأتي أولًا، وجعل من ذلك منهجية رئيسية في سياساته الاقتصادية”.
وأشار القليوبي إلى أن “العقوبات الاقتصادية غالبًا ما تكون أكثر تأثيرًا من الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال، العقوبات المفروضة على النفط الروسي من قبل الاتحاد الأوروبي أدت إلى استبعاد نحو 90 بالمئة من النفط الروسي من السوق الأوروبية. بينما في حالة الرسوم الجمركية، تظل السلع من الدول المستهدفة قادرة على دخول الأسواق الأخرى، وإن كانت بتكلفة أعلى، مما يحد من قدرتها على المنافسة في هذه الأسواق”.
السوق المحلية
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية جعفر الحسيناوري إن “فرض الرسوم الجمركية له تأثير كبير على التجارة الدولية والاقتصاد العالمي بشكل عام، حيث يؤدي إلى زيادة أسعار السلع المستوردة، مما يزيد من أعباء المستهلكين ويرفع تكاليف المعيشة. ومع ارتفاع الأسعار، تتأثر القدرة الشرائية للأفراد، مما قد يؤدي إلى تراجع الطلب على المنتجات المستوردة لصالح المنتجات المحلية”.
وأضاف أن “الرسوم الجمركية تلعب دورًا هامًا في حماية الصناعات المحلية من المنافسة الخارجية، إذ تمنح المصنعين المحليين فرصة للنمو والتطور في ظل بيئة اقتصادية محمية من تدفق السلع الأجنبية منخفضة التكلفة. كما أن الدول تستخدم فرض الرسوم الجمركية كسلاح لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية كإجراء حمائي ضد الصين، للحد من توسعها الاقتصادي وتعزيز الصناعات الأميركية”.
وأشار الحسيناوري إلى أن هذه السياسة كانت جزءًا من الحرب التجارية التي شنّتها الولايات المتحدة ضد الصين في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي ركزت على تقليل الاعتماد على السلع الصينية ودعم المنتج المحلي الأميركي تحت شعار “أميركا أولًا”.