فبدلاً من الشراء المباشر، تستفيد شركات مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون، من أساليب “التلاعب الذكي”، كي تتمكن من دمج قدرات شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة ومواهبها الفريدة ضمن هيكلها بموجب “اتفاقية تعاون” دون أن تترك آثاراً واضحة لأي عملية دمج، وبذلك تبدو عمليات الاستحواذ وللوهلة الأولى كتحالف أو شراكة استثمارية تجمع بين طرفين.
وتصاعُد هذا الاتجاه غير المعتاد للصفقات في عالم التكنولوجيا، يعود وبحسب تحقيق أعدته “CNBC” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى التدقيق التنظيمي المتشدد والإجراءات المتزايدة لإدارة بايدن التي تمنع عمليات الدمج والاستحواذ في عالم التكنولوجيا، وتركز على مكافحة الاحتكار والمنافسة، حيث أن عمالقة التكنولوجيا مثل أمازون وغوغل ومايكروسوفت، باتوا مدركين أن أيام قدرتهم على شراء مئات الشركات الصغيرة دون الخضوع لتحقيق قد ولّت.
وبالنسبة لشركات التكنولوجيا الكبرى، فإن “اتفاقيات التعاون” التي تقوم بها مع شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، هي طريقة سريعة وسهلة للحصول على أفضل المواهب في هذا المجال، بعيداً عن رادارات الجهات التنظيمية الصارمة، التي وضعت في مرمى نيرانها عمليات الاندماج والاستحواذ، التي تتعلق بأكبر سباق تسلح في مجال تكنولوجيا أي الذكاء الاصطناعي التوليدي.
حيث أن هذه الجهات تعتبر أن عمالقة التكنولوجيا يقمعون المنافسة ويصطادون أفضل المواهب في هذا المجال.
أول شركة تبنت نهج الصفقات الخفية
كانت شركة مايكروسوفت أول من وضع القالب لهذا النوع من الصفقات مع ابرامها في مارس 2024 اتفاقية تعاون مع شركة تطوير الذكاء الاصطناعي Inflection بهدف إنشاء قسم جديد للذكاء الاصطناعي للمستهلك، ودفعت مايكروسوفت حوالي 650 مليون دولار للحصول على تراخيص تكنولوجيات Inflection والاستفادة من قدرات جميع موظفيها تقريباً.
وفي يونيو 2024، أبرمت شركة أمازون اتفاقية تعاون مع Adept AI للذكاء الاصطناعي، حيث دفع العملاق الأميركي نحو 330 مليون دولار مقابل الاستفادة من تراخيص وتكنولوجيات Adept وامكانات موظفيها في عالم الذكاء الاصطناعي، في حين أعلنت جوجل في شهر أغسطس 2024 عن اتفاقية مع شركة Character.AI قال المراقبون أن قيمتها وصلت إلى 2 مليار دولار.
وبموجب اتفاقية التعاون ستقوم جوجل بتوظيف مؤسس Character.ai نوام شازير وأكثر من خمس القوة العاملة في الشركة وستحصل أيضاً على ترخيص استخدام تقنيات Character.ai في مجال الذكاء الاصطناعي.
ووفقاً لتحقيق “CNBC” فإن شركات التكنولوجيا الكبرى قد تعتقد أن ما تفعله يجعلها تتفوق على قيود هيئات مكافحة الاحتكار وتتجنب التدقيق، ولكنها في الحقيقة تلعب بالنار.
فالمنظمون باتوا اليوم أكثر عدوانية من أي وقت مضى في تحركاتهم، إذ أن لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية فتحت بالفعل تحقيقاً لمكافحة الاحتكار في صفقة مايكروسوفت مع Inflection، لمعرفة ما إذا كانت مايكروسوفت قد بنت هذه الاتفاقية للسيطرة على الشركة الناشئة مع التهرب من المراجعة.
كما أطلقت اللجنة تحقيقاً غير رسمي في صفقة أمازون وAdept، كما أن الكونغرس لاحظ ما تفعله شركات التكنولوجيا الكبرى، ودعا ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي إلى إجراء تحقيق بهذا الشأن.
وقال رئيس شركة تكنواوجيا مازن الدكاش، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن عمليات الاستحواذ الطبيعية كانت شائعة منذ فترة طويلة في وادي السيليكون، ولكن ما يحصل حالياً من خلال “اتفاقيات التعاون” مقابل رسوم مالية أمر غير معتاد، حيث أن هذه الإتفاقيات تمنح الشركات الكبرى معظم ما يريدونه من الشركات الصغرى دون الحاجة إلى الحصول على موافقة من هيئات مكافحة الاحتكار في وقت تخضع فيه عمليات السيطرة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتدقيق المتزايد من قبل الحكومات.
وأشار إلى أن “اتفاقيات التعاون” تتحول في كثير من الأحيان، إلى ساحة خلفية تخفي الأهداف الحقيقية التي تتمثل في السيطرة على الابتكارات المستقبلية والمواهب المبدعة.
شريان حياة للشركات الناشئة
ويشرح الدكاش أن العديد من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، باتت تتمتع بقيمة سوقية مرتفعة، ولكنها لا تزال بحاجة لتمويل.
فبرامجها لم تتمكن بعد من تحقيق الإيرادات الكافية ولذلك نجدها الآن تكافح للحصول على مال، فتطوير برامج الذكاء الاصطناعي بحاجة لتمويل كبير ومستمر، إذ أن تكاليف الحوسبة السحابية اللازمة لتطوير نماذج هذه التكنولوجيا، تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
وأشار إلى أن الشركات التكنولوجية الناشئة باتت تلجأ إلى شركات التكنولوجيا العملاقة، التي تمتلك البنية التحتية اللازمة لامتصاص هذه الكلفة، حيث أن “اتفاقيات التعاون” تعتبر مربحة للطرفين فهي تخفف ضغط تحقيق الدخل عن الشركات الناشئة، وتمنحها شريان حياة، في حين أنها تمنح الشركات العملاقة أفضل المواهب التي تدعم تطوير أعمالها في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويشدد الدكاش على أنه مهما كانت التسمية التي تطلق على “اتفاقيات التعاون”، تبقى هذه الاتفاقيات أمراً مشروعاً ومرحباً به طالما يسمح بها القانون، متوقعاً أن تلجأ شركات التكنولوجيا الكبرى لإغراء المزيد من الشركات الناشئة بمزيد من “اتفاقيات التعاون”، التي ستغير مشهد عمليات الدمج والاستحواذ في العالم، متوقعاً أن تقوم سلطات مكافحة الاحتكار والجهات التنظيمية في مرحلة لاحقة، بتطوير القوانين والقيود للحد من هذه العمليات.
من جهتها تقول أخصائية التقنية والتسويق الرقمي دادي جعجع، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن “اتفاقيات التعاون” التي رأيناها في 2024 هي عمليات تقوم من خلالها الشركات الكبرى، بالاستحواذ على كل شيء في الشركات الصغرى باستثناء الإسم.
وأشارت إلى أن أمازون وغوغل ومايكروسوفت، فكرت باللجوء إلى الاستحواذ المباشر بالنسبة للصفقات التي قامت بها هذا العام، ولكنها خلصت إلى أنه من غير المرجح أن تمر عمليات الاستحواذ المباشر عبر الجهات التنظيمية، وبالتالي كان الخيار بالاتجاه نحو عمليات الاستحواذ الخفية.
وتكشف جعجع أنه في العام 2023، جمعت شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة مليارات الدولارات، سعياً لتحقيق الريادة في هذا المجال، ولكن معظم هذه الشركات باتت تكافح في 2024 من أجل البقاء وتطلب من أكبر شركات وادي السليكون إنقاذها، وهذا الأمر ساهمت بحدوثه، الشكوك المتزايدة بشأن آفاق الذكاء الاصطناعي ما حد من تدفق الأموال إلى شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، وعزز الاتجاه نحو صفقات “اتفاقيات التعاون” مع الشركات العملاقة التي يمكنها تحمل فواتير الذكاء الاصطناعي الهائلة.
وبحسب جعجع، فإن إنشاء وتصميم برامج وروبوتات نابضة بالحياة، تدعم الذكاء الاصطناعي التوليدي، يحتاج للكثير من التمويل المسبق، وهذه البرامج حتى الساعة غير قادرة على تحقيق سنت واحد من الإيرادات، وهذا ما جعل العديد من الشركات الناشئة تكتشف أنها لا تملك الموارد الكافية لتحقيق حلمها دون مساعدة، في حين تخشى سلطات مكافحة الاحتكار من ازدياد حجم وقوة الشركات التكنولوجية العملاقة القائمة، مما يدفعها إلى متابعة عمليات الاستحواذ المخفية وفهم كيفية تأثيرها على سوق التكنولوجيا والابتكار.