يبدو أن قرار الرئيس الفرنسي الذي يسعى إلى توحيد المشهد السياسي المنقسم منذ الانتخابات التشريعية المبكرة لم يرق أحزاب اليسار التي ردت بعنف بلسان الشخصيات الرئيسية في “الجبهة الشعبية الجديدة” التي شكلوها لمواجهة زحف اليمين نحو السلطة.
اليسار يرفض الخضوع
بعد ما يزيد قليلا على ساعة من الإعلان عن تعيين الجمهوري البالغ من العمر 73 عامًا، والذي تولى منصب وزير 4 مرات خلال حياته المهنية، ميشيل بارنييه رئيسا للوزراء، أعلن الحزب الاشتراكي في بيان صحفي نشر على شبكات التواصل الاجتماعي أنه سيفرض “رقابة” على الحكومة.
وخلص الاشتراكيون في بيانهم الصحفي إلى أن “ميشيل بارنييه لا يتمتع بشرعية سياسية ولا شرعية جمهورية”.
فيما وصفت زعيمة علماء البيئة، مارين تونديلييه التعيين بـ”الفضيحة الحقيقية”. وندد السكرتير الأول للحزب الاشتراكي أوليفييه فور بـ”الإنكار الديمقراطي”.
وكان المتحدث باسم المجموعة الاشتراكية في الجمعية الوطنية، آرثر ديلابورت، قد أعلن أنه “سواء من حيث الأسلوب أو من حيث الجوهر، يمكن بسهولة أن يخضع ميشيل بارنييه للرقابة من قبل اليسار. دون انتظار خطاب السياسة العامة”.
وقال زعيم حزب فرنسا الأبية، جان لوك ميلينشون، في بيان متلفز: “لقد سُرقت الانتخابات من الشعب الفرنسي”، ودعا إلى “أقوى تعبئة ممكنة” يوم السبت 7 سبتمبر لمعارضة هذا الاختيار.
أقصى اليمين يؤجل الحكم
في المقابل، أعلن حزب التجمع الوطني أنه لن يقوم تلقائياً بفرض “حجب الثقة” عن حكومة بارنييه، مفضلاً انتظار خطاب السياسة العامة لرئيس الوزراء الجديد “للحكم على الأدلة”.
إذ صرحت زعيمة حزب التجمع الوطني، الذي يميل إلى أقصى اليميني، مارين لوبان أن مجموعتها لن تقدم على الفور طلبًا لفرض رقابة على الحكومة.
وفي حديثها للصحافة قالت: “لقد وضعنا عددًا معينًا من الشروط، أولها أن يكون هناك رئيس وزراء يحترم ناخبي حزب الجبهة الوطنية. أعتقد أن السيد بارنييه يلبي هذا المعيار”.
لا يوجد “شيك على بياض”
وبدوره، لن يصوت حزب النهضة الذي يتزعمه إيمانويل ماكرون لصالح “الرقابة التلقائية” على الحكومة الجديدة، لكنه يؤكد أنه سيقدم “مطالب جوهرية” ولن يوقع “شيكا على بياض” لميشيل بارنييه.
“حجب الثقة” حبر على ورق
ويبدو أن هذا القرار الذي أنهى مسيرة الحكومة المستقيلة التي بقيت للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة في مكانها لفترة طويلة “لن يخضع بلغة الواقع إلى أي حجب” بحسب تصريح مدير معهد الأمن والاستشراف الأوروبي والمحلل السياسي الفرنسي، إيمانويل ديبوي لموقع “سكاي نيوز عربية”.
ويوضح، “تمنح المادة 49 من الدستور هذا الحق الخاص لأعضاء الجمعية الوطنية. وكل حزب يملك ما يعادل 58 مقعدًا له الحق في طرح “حجب الثقة” على الحكومة، أي يجب أن يوقعه عُشر أعضاء مجلس النواب. ولكي يتم اعتماد اقتراح “حجب الثقة”، يجب أن يحصل على أصوات الأغلبية المطلقة لأعضاء الجمعية الوطنية. وهذا يعني أن الامتناع عن التصويت لا يؤخذ بعين الاعتبار. ويجب أن يحصل اقتراح سحب الثقة على 289 صوتا من أصل 577 مقعدا في المجلس لإسقاط الحكومة”.
ويتابع المحلل السياسي، “وبلغة الرياضيات هذه معادلة مستحيلة. سيتم طرح الحجب لكنه لن يمر لأنه مع 193 نائبا، لا تستطيع أحزاب اليسار تحقيق الأغلبية المطلقة والأصوات الـ289 اللازمة للإطاحة بالحكومة خصوصا أن التجمع الوطني وحلفائه الذين يشكلون القوة السياسية الثالثة في الجمعية لا ينضمون إلى اقتراح الحجب من اليسار”.
ويرى ديبوي أنه “لا يمكن التشكيك في شرعية التعيين لأن أحزاب اليسار لا تتمتع كغيرها من المجموعات السياسية بالأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية. وفي حال كان الأمر كذلك، كان سيتم تعيين رئيس وزراء من داخلها مباشرة بفضل الفصل 9 من الدستور”.
وداخل الجبهة الشعبية الجديدة، دافع الحزب الاشتراكي لعدة أسابيع عن تعيين لوسي كاستيت في ماتينيون، وهو ما رفضه إيمانويل ماكرون في نهاية أغسطس. وهو الخط الذي تمسكوا به منذ ذلك الحين، على الرغم من التوترات الداخلية.