في العامين الماضيين، ومع اتباع البنوك المركزية، وخاصة الفيدرالي الأميركي، سياسات نقدية متشددة للسيطرة على التضخم، بدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل أمام الذهب الذي بلغ مستويات قياسية غير مسبوقة، كما يتوقع المحللون ارتفاعاً ملحوظاً في أسعاره خلال الأشهر المقبلة أيضاً.

هذا الاتجاه الصاعد للذهب يأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط على السيولة في الأسواق، مما يعزز من جاذبية الذهب كخيار استثماري.

وفي ظل عمليات خفض أسعار الفائدة المتوقعة، يرجح محللون تحركاً جماعياً من المستثمرين نحو الذهب، بحثاً عن ملاذ آمن في بيئة اقتصادية غير مستقرة.. هذا التحول المتسارع نحو الذهب يعكس تراجع الثقة في بعض الأصول التقليدية، ويؤكد على القوة المستمرة لهذا المعدن الثمين في حماية الثروات من التقلبات الاقتصادية.

شهر آخر إيجابي

رغم أنها اختتمت تعاملات الشهر بأسبوع سلبي، إلا أن أسعار الذهب استطاعت المحافظة على مكاسبها للشهر الثاني على التوالي في أغسطس، وذلك بدعم من تزايد الرهانات على خفض الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة في سبتمبر الجاري.

وارتفعت أسعار الذهب 2 بالمئة في أغسطس، بعد أن كانت قد وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 2531.60 دولار للأونصة في 20 من الشهر نفسه.

ومن المتوقع أن يظل الاتجاه العام للذهب “صعودياً” بحسب رئيس التعاملات في شركة وينغ فونغ للمعادن الثمينة، بيتر فونغ، في التحليل الذي نقلته عنه رويترز، والذي أرجع ذلك بالأساس إلى “انخفاض أسعار الفائدة والتوترات الجيوسياسية”.

تقديرات فونغ تشير إلى أنه:

  • بحلول نهاية العام الجاري، من المتوقع أن تكسر أسعار المعدن النفيس حاجز 2650 دولارا أميركياً.
  • في الأمد المتوسط ​​إلى الطويل، يُتوقع أن تتجاوز الأسعار 2800 دولار وربما حتى 3000 دولار (قمم تاريخية جديدة).

الاتجاه العام للذهب

من جانبها، تقول خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، إن أسعار الذهب مرشحة لتحقيق ارتفاعات قياسية خلال شهر سبتمبر وكاتجاه عام، مدفوعة بعددٍ من العوامل، من بينها التوترات الجيوسياسية المتصاعدة وانتشار الحروب في مناطق مختلفة من العالم.

يشار هنا إلى التوترات القائمة في منطقة الشرق الأوسط، علاوة على الحرب في أوكرانيا المستمرة منذ الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام 2022 وانعكاساتها واسعة المدى.

فيما تنتظر الأسواق عديداً من التطورات السياسية المختلفة، بما في ذلك “الانتخابات الأميركية” التي تضفي حالة ترقب واسعة على مختلف الأسواق.

 تشير رمسيس، في معرض حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تشهد منافسة شديدة بين نائبة الرئيس كامالا هاريس (مرشحة الحزب الديمقراطي) والرئيس السابق دونالد ترامب (مرشح الحزب الجمهوري)، ستسهم في تعزيز هذا الاتجاه الصاعد لأسعار الذهب.

كما تشدد على أن واحدة من أهم العوامل الداعمة لأسعار الذهب ما يرتبط باتجاه الفيدرالي الأميركي لخفض أسعار الفائدة في اجتماع المرتقب هذا الشهر.

ورفع المتداولون قليلاً رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الشهر المقبل إلى 69 بالمئة، مع انخفاض احتمال خفض 50 نقطة أساس إلى 31 بالمئة بعد تقرير التضخم، وفقًا لأداة CME FedWatch.

وتضيف خبيرة أسواق المال في حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • أسعار الذهب شهدت ارتفاعات ملحوظة (واستطاع المعدن الأصفر الحفاظ على مكاسبه في آخر شهرين متتاليين، رغم أنه اختتم الشهر بأسبوع خسائر لجني الأرباح).
  • ثمة تقديرات تشير إلى وصول سعر الذهب إلى 3000 دولار للأونصة بحلول نهاية العام الجاري.
  • عند مستوى 2500 دولار للأونصة، تواجه أسعار الذهب نقطة مقاومة قوية حيث تتم عملية تصفية مراكز.. ولكن من المتوقع أن لا ينخفض الذهب دون هذا المستوى، بل يمكن أن يرتفع ليصل إلى 2600 دولار للأونصة في سبتمبر، وقد يواصل الصعود إلى 3000 دولار مع نهاية العام.

وتختتم رمسيس حديثها بالقول: “مع تزايد المخاوف من اندلاع توترات جديدة، وتفاقم صراعات سواء بين روسيا وأوكرانيا أو بين إسرائيل من جهة وحزب الله وإيران وغزة، فإن الذهب يؤكد موقفه كملاذ آمن أساسي، خاصة بعد ما شهدناه من انهيار في الأسواق العالمية بعد بيانات التوظيف الأميركية الضعيفة (في إشارة لتراجعات الأسواق يوم الاثنين الأسود 5 أغسطس الماضي)”.

البيانات الأميركية

وتعطي البيانات الأميركية الأخيرة إشارات مُهمة فيما يخص البدء في اتخاذ القرار المنتظر (قرار خفض الفائدة)، لا سيما بعد تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول، خلال ندوة جاكسون هول، والتي أكد فيها أن الوقت قد حان لتغيير السياسة (النقدية).

وأظهرت بيانات صدرت نهاية الأسبوع الماضي، عن وزارة التجارة أن مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي ارتفع بنسبة 0.2 بالمئة في الشهر الماضي، وهو ما يتوافق مع توقعات خبراء الاقتصاد.

تؤكد بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي أن التضخم لم يعد الشغل الشاغل للفيدرالي، حيث حولوا تركيزهم إلى البطالة، وهو ما يؤكد بشكل أكبر احتمال خفض أسعار الفائدة في سبتمبر ، بحسب ما قاله أليكس إيبكاريان، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة أليغيانس غولد.

أظهرت البيانات الصادرة يوم الخميس الماضي أن طلبات إعانة البطالة الأسبوعية في الولايات المتحدة انخفضت قليلاً الأسبوع الماضي لكن فرص إعادة التوظيف للعاملين المسرحين أصبحت أكثر ندرة.

ويتطلع المستثمرون الآن إلى تقرير الرواتب غير الزراعية في الولايات المتحدة المقرر صدوره هذا الأسبوع. وقال كبير استراتيجيي السوق في بلو لاين فيوتشرز، فيليب سترايبل، إن هذا الأسبوع سوف يحدد ما إذا كنا سنشهد خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 أو 25 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر.

الذهب وأسعار الفائدة

من جانبه، يشير مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب، إلى أن الذهب يمر حالياً بمرحلة من التذبذب (ما بين الوصول لمستويات قياسية وعمليات جني الأرباح)، لكن كاتجاه عام، فمن المتوقع أن يشهد ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار مع استمرار الفيدرالي الأميركي في خفض أسعار الفائدة خلال الفترات المقبلة.

ويوضح لدى حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن السياسة النقدية التي اتبعتها معظم البنوك المركزية حول العالم، بما فيها الفيدرالي الأمريكي، قد نجحت في كبح جماح التضخم. ومع ذلك، فإن استمرار هذه السياسة لفترة طويلة قد يكون تحدياً، خاصةً في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي وضعف السيولة في الأسواق نتيجة تركزها في البنوك، وبالتالي يتم الاتجاه نحو خفض الفائدة.

ويشدد على أن البنوك باتت تحتفظ بأكبر قدر ممكن من السيولة، مما خلق حالة من التعطش لمزيد من السيولة في الأسواق.

ويشار إلى أن مشتريات البنوك المركزية من الذهب، تعد من بين العوامل الداعمة للمستويات القياسية التي حققها المعدن النفيس.

ويضيف شعيب إلى ذلك مشتريات الأفراد، ممن يدخرون أموالهم في الأوعية والملاذات الاستثمارية الأمنة، وتوقعات زيادة هذا الاتجاه بعد خفض الفائدة، ذلك أن العلاقة بين الفوائد والذهب عادةً ما تكون عكسية؛ فكلما ارتفعت الفوائد، انخفضت أسعار الذهب (للجوء المتعاملين لضخ ما لديهم من سيولة بالبنوك للاستفادة من الفوائد المرتفعة)، والعكس صحيح.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version