خاص

شنغهاي

على الرغم النمو الاقتصادي المتسارع في بعض من أسرع الاقتصادات نمواً في آسيا، إلا أن البطالة بين الشباب تستمر في الارتفاع بشكل مقلق، ففي دول كالصين والهند وإندونيسيا وماليزيا، يعاني ملايين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً من البحث عن عمل دون جدوى، ما يثير التساؤلات حول قدرة هذه الاقتصادات على تحقيق تطلعات الأجيال الشابة.

ويبدو أن النمو الاقتصادي القوي وحده لم يعد كافياً لضمان فرص عمل للشباب في هذه الدول، حيث تفشل العديد من الاقتصادات في خلق وظائف ملائمة للأجيال الشابة، مما يؤدي إلى انعدام الأمن الوظيفي وازدياد البطالة بين الشباب.

فلماذا تعاني اقتصادات آسيا الناشئة من بطالة مرتفعة بين الشباب رغم تحقيقها معدلات نمو اقتصادي عالية؟ وهل يشكل هذا الوضع تهديداً لنموذج التنمية في القارة؟ وما هي العوامل الأساسية التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب؟

قنبلة موقوتة

وذكر تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بعنوان “قنبلة موقوتة تهدد الاقتصادات في آسيا” أن بطالة الشباب ذات الرقمين تعيق عشرات الملايين من الشباب، مما يثير أسئلة ملحة لمجموعة من الدول سريعة النمو، مشيراً إلى أن أسرع الاقتصادات نمواً في آسيا تخفي سراً سيئاً وهو أن شبانها العاملون يكافحون مع معدلات بطالة مرتفعة بشكل صارم.

وبنغلاديش، التي كانت تعتبر منذ فترة طويلة نموذجاً للتنمية في خفض الفقر المدقع، سجلت متوسط ​​نمو اقتصادي بنسبة 6.5 بالمئة سنوياً على مدار العقد الماضي. ولكن على مدار السنوات القليلة الماضية، ارتفعت بطالة الشباب إلى 16 بالمئة وهو أعلى مستوى منذ ما لا يقل عن ثلاثة عقود، وفقاً لبيانات من منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة.

وسجلت الصين والهند نفس النسبة من الشباب الذين يبحثون عن عمل دون جدوى. بينما في إندونيسيا، تبلغ النسبة 14 بالمئة وفي ماليزيا، تبلغ 12.5 بالمئة.

وفي هذه الدول الشاسعة، يبلغ عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً والباحثين عن عمل دون العثور على وظائف مناسبة 30 مليون شخص، وهم يشكلون ما يزيد قليلاً عن نصف إجمالي عدد الشباب العاطلين عن العمل في العالم في هذا الفئة العمرية، والذي يبلغ 65 مليون شخص، بحسب بيانات منظمة العمل الدولية.

ويؤكد تقرير الصحيفة الأميركية أن هذه الأرقام أسوأ مما هي عليه في البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، حيث يميل الشباب إلى الحصول على وظائف، ولكنها ليست سيئة مثل البلدان الأوروبية الجنوبية ذات النمو البطيء مثل إيطاليا وإسبانيا حيث يفشل حوالي ربع الشباب في العثور على عمل.

بالنسبة للدول الآسيوية التي لا تمتلك قاعدة التصنيع الواسعة التي تتمتع بها الصين، فإن معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب ذات الرقمين تثير أسئلة ملحة حول كيفية الانتقال إلى سلم التنمية – والتكاليف المترتبة على الفشل في القيام بذلك.

معدلات البطالة تعتمد على طبيعة الاقتصاد

في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY” الدكتور نضال الشعار: “لا شك في أن سوق العمل ومعدلات البطالة يعتمدان أساساً على طبيعة الاقتصاد من حيث التركيز الرأسمالي أو التركيز على العمالة الكثيفة، فهناك اقتصادات تعتمد على الكثافة الرأسمالية من أدوات وتكنولوجيا مثل الاقتصادات الصناعية المتقدمة الأوروبية والأميركية والكندية وهناك اقتصادات تعتمد في إنتاجها ونموها على كمية العمالة المتوفرة دون النظر في بعض الأحيان إلى درجة مهارة هذه العمالة كما حصل في الصين وماليزيا وإندونيسيا ودول أخرى”.

واعتمدت أغلب الدول الآسيوية تاريخياً على كثافة العمالة واستخدمتها كوسيلة أساسية في زيادة كميات الإنتاج والتصدير بتكلفة منخفضة وهذا ساعد النظام السياسي في هذه البلدان الذي يسمح للحكومات برسم وتأطير العملية الإنتاجية دون أية معارضة أي أن التحكم في كثافة ومستوى العمالة كان بيد الحكومات، بحسب تعبيره.

التكنولوجيا ومغامرة العمل الفردي

ومن ضمن العوامل التي أدت إلى ارتفاع البطالة بين الشباب في عديد من الدول الآسيوية يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور الشعار أنه مع التطور التكنولوجي الذي شهدناه خلال العقد الماضي ظهرت مساحات جديدة للأفراد وبشكل خاص الشباب بأن يقوموا بمغامرة العمل الفردي خارج المنظومة الحكومية أو الإنتاجية التقليدية وتجلى ذلك في مواضيع تخص البرمجة والإنترنت وأهمها العمل عن بعد.

لكن المشكلة في هذا النوع من الأعمال هو غياب الاستقرار والاستمرارية وبالتالي أصبح الرجوع إلى سوق العمل التقليدي أمراً معقداً وصعباً لنسبة كبيرة من الشباب مما اضطر بعضهم إلى الهجرة أو الاكتفاء بدخل ضعيف وفي بعض الأحيان البطالة.

وأضاف: “كما أنه مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي تفاقمت المشكلة وأصبحت هذه الوسائل تشكل حلماً لنسبة كبيرة من الشباب، ولكن ضمن هذا المسار بدأ الكثير يكتشف بأن الحصول على دخل ثابت من خلال هذه الوسائل هو أمر يقترب من أن يكون حلماً مما اضطرهم إلى الرجوع إلى سوق العمل التقليدي دون المهارات والخبرات المطلوبة والتي لم يكونوا قادرين على اكتسابها كما تتطلب أسواق العمل التقليدية”.

تهديد نموذج النمو الآسيوي

وأوضح كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” أن أغلب الدول الآسيوية اعتمدت على الإنتاج الكمي ولم تستثمر كثيراً في الإنتاج النوعي من حيث الابداع والابتكار باستثناء كوريا الجنوبية ومؤخراً الصين، مشيراً إلى أن الإنتاج الكمي والتصدير بطبيعته له سقف لا يمكن أن يتحسن أو يرتفع دون أن يرافقه تحديثاً وتطوراً في المنتج وابتكار منتجات جديدة مميزة وبالتالي فإن عدداً من هذه الدول لم يعد هناك حاجة لها لإضافة أيدي عاملة جديدة إلى العملية الإنتاجية لأن أغلبها وصلت إلى سقف الإنتاج الكمي وليس الإنتاج النوعي، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أن استمرار الارتفاع في معدلات البطالة بين الشباب يهدد نموذج النمو الاقتصادي الآسيوي.

النمو السكاني أسرع من النمو الاقتصادي

بدوره، قال الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” في لندن طارق الرفاعي في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إن النمو الاقتصادي في الدول الآسيوية، وخاصة الناشئة منها، أسرع من النمو الاقتصادي في بقية الدول حول العالم، ولكن معدل النمو السكاني في هذه الدول أسرع من النمو الاقتصادي، هذا التفاوت يؤدي إلى ارتفاع حاد في معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، وسيؤدي إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة على الرغم من تحقيق نمو اقتصادي قوي”.

وأضاف الرفاعي أن التحولات الصناعية التي تشهدها دول مثل الصين على سبيل المثال والتي تتمثل في تغيير هيكلة القطاعات وانتقال الصناعات التي تتطلب عمالة أرخص إلى الدول الأقل تكلفة وأقل أجوراً يساهم بشكل كبير في تفاقم هذه المشكلة.

وبينما تسعى دول آسيوية مثل الهند والصين إلى تطوير قطاعات أكثر تقدماً، فإنها تفقد فرص عمل كثيرة في القطاعات التقليدية، مما يخلق فجوة كبيرة بين العرض والطلب على الوظائف، بحسب تعبيره

وشدد الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” على أن استمرار هذا الوضع يمثل تهديداً حقيقياً لنموذج التنمية الآسيوي، ويستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة أزمة البطالة بين الشباب، والتي تشكل تهديداً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي أيضاً.

وبالعودة إلى تقرير الصحيفة الأميركية، فقد ذكر أن الغضب من التوقعات المتراجعة كانت عاملاً رئيسياً في الأحداث المضطربة التي وقعت هذا الشهر في بنغلاديش، وفي الهند، التي نما اقتصادها بنسبة 8 بالمئة في السنة المنتهية في مارس، فقد حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي الأغلبية البرلمانية في الانتخابات هذا العام، وعلى الرغم من انخفاض بطالة الشباب في الهند في السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال أعلى من المتوسط ​​العالمي.  

وتوقفت حكومة الصين العام الماضي عن نشر إحصائية لبطالة الشباب لفترة من الوقت بعد أن أظهرت أن أكثر من خمس الشباب لم يتمكنوا من العثور على عمل – وهو رقم قياسي، ويأتي النمو الاقتصادي القوي لإندونيسيا بنسبة 5 بالمئة إلى حد كبير من التوسع غير المسبوق في التعدين وتجهيز المعادن، القطاعات التي توظف الكثير من الآلات الثقيلة وليس الكثير من الناس.

وأوضح التقرير أنه في العديد من البلدان، تمتد صعوبة العثور على عمل لائق إلى ما بعد العشرينات من عمر الباحث عن عمل. في العام الماضي، كان 71 بالمئة بالمئة من العاملين في سن 25 إلى 29 عاماً في جنوب آسيا لديهم عمل غير آمن، مما يعني أنهم كانوا يعملون لحسابهم الخاص أو في وظائف مؤقتة – ليس انخفاضاً كبيراً عن الرقم 77 بالمئة المسجل قبل عقدين من الزمان.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version