وذكر تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية في هذا السياق، أن الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي متشابكان بشكل عميق، بحيث تعتمد إسرائيل على العمالة الفلسطينية الأرخص، وخاصة في البناء والزراعة.
وقبل الحرب كانت الأجور الإسرائيلية الأعلى تولد ما يقدر بنحو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للسلطة الفلسطينية.
وفي العام 2022، أسهم هؤلاء العمال في الاقتصاد الفلسطيني بمبلغ يعادل ثلثي الميزانية الإجمالية للسلطة الفلسطينية.
لكن بعد السابع من أكتوبر، أوقفت إسرائيل دخول نحو 140 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية، ومنذ ذلك الحين لم يعد سوى جزء ضئيل من هؤلاء العمال إلى البلاد، وتحاول إسرائيل سد الفجوة بالاستعانة بعمال من الهند.
وذكر التقرير أنه نتيجة لهذا، ارتفعت معدلات البطالة والفقر في الضفة الغربية، الأمر الذي وضع المنطقة غير المستقرة بالفعل على شفا الانهيار المالي وأدى إلى تأجيج الاضطرابات.
وبحسب منظمة العمل الدولية، من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في الربع الأول من العام 2024 بنسبة تتراوح بين 11 بالمئة و35 بالمئة على أساس سنوي، وتقدر الأمم المتحدة حدوث انتكاسة في التنمية البشرية تتراوح بين 13 و16 عاما.
كما ارتفع معدل التضخم، وخفضت السلطة الفلسطينية الرواتب وقلصت أعداد العاملين، كما قرر وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش حجب أموال الضرائب عن السلطة الفلسطينية كإجراء عقابي بسبب تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. كما هدد مراراً وتكراراً بقطع علاقات البنوك الفلسطينية بالنظام المصرفي الدولي، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية بالكامل.
ونقلت الصحيفة عن المحللة البارزة في شؤون فلسطين في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، تهاني مصطفى، قولها:
- إن الإدارات الإسرائيلية كافة تستخدم سياسة “العصا والجزرة” مع السلطة الفلسطينية، ولكن الحكومة الحالية تنتهج سياسات متناقضة بشكل خاص.
- إسرائيل تحتاج إلى السلطة الفلسطينية للحفاظ على الأمن في الضفة الغربية وحماية المستوطنين، ولكنها تستغل ما تستطيع.
- المنطق الآخر هو استخدام الإدارات الإسرائيلية العقاب الجماعي، ورغم أن هذا المنطق لم ينجح في الماضي فإنهم ما زالوا يعتقدون بأن فرض الحصار الاقتصادي والحصار على الحركة والضغط على الناس بما يكفي من شأنه أن يؤدي إلى طاعتهم.
تجاوز الحواجز الإسرائيلية
وأشارت الصحيفة في سياق متصل، إلى أنه في السنوات القليلة الماضية بدأ الناس في الضفة الغربية في إيجاد طرق لتجاوز الحواجز الأمنية الإسرائيلية المختلفة إلى داخل إسرائيل دون تصاريح، بحثاً عن عمل أفضل أجراً، بينما لا توجد بيانات موثوقة بهذا الشأن.
وأكدت أنه قرار محفوف بالمخاطر، ولكن ما يقدر بنحو 40 ألف فلسطيني ما زالوا يقومون بهذه الرحلة، وفي بعض الأحيان يبقون في إسرائيل دون وثائق لأسابيع في كل مرة.
تبعات اقتصادية للحصار
من جهته، أوضح المحلل السياسي الفلسطيني وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن:
- الحصار على الضفة الغربية لم يبدأ منذ الحرب على غزة في أكتوبر الماضي، لكنه كان قد بدأ منذ هجوم العام 2019 على السلطة الفلسطينية ومصادرة أموالها وقرصنتها ومصادرتها من قبل إسرائيل.
- سياسة الحصار الاقتصادي بدأها وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، وأعقبه فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ليختتم المشهد بتشكيل حكومة اليمين المتطرف في نوفمبر عام 2022 بعد انتخابات استمرت على مدار أربع جولات فاشلة ووصوله إلى الحكم.
وشدد على أن أحد أهم القرارات التي اتخذها وزير المالية في حكومة نتنياهو سموتريتش كان مزيدا من حصار السلطة ومصادرة أموالها التي تقدر بمليارات، وهو ما أدى إلى عديد من التبعات الاقتصادية، منها:
- السلطة الفلسطينية باتت تعجز عن دفع رواتب موظفيها.
- عجز السلطة تقديم أي التزامات مالية إلى القطاع الخاص والبنوك.. وبحسب التقديرات الأولية فإن ديون السلطة اقتربت من 11 مليار دولار، في حين أن أموال المقاصة المحتجزة لدى إسرائيل أقل من ذلك.
بحسب السلطة الفلسطينية فإن إجمالي المحتجز من أموال المقاصة لدى إسرائيل وصل إلى ستة مليارات شيكل.
وأضاف أن الأمور زادت صعوبة بعد الحرب على غزة، موضحاً أن:
- موارد السلطة كانت تحصل عليها من إيرادات الضرائب على الواردات التي كانت تدخل غزة من منتجات يتم استيرادها، حيث أن هناك نسبة ضرائب تقدر بـ 14 بالمئة يتم جمعها من قبل إسرائيل لتتحكم في التصدير والاستيراد إلى القطاع والضفة الغربية وهي تأخذ نسبة 1 بالمئة من هذه الإيرادات وفقا لاتفاق باريس الاقتصادي.
- إسرائيل زادت من القرصنة على تلك الضرائب بالحصول على جزء من الأموال بحجة أنها ستدفع لضحاياها الذين قتلوا خلال العمليات، وجزء آخر لشركة الكهرباء والتزامات مالية أخرى غير منطقية.
- الأمور زادت تعقيدا عندما لوحت إسرائيل بمنع السلطة من دفع رواتب ذوي الأسرى والشهداء، هو ما يزيد من الأزمة، حيث لا يوجد سبيل لدى السلطة إلا تقسيم ما يصل إليها من أموال على الجميع فهي لا تستطيع وقف رواتب ذوي الشهداء.
- حرب غزة ضاعفت الحصار، بعد أن قررت إسرائيل اقتناص حصة غزة التي كانت تأتي من الإيرادات والصادرات التي توقفت، بحجة أنها لن تدفع إلا ما يخص الضفة الغربية فقط، وبالتالي لا توجد رواتب وأموال تشغيلية للمستشفيات والمدارس في غزة، فلم يعد أمام السلطة حل سوى أن تتقاسم ما يأتيها من مبلغ مالي لغزة والضفة الغربية.
وأكد أن استمرار الحصار على الضفة سيدفع السلطة نحو الانهيار الاقتصادي، خاصة في ظل عدم التزام الدول بما طلبه رئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس خلال قمة المنامة بشبكة أمان مالية تقدر بمائة مليون دولار شهريا.
انعكاسات الحصار على الاقتصاد
فيما أكدت المحللة المتخصصة في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي، تمارا حداد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس التي لم تتوقف منذ عشرة أشهر وقد تستمر حتى ستة أشهر قادمة، انعكست بشكل سلبي على أوضاع الضفة الغربية.
وأوضحت أن الضفة الغربية تعمل حاليا ضمن مسار إدارة شؤون المجتمع الفلسطيني في إطار اتفاقيات أوسلو واتفاقية باريس الاقتصادية، والتي رسخت وضعية الاقتصاد الفلسطيني بأن يبقى تحت إطار ورهن الاحتلال تحديدا فيما يتعلق بالمقاصة، وهي أموال ضرائب تجمعها إسرائيل من المعابر عبر آلية عمل التصدير والاستيراد من البنوك التجارية وغيرها، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن هذه المقاصة أيضًا منذ الحرب على غزة لم يتم منحها للسلطة بشكلها الطبيعي، في ظل الأموال المحتجزة.
وأوضحت أن عدم منح أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية يجعلها عاجزة عن أداء واجبها وتحديدا ما يتعلق بتقديم رواتب الموظفين الذين يحصلون فقط على نصف رواتبهم نتيجة الحصار الاقتصادي، مشددة على أن الحرب على غزة أدت إلى طرد العمالة الفلسطينية من إسرائيل، ليصبحوا جميعهم بلا عمل (..) ما أدى إلى تجويع عدد كبير من الأسر الفلسطينية وأصبحوا تحت خط الفقر.
وتابعت: (..) المشاريع التجارية أغلبها تم إغلاقها بسبب الحواجز العسكرية داخل محافظات الضفة الغربية، كذلك فإن التضييق والحصار الاقتصادي على الضفة الغربية تسبب أيضاً في حالة من التدهور الاقتصادي، ما انعكس على طبيعة حياة الفلسطينيين وعمل الحكومة، وأوضحت ذلك من خلال:
- انخفاض نمو الناتج المحلي بشكل كبير
- ارتفاع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق
- ارتفاع معدلات التضخم والفقر والبطالة
- العجز الهائل بالميزانية الفلسطينية ما يعيق الحكومة والمواطنين عن القيام بمهامهم بشكل طبيعي.
وأفادت المحللة المتخصصة في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي، بأن إسرائيل تستهدف من خلال كل هذا التضييق الذي وصفته بـ “العقاب الجماعي للفلسطينيين”، أن تعزز في ذهن مواطني الضفة الغربية أن لا أمل ولا مستقبل للعيش فيها، وهو ما يدعم فكرة التهجير الطوعي للتخفيف من الديمغرافية الفلسطينية وجلب مستوطنين بدلًا من السكان المحليين.
وشددت على أن تأثير الحصار سلبيًا، حيث يبطئ من عمل الحكومة كي لا تستطيع القيام بواجبها اللازم سواء في الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية، خاصة وأن أغلب التعليم وخدمات الصحة مجانية، وإذا لم تتوافر مقاصة أو دعم خارجي ستنهار القطاعات جميعها بشكل تدريجي، متوقعة أن تستمر الحرب على غزة وأن تشهد الضفة عمليات عسكرية كبيرة من شأنها أن تزيد من حالة الاختناق الاقتصادي لدى المواطنين.