ومع ذلك، ووفقًا للبيانات الصينية، فإن العجز الأميركي لم يزد إلا في السنوات الفاصلة، إذ تضاعف إجمالي العجز العالمي في السلع مع الصين من 420 مليار دولار في العام 2017 إلى 822 مليار دولار في العام 2023.

ووفق تقرير للمجلس الأطلسي، فإنه نظرًا إلى أن بكين تعطي الأولوية الآن لمنتجات التصنيع التي تتطلب عمليات أكثر تعقيداً ذات قيمة مضافة أعلى مثل البطاريات والمركبات الكهربائية والألواح الشمسية، فمن المرجح أن تفرض المزيد من التعريفات الجمركية بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية.

  • كانت الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة في عام 2018 تستهدف في المقام الأول المدخلات الوسيطة والمعدات الصينية.
  • بينما في العام 2025، سوف تتشارك بلدان أخرى في المخاوف بشأن تأثير توسع الصادرات الصينية.
  • لكن هذه المرة، من المرجح أن تستهدف هذه البلدان السلع الاستهلاكية النهائية لحماية الصناعات المحلية وتجنب فرض تكاليف على سلاسل التوريد الخاصة بها.

يشير التقرير إلى أنه في العام 2023، عانت 150 دولة من عجز في تجارة السلع مع الصين. وقد اتسع عجز التجارة الثنائية للسلع بالنسبة للاقتصادات في مختلف أنحاء العالم ومستويات الدخل في عام 2023 مقارنة بعام 2017.

  • إن العجز التجاري الثنائي قد لا يكون ضارا ويعكس ببساطة ديناميكيات الاقتصاد الكلي للعرض والطلب والادخار بين البلدان.
  • ​​ومع ذلك، فإن العجز الكبير والمتزايد باستمرار قد يشير إلى أن العمالة المفقودة بسبب الواردات الأكثر تنافسية قد لا يتم تعويضها بالتساوي من خلال التوظيف في القطاعات القابلة للتداول الجديدة.
  • في حالة الولايات المتحدة والصين، تختلف البلدان حتى حول الأرقام.. تتباين الأرقام المبلغ عنها بشكل كبير منذ فرض التعريفات الجمركية في العام 2018 حيث تم تحفيز المستوردين الأميركيين على التقليل من قيمة الواردات الصينية بينما تم تحفيز المصدرين الصينيين على المبالغة في تقارير الصادرات بسبب التغييرات في الحوافز الضريبية.
  • في حالة الصين، كان النمو السريع للصادرات هو السبب وراء اتساع العجز التجاري العالمي معها على مدى السنوات الست الماضية. ومع عمل المزيد من الناس من المنزل أثناء الوباء في عام 2021، ارتفعت شحنات الصين من الآلات الكهربائية والهواتف ومعدات المكاتب.

النمو الذي تقوده التكنولوجيا

ووفق التقرير فإنه كجزء من استراتيجيتها لإطلاق العنان لـ” قوى إنتاجية جديدة عالية الجودة “، حولت بكين تركيزها إلى النمو الذي تقوده التكنولوجيا. فمنذ العام 2017، ضاعفت الصين صادراتها من المنتجات ذات القيمة المضافة العالية، مثل المركبات الكهربائية والبطاريات وأشباه الموصلات والألواح الشمسية، بأكثر من الضعف.

ويعني ضعف الطلب المحلي إعادة توجيه هذا الإنتاج المتزايد إلى الأسواق الأجنبية، في حين أدت القدرة المحلية المعززة على بناء منتجات عالية التقنية إلى تقليص حاجة الصين إلى استيرادها.

وعلى هذا فإن العجز التجاري العالمي الإجمالي مع الصين سوف يستمر في الارتفاع، ولكن الأمور لن تظل على حالها على الأرجح؛ ذلك أن الحكومات تتدخل بشكل استباقي لحماية صناعاتها من زيادة كبيرة في السلع الصينية.

قلق متزايد

ويضيف التقرير: تشعر الحكومات بقلق متزايد إزاء ما تعتبره إعانات صينية غير عادلة في هيئة إعفاءات ضريبية، أو تحويلات مباشرة للأموال، أو توفير السلع أو الخدمات بأسعار أقل من أسعار السوق. وقد تسمح هذه الإعانات للشركات الصينية بمواصلة تصدير كميات كبيرة حتى عندما تتكبد خسائر، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على الاستجابة لإشارات الطلب العالمي.

كما أن الأسعار القاسية التي يمكن للشركات الصينية أن تقدمها تجعل من الصعب على الأسواق الناشئة أن تتحرك صعودا في سلاسل التوريد العالمية ذات القيمة المضافة.

وخلال “صدمة الصين” الأولى، ركبت العديد من الأسواق الناشئة موجة نمو الصين من خلال تزويدها بالسلع الغذائية والطاقة التي تحتاجها للحفاظ على صعودها كمصنع عالمي. ومن غير المرجح أن تستفيد هذه الأسواق على نحو مماثل من تحرك الصين صعودا في سلسلة القيمة هذه المرة.

سيتطلب هذا التحول الجديد تكنولوجيا متقدمة مثل أشباه الموصلات وقطع غيار السيارات والبطاريات والبنية الأساسية لشبكات الجيل الخامس – من بين منتجات أخرى لا تنتجها الأسواق الناشئة عادة.

وعلى الرغم من أن بعض البلدان لديها رواسب كبيرة من المعادن الحيوية، إلا أن الجزء الأكبر من المعالجة والتكرير ذات القيمة المضافة تهيمن عليه الصين، بحسب التقرير.

ويوضح تقرير المجلس الأطلسي، أنه علاوة على ذلك، كان من المتوقع أن يؤدي صعود الصين في سلسلة القيمة المضافة إلى خلق الطلب على السلع ذات القيمة المضافة المنخفضة من جانب الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل. ولكن ضعف الطلب المحلي في الصين وتركيز بكين على الاحتفاظ بوظائف التصنيع منخفضة التقنية لم يقلل من فرص التصدير إلى الصين فحسب، بل أدى أيضاً إلى تكثيف المنافسة بين الشركات الصينية في القطاعات منخفضة ومتوسطة التقنية.

ووفق التقرير، فقد شهدت الاقتصادات المتقدمة بالفعل هذه القصة تتكرر مرة واحدة وتخشى أن يؤدي دخول الصين إلى قطاعات التكنولوجيا الفائقة إلى إغراق العمالة في صناعاتها تمامًا كما حدث في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ويستطرد: لنتأمل الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال. قد تتعطل محاولاته للبقاء قوة صناعية للاقتصاد المنخفض الكربون في الأسواق المحلية والعالمية بسبب الصعود السريع للصين في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية. يمكن للشركات الصينية تهدئة مخاوف التوظيف من خلال الاستثمار في مصانع التصنيع داخل الاتحاد الأوروبي والتي من شأنها أن تمنح المنتجات ختم “صنع في الاتحاد الأوروبي”. لكن هذا لن يعالج سوى جزء من المشكلة – ستظل السلع تشبع الأسواق المحلية بينما سيتم إعادة الأرباح إلى الصين.

الاتحاد الأوروبي ليس وحده!

والاتحاد الأوروبي ليس وحده في هذا –وفق التقرير- فقد أصبحت الحكومات داخل مجموعة العشرين وخارجها حذرة من صدمة ثانية. وقد ارتفعت التدخلات السياسية التي تستهدف الواردات من الصين من المركبات الكهربائية والبطاريات والألواح الشمسية في السنوات الأربع الماضية .

منذ عام 2023 وحده، أطلقت الأرجنتين والبرازيل والهند وفيتنام والاتحاد الأوروبي تحقيقات لمكافحة الإغراق ومكافحة الدعم ضد الصين. كما فرضت البرازيل وكندا وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية على بعض الواردات الصينية ذات القيمة المضافة العالية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر المركبات الكهربائي.

مخاوف مشتركة

وفي حين تتشاطر العديد من البلدان مخاوفها بشأن توسع الصادرات الصينية، فإن الأولويات المتباينة فيما يتصل بالتجارة مع الصين تعني أنها ستواجه صعوبة في تنسيق الاستجابة المشتركة.

وبحسب التقرير، فإن الاقتصادات المتقدمة مثل الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، تتخذ بالفعل تدابير للحفاظ على حصصها السوقية في الأسواق ذات القيمة المضافة العالية حيث كانت تتمتع تقليديا بميزة نسبية داخل أوروبا وخارجها. وسواء كانت الولايات المتحدة تسعى إلى فرض تعريفات جمركية شاملة على السلع الصينية أو تفضل الإعانات المحلية لمواجهة الإعانات الصينية، فإن هذا يعتمد إلى حد كبير على من سيدخل البيت الأبيض في يناير.

وسوف تكون الأسواق الناشئة أكثر حذرا. فهي لا تهدف فقط إلى حماية الصناعات المحلية القائمة، بل وأيضا إلى جلب التصنيع الصيني الجديد إلى الداخل في ضوء سياسات الغرب الصديقة . وغالبا ما ترغب الشركات التي تغادر الصين في الاحتفاظ بسلاسل التوريد في الصين للمدخلات الرئيسية، على الأقل في الأمد القريب – كما تعلمت الهند .

كما تفضل عديد من البلدان ذات الدخل المنخفض التي تعتمد على المدخلات الوسيطة الصينية لتوسيع إنتاجها الصناعي أن تظل متكاملة في سلاسل القيمة الخاصة بها. كما أن البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط ​​معرضة أيضا للانتقام الصيني. وتتطلب هذه الأولويات مجموعات متميزة من الحوافز والحواجز التي لن تتوافق بشكل أنيق.

التعريفات الجمركية

ويخلص التقرير إلى أنه منذ العام 2018، استخدمت الولايات المتحدة التعريفات الجمركية بشكل متزايد لمحاولة تحقيق التوازن في تجارتها مع الصين، وقد نشهد في عام 2025 موجة جديدة من التعريفات الجمركية. لكن الفارق هذه المرة سيكون في أن الاقتصادات المتقدمة الأخرى ــ ومعظم بلدان مجموعة العشرين ــ تتفق على أن الاستجابة ضرورية لمشكلة فائض القدرة التصنيعية في الصين.

إجراءات حمائية

في السياق، أكد الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، الدكتور جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن جميع الدول الصناعية تحاول فرض نوع من الحمائية لحماية منتجاتها الصناعية من التغول الصيني في قطاع الصناعة.

وأرجع السبب وراء توغل الصناعات الصينية إلى رخص الأيدي العاملة المتوفرة في بكين، مشيرًا إلى أن هذا ما ينطبق أيضًا على الهند.

وذكر أن الدول الغربية عاشت تجربة تأثير المنتجات الصناعية الصينية على منتجاتها، وبشكل خاص في قطاع المنسوجات، موضحًا أن كثيراً من مصانع الأقمشة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تضررت بشكل كبير، بل الكثير منها أغلقت أبوابها.

 كما أشار إلى أن هذا ما كان واضحًا في إسبانيا على سبيل المثال، كذلك لم يتم هذا التأثير على إنتاج الأقمشة فقط بل تسلل إلى مصانع ماكينات النسيج التي تنتجها سويسرا على سبيل المثال، ما يدفع تلك الدول نحو اتخاذ بعض الإجراءات الحمائية لحماية منتجاتها.

وشدد الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، على ضرورة أن تكون الإجراءات الحمائية على قدر من التوازن والمعقولية، موضحًا أن جميع هذه الدول تتبادل مع الصين اقتصاديا؛ فحجم التبادل الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين مثلا يصل إلى أكثر من 800 مليار دولار سنويا، وهكذا تقريباً بالنسبة لأوروبا، لذا يتعين أن تكون القرارات معقولة ومتزنة ولا تلحق الضرر الكبير بحجم التبادل الاقتصادي بين تلك الأطراف.

محاربة التوسع الصيني

وبدوره، أفاد مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن الوضع الاقتصادي الحالي يشير إلى انقسام العالم إلى معسكرين، وأن العالم يتهيأ إلى إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية، بأن لا يستمر على وضعه ضمن نظام أحادي القطبية تتزعم فيه الولايات المتحدة الأميركية وحدها سيادة العالم، فإما أن يتحول إلى ثنائي القطبية أو إلى متعدد القطبية، مؤكدًا أنه في كل الأحوال ستكون الصين واحدة من أهم القوى الإقليمية التي سوف تتزعم العالم.

وقال إن الحرب الاقتصادية ضد الصين وخاصة من قبل أميركا لها جذور منذ سنوات، ووصل الأمر إلى أنه بسبب بكين غيرت واشنطن من رؤيتها الاقتصادية، فبعد أن كانت تفرض على الدول النامية ما يطلق عليه سياسة التكيف الهيكلي والتي تعني سياسة الحرية الاقتصادية وحرية الأسواق بدخول وخروج السلع دون أي حواجز، أصبحت تفرض بعض العقبات على عديد من المنتجات الصينية.

وأفاد بأن الصين تعد قوة كبيرة خاصة من الناحية الاقتصادية، حيث استطاعت أن تصل إلى وضع اقتصادي إلى حد كبير مستقر، موضحًا أن الصادرات الصينية غزت كافة دول العالم، في ظل التداعيات الاقتصادية التي فرضتها الأزمة المالية العالمية التي نتجت عن الصراع الروسي الأوكراني، والجذور التاريخية للحرب بين الصين وأميركا فيما يتعلق بتعدد مسارح الصراع، إلا أن بكين استطاعت أن تحرز أخيراً كثيرا من الأهداف لصالحها على حساب الصادرات الأميركية.

وأكد أن الولايات المتحدة والدول الكبرى لن تصمد أمام توسع الصين خصوصا فيما يتعلق بصادراتها وتطورها المُفزع بالنسبة لهم، خاصة بعد مشروع طريق الحرير الذي تتبناه الصين، وكذلك مع إقامة الصين عديد من التحالفات والعلاقات الاقتصادية مع الكثير من الدول، وأيضاً مع  الدعم الذي تقدمه لكثير من الدول وخاصة الدول الإفريقية التي أصبحت بكين الشريك الأول لها.

 وتوقع أن تستخدم أميركا ودول أوروبا كافة الوسائل المتاحة لمحاربة التوسع الصيني، على رأسها العقوبات الاقتصادية واستخدام أدوات الاقتصاد، فيما يتعلق بالضغط أو غلق الأسواق، ما يهدد المنتجات الصينية ودخولها السوق الأميركي والأوروبي.

وتابع: كل الخيارات مفتوحة في ظل حالة اللايقين التي تحكم العالم الآن، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام كافة التكهنات وصولا إلى احتمالية حدوث صراع عسكري وتحول الأمر إلى حرب عالمية ثالثة، على أن يسبق ذلك استخدام الاقتصاد كأداة للضغط سواء فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية، مع الأخذ بالاعتبار ردود الأفعال من جانب الطرف الصيني أو الدول المؤيدة والمساندة للصين أمام الطرف الآخر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version